منذ الوهلة الأولى لتوقيع المدعو «نتنياهو» على اتفاق وقف إطلاق النار وهو مضمرٌ التنصل من إتمامه في أيَّة مرحلةٍ من مراحله القادمة، كي يحافظ على ائتلافه الحكومي المتطرف من الانهيار، فهل يتمكن -بفعل تواطؤ «ترمب»- من استئناف الحرب؟ أم يجبره ضغط الداخل على إتمام كافة المراحل؟ ضغط داخلي عام نحو الإتمام باستثناء صفقة تبادل الأسرى التي تمت -في فبراير 2023- خلال هدنة استمرت مدة 7 أيام، أفرجت المقاومة خلالها عن 81 أسيرًا مدنيًّا إسرائيليًّا و23 تايلانديًّا وفلبينيٍّ واحدٍ، مقابل الإفراج عن 240 أسيرًا فلسطينيًّا، فقد تسبب «نتنياهو» بتعنته المتواصل -على مدى سنة وشهرين- بإفشال كل صفقة تبادل، مؤملًا أن تتمكن قواته أثناء المجازر التي ارتكبتها -طيلة تلك المدة- في حق الفلسطينيين من التخلص التام من كافة الأسرى الإسرائيليين الذين مثلوا نقطة ضعفه ونقطة ضعف حكومته المتطرفة، وهذا ما فطن إليه الأهالي والمتعاطفون معهم في الداخل الإسرائيلي الذين كانت أعدادهم في تزايدٍ متوالٍ، فلم يسعه أمام تضخم تلك الأعداد، بالإضافة إلى وصول حربه الوحشية الظالمة -بفضل الصمود الأسطوري للمقاومة- إلى حالة انسداد سوى الموافقة -في منتصف يناير الماضي- على اتفاق تبادل أسرى ووقف إطلاق نار شامل يتكون من 3 مراحل، بيد أنه في نهاية المرحلة الأولى التي انتهت يوم أمس الأول بدأ بالتنصل الذي يُواجه بموقف جماهير شعبه في الداخل التي تضغط باتجاه استمرار تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وتقديم ما يقتضيه تنفيذه من تنازل. سعيه للتمديد والحرب من جديد مع أنَّ اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة «حماس» الفلسطينية وبين السلطات الصهيونية الذي ضمنت الأطراف المتوسطة تنفيذه بالآليات المرسومة والمحددة مجدولٌ في مراحل زمنية عدة أنيطت بكل مرحلة من الاتفاق خطوات إجرائية لا يجوز الخلط بينها أو تأخير أو تقديم أيٍّ منها عن زمنها على الإطلاق، وقد حدد -على سبيل المثال- لكل مرحلة الإفراج عن أعداد وعيِّنات من الأسرى تختلف عن الأخرى، فإنَّ المدعو «نتنياهو» الذي يتربص بالاتفاق الدوائر يعمد -من وقتٍ إلى آخر- إلى عرقلة هذا الإجراء أو ذاك بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، حتى يوجد لنفسه من الثغرات ما يمكنه من الإخلال -بشكلٍ مستفيض- بالالتزامات المحددة بآليات التنفيذ إخلالًا يتيح له التصرف على نحوٍ يستعيد به تماسك ائتلافه الحكومي المتطرف، ويرضي به غرور جمهوره الليكودي المتعجرف، ويفضي بالاتفاق -في نهاية المطاف- إلى ما لا يُحمد عُقباه من الاختلاف، وبما يُفسح له المجال -قبل الشروع في تنفيذ المرحلة الثانية بالتحديد- لاستئناف الحرب من جديد، وذلك ما يمكن أن يستشف من سعيه -بقدرٍ كبيرٍ من التلهُّف- إلى تمديد مدة المرحلة الأولى 42 يومًا أخرى يستخرج خلالها معظم المتبقي لدى المقاومة من الأسرى، وحينئذٍ يكون قد تخلص -بشكلٍ كامل أو شبه كامل- من الضغط الشعبي الممارس عليه في الداخل، فيسارع -من فوره وبصورة غادرة- إلى استئناف ما قد سلف من مجازره. سلبية «ترمب» من استئناف الحرب بالرغم من أنَّ المهرجانات الانتخابية للرئيس «ترمب»، بالإضافة إلى دفعه عشية التنصيب باتجاه إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في «قطاع غزة» كانت تعكس رغبته الزائفة بتجفيف بؤر الحرب المشتعلة في الشرق والغرب، إلَّا أنَّ ما بدر منه -بعد أيام من سريان الاتفاق- من توعُّد «قطاع غزة» ومقاومته التي انتقدت خروقات «نتنياهو» وتعنته بالإحراق، بالإضافة إلى ما أظهره من جشع وتبييت النية للاستحواذ الشخصي على «القطاع» وتحويله -بعد إعادة إعماره- إلى منتجع قد برهن -على نحوٍ غير متوقع- على موقف «ترمب» السلبي والمتواطئ مع استئناف الحرب، وذلك ما يمكن أن يفهم من انطواء السياق التحليلي المعنون [هآرتس: نتنياهو يواجه صعوبة في استئناف الحرب على غزة] الذي نشره «الجزيرة نت» في ال27 من فبراير على ما يلي: (وناقش المحلل العسكري «عاموس هرئيل» الدور الذي تضطلع به الولاياتالمتحدة في ضبط مسار الاتفاق، مشيرًا إلى أنَّ «ترمب» منح «نتنياهو» حرية الاختيار بين الاستمرار في المفاوضات أو استئناف الحرب). تمسك «حماس» باتفاق دون انتقاص منذ تقدم الوسطاء بمقترح اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين سلطات الكيان الصهيوني و«حركة حماس»، لم تتزحزح الحركة الفلسطينية قيد أنملة عن مواقفها المبدئية الثابتة التي تضع في صدارة اهتماماتها المصالح الوطنية، ولعل ثباتها على المبدأ لأكثر من عام وراء إرغام سلطات «الكيان» على النزول عند شروطها على سبيل الانهزام، وها هي اليوم تواجه خروقات تلك السلطات المستندة إلى دعم «ترمب» الذي يمنحها ضوءًا أخضر لاستئناف الحرب بما عُهد عنها من ثبات، ففي مقابل مطالبة «نتنياهو» بتمديد المرحلة الأولى، تتمسك الحركة الفلسطينية -بحسب ما اختتمت جريدة «القدس العربي» تقريرها الإخباري المعنون [عشية رمضان.. إسرائيل تتمسك بانتهاك اتفاق غزة وتلوح باستئناف الإبادة] المنشور في ال28 من فبراير- (بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، واستكمال الاتفاق بمراحله الثلاث، مطالبةً المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الصهيوني للالتزام ببنود الاتفاق بشكل كامل، والدخول الفوري في المرحلة الثانية منه دون أيِّ تلكؤ أو مراوغة).