لعل توعد الرئيس الأمريكي «ترمب» -عشية عودته إلى البيت الأبيص- «قطاع غزة» بالجحيم وما تلا ذلك من تهديده بتهجير سكان «القطاع» والاستيلاء عليه للاستثمار الشخصي كان مجرد اختبار لثبات المقاومة على مبادئها الدائمة، وحال ما تأكد له عدم تزحزحها عن مواقفها قيد أنملة، رأى أنَّ الحوار أفضل خيار. على غير المتوقع فاجأ «ترامب» الجميع -بعد تهديدٍ مريع- بفتح خط تفاوض مباشر مع حركة «حماس» الفلسطينية، بكل من يعنيه ذلك من تراجع خطاب وصمها بالإرهاب، وذلك ما يفهم من احتواء الخبر التفصيلي المعنون [البيت الأبيض: الولاياتالمتحدة تجري مفاوضات مباشرة مع حماس] الذي نشره موقع «روسيا اليوم» في ال5 من مارس الجاري على ما يلي: (كشفت وكالة "أكسيوس" -نقلًا عن مصادر مطلعة- أنَّ إدارة الرئيس «ترامب» تجري مفاوضات غير علنية مع حركة حماس حول إطلاق سراح الأسرى وإمكانية التوصل إلى اتفاق أوسع لوقف إطلاق النار في غزة. وأضافت المصادر أنَّ «آدم بولر» المبعوث الخاص لشؤون الأسرى في إدارة ترامب عقد اجتماعات مع ممثلي حركة حماس في الدوحة، وهي خطوة غير مسبوقة نظرًا لتصنيف واشنطن الحركة "منظمة إرهابية" منذ عام 1997). أهم مطالب «ترمب» من الحوار الصعب بالرغم من مجاهرة «ترمب» بالتصهيُن، فإنَّ مصالحه ومصالح بلاده مقدمة على أيِّ هدفٍ معلن، فقد تصدر أهداف ترمب من هذا الحوار الذي قد يفضي إلى إيقاف الحرب انتزاع ما تبقى من الأسرى «الأمريكيين» ولو كانوا مجرد جثامين، وذلك ما ألمح إليه في سياق التقرير التحليلي المعنون [أميركا تجري محادثات مباشرة مع حماس بالدوحة وإسرائيل قلقة] الذي نشر في «الجزيرة نت» في ال5 من مارس بما يلي: (نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصدر سياسي أنَّ الإدارة الأميركية مهتمة بالإفراج عن أسير حي هو «عيدان ألكسندر» وجثامين 4 يحملون جميعهم الجنسية الأميركية). أما أهم أهداف «ترمب» الشخصية فيتمحور في محاولته الخروج بأمريكا بماء الوجه بعد توريطها من قبل «بايدن» -بصورةٍ شبه مباشرة- بحربٍ وحشيةٍ على «قطاع غزة» المحاصر خرج منها «نتنياهو» منهزمًا بعد سنةٍ وثلاثة أشهر من ارتكاب أبشع المجازر، وفي السعي إلى تحقيق مجدٍ شخصيٍّ بالحصول على «جائزة نوبل» نظير نجاحه في إيقاف الحربٍ وعدم نشوبها في المستقبل، وذلك ما قد يفهم من انطواء التقرير التحليلي المعنون [الدلالات والدوافع وراء اللقاءات المباشرة بين الإدارة الأمريكية وحماس] الذي نشره «المركز الفلسطيني للإعلام» في ال7 من مارس الجاري على ما يلي: (قالت الكاتبة والباحثة في الشؤون الدولية «هيلينا كوبان» إنَّ الدافع وراء المباحثات التي جرت بين الإدارة الأمريكية وحماس هو أنَّ أمريكا أدركت من خلال الواقع الميداني على الأرض أنه لا يمكن الاستمرار في محاولة القضاء على الحركة ومناصريها والذي يتطلب الاستمرار أيضًا في الإبادة الجماعية في غزة، خاصة مع وضوح مستوى الدعم الذي تحظى به حماس والمقاومة من قبل الفلسطينيين في القطاع، ومن بين أسباب المحادثات -أيضًا- رغبة الرئيس الأمريكي بالفوز بجائزة نوبل للسلام). عوائد الحوار الحساس على «حماس» خلافًا لآراء الأعداء الألدَّاء، لم يذهب صمود حركة «حماس» وتضحياتها سدى، بل لقد ترتب على ذلك الصمود الجبار -بالإضافة إلى انتزاع حرية مئات المعتقلين الفلسطينيين- اقتناع الإدارة الأمريكية بالدخول مع الحركة بحوار مباشر، وبصرف النظر عن نتائج ذلك التحاور فستكتسب -بمجرد ما حظيت به لدى أمريكا من مقبولية- شرعيةً دوليةً تجعلها أهلًا للمسؤولية، وذلك ما يمكن أن يستشف من قول الكاتب «سعيد زياد» -بحسب ما ورد في تقرير «المركز الفلسطيني للإعلام»-: (أيًّا كان محتوى المباحثات بين «بولر» وحركة «حماس»، فإنَّ مجرد اللقاء المباشر -الذي يجري لأول مرة بين الإدارة الأمريكية وقيادة الحركة- هو اعتراف بشرعيتها واعتراف بقوتها، وتسليمٌ بأنها الأقدر على إنقاذ هذا الاتفاق). ومن دون شك سيسفر التحاور عن ترسيخ وجود «حماس» في إدارة «قطاع غزة» وفي رسم مستقبل القضية الفلسطينية في مقابل تراجع التنمر الليكودي والعنجهية الصهيونية، وهذا ما يمكن أن يفهم من ذهاب الكاتبة الصحفية «عبير الموسى» -في سياق مقالها التساؤلي المعنون [ما دلالات المفاوضات المباشرة بين أميركا وحماس؟] الذي نشرته في «الجزيرة نت» في ال6 من مارس- إلى ما يلي: (إنَّ الاتصالات واللقاءات بين «آدم بولر» مبعوث الرئيس «ترامب» لشؤون الأسرى و«حركة حماس» في «الدوحة» بالتوازي مع مفاوضات وقف إطلاق النار تعني اعتراف واشنطن واقعيًّا بالحركة كجزء مهم من المشهد الفلسطيني ولا يمكن تجاوزها بعد فشل القضاء عليها، وتراجع ثقة ترامب بنتنياهو الذي يقدم حساباته الشخصية على حساب مصالح الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيل). قلق صهيوني وغضب من خطوة ترمب الأمر المؤكد إلى أبعد حدّ أنَّ يأس «ترمب» من تحقق أية انتصارات صهيونية قد حمله على التحاور مع الحركة الفلسطينية، فتلقفت قيادة الكيان هذه الخطوة بقلقٍ محموم وغضبٌ مكتوم، وحول هذا المعنى نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن مصدر مطلع قوله: (إنَّ إسرائيل قلقة للغاية من المحادثات المباشرة لإدارة ترامب مع حماس)، وكشفت مصادر صهيونية -بحسب «عبير الموسى»- (عن غضب نتنياهو من هذه المحادثات ومحاولاته المتكررة لإيقافها، لكنه لم ينجح).