لأول مرة .. بتكوين يقفز ويتجاوز 100 ألف دولار.    توافد جماهيري كبير إلى ميدان السبعين بصنعاء وساحات المحافظات    بمشاركة زعماء العالم .. عرض عسكري مهيب بمناسبة الذكرى ال80 للنصر على النازية    تصل إلى 100 دولار .. لجنة حكومية تفرض رسوم امتحانات على طلاب الثانوية اليمنيين في مصر    في شوارع الحزن… بين أنين الباعة وصمت الجياع    توقعات بهطول أمطار وموجة غبار    حتى أنت يا بروتوس..!!    الشلهوب يقود الهلال إلى الفوز من المباراة الأولى    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الجوع في غزة بشكل متسارع    ارتفاع أسعار الذهب قبيل محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين    تشيلسي إلى نهائى دورى المؤتمر الأوروبي    الأهلي يفوز على المصري برباعية    ناطق الحكومة يوضح جانبا من إنجازات وجهود الحكومة في التصدي للعدوان الأمريكي    مانشستر يونايتد يضرب موعداً مع توتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    واقعة خطيرة.. هجوم مسلح على لاعبي فلامنغو    ليفربول يقدم عرض للتعاقد مع نجم مانشستر سيتي بروين    "تل المخروط".. "هرم" غامض في غابات الأمازون يحير العلماء!    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    العليمي اشترى القائم بأعمال الشركة اليمنية للإستثمار (وثائق)    الغيثي: أميركا غير مقتنعة بأن حكومة الشرعية في عدن بديل للحوثيين    الجولاني يعرض النفط والتواصل مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات    باشراحيل: على مواطني عدن والمحافظات الخروج للشوارع وإسماع صوتهم للعالم    وطن في صلعة    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    الطائرات اليمنية التي دمرتها إسرائيل بمطار صنعاء لم يكن مؤمنا عليها    تحديد موعد أولى جلسات محاكمة الصحفي محمد المياحي    تغاريد حرة .. صرنا غنيمة حرب    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    دبلوماسي امريكي: لن ننتظر إذن تل أبيب لمنع اطلاق النار على سفننا    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    البرلماني بشر: اتفاق مسقط لم ينتصر لغزة ولم يجنب اليمن الدمار    تعيين نواب لخمسة وزراء في حكومة ابن بريك    وسط فوضى أمنية.. مقتل وإصابة 140 شخصا في إب خلال 4 أشهر    السامعي يتفقد اعمال إعادة تأهيل مطار صنعاء الدولي    صنعاء.. عيون انطفأت بعد طول الانتظار وقلوب انكسرت خلف القضبان    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    القضاء ينتصر للأكاديمي الكاف ضد قمع وفساد جامعة عدن    *- شبوة برس – متابعات خاصة    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنابل الخمس التي يستخدمها الكيان في إبادة غزة
نشر في 26 سبتمبر يوم 29 - 03 - 2025

مع نهاية شهر يناير 2025، أفصح موقع "أكسيوس" الأميركي، نقلا عن ثلاثة من كبار المسؤولين الصهاينة عن قرار اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقضي برفع الحظر الذي كانت قد فرضته إدارة سلفه جو بايدن على إمدادات القنابل الثقيلة التي تزن ألفَيْ رطل المخصصة لإسرائيل.
ووفق ما نُقل، فإن ما يقارب 1800 قنبلة من طراز "مارك 84′′، كانت ترقد في مستودعات عسكرية أميركية، قد تقرّر تحميلها على متن سفينة نقل عسكرية، في رحلة موجَّهة إلى السواحل الصهيونية.
وبحلول منتصف فبراير الماضي، لم يبقَ الأمر سريا، إذ أعلنت وزارة الأمن الصهيونية استلام الشحنة بالفعل، في وقت خرج فيه وزير دفاع الكيان يسرائيل كاتس ليُعلن أن هذه القنابل تُمثِّل "إضافة إستراتيجية مهمة".
تنتج قنبلة "مارك 84" التي تُصنّعها أميركا انفجارا هائلا يمكنه تدمير الهياكل الكبيرة وإحداث فجوات كبيرة في الأرض (أسوشيتد برس)
"مارك 84"
ليست هذه الواقعة إلا حلقة من سلسلة طويلة تتكرر، فبين عامي 2023 و2025، وفي ظل الهجمات الجوية الصهيونية المكثفة على قطاع غزة، كان السلاح الأميركي حاضرا بوضوح في خلفية المشهد، وكانت قنابل "مارك 84" تتصدر هذا المشهد، حتى غدت الأكثر استخداما.
لقد بلغ اتساع نطاق استخدامها حدًّا لم يعد يمكن تجاهله، وأضحى شاهدا دامغا على خروقات الكيان المتكررة للقانون الإنساني الدولي عبر استهداف المدنيين والبنية التحتية.
وفي أكتوب 2024، أُعلنت نتائج دراسة دقيقة غاصت في تفاصيل تلك الهجمات، لتكشف أنه ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أسقط طيران جيش الاحتلال ما لا يقل عن600 قنبلة من طراز "مارك 84′′، كلٌّ منها تزن 2000 رطل (الرِّطْل يساوي 0.453 كيلوغرام)، على مناطق مأهولة وشديدة الحساسية، بما في ذلك المستشفيات. ليست هذه مجرد أرقام، بل هي مشاهد متكررة لأبنية منهارة، وأرواح أُزهقت تحت الركام.
وقد خلص الباحثون إلى أن إسرائيل تبنَّت نمطا ممنهجا في إسقاط هذه القنابل العملاقة قرب المستشفيات، في مسافات مدروسة تكفي لإلحاق أضرار جسيمة ووفيات مقصودة، وأوضحوا أن هذا النوع من التدمير لا يُخلِّف فقط آثارا فورية على النظام الصحي، بل يمتد أثره طويلا على كل مفصل من مفاصل الحياة في غزة.
قنبلة "مارك 84" هي أحد أبناء سلسلة "مارك 80" الأميركية، تلك العائلة من القنابل العامة التي تتفاوت أوزانها بين 250 و2000 رطل. لكنها، دون مبالغة، تُمثِّل الشقيق الأكبر والأشد تدميرا في هذه السلسلة. صُمِّمت لتكون متعددة المهام، قادرة على الانطلاق من طائرات عسكرية مختلفة، واستهداف بنى تحتية، وهياكل أرضية ضخمة.
لكن وجهها الأكثر رعبا يظهر في لحظة انفجارها؛ فهي تُحدث انفجارا هائلا قادرا على تسوية أبنية بالأرض، وإحداث فجوات ضخمة في عمق الأرض يصل حتى 11 مترا، وبعرض يصل إلى 20 مترا، بينما تمتد موجات الضغط التي تولِّدها إلى محيط كبير، مهددةً كل ما يقع في نطاقها بالتحطم.
ومع كل هذه القدرات التدميرية، تبقى "مارك 84" قنبلة "غبية"، أي إنها لا تحتوي على أنظمة توجيه ذكية، بل تعتمد على السقوط الحر، فبمجرد أن تُلقى من الطائرة، تتبع مسارا قوسيا بفعل الجاذبية، مما يجعلها أقل دقة، خاصة عندما تُلقى من ارتفاعات شاهقة.
من مفارقات هذه القنبلة أيضا أن بساطة تصميمها وقلة تكلفتها مقارنة بالذخائر الذكية الموجهة تجعلها خيارا مفضلا للدول التي تسعى لتقليل نفقات الحرب، حتى لو كان الثمن حياة المدنيين.
والواقع أن أحد التقارير الاستخباراتية الأميركية كشف أن نصف القنابل التي أسقطتها إسرائيل فوق غزة كانت من هذا النوع غير الموجَّه، رغم الكثافة السكانية الهائلة في القطاع، في مؤشر على نية متعمَّدة للإضرار بالمدنيين.
تتكون "مارك 84" من هيكل فولاذي انسيابي، يخبئ في داخله نحو 429 كيلوغراما من مادة "تريتونال" الشديدة الانفجار، وهي مزيج من ثلاثي نترو التولوين "تي إن تي" (TNT) ومسحوق الألمنيوم، يضاعف قدرة القنبلة على توليد الحرارة والانفجار. تتفجر هذه القنبلة عند ارتطامها بالهدف، أو بعده بلحظات، لتخترق الخرسانة أو طبقات الأرض، قبل أن تُطلق جحيمها.
لكن استخدامها في غزة، وهي منطقة مكتظة بالبشر، لا يتماشى مع ما صُنعت له، إذ صُمِّمت هذه القنابل بالأساس لتُستخدم في ساحات قتال مفتوحة، ضد أهداف عسكرية كبيرة، وليس فوق أحياء سكنية أو بالقرب من المستشفيات.
ولمزيد من فهم الآثار التدميرية لهذا النمط من استخدام القنابل، دعنا نقارن بين احتمالات سقوط قنبلة غير موجَّهة على منطقة ما، وأخرى موجَّهة. في الحالة الأولى يمكن أن تدمر القنبلة أي مكان تقع عليه ضمن منطقة مساحتها تصل إلى 125 ألف متر مربع، بما يساوي مساحة نحو 18 ملعب كرة قدم، بينما تنخفض تلك المساحة مع القنابل الذكية لتصل إلى 314 مترا مربعا.
"ذخيرة الهجوم المباشر المشترك" هي من إنتاج أميركي، لكنّها ليست قنبلة بحد ذاتها، بل عقل إلكتروني يُضاف إلى جسد قنبلة تقليدية ليحوِّلها إلى أداة قتل ذكية ومدمرة (شترستوك)
ذخيرة الهجوم المباشر
وإلى جانب القنابل "الغبية" التي ترميها المقاتلات الإسرائيلية على قطاع غزة، هناك نوع آخر لا يقل خطرا، بل يتفوق عليها دقة وفعالية، يُعرف باسم "ذخيرة الهجوم المباشر المشترك" [جي دي إيه إم] (JDAM)، وهي من إنتاج أميركي، لكنّها ليست قنبلة بحد ذاتها، بل هي عقل إلكتروني يُضاف إلى جسد قنبلة تقليدية ليحوِّلها إلى أداة قتل ذكية ومدمرة.
هذه المنظومة التقنية لا تُميّز بين قنبلة صغيرة تزن 250 رطلا، أو أخرى ثقيلة مثل "مارك 84" بوزن ألفَيْ رطل، فبمجرد أن تُزوَّد القنبلة بجهاز التوجيه هذا تتحول إلى قنبلة ذكية، فمثلا إن وضعت تلك الأجهزة على "مارك 84" تتحول إلى قنبلة سُميت "بي إل يو 109" (BLU-109/MK 84K) قادرة على إصابة أهدافها بدقة عالية، حتى في الظلام أو في الطقس العاصف.
تقوم الفكرة على تزويد القنبلة بجهاز ملاحة متطور يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" (GPS) وملاحة بالقصور الذاتي "آي إن إس" (INS)، وتُضاف زعانف توجيهية في الذيل لتُصحح مسار القنبلة أثناء سقوطها.
قبل أن تُقلع الطائرة الحربية، تقوم بتحميل إحداثيات الهدف في نظامها الإلكتروني. وفي أثناء الطيران، يمكن للطاقم تعديل هذه الإحداثيات يدويا، أو عبر أجهزة الاستشعار المتطورة على متن الطائرة، ما يمنحها قدرة على التعامل مع الأهداف المتغيرة أو المفاجئة. وبمجرد إطلاق القنبلة، تُصبح كالسهْم الهادف، تتّبع المسار المُحدد بدقة، حتى تهبط في قلب الهدف المقصود، بهامش خطأ لا يتجاوز في أفضل حالاته 5 إلى 10 أمتار فقط.
بدأ التفكير الجاد في هذا النوع من الذخائر بعد دروس من حرب الخليج الثانية، فقد كشفت سُحب الدخان والعواصف الرملية عن عجز خطير في قدرة القنابل التقليدية على إصابة أهدافها بدقة، خاصة حين تُطلَق من ارتفاعات عالية.
وفي عام 1992، بدأت الأبحاث، لتُتوَّج في أواخر التسعينيات باختبارات ناجحة حققت معدل دقة بلغ 9.6 أمتار، ومعدل موثوقية وصل إلى 95%، وهو رقم هائل في معايير سلاح الجو.
لكن كما هو حال كل ما يُصنَّع بدقة، يأتي هذا السلاح الذكي بتكلفة مرتفعة، إذ يبلغ سعر الواحدة منها قرابة 40 ألف دولار، مقابل تكلفة تتراوح بين 3 و16 ألف دولار لقنبلة "مارك 84" التقليدية، التي تُترك لمصيرها مع الجاذبية، متأرجحة في الهواء دون توجيه.
وتلك الفجوة في السعر تُقابلها فجوة مماثلة في الدقة، فبينما تهبط "جي دي إيه إم" (JDAM) في نطاق 5-10 أمتار من الهدف، قد تُخطئ "مارك 84" الهدف بمئات الأمتار، وهو ما يُترجَم في ميادين القتال إلى مزيد من الضحايا المدنيين، ومبانٍ تُدمَّر دون تمييز.
ورغم ما تحمله هذه الذخائر من "سمعة نظيفة" بوصفها قنبلة ذكية، فإن استخدامها في أماكن مأهولة يحولها إلى أداة قتل لا تقل فتكا عن القنابل العمياء. وفي غزة، حيث لا حدود تفصل بين المسكن والمستشفى وساحة المعركة، يبقى الفرق بين قنبلة "غبية" و"ذكية" مجرد وهم.
سبايس
وتستخدم إسرائيل مجموعة أخرى من أطقم القنابل الدقيقة التوجيه التي طورتها شركة "رافائيل" لأنظمة الدفاع المتقدمة، تسمى "سبايس"، ومثل ذخيرة الهجوم المباشر المشترك، فهي طقم توجيه إضافي يمكن ربطه بالقنابل "البسيطة" العادية مثل فئة "مارك" (84 و83 و82)، مما يحولها إلى قنابل ذكية عالية الدقة، تبدأ أسعارها من 50 إلى 150 ألف دولار.
في مقدمة القنبلة، تُثبَّت كاميرا كهروضوئية تُغذَّى سلفا بصور مفصلة للهدف، أشبه ما تكون بذاكرة قاتلة. وبفضل دمجها بين نظام تحديد الموقع العالمي "جي بي إس" ونظام الملاحة بالقصور الذاتي "آي إن إس"، تستطيع هذه القنابل أن تُصيب أهدافها حتى في غياب إشارات الأقمار الصناعية، أو في أجواء مشوشة.
ويُقاس نجاح القنابل الموجَّهة بما يُعرف ب"احتمال الخطأ الدائري"، أي المسافة بين النقطة المقصودة ونقطة السقوط، وهنا، تتفاخر "سبايس" بدقة تُقاس بأقل من 3 أمتار.
في صباح الثالث عشر من يوليو/تموز 2024، في منطقة مواصي خان يونس، حيث خُيّل للنازحين أنها "منطقة آمنة"، انقضّ صاروخ من طراز "سبايس 2000′′، يزن طنين من الحُمم، على خيام المدنيين.
فبحسب شهادات ثلاثة خبراء تحدثوا إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، واستنادا إلى نمط الشظايا وعمق الحفر، تأكد أن القنبلة التي استُخدمت في تلك المجزرة كانت من هذا الطراز، وبلغ عدد الشهداء ما لا يقل عن 90 فلسطينيا، بينما امتلأت المستشفيات بمئات المصابين، حسب وزارة الصحة في غزة.
ورغم أن القنبلة مُصمَّمة لتكون دقيقة، فإن استخدامها في مناطق مكتظة بالسكان يفقدها أي قيمة أخلاقية أو قانونية، فحتى لو أصابت هدفها المحدد، فإن محيطها يمتلئ بالبشر الآمنين، ولم يتردد جيش الاحتلال في استخدامها بكثافة، حتى في المناطق التي طلبت من سكانها مسبقا النزوح إليها بحجة أنها "مناطق إنسانية".
سبايس-2000
القنبلة نفسها "سبايس 2000" شُوهدت مجددا في سماء بيروت في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أُبلغ عن غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في حي الطيونة، أسفرت عن تسوية مبنى مكوّن من عشرة طوابق بالأرض.
ورغم أن شركة "رافائيل" هي الجهة المنتجة ل"سبايس"، فإن الحرب تتطلب نهما لا تُشبعه المخازن المحلية. لذلك، في وقت مبكر من العدوان على غزة، وتحديدا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أرسلت الولايات المتحدة إلى إسرائيل شحنات ضخمة من هذه القنابل، عُرفت ب"مجموعات قنابل طائرة شراعية من طراز سبايس فاميلي"، بقيمة 320 مليون دولار، بحسب ما أفادت "نيويورك تايمز".
تبدأ تكلفة القنبلة الواحدة من 50 ألف دولار، وقد تصل إلى 150 ألفا، حسب نوع الهدف والمهمة، لكنها تظل، في رأي البعض، أرخص من إطالة أمد الحرب أو فشل المهمة العسكرية.
كل ما سبق (وما يلي) من قنابل، تنطلق غالبا من نوعين أساسيين من الطائرات أميركية الصنع التي تستخدمها إسرائيل بكثافة في الحرب الحالية على غزة، وهما "إف-15" و"إف-16′′، تتميز الأولى بقدرتها على السيطرة على الأجواء بفضل محركاتها القوية وسرعتها التي تتجاوز ضِعْف سرعة الصوت، كما أنها تتمكن من تحمُّل كمية ضخمة من الأسلحة والتحليق لمسافات بعيدة، وتتميز الثانية برشاقتها وقدرتها العالية على المناورة، وتصميمها الذي يسمح بتنفيذ ضربات دقيقة بتكلفة تشغيل منخفضة نسبيا مقارنة بالطائرات الأثقل.
خارقات الحصون
خلال عملياتها في غزة، استخدم جيش الاحتلال قنابل خارقة للتحصينات (bunker-buster) بهدف تدمير الأنفاق التي ظلَّت عصية على الاختراق، هذه القنابل تطلق غاز أول أكسيد الكربون القاتل عند الانفجار، وهو غاز عديم اللون والرائحة، يسبب الاختناق داخل الأنفاق.
ولم تكن هذه الإستراتيجية وليدة اللحظة، بل بدأت بوادرها عام 2017، حين اكتشف جيش الاحتلال أن بعض قنابله تطلق غازات فتاكة عند الانفجار في الأماكن المغلقة، لتُجرَّب لأول مرة على أرض غزة عام 2021.
ولأن الأنفاق شبكة خفية صعبة الكشف، لا تُرى ولا تُرسم على الخرائط، ابتكر الإسرائيليون سياسة "التبليط" (Tiling)، التي تقوم على إسقاط سيلٍ من القنابل الخارقة للتحصينات زنة 2000 رطل على منطقة واسعة يُعتقد أنها تحتوي على شبكة أنفاق، حتى لو لم تكن هناك إحداثيات دقيقة.
القصف إذن لا يُوجَّه إلى نقطة، بل إلى محيط كامل، يصل مداه إلى مئات الأمتار. يُغطى الحيّ كما يُفرش البلاط، قنبلة تلو الأخرى، وكانت هذه العمليات تُنفَّذ بموافقة إسرائيلية وتنسيق أميركي مباشر، رغم إدراك الجميع الكامل والواضح أن القنابل لن تميّز بين مقاتل ومدني، وأن مئات الفلسطينيين قد يكونون "أضرارا جانبية" لهذا الجنون الهندسي.
بين عامي 2023 و2025، وخلال الصراع في غزة، استخدم الاحتلال عدة أنواع من القنابل الخارقة للتحصينات لاستهداف المنشآت المحصنة تحت الأرض، مثل قنابل "بلو-109 ب"، بوزن 2000 رطل، وقنابل "جي بي يو 28" (GBU-28)، الموجَّهة بالليزر، مع وزن 5000 رطل.
عادة ما تُعرف القنابل الخارقة للتحصينات بأنها تلك القنابل المُصمَّمة لاختراق الهياكل المحصنة والمخابئ تحت الأرض، مثل قنبلة "جي بي يو 28" التي يمكنها اختراق ما يصل إلى أكثر قليلا من 30 مترا من الأرض أو 6 أمتار من الخرسانة.
صُمِّمت هذه القنابل لتكون ثقيلة نسبيا وتتحرك بسرعات عالية، ولذلك فإن أوزان بعض الأنواع من هذه القنابل تتخطى الطن للقنبلة الواحدة، وتؤدي الكتلة والسرعة العاليتان إلى كمية هائلة من الطاقة الحركية، مما يساعد القنبلة على اختراق الأرض أو الهياكل الخرسانية بعمق قبل أن تنفجر.
وتستخدم بعض القنابل الخارقة للتحصينات، خاصة تلك المُصمَّمة للاختراق العميق، معززات صاروخية تُنشَّط أثناء مرحلة الهبوط النهائية إلى الهدف، لزيادة سرعتها إلى أقصى حد.
إلى جانب ذلك، تُصمَّم القنابل بغلاف خارجي طويل نسبيا ونحيف ومقوَّى، وغالبا ما يكون مصنوعا من مواد مثل الفولاذ عالي القوة أو التنغستن أو في بعض الحالات يورانيوم منضب (وهو ناتج ثانوي لتخصب اليورانيوم)، تمتلك هذه المواد من الكثافة والشدة ما يركز الطاقة الحركية في مساحة سطح صغيرة، وهو ما يرفع قدرتها على اختراق الخرسانة والأرض.
وتتمثل إحدى السمات الرئيسية لقنابل اختراق التحصينات في الفتيل الذي يعمل متأخرا، فبدلا من الانفجار عند التلامس مثل القنابل التقليدية، تُبرمَج القنبلة للانفجار فقط بعد أن تخترق القنبلة الهدف بعمق، وهذا يضمن إطلاق الطاقة المتفجرة داخل الهيكل، مما يزيد من الضرر.
يمنع التفجير المتأخر القنبلة من الانفجار قبل الأوان على السطح، مما قد يؤدي إلى تبديد الطاقة إلى الخارج بدلا من تركيزها على الجزء الداخلي من المخبأ. وبمجرد اختراق القنبلة الهدف، فإنها تستخدم رأسا حربيا شديد الانفجار، مصنوعا عادة من مركبات قوية مثل "إتش إم إكس" أو "آر دي إكس"، بحيث يولد الانفجار موجة صدمة شديدة، مما يخلق ضغطا زائدا قويا وحرارة داخل المساحة الضيقة المستهدفة.
هيلفاير
في ربيع عام 2024، سجّل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مشهدا يفوق الوصف في قطاع غزة، إذ رُصدت أجسادٌ لم تُقتل فحسب، بل بدت وكأنها تبخّرت أو ذابت في مكانها، عقب قصف إسرائيلي استهدف منازل سكنية. هذه الملاحظات دفعت المرصد للإشارة إلى أنه "يجب إطلاق تحقيق دولي في استخدام إسرائيل المحتمل للأسلحة المحظورة دوليا، بما فيها القنابل الفراغية".
فما القنبلة الفراغية؟ إنها ليست مجرد قنبلة، بل جحيم تقني. هي سلاح لا يكتفي بانفجار واحد، بل يصنع عاصفة نارية تبدأ بسحابة من وقود معلق في الهواء، ثم يشعلها ليُولِّد انفجارا يفوق المتفجرات التقليدية بمراحل، ضغطا وحرارة ودمارا.
تُعرف القنابل الفراغية أيضا باسم الأسلحة الحرارية الباريّة، وتعمل على مرحلتين: تفجير أولي يُطلِق سحابة دقيقة من الوقود، على شكل قطرات أو مسحوق، تنتشر في الهواء، ثم تفجير ثانوي يُشعل هذه السحابة بعد أن تختلط بالأكسجين، فتتحول إلى كرة لهب حرارتها قد تتجاوز 3000 درجة مئوية، تُطلِق موجة ضغط هائلة تلتهم كل ما في نطاقها، خصوصا في الأماكن المغلقة مثل الأنفاق والملاجئ.
منصات التواصل الاجتماعي لم تكن بعيدة عن ساحة الحرب، فقد التُقطت صورة لطائرة أباتشي إسرائيلية مُحمَّلة بذخيرة تتدلّى منها شرائط حمراء، وهي إشارة معتمدة في نظام الشفرة الأميركي للدلالة على نسخة حرارية أو فراغية من صواريخ "هيلفاير".
يحتوي صاروخ "هيلفاير" من نوع "آي جي إم-114 إن" على رأس حربي حراري، مُصمَّم خصوصا لزيادة القوة القاتلة في الأماكن الضيقة، مثل المخابئ والكهوف والبيئات الحضرية.
وعلى عكس الرؤوس الحربية التقليدية التي تعتمد فقط على الانفجار والتفتت، فإن صاروخ "هيلفاير" الحراري يخلق موجة ضغط شديدة ودرجات حرارة عالية لزيادة الضرر إلى أقصى حدٍّ داخل منطقة مغلقة. ويَستخدم هذا الصاروخ شحنة معدنية متفجرة معززة، تُشتِّت مزيج الوقود والهواء ثم تُشعله، وينتج عن هذا انفجار ثانوي أكبر يعزز بشكل كبير من الضغط والتأثيرات الحرارية.
ما جرى في غزة لم يكن الحادثة الأولى، بل حلقة جديدة في سلسلة من الاستخدامات المثيرة للريبة. ففي حرب عام 2006 ضد حزب الله في لبنان، اتُّهِمت إسرائيل باستخدام هذه القنابل، وهو ما أثار انتقاد منظمة العفو الدولية، التي أعلنت أن "القدرات التدميرية الكبيرة لهذه الأسلحة تثير مخاوف من أنها تؤدي غالبا إلى القتل العشوائي".
ولا يُنسى مشهد من عام 1982، أثناء حصار بيروت، إذ أسقطت طائرات إسرائيلية قنبلة فراغية على مبنى سكني اعتقدوا أن ياسر عرفات يختبئ داخله. لم يكن عرفات هناك، بل 200 إنسان قُتلوا في لحظة واحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.