كان الاستقلال الذاتي هو الغاية الأساسية للقبيلة وهو ما وفّر لها نوعًا من الحصانة ضد محاولات الهيمنة أو الاستيعاب سواءً من الخارج أو من الداخل لكن هذا الاستقلال لم يكن ممكنًا إلا من خلال إقصاء الآخر غير القبلي الذي يُحدد أساسًا بالولادة لا بالاختيار وهذا المفهوم يتعارض جوهريًا مع لغة السياسة الحديثة التي تُعلي من قيمة الفرد كمواطن بصرف النظر عن أصله الاجتماعي أو الجغرافي أو العرقي هذا الفرد الذي يُحتفى بحقوقه في الوثائق الدستورية مثل الميثاق الوطني يُجرد في الممارسة الواقعية من خصوصيته القبلية ومن فقره ومن سياقه العنيف أو الهش إذ تُبنى هذه الوثائق على افتراض أن كل المواطنين متساوون وكلهم يتشاركون في مسار واحد نحو التقدم والتنمية ضمن هوية وطنية شاملة تُفترض مسبقًا ولا تُناقَش غير أن هذا التوحيد القسري للهوية لا يُلغي واقع التعدد والتفاوت بل يُعيد إنتاجه بأشكال مستترة ففكرة الخصوصية القبلية التي كانت يومًا ما جزءًا طبيعيًا من النسيج الاجتماعي أصبحت الآن محل جدل وشك بل موضوعًا للنقد الأكاديمي والتحليل الاجتماعي لاسيما في الوقت الذي يُعاد فيه تشكيل مفهوم الأمة لا بوصفها كيانًا عضويًا متماسكًا بل كمشروع سياسي متفاوض عليه بين مكونات متعددة . لم تعد القبيلة محصنة ضد الأسئلة الحديثة بل أصبحت جزءاً من إشكالية الهوية المعاصرة وأصبح رجال القبائل أنفسهم يتساءلون عمّا يعنيه أن يكونوا قبليين وعن علاقة هذا الانتماء بالوطن والدولة والتاريخ ويُعاد النظر في الماضي المشترك الذي لطالما شكّل مرجعية للهوية الوطنية في محاولة لاكتشاف ما يمكن أن تكون عليه الأمة لا ما كانت عليه فحسب ومع ذلك تبقى القبيلة رغم التحولات واحدة من أقدم المؤسسات الاجتماعية التي حافظت على وجودها لأكثر من عشرة قرون لكن هذا الوجود أصبح مهددًا لا فقط بالزوال من الواقع بل من التاريخ ذاته إذ أن إدماج القبيلة في السردية الوطنية يتطلب إعادة تعريفها لا مجرد استيعابها وهو ما لم تُنجزه الدولة الحديثة بعد فالقبائل التي ساهمت في تشكيل المجتمع تُركت لتتآكل على هامش خطاب لا يعترف إلا بالمواطن الفرد لا بالجماعة المتجذرة . وهكذا تقف القبيلة اليوم على عتبة مفصلية: بين البقاء كتراث اجتماعي حيّ يُعاد تشكيله أو الانحلال في مسارات تنموية لا تُراعي خصوصياته وبين أن تكون جزءًا من مشروع الأمة أو أن تُنحّى عنها باعتبارها بقايا ماضٍ يُراد نسيانه، عند أداء القسم في المحاكم أو النزاعات القبلية كنا نجد تعبيرات قوية تنطوي على استعارات رمزية مثل بالله العظيم قاضي السيب والنسيب والذرية أنا آخر من حوّلني الله إلى حول الشيطان والله على ما أقول شهيد وهناك صيغة أخرى: والله العظيم الذي يقطع المنافع والنسل والذرية إني أترك سلطان الله لسلطان الشيطان إن كنت كاذبًا والله على ما أقول شهيد كما يرد قسم يُظهر التهديد بالعقاب الإلهي والدنيوي والله لأقطعن عني النعم والفضل إن كذبت ولأجلب على نفسي البلاء والندم وليكن ذلك على رأس عدو الله الكاذب وكان من المعتقد سابقا أن الشخص الحالف يقف داخل ما يسمى ب خط الله وهو خط يُرسم في التراب باستخدام طرف خنجر وقد شوهد هذا الخط في مواقف أخرى مثل حين سقط أحدهم مصابًا بنوبة صرع دون تفسير واضح لهذا الربط أو دلالة القسم يمكن تأدية قسم أكثر تأثيرًا بأن يضع الحالف يديه متشابكتين مع يد الشخص المدعي ويوضع بينهما القرآن الكريم مفتوحًا على سورة براءة ويجوز رفض قبول القسم من شخص يُعتقد أنه كاذب بقول: لا أريدك أن تقسم لا على الكتاب ولا على الدائرة ولا حتى على الماء ويُعتقد أن القسم على الماء مستمد من عادة بدوية حيث تُؤخذ حفنة ماء ويقال: أقسم بالذي خلق هذا في الغالب يتحفظ رجال القبائل عند مناقشة الأيمان خشية أن يُنظر إلى ممارساتهم على أنها غير تقليدية كما أن بعض الأوساط العلمية والدينية تنتقد هذه الأقسام باعتبارها لا تذكر اسم الله بشكل صريح أو لكونها تنتمي إلى تقاليد تُعرف باسم اليمين الزُبيرية من جانب آخر تناول عدد من الباحثين في الشأن اليمني خلال القرون المحدثة ظاهرة مايعرف ب الدواشين فقد نال هذا الموضوع اهتمامًا محدودًا في الدراسات رغم أنه كان لهم دور بارز حتى أوائل القرن العشرين وكان السلاح المميز لهم هو الرمح وقد كان يُكسر أحيانًا فوق قبور موتاهم كعلامة رمزية ويذكر جوزيف شلهود أن الدواشين في المناطق المستقرة كانوا يسكنون الخيام رغم أنهم لم يُمنعوا من امتلاك البيوت أو الأراضي إنما حالت ظروفهم الاقتصادية دون ذلك عمومًا يُلاحظ أن مساكن الدواشين تختلف عن مساكن رجال القبائل: حيث يستقر رجال القبائل نجد دواشين رحلا والعكس بالعكس كما أن لكل عائلة من الدواشين مناطق تقليدية يمكنهم فيها طلب الهدايا أو أداء أدوارهم وهذه المناطق لا تتطابق دائمًا مع حدود القبائل فعلى سبيل المثال يعمل دواشين بني سكران في معظم مناطق بني شريم باستثناء الجزء الشمالي ويصل نشاطهم إلى مناطق مثل شوابة بالجوف ومرحب وهناك عائلات دواشين أخرى مثل بيت أبي حسين في خريف وبيت نوبية في بركان وبيت طاش شرق ليان ويُلاحظ كذلك أن دواشين المناطق الحضرية مثل بركان وليان يعيشون غالبًا في منازل بينما دواشين المناطق الريفية (مثل سكران) فيسكنون الخيام ويتنقلون بين الأسواق والمناسبات القبلية وتتوزع العائلات الأخرى على المناطق مثل عيال سريح جوب ذيبين جبل عيال يزيد وأرحب التي تخدمها عائلة الهمشة والتي تمضي وقتها في الترحال رغم امتلاكها منازل .