نستذكر بإجلالٍ التضحيات العظيمة التي بُذلت لتحقيق حلم الشعب اليمني في التوحد تحت راية واحدة، بعد عقود من التقسيم. لقد مثَّلت الوحدة آنذاك انتصاراً لإرادة اليمنيين في تجاوز الاختلافات وبناء دولة تقوم على العدالة والمساواة، لكنها اليوم تواجه هذه الوحدة تحدياتٍ غير مسبوقة تهدد كيان الوطن، وتستدعي وقفةً جادةً لمواجهتها. أبرز مهددات الوحدة العدوان السعودي الإماراتي، فقد رأينا كيف تحوّل التحالف السعودي الإماراتي من شعاره الزائف اصلاً "استعادة الشرعية" إلى مشروعٍ تقسيمي يستهدف النسيج الاجتماعي عبر دعم جماعات انفصالية مثل "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وإثارة النعرات الجهوية، وتفكيك المؤسسات الوطنية. كما استخدم التحالف الحصار الاقتصادي والقصف العشوائي كأدوات لتجويع الشعب وخلق حالة من البؤس واليأس، مما عمّق الانقسامات وحوَّل القضية الوطنية إلى صراعٍ على البقاء، في ذات الوقت الذي سعى فيه المحتل إلى نهب الموارد في المحافظات الجنوبية والشرقية (مثل النفط في حضرموت وشبوة)، وتحويل عائداتها لتمويل مليشيات موالية، مما زاد من تهميش هذه المناطق. اما عن الواقع المرير في المحافظاتالمحتلة فهي تعاني من احتلالٍ مزدوج: خارجي (سعودي- إماراتي) وداخلي (مليشيات انتقالية وعناصر فاسدة)، أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية وانتشار الفقر، وفرض سياسة الأمر الواقع عبر إقامة كيانات إدارية موازية. كذلك تحاول القوى الخارجية تشويه الهوية الوطنية عبر تغذية الخطاب الانفصالي، واستبدال الولاء للوطن بولاءات قبلية أو جهوية، مما يُضعف التماسك الداخلي.. فأصبحت الأزمة المعيشية سلاحاً للضغط على الشعب، حيث تُستخدم كعقاب جماعي لدفع اليمنيين للتنازل عن مبادئهم الوطنية. وهنا تؤكد القيادة الثورية والقوى المناهضة للعدوان أن الحفاظ على الوحدة يتطلب أولاً إنهاء العدوان ورفع الحصار ورفع اليد الاقليمية والخارجية عن الأرض والقرار، واعتبار أي تفريط بالوحدة خيانةً للدماء التي ضحت من أجلها. ومن ثم يمكن الدعوة إلى حوار وطني شامل يضم كافة الأطراف، بما فيها المحافظات الجنوبية والشرقية، لمعالجة جذور الأزمة مثل قضايا التهميش وتوزيع الثروة، ضمن إطار دولة تحفظ حقوق الجميع، وتعمل على تعزيز الصمود عبر دعم المشروع الاقتصادي المستقل، وحق اليمن في تقرير مصيره بعيدا عن التدخلات الخارجية. إن الوحدة اليمنية ليست شعاراً سياسياً، بل عقدٌ تاريخي ووجودي. حمايتها تحتاج إلى إرادة داخلية تقاوم التقسيم، وإلى وعي شعبي يُدرك أن التحرر من العدوان هو المدخل الأساسي لإعادة اللحمة الوطنية. اليوم، كما كانت قبل 35 عاماً، ليثبت اليمنيون أن وحدة الأرض والإنسان أقوى من كل مؤامرات التفتيت. * عضو تحالف الأحزاب المناهضة.