يأتي الاستهداف الإسرائيلي لإيران ضمن دوافع مبيّتة، لطالما شكّلت سياسة إسرائيل بعد الجرح الغائر الذي سببته عملية طوفان الأقصى في وجدان دولة الاحتلال، إثر الهزّة العميقة التي ضربت مؤسّسة الجيش، الذراع الأكثر أهمية، والركيزة الأخطر في حفظ الوجود، وتحقيق الردع، فكان لا بدّ من ارتدادات تتجاوز قطاع غزّة، وتتجاوز حركات المقاومة فيها، وفي فلسطين، إلى أيّ قوة في المنطقة، وفي الأولوية تلك القوة النووية المُحتمَلة في إيران، ولهذا لم تختلف الأحزاب السياسية والمؤسّسة الأمنية في إسرائيل على هذا الهدف، وهو ترجمة فعلية لأداة القوة الفائقة، وتظهيرها، بما يخدم فكر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وقادة اليمين الديني والقومي المتطرّف، وبما يفتح الطريق - فيما لو نجحوا في إجهاض القوة الإيرانية- نحو استكمال فصول السيطرة والتوسُّع في فلسطين، بما ينفذ إلى قلب المشروع الصهيوني، بالسيطرة المباشرة على الأراضي المحتلة عام 1967م، وتحجيم الوجود الفلسطيني إلى ما يشبه مليشيا ياسر أبو شباب في قطاع غزّة، وتهويد المسجد الأقصى وتقويضه وخارج فلسطين، بما يعيد صياغة وجه الشرق الأوسط وفق رؤية نتنياهو وهي رؤية تتجاوز السياسة السطحية إلى أرضيّاتها الفكرية والاجتماعية والتربوية والدينية، ما يعني تغيير الشعوب العربية والإسلامية بما ينسجم مع وجود إسرائيل، بوصفها "دولة الشعب اليهودي"، وبوصف فلسطين أرضَ إسرائيل التوراتية. في المقابل من ذلك تسود حالة من الهلع والاضطراب الشديد داخل الكيان الصهيوني في ظل الرد الايراني المتصاعد، حيث بدأت ملامح الانهيار النفسي تظهر جلية على جميع المستويات، من المواطنين العاديين الذين تحولوا إلى لاجئين يفرون بأنفسهم عبر البحر، إلى القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تبدو عاجزة عن احتواء الموقف. وقد كشفت وسائل الإعلام العبرية عن مشهد غير مسبوق من الاستنفار العام، حيث نقلت صحيفة هآرتس شهادات صادمة لمواطنين يعيشون حالة فرار جماعي تشبه نزوح اللاجئين، حيث يروي أحدهم كيف تحولت المدن إلى ساحات للفوضى والهرج، مع انتشار مشاهد الذعر بين العائلات التي تبحث عن أي وسيلة للفرار، حتى لو كانت عبر قوارب مهربة في ظروف بحرية خطيرة، كما تكشف التفاصيل عن إجلاء دول كبرى مثل ألمانيا لرعاياها عبر الأردن، فالكيان الصهيوني اليوم يواجه أخطر أزمة وجودية في حياته. وتظهر المشاهد اليومية كيف تحولت الحياة في المستوطنات إلى جحيم من الترقب والانتظار، مع كل لحظة تمر تزيد من حدة التوتر، حيث لم يعد الخوف مقتصراً على الصواريخ فحسب، بل امتد إلى انهيار الصورة الذاتية للكيان الذي افتخر طويلاً بقدرته على توفير الأمن لسكانه، بينما الواقع الآن يكشف عن مشاهد تشبه الدول الفاشلة، مع مواطنين يفرون، ودول تتخلّى عن رعاياها، وجيش عاجز عن تقديم الحماية.. فإن المشهد الراهن يؤكد أن المعادلة الاستراتيجية في المنطقة قد تغيرت إلى الأبد، إسرائيل التي راهنت على تغيير وجه الشرق الأوسط تجد نفسها اليوم عاجزة عن تغيير حتى وجه حرب غزة؛ فالمعركة اليوم لم تعد معركة صواريخ وطائرات فقط، بل هي معركة إرادات، وإرادة الأمّة المؤمنة بقضيتها قادرة اليوم على هزيمة أعتى قوة عسكرية في التاريخ.