في حيز جغرافي صغير يقع قطاع غزة في المنطقة الجنوبية من ساحل فلسطين التاريخية ويمتد على شكل شريط ضيق على البحر الأبيض المتوسط ويمتد القطاع على مساحة 360 كيلومترا مربعا، ويبلغ طوله 41 كيلومترا، ويتراوح عرضه بين 6 و12 كيلومترا، وتحده المناطق المحتلة شمالا وشرقا، والبحر الأبيض المتوسط غربا، ومصر من الجنوب الغربي. ناصر الخذري ضمن مساحة معينة من جغرافيا فلسطين أحكم الاحتلال الصهيوني الحصار على قطاع غزة ببناء جدار الفصل العنصري البالغ طوله 65 كيلومترا الذي يمتد على طول الحدود مع غزة، فبات القطاع محاصرا من كافة المنافذ البرية والبحرية بما في ذلك معبر رفح البري الذي يربط غزة مع مصر الذي أصبح تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني بشكل مخالف لاتفاقية كامب ديفيد . صبر وشجاعة في هذا الشريط الضيق المحاصر يعيش أكثر من مليوني مواطن فلسطيني معزولين عن العالم يواجهون الموت بشجاعة وصبر ومقاومة غير مسبوقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية منذ أن بدأت كتائب القسام وفصائل المقاومة بكسر الحصار الجائر بتوجيه ضربة استباقية ضد كيان العدو الصهيوني الغاصب عبر إزاحة الكتل الإسمنتية وعبورها نحو غلاف غزة المحتل في السابع من أكتوبر من العام 2023م لخوض معركة دفاعية وفق مبدأ "الهجوم خير وسيلة للدفاع" . وخلال ما يقارب العامين من المواجهة للعدوان الصهيوني ثبت الشعب الفلسطيني في قطاع غزة رافضا التهجير القسري بقوة الحديد والنار ومتصديا لشتى أنواع ووسائل الإبادة الجماعية التي يستخدمها جيش العدو ومنها التجويع ونشر الأوبئة والتدمير الشامل لكل مناحي الحياة . وبشكل مواز لهذا الصمود التاريخي سطرت المقاومة ولا تزال ملاحم بطولية وهي تتصدي وتهاجم العدو في مختلف مناطق القطاع محققة انتصارات كبيرة مقارنة بحجم وفارق التسليح مع العدو ومن أنفاق غزة ومن تحت ركام المباني يباغت المقاومون الأبطال بين الفينة والفينة العصابات الصهيونية بكمائن الموت وبضربات نوعية جعلت تلك العصابات تحترق داخل عربات "النمر" المدرعة ودبابات "الميركافا "التي كان العدو يظن أنها قادرة على حماية جنوده من بأس وقوة المقاومة . يبدو أن حكومة وجيش العدو قد تناسوا أن غزة عصية على الغزاة على مر التاريخ التي دفنت رمالها المعتدين وجعلت من تبقى منهم يفر منها مذموما مدحورا كحال العصابات الصهيونية التي أجبرت على الانسحاب من قطاع غزة في أغسطس من العام 2005م بعد خسائر وهزائم كبيرة لحقت بها على أيدي المقاومة . وفي خطوة غير مدروسة تورط زعيم العصابة نتنياهو وكيانه الملفق بالتوغل البري في قطاع غزة بشكل راهن فيه نتنياهو على الحسم في أسابيع معدودة لتحقيق الأهداف التي سبق وأن أعلن عنها وهي استعادة الأسرى والقضاء على المقاومة والسيطرة على قطاع غزة ولكنه فشل فشلا ذريعا وسقط هو وعصاباته في هاوية كمائن الموت الزؤام. التهجير القسري لم تكن تلك الأهداف المعلنة للعدو في غزة سوى شماعة لتضليل الرأي العام الغربي وأيضا المستوطنين وامتصاص غضب أهالي الأسرى لكن الهدف الأبعد هو القضاء والتدمير الكامل لقطاع غزة بكل ما فيه حتى يتم إجبار الأهالي على النزوح قسرا خارج فلسطين وهذا ما أفصح عنه مجرم الحرب نتنياهو مؤخرا بقوله أن تدمير المنازل والمنشآت في قطاع غزة يهدف إلى اجبار الفلسطينيين على الهجرة قسرا. ولا يزال كيان العدو مستمرا في العمل على تحقيق هذا المخطط القديم الجديد في تهجير الفلسطينيين واحتلال كامل الجغرافيا الفلسطينية والتوسع ضمن أهداف المشروع الصهيوني الذي أفصح عنه زعماء الوكالة اليهودية منذ ما قبل احتلال فلسطين ونشرته الخارجية الأمريكية مطلع التسعينيات من القرن العشرين في وثائقها السرية الخاصة بسياستها عام 1943م في الشرق الأوسط وكان من ضمن هذه الوثائق تقرير سري رفعه الجنرال (باتريك هارلي) إلى رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية في حينه روزفلت بتاريخ 5/5/1943م بعد أن زار هذا الجنرال المغرب العربي ومصر وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق في شهر نيسان 1943م ومقابلته لعدد من زعماء العرب والصهاينة في المنطقة . وبحسب الوثائق السرية التي نشرتها الخارجية الأمريكية عام 1943م في عهد الرئيس روزفلت فإن زعماء الوكالة اليهودية مصممون على تنفيذ أهدافهم التي تتضمن ما يلي": 1- إنشاء دولة يهودية على أرض فلسطين . 2- إبعاد وترحيل عرب فلسطين "السكان الأصليين" إلى العراق . 3- بعد تأسيس وإقامة دولة إسرائيل "انطلاق اليهود" في منطقة الشرق الأوسط وتطوير سياستهم بما يتفق مع البرنامج الصهيوني التوسعي". وضمن أهداف زعماء الوكالة اليهودية الرامية إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره وتحويله إلى معسكر للإمبريالية تواصل العصابات الصهيونية العمل تحقيق تلك الأهداف الاستعمارية والتوسعية بشن الحرب العدوانية على شعب فلسطين وتهجير سكانه وهذا ما أشار إليه الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي دعا إلى تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن وسورية بشكل يذكر بمطالب وأهداف زعماء الوكالة اليهودية في فلسطين والشرق الأوسط. حقد دفين ومن خلال دعوة ترامب وتصريحات قادة كيان العدو الصهيوني قديما وحديثا يظهر مدى الحقد الدفين على الفلسطينيين والعرب بشكل عام ضمن معتقدات وخرافات ينسبونها للتوراة التي يزعمون أنها تبيح لهم قتل العرب حتى الأطفال في بطون أمهاتهم. ولذلك كان تصريح ما يسمى وزير التراث في حكومة العدو أميخاي إلياهو الذي دعا فيه إلى إبادة سكان قطاع غزة بقنبلة ذرية انعكاسا لمعتقدات وخطط الصهيونية في اجتثاث شعب فلسطين بأي وسيلة كانت، وكذلك تصريح وزير الدفاع السابق للعدو يواف غالانت الذي وصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية معلنا فرض حصار مطبق على سكان قطاع غزة بقطع كافة سبل الحياة من الماء الغذاء والدواء والكهرباء بشكل متواز مع القصف والتدمير للأحياء السكنية والمشافي والقطاعات الخدمية المدنية بمختلف الأسلحة الأمريكية الفتاكة . فيما قال الإرهابي المتطرف سموتريش وزير مالية العدو في تصريح له: "يجب أنْ نسحق أعداءنا تحت أقدامنا كما قرأنا في التوراة، علينا تدمير رفح ودير البلح والنصيرات، لا مكانَ تحت السماء لهذه الأرواح الشريرة، لا وجود لها ولا يمكن لها أنْ تستمرّ في الوجود، اُقتلوهم جميعًا، سنقضي عليهم جميعًا". الى جانب تصريحات الإرهابي المتطرف بن غفير وزير الأمن القومي للعدو وتسلحيه للمستوطنين وتحريضه المستمر على قتل الفلسطينيين واغتصاب أراضيهم وتهجيرهم منها وتدنيس المسجد الأقصى المبارك بشكل مستمر، ووفق نزعة عدائية تستبيح الأرض والعرض والدماء يواصل الصهاينة القتل والتدمير والتوسع بالقوة على حساب سكان فلسطين . مقاومة شرسة وأمام مخطط الصهيونية وجرائم الإبادة تظل جذوة المقاومة مشتعلة لا تنطفئ لأن رجالها يحملون مشروع الجهاد في سبيل الله لتحرير كامل التراب الفلسطيني وتطهير الأقصى المبارك من دنس الصهاينة الغاصبين. قوة هذه المقاومة وشراستها وخاصة في قطاع غزة لها خصوصية وتتسم بطابع سكانها المقاتلين الأشداء الذين ارتسمت في عقولهم مقاومة الاحتلال منذ الصغر وتوارثوا قتال العدو عن آبائهم الذين أجبروا على النزوح من جنوبفلسطين إلى قطاع غزة بالقوة فباتوا يمثلون نسبة 60% من السكان فكانت مخيمات غزة ولا تزال نواة المقاومة ومدرسة للجهاد ومنها يتخرج القادة وأبطال المقاومة الذين دوخوا المحتل وأجبروه على الرحيل عنها في عام 2005م. وعن عمليات المقاومة التي ألحقت بالاحتلال خسائر فادحة قال رئيس وزراء حكومة العدو الأسبق إسحاق رابين عام 1992م: "أتمنى أن أستيقظ يوماً من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر". اصطياد جيش العدو يبدو أن الأرعن نتنياهو والأكثر إرهابا ونازية في العالم لم يستوعب الدرس جيدا فغامر في حرب عدوانية خاسرة لن يحقق منها أي من أهدافه المعلنة مهما أوغل في سفك الدماء وها هي المقاومة الفلسطينية تواصل اصطياد ضباط وجنود العدو بكمائن الموت وبالعبوات الناسفة وقذائف الياسين الذي تباغت العدو في جباليا ورفح ومنها العملية النوعية في الكمين المركب الذي نفذته المقاومة الفلسطينية الثلاثاء 24 يونيو الجاري وقتل فيها 7 من جنود العدو بينهم ضابط بحسب ما أعلن عنه إعلام العدو فيما لا يزال هناك عدد من المفقودين.. بهذه العملية النوعية المحكمة يظهر الفشل الاستراتيجي لحكومة وجيش العدو الغارق في وحل غزة لأكثر من عشرين شهرا. فكانت عملية خان يونس النوعية انتصارا كبيرا للمقاومة ضاعفت الخسائر للعدو والهزائم المتولية فقد أثرت العملية في نفسية الكيان الملفق وفي نفسية جيشه المنهار خاصة بعد انتشار مقطع الفيديو الذي وثق العملية البطولية التي ظهر فيها أحد المجاهدين من كتائب القسام وهو يتسلق ناقلة الجند الإسرائيلية من طراز "بوما" ويلقي فيها عبوة فدائية. وعن هذه العملية النوعية قال الكاتب آفي اشكينازي في مقال نشرته صحيفة معاريف: "إن ما حدث في خان يونس كان خطأ تكتيكا إذ لم نفعل القوة العسكرية بشكل صحيح لكن المزيج ما بين الفشل في الإعداد والتجهيز وسوء إدارة العمليات الميدانية والانهاك الكبير الذي يعيشه الجنود في غزة في حرب لا تنتهي أمور كلها تجعل هذا الحدث مأساة يجب أن تزلزل الرأي العام الإسرائيلي " . فنون المقاومة وبعمليات نوعية يواصل أبطال المقاومة في قطاع غزة الانقضاض على العصابات الصهيونية كالأسود ملحقين بهم خسائر ماحقة وعن فنون المقاومة في مواجهة المحتل قال أديب اليمن وشاعرها الراحل الأستاذ عبدالله البردوني في أحد مقالاته في العام 1988م: "هذا الجيل الفلسطيني قد استحلى الموت كمهد لميلاد النصر واختبر حوار القوة من طول مصاولتها فاهتدى إلى أحدث الأساليب في فنون المقاومة وفي نوعية الإصرار وفي الاستهانة بالحياة من أجل الحياة ". وأمام صمود سكان قطاع غزة المتجذرين في صميم الأرض الفلسطينية وعمليات المقاومة النوعية لن تفلح العصابات الصهيونية المارقة في فرض سياستها الإجرامية المرفوضة من قبل شعب فلسطين ومن قبل رجال المقاومة الأبطال الذين لن تنال من إيمانهم وعزيمتهم وإرادتهم جرائم العدو وحصاره الجائر فالمقاومة فكرة والفكرة لا تموت.