في واحدة من أعقد المواجهات الأمنية التي خاضتها إيران منذ انتصار الثورة، تمكنت الأجهزة الأمنية من امتصاص اختراق استخباراتي شديد الخطورة، نفذته خلايا تجسس متعددة الجنسيات بقيادة الموساد الإسرائيلي، وتحويل هذا التحدي إلى فرصة أمنية نادرة لقلب المعادلة وكشف أدوات العدو في العمق الإيراني. العملية التي كشف عنها مؤخرا لم تكن مواجهة عابرة، بل اشتباك استخباراتي معقد جرى التخطيط له على مدى سنوات، وشاركت فيه إلى جانب الموساد، أجهزة استخبارات أمريكية، وبريطانية، وفرنسية، وألمانية، إضافة إلى أطراف عربية وإسلامية، وقد جرى تفعيل هذه الشبكات في توقيت دقيق، بهدف تنفيذ عمليات تخريب واغتيال، ضمن تصعيد أمني منسق تزامن مع الهجمات العسكرية التي تعرضت لها طهران. وبحسب مصادر مطلعة فإن الخلايا التي تم إسقاطها كانت وصلت إلى مراحل متقدمة من التنفيذ، وجرى التعامل معها ضمن خطة أمنية متكاملة امتصت الصدمة، وأحبطت سلسلة من المخططات التخريبية ضد منشآت سيادية، ما مثل تحولا نوعيا في مسار المواجهة مع العدو الصهيوني، ويرى مراقبون أن ما جرى لا يمكن قراءته بمعزل عن مسار طويل من المواجهة الصامتة، بدأ منذ أعوام، ومر بمحطات اغتيال ومحاولات اختراق، وصولا إلى هذا الفصل الذي كشف أوراقا كثيرة كانت تدار في الظل، فالاستخبارات المعادية، وخصوصا "الموساد"، لم تخسر فقط عناصرها، بل أحرقت ملفاتها وأسقطت شبكاتها، وتركت عملاءها يواجهون مصيرهم، وتُظهر هذه التطورات أن نجاح الأجهزة الإيرانية لم يقتصر على ضرب أدوات العدو، بل طال أنظمة الإنذار ذاتها، ما يجعل من المشهد الأمني في كيان العدو الصهيوني أكثر هشاشة مما يظهر في خطاباته الرسمية. تشير تقارير غربية إلى أن تل أبيب تعيش حالة ارتباك داخلي، بعد خسارة ما تعتبره "العيون الداخلية" في طهران، والتي أسست عبرها عمليات نوعية في الماضي، بينها اغتيالات حساسة خلال فترات التصعيد، ومع انكشاف هذه الشبكات، تخسر استخبارات العدو قدرتها على المباغتة، وتعود طهران للسيطرة على المجال الأمني الداخلي بقبضة أقوى. العملية الإيرانية جاءت ضمن مشهد إقليمي واسع يتسم بتصعيد متبادل في أكثر من جبهة، ما يجعل من هذا التطور الأمني عاملا نوعيا يعزز موقع إيران في صياغة معادلة الردع المتعددة الأبعاد، خاصة في ظل انخراط قوى المقاومة من اليمنوفلسطين ولبنان في مواجهة مستمرة، فعلى إيران استغلال زمن ما بعد العدوان الأمريكي، وتحويل اللحظة لصالحها؛ فالمعركة باتت معركة وجود؛ والعدو لن يتوقف، وعليها أن تستثمر اللحظة، وتحقق الغلبة، وفق رؤية استراتيجية تتجاوز ما كانت عليه قبل العدوان الأمريكي. فبعد 12 يوماً من الحرب خرجت إيران من هذه المواجهة أكثر قوة، لا لأنها صدّت العدوان فحسب، بل لأنها أثبتت للعالم أنها تملك القدرة على الردع وعلى الهجوم معًا، وأن مشروعها في بناء محور مقاومة ليس مشروعًا إعلاميًا أو خطابًا ثورويًا، بل هو بنية استراتيجية مكتملة الأدوات، قادرة على خوض معركة متعددة المستويات والجبهات، مع عدو يمتلك أقوى الدعم الغربي وأحدث منظومات التسلح. لقد أثبتت إيران أن حضورها في الجغرافيا السياسية للمنطقة ليس عابرًا ولا طارئًا، وأنها حين تُستفز فإنها لا ترد بالحد الأدنى بل تقلب الطاولة على رأس المعتدي، دون أن تخشى التصعيد أو العزلة أو الحرب، وهذه رسالة للغرب ولحلفائه أيضاً من صهاينة العرب. فقد كان واضحًا منذ الضربة الأولى أن طهران لا تواجه تل أبيب وحدها، بل تواجه معها كل غرف العمليات المرتبطة بالسيطرة الغربية على المنطقة، من القواعد الجوية في الخليج إلى غرف البنتاغون في واشنطن، وهذا ما يفسر الحملة الإعلامية الموازية التي قادتها دول الخليج لتبرير العدوان وتغطية المشاركة فيه إعلاميًا أو لوجستيًا. لقد أثبتت إيران أنها تملك الكلمة الفصل، لا لأنها تسعى إلى الهيمنة كما يزعم خصومها، بل لأنها الوحيدة التي بقيت في هذا الشرق على عهد فلسطين، وعلى وعد القدس، وعلى خيار الأمة، فقد انتصرت إيران رغم كل شيء.