كم مرة خُدع الفلسطينيون باسم السلام وإقامة دولة فلسطينية؟ لذلك، لم يكن مؤتمر نيويورك الذي عُقد مؤخرًا برعاية فرنسا والسعودية غريبًا، بل هو إعادة لترويج بيع الوهم في سوق السياسة، لعله ينجح فيما فشلت فيه العصابات الصهيونية في قطاع غزة على مدى 22 شهرًا من القصف والتدمير الشامل لكل مقومات الحياة، بما في ذلك استخدام الجوع كسلاح لتطويع السكان وإجبار المقاومة على الحد من عملياتها ضد الاحتلال. تقرير: محمد الزعكري يرى كثير من المحللين السياسيين أن انعقاد مؤتمر نيويورك بمشاركة كل من (السعودية ومصر والأردن وقطر وجامعة الدول العربية) يُعد بمثابة اقتحام لميدان غزة سياسيًا لإعانة كيان العدو عما عجز عن تحقيقه عسكريًا، ضمن الأهداف التي سبق أن أُعلنت على لسان رئيس حكومة العدو نتنياهو، ومنها نزع سلاح المقاومة الفلسطينية كشرط لوقف الحرب في قطاع غزة. وبالنظر إلى مخرجات المؤتمر، فإن نزع سلاح المقاومة شرط أساسي للاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية، ما يعني إنهاء القضية الفلسطينية برمتها، ويتساءل البعض عن جدوى مثل هذه الفرقعة الإعلامية لمؤتمر نيويورك، في حين أن المؤتمرين غير قادرين على وقف جرائم الإبادة الصهيونية في قطاع غزة وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية. قراءة في التاريخ والمتتبع للتاريخ المعاصر وما شهده من جولات الصراع ونتائج المفاوضات العدمية بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، يجد أن هذا الكيان لن يؤمن بقيام دولة فلسطينية على الإطلاق، بل يعمل وفق نظرية إنشاء (مملكة إسرائيل) التي تمتد حدودها من نهر الفرات وحتى نهر النيل وصولًا إلى شمال السعودية. يحاول بعض القادة العرب تبني الدعوة إلى السلام مع كيان الاحتلال الصهيوني، في حين يرفضها قادة البيت الأبيض والاحتلال. كان الأجدى بمؤتمر نيويورك أن يقف أمام المذابح المروعة التي تُباد فيها الإنسانية، لا أن يهرب إلى الأمام بإعلان يعرف الجميع نتائجه مسبقًا، فلن يستطيع هذا المؤتمر ولا غيره أن يوقف المد الاستيطاني في الضفة الغربية التي ابتلع منها الكيان أكثر من 60%. وما دام المحتل الغاصب مشدود اليد على الزناد ويواصل التنكيل بالمدنيين في قطاع غزة، ويتوسع في الضم للضفة وتهجير السكان منها، فلن تنفع أي من توصيات مؤتمر نيويورك، مثلها مثل ما سبق أن خرجت به مؤتمرات سابقة، كلها كانت عبارة عن مؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية. لأن الحديث عن نزع سلاح المقاومة عبارة عن الحكم على القضية الفلسطينية بالموت، وطي صفحة المقاومة لتأمين الكيان الغاصب من ضربات المقاومة التي تنذر بزوال المحتل، وتجعله في قلق دائم من غضب الجيل المقاوم في فلسطين، الذي اختط بدمه الطاهر درسًا لكل العرب والمسلمين، وهو يقاوم بشراسة ويقتحم دبابات العدو في قطاع غزة، يضع في جوفها العبوات الناسفة، مخاطِرًا بحياته من أجل حياة شعب فلسطين وتحرير أرضه من دنس الصهاينة الغاصبين. لن تجدي المؤتمرات في إقناع المقاوم الفلسطيني بتسليم سلاحه لسلطة ضعيفة قابعة في رام الله، لا تستطيع أن تحرك ساكنًا، وتعمل كرديف ومعاون للمحتل ضد المقاومة التي تدافع عن الأرض والعرض والمسجد الأقصى المبارك. وقد أصدرت عدد من الدول العربية مباركة لمؤتمر نيويورك عبر بيانات سخيفة، في حين مئات الآلاف في غزة يتضورون جوعًا، ويرتقي منهم العشرات يوميًا شهداء، إما جوعًا أو قنصًا برصاص المحتل الجبان، الذي بات يتلذذ بقتل وتعذيب سكان قطاع غزة. وفي الوقت ذاته، طالعنا وزير الخارجية الأمريكية بتصريحه الذي أكد من خلاله أنه لا يمكن إقامة دولة فلسطينية إلا بموافقة إسرائيل!! مثل هكذا تصريح علني يؤكد مدى الاستخفاف بالمؤتمرين وبالمجتمع الدولي وبالعرب جميعًا. فيما تفاخر وزير الخارجية الفرنسي بأنه استجلب موقفًا إسلاميًا وعربيًا يُدين المقاومة الفلسطينية بهذه الصيغة للمرة الأولى؛ أمر يدعو للخجل أكثر من أي شيء آخر. وفي صورة تعكس مدى الاستخفاف بالقضية الفلسطينية وبالدماء التي تسيل على تراب غزة لما يقارب من العامين، كان تصريح وزير الخارجية البريطاني يبعث على السخرية بحديثه عن اعتزام بريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر سبتمبر القادم إن لم تقم (إسرائيل) بتحسين الأوضاع في قطاع غزة!! لا ندري ما يقصد ستارمر بتحسين الوضع في قطاع غزة.. لم نفهم من تصريحه هذا سوى أنه يلوّح للكيان بالاستمرار في نسف ما تبقى من المربعات السكنية في قطاع غزة، والإمعان في القتل والتجويع والتهجير! وبغض النظر عن مخرجات مؤتمر نيويورك وتظاهر قادة الدول العربية المشاركة بأنها حققت إنجازًا كما تقول، لكن الحقائق التاريخية القريبة قد كشفت مدى ضعف وهشاشة المجتمع الدولي المنحاز علنًا لصالح العصابات الصهيونية، التي لم تُعر قرارات مجلس الأمن الدولي أي اعتبار، ولم تستطع أي من دول العالم أن توقف جرائم الاحتلال، الذي تجاوز الوحوش الكاسرة في قتل وتهجير وتدمير كل مقومات الحياة في فلسطين. مؤتمرات ومؤامرات في العام 1917 صدر وعد بلفور ببناء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين العربية، ليأتي في العام 1947م قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين: فلسطينية وأخرى لليهود حسب ما نص القرار. وكانت هذه البداية التي اعتبرها البعض اعترافًا بإسرائيل قبل أن تُقام. خلال هذه الحقبة من التاريخ الأسود الملطخ بدماء الفلسطينيين، تعددت المؤتمرات وتنوعت المؤامرات ضد إقامة دولة فلسطين بعضوية كاملة في مجلس الأمن، وعادة ما كانت نتائج المؤتمرات تعود لصالح الاحتلال الصهيوني، وبدعم مباشر من قبل أمريكا والغرب، الذي يقاتل حتى اليوم إلى جانب الاحتلال ضد المقاومة الفلسطينية. ولذلك، فكل حديث عن إقامة دولة فلسطينية عبارة عن مورفين سياسي ومخدر موضعي لمنح المحتل المزيد من الوقت للقتل والتدمير، وتلميع صورة دول أوروبا التي تدّعي أنها تحترم الحقوق والحريات، فيما الواقع يشهد على قبح ودناءة هذا الخليط من البشر الذين ساندوا العصابات الصهيونية على ارتكاب مذابح مروعة يندى لها جبين الإنسانية، عما وصل إليه الحال في قطاع غزة، الذين يموتون جوعًا ومرضًا وقتلًا بالرصاص الأمريكي على أيدي القتلة الصهاينة. قرارات واتفاقيات سبق أن أعلن مجلس الأمن عقب حرب الأيام الستة عن القرار 242، الذي أكد فيه على قيام الدولة الفلسطينية، واعترفت به منظمة التحرير الفلسطينية. إلى جانب ذلك، اتفاقية أوسلو التي تم توقيعها في سبتمبر من العام 1993م في حديقة البيت الأبيض، فماذا كانت النتيجة غير المزيد من التوسع والاستيطان وقتل وتهجير الفلسطينيين؟ خارطة الطريق أيضًا التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية في عام 2002م لقيام الدولة الفلسطينية، وكانت اللجنة الرباعية قد ضمت الأممالمتحدة وروسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي، والتي كان الغرض الخفي منها هو وقف الانتفاضة الفلسطينية، فماذا حققت هذه الخارطة؟ كل هذه الاتفاقيات والقرارات لم تُترجم على أرض الواقع، ولم تكن ملزمة لكيان الاحتلال الصهيوني في ظل الدعم الأمريكي والفيتو الذي عادة ما يُرفع في تحدٍ صارخ ل 142 دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية المستقلة، فما هو الجديد الذي سيأتي به مؤتمر نيويورك؟ وفي العام 2003 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عن خارطة الطريق لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية في غضون سنتين من ذاك التاريخ. وفي 2005 كان هناك موعد آخر لقيام الدولة الفلسطينية دون أن يتحقق حكم ذاتي للفلسطينيين. المقاومة لن تساوم لن تنطفئ جذوة المقاومة ولن تسلم سلاحها للعدو لأنها تدرك الخطر المحدق بفلسطين قاطبة في غزة والضفة وتعمل المقاومة وفق غاية اسمى وهي الجهاد في سبيل الله دفاعا عن فلسطين وعن المسجد الأقصى المبارك ضد الصهاينة الغاصبين فكم من جولات الصراع والفداء قدم ابطال المقاومة من قوافل الشهداء ولم يفت في عضدها جرائم الاحتلال واغتيال قادة المقاومة منذ ثورة عزالدين القسام في العام 1936 م و ما اعقبها من انتفاضات ثورية غاضبة في فلسطين هزت كيان الاحتلال فكم ارتقى من الشهداء القادة وغيرهم ولم ولن تتراجع المقاومة عن الجهاد ومواجهة المحتل بل ازدادت عنفوانا وقوة وتوجت اعمالها الثورية في السابع من أكتوبر من العام 2023م التي كانت نقطة تحول استراتيجية في تاريخ المقاومة واشارة للبيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين لتتحرك لجهاد العدو واسناد المقاومة لكن المفاجأة كانت صادمة حين تخاذل العرب عن نصرة غزة واسناد المقاومة وتماهوا بشكل مخز مع كيان الاحتلال الصهيوني وصمتوا عن المذابح المروعة في قطاع غزة والتجويع ولن يحركوا ساكنا او يتخذوا أي موقف عربي واسلامي واضح على الأقل حتى في قطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع من يذبح أطفال ونساء غزة لما يقارب العامين , ومن العجيب ان يظهر قادة دول غير عربية وإسلامية بتصريحات فيها من الإنسانية أكثر مما لدى قادة العرب المسلمين مما تبقى من الإسلام ومن ذلك تصريح وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس الذي دعا كيان الاحتلال الصهيوني الى فتح المعابر بشكل دائم لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، محذّراً من تفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع المحاصر. وشدّد ألباريس في تصريحاته على أن "غزة تواجه مجاعة بسبب الحصار الإسرائيلي، وما يحدث هناك هو عار على الإنسانية.