تهكّم وزير أردني سابق على صواريخنا، زاعمًا أنها لم تخلف سوى حفرة صغيرة في مطار اللد، تم ردمها في ساعات، بينما تسببت الهجمات الصهيونية في تدمير شامل للمطارات والموانئ اليمنية. كأنه يتحدث بلسان ناطق الحكومة الاسرائيلية إفخاي أدرعي، وكأننا بحاجة لشكواه أو رأيه. هذا الاستخفاف ليس جديدًا، فهو جزء من عقلية لا ترى في المقاومة إلا مجرد أرقام تُقارن بمنطق الخسارة والربح المادي البحت. نحن لا نلومه، فنحن نتفهم حساباته المادية البحتة: كم أصاب الصاروخ؟ وكم قتل؟ وما هي الفائدة الملموسة التي عادت على غزة؟ ولكننا نرى الأمور بمنظور آخر. حساباتنا لا تُحصى بالمال أو الأضرار المادية، بل تُقاس بالقيم والمبادئ التي لا تُقدّر بثمن. ميزان المقاومة: بين الماديات والمعنويات إن المقاومة ليست عملية عسكرية قائمة على توازن القوى المادي فقط، بل هي في جوهرها فعل وجودي يؤكد الإرادة الحرة للأمة. عندما نُطلق صاروخًا، لا نهدف بالضرورة إلى إحداث دمار شامل يُقابل ما يحدث في غزة، لأننا نعي أن ميزان القوى العسكري بيننا وبين الاحتلال ليس متكافئًا. هدفنا أسمى وأعمق؛ هو إيصال رسالة واضحة لكل من يراقب، من الأعداء والأصدقاء، مفادها أن غزة ليست وحدها. هذا الصاروخ، حتى وإن خلّف "حفرة صغيرة"، هو رمز عظيم. إنه يمثل الشرف الذي لم يُهدر، والكرامة التي لم تُسلب، والإصرار على أن قضيتنا ليست محل مساومة. إنه رسالة بأننا لن نكون جزءًا من منظومة الصمت والتخاذل التي تخضع للضغوطات الدولية وتُفضّل مصالحها على دماء إخوتها. الحفرة الصغيرة هي في حقيقة الأمر جرح كبير في منظومة أمن الاحتلال التي طالما تباهت بأنها لا تُقهر. القيم العليا: بوصلة الأمة بالنسبة لنا، المسألة ليست أرقامًا أو خسائر وأرباحًا. إنها مبادئ إيمانية وأخلاقية لا يفهمها إلا أهل غزة وكل الأحرار في هذه الأمة. هي حسابات تجبرنا على تقديم كل ما نملك تجاه إخوتنا، بغض النظر عن النتائج المباشرة. هذه المبادئ هي التي تجعلنا نتجاهل كل الضغوطات والمغريات. هي التي تجعلنا نرى كل ما ترونه عظيمًا صغيرًا، وكل ما ترونه صعبًا سهلًا، فقط من أجل ألا تظل غزة وحيدة. إنها عقيدة راسخة بأن نُصرة المظلوم فريضة إيمانية لا تقبل التأجيل أو التقييم بمنطق السوق. نحن نُقاوم لأننا لا نملك خيارًا آخرًا يتماشى مع قيمنا. فالتخاذل هو الهزيمة الحقيقية، والتنازل عن المبادئ هو الخسارة التي لا تُعوّض. إن النصر ليس فقط في إلحاق الهزيمة المادية بالعدو، بل في الثبات على الحق، وكسر هيبة المحتل، وإيقاظ ضمير الأمة. إنها الفارق بين من يبيع القضية مقابل صفقة، ومن يرى أن العزة لا تقدر بثمن. فهل أدركت الآن، يا معالي الوزير، أن حساباتنا ليست للبيع؟ وأن قيمنا هي رأس مالنا، وأن صواريخنا ليست مجرد معادلات فيزيائية، بل هي تجسيد لإرادة أمة حية، لا تقبل الضيم ولا تستسلم للمؤامرات، مهما كانت التضحيات.