الملخص الجوهري في عصر التحول الرقمي والتكتلات الاقتصادية الكبرى، يقف قطاع الطيران العربي على أعتاب فرصة تاريخية. فبينما تواجه فكرة العملة العربية الموحدة تحديات متعددة، يفتح قطاع الطيران أفقًا عمليًا لإطلاق مبادرة "العملة الجوية العربية" (AAC) كمنظومة مالية رقمية قائمة على تقنية سلسلة الكتل (Blockchain)، ومصممة خصيصًا لتسوية المعاملات المالية في قطاع الطيران. هذه العملة، المقترح تسميتها اما ب الريال الجوي أو الدرهم الجوي أو الدينار الجوي، ليست مجرد عملة مشفرة مضارِبة مثل "Bitcoin"، بل أداة مالية مستقرة مدعومة باحتياطي نقدي كامل وتدار من جهات مؤسسية موثوقة، مما يضمن اعتمادًا رسميًا وشفافية عالية. تمثل العملة الجوية خطوة استراتيجية نحو ثورة مالية مبتكرة واقتصاد طيران عربي متكامل، يعزز الكفاءَة والسرعة في التسويات المالية، ويحقق خفض التكاليف عبر تقليل الاعتماد على الوسائط البنكية التقليدية، إضافةً إلى دورها في تحقيق التكامل الإقليمي والرقمي، وفتح آفاق استثمارية غير مسبوقة، ليصبح الطيران العربي محورًا رقميًا واستثماريًا عالميًا. والأهم أن هذه المبادرة لا تأتي كمنافس للعملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، بل كطبقة تطبيقية متخصصة تضيف قيمة تكاملية للنظام المالي الرقمي الأوسع في المنطقة العربية مقدمة: التحول النقدي في الطيران: خسائر التسويات التقليدية والدوافع الاستراتيجية لإطلاق العملة في ظل التحول الرقمي العالمي، يبرز قطاع الطيران المدني العربي كأحد أكثر القطاعات حاجة للرقمنة المالية، نظرًا لدوره الحيوي في التجارة والسياحة والاستثمار، وما يواجهه من أعباء مالية نتيجة الاعتماد على نظم تسوية تقليدية مجزأة وباهظة. وتشير تقديرات IATA إلى أن تكلفة المعاملات البنكية والتسويات العابرة للحدود في قطاع النقل الجوي عالميًا تتجاوز 8.5 مليار دولار سنويًا، يتحمل الإقليم العربي منها ما بين 4 و6 مليارات بسبب ضعف التنسيق وغياب الحلول الرقمية الموحّدة. وإلى جانب ذلك، فإن أكثر من 70% من مدفوعات شركات الطيران والمطارات ومزودي الخدمات تمر عبر حسابات أجنبية، بما يفرض تأخيرات ويضيف تكلفة صرف مزدوجة تصل إلى 3-5% من كل معاملة، وهو استنزاف مباشر للعملات الأجنبية والسيادة المالية. في المقابل، تكشف المؤشرات المستقبلية عن فرص استراتيجية واعدة؛ إذ يُتوقع أن يبلغ حجم سوق الطيران في الشرق الأوسط 33.7 مليار دولار بحلول 2029 بمعدل نمو سنوي 4.4%، فيما تخطط المطارات لاستثمار 151 مليار دولار حتى 2040 لاستيعاب أكثر من مليار مسافر سنويًا. أمام هذه التحديات والفرص، تبرز مبادرة "العملة الجوية العربية"(AAC) – Arab Air Currency كمنظومة مالية رقمية قادرة على خفض التكاليف وتسريع التسويات وتقليص الاعتماد على المصارف الأجنبية، بما يعزز التكامل المالي والتشغيلي ويكرّس مكانة المنطقة كمحور عالمي للنقل الجوي والاستثمار. ماهية العملة الجوية وأهميتها العملة الجوية ليست مجرد رقم أو رمز رقمي او بديلًا للعملات الوطنية او عملة مشفرة مضارِبة، بل تمثل نظامًا ماليًا ذكيًا ومبتكرًا صُمم خصيصًا لخدمة قطاع الطيران. يمكن تخيّلها ك "نقود رقمية خاصة بالطيران"، تعمل ضمن شبكة آمنة ومشفّرة تُعرف بتقنية سلسلة الكتل – مدعومة باحتياطي نقدي كامل وتدار من قبل جهات مؤسسية وهي تقنية حديثة تتيح تسجيل العمليات المالية وتبادل المعلومات بطريقة شفافة وغير قابلة للتزوير. ببساطة، "العملة الجوية" هي نقود رقمية ذكية ومستقرة، تستخدم لتسهيل الدفع الفوري في ثوانٍ وبتكاليف أقل وبدرجة أمان عالية بين شركات الطيران والمطارات ومزودي الخدمات وحتى المسافرين.. ما الذي يميز العملة الجوية عن غيرها؟ تتميز "العملة الجوية" بأنها أكثر من مجرد وسيلة دفع، إذ توفر منظومة مالية رقمية متكاملة لقطاع الطيران. فهي تتيح تسويات مالية فورية في أقل من 60 ثانية، مقارنةً ب 3–7 أيام عبر الأنظمة البنكية التقليدية. ووفقًا لدراسات المنتدى الاقتصادي العالمي وIATA حول كلفة التسويات العابرة للحدود، فإن الأنظمة التقليدية تُحمّل شركات الطيران أعباء إضافية قد تصل إلى 80% من كلفة التحويلات، بما في ذلك رسوم البنوك الوسيطة وتبديل العملات الذي يضيف 2–5% على كل معاملة. وبالتالي، ستسهم "العملة الجوية" في تقليص هذه الأعباء المالية بشكل جوهري، معززة الكفاءة وخفض التكاليف على مستوى القطاع بأكمله. وإلى جانب ذلك، تضمن استقرارًا نقديًا عبر ربط قيمتها بعملة رئيسية او سلة عملات مدعومة باحتياطي نقدي كامل 100%، مما يجعلها أكثر أمانًا من العملات المشفرة. كما تحقق سيادة مالية تقلل الاعتماد على البنوك الوسيطة والعملات الأجنبية، وتفتح آفاقًا لتمويل مرن للمشاريع الجوية في الأسواق الناشئة، وتعزز الابتكار من خلال برامج رقمية ذكية في الولاء والتسعير وإدارة الخدمات، مقترح لتسمية العملة الجوية العربية في إطار مشروع "العملة الجوية العربية"، يُطرح مقترح اعتماد تسمية مستوحاة من العملات التاريخية والإسلامية التي شكّلت جزءًا من ذاكرة المنطقة. ويمكن النظر في ثلاث خيارات رئيسية وهي: الريال الجوي: يمتاز بعمق تاريخي وانتشار شعبي، ويرمز إلى الاستقرار والقوة الاقتصادية. الدرهم الجوي: ذو جذور حضارية عريقة ويعكس وحدة التعامل التجاري والثقة في الاستقرار. الدينار الجوي: ارتبط بالهيبة والسيادة، ويعطي انطباعًا بالقوة والرمزية المالية العالية الآلية المقترحة لتغطية العملة الجوية: نموذج القيمة المعادلة (Pegged Aviation Coin) يقترح نموذج القيمة المعادلة ربط العملة الجوية بعملة عربية أو دولية رئيسية (مثل الدولار أو الريال أو الدرهم) أو بسلة عملات مختارة، بحيث تُعادل 1 Aviation Coin وحدة واحدة من العملة المرجعية. ويقوم النظام على خمس ركائز رئيسية: 1. ربط مباشر بالقيمة الاسمية تعلنه جهة إصدار رسمية، لضمان استقرار العملة وسهولة اعتمادها في التسويات. 2. احتياطي نقدي كامل ومدار بكفاءة تحت إشراف بنك مركزي أو صندوق طيران إقليمي، مع تنويع الأصول بين نقد وسندات قصيرة الأجل وودائع مضمونة، بما يوازن بين الأمان والعائد. 3. منصة تبادل رقمية متخصصة تسمح بتداول واسترداد العملة واستخدامها في المدفوعات والخدمات الجوية (التذاكر ورسوم المطارات والتمويل التشغيلي) 4. آلية تحوط مزدوجة لحماية القيمة من تقلبات العملات المرتبطة، وخاصة عند الاعتماد على سلة عملات بدلاً من عملة واحدة. 5. حوكمة مؤسسية متعددة الأطراف تضم جهة طيران إقليمية وسلطة مالية رقابية، ومدقق خارجي مستقل، بما يضمن الشفافية والمصداقية. وإضافة إلى هذه الركائز، تقتضي الآلية: * مواءمة قانونية إقليمية من خلال اتفاق رسمي بين سلطات الطيران المدني والبنوك المركزية العربية، لضمان الشرعية والقبول عبر الحدود. * قابلية التشغيل البيني (Interoperability) تتيح العملة الجوية العربية التكامل السلس مع مختلف الأنظمة المالية وتقنيات الحجز والدفع العالمية وأنظمة المقاصة والتسوية الدولية مثل IATA Clearing House، بما يعزز السيولة والاعتراف الدولي. * تكامل استراتيجي مع عملات البنوك المركزية الرقمية (CBDCs) القائمة أو المرتقبة، مثل الدرهم الرقمي الإماراتي والريال الرقمي السعودي، لتفادي التداخل وتعزيز فرص التعاون النقدي. * أمن سيبراني متقدم يعتمد على شبكات سلسلة التكتل مرخّصة (Permissioned Blockchain)، مع أنظمة مراقبة آنية وتدقيق دوري لضمان الحماية والاستمرارية. * بهذا الشكل، تتحول العملة الجوية من مجرد أداة تسوية مالية إلى بنية تحتية سيادية رقمية تدعم استقرار التدفقات النقدية و تقلل التكاليف، وتعزز مكانة المنطقة كمركز عالمي للنقل الجوي والاستثمار. مؤشرات ومبادرات نحو رقمنة المنظومة المالية للطيران يشهد قطاع الطيران العالمي والعربي تحولًا متسارعًا نحو الرقمنة مدفوعًا بالحاجة إلى رفع الكفاءة وتسريع التسويات المالية. فقد أطلقت أوروبا مبادرات مثل Digital Euro Aviation، واعتمدت IATA برامج One ID & Digital Finance، فيما بدأت شركات ك airBaltic وLOT Polish Airlines بدمج العملات الرقمية في أنظمة الدفع. أما آسيويًا، فقد برزت تجارب سنغافورةواليابان، إلى جانب تجارب الصين (e-CNY) والسويد (e-Krona) وأوروبا (Digital Euro) التي تستهدف دمج السياحة والنقل. عربيًا، تم رقمنة نحو 85% من معاملات طيران ناس، وأنشأت العربية للطيران تحالفًا رقميًا متكاملًا، فيما اعتمدت 60% من مطارات الخليج تقنيات سلسلة الكتل Blockchain))، لتسوية الرسوم، إلى جانب مبادرات مبتكرة مثل "طيران بلا ورق" في السعودية، ومختبر الابتكار في قطر، وخطط الإمارات لإطلاق الدرهم الرقمي. ورغم غياب إطار عربي إقليمي موحد حتى الآن، تناول مجلس الوحدة الاقتصادية العربية (2021) العملات الرقمية ضمن توجهه لبناء اقتصاد رقمي عربي، وتمثل هذه الجهود الأولية أساسًا نظريًا يمكن البناء عليه لتوحيد الإطار القانوني العربي في مجال العملة الجوية العربية. في هذا السياق، تأتي العملة الجوية العربية كخطوة طبيعية في مسار الابتكار الرقمي للنقل، مستلهمة من نجاح أنظمة النقل الموحدة مثل Oyster في لندن، Suica في اليابان، وNol في دبي، لكنها تتفوق عليها بكونها أول عملة رقمية متخصصة للطيران العربي، تجمع بين تسوية المعاملات الفورية وتمويل البنية التحتية لتخلق سوقًا جوية موحدة وواعدة للاستثمار." وتتجاوز العملة الجوية العربية دور IATA Clearing House الذي يعتمد على الدولار واليورو، لتوفر وحدة رقمية إقليمية مستقلة تقلل الاعتماد على العملات الأجنبية وتحمي القطاع من تقلباتها. كما تشمل المنظومة جميع حلقات السفر والسياحة (شركات الطيران، المطارات، الفنادق، والخدمات)، و تتيح استخدامًا مباشرًا للمسافرين وتفتح آفاقًا لبرامج ولاء متكاملة تتجاوز النماذج الحالية Star Alliance)، oneworld)، لتشكل اقتصادًا جويًا رقميًا شاملاً مدعومًا بتجارب عالمية أثبتت جدواها. العملة الجوية العربية: تصميم ثلاثي الطبقات لمنظومة مالية ذكية في الطيران يقترح نموذج العملة الجوية العربية (AAC) تصميمًا ثلاثي الطبقات يضم بعدًا تقنيًا واقتصاديًا، وتشغيليًا تحت حوكمة مؤسسية عربية مشتركة، مع مراعاة الأطر القانونية الدولية والتكامل مع الأنظمة العالمية. * البعد التقني: يعتمد النظام على سلسلة الكتل الائتلافية بإدارة عربية، مدعوم ب تشفير وهوية رقمية (KYC)، وغرفة مقاصة إقليمية للتسويات المالية، مع دعم الاستدامة البيئية ودمج الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.. * البعد الاقتصادي: تربط العملة بوحدة نقدية ثابتة (دولار أو عملة عربية) او سلة عملات مدعومة باحتياطي متنوع 100) % نقد وسندات وأصول تشغيلية)، مع إمكانية ربطها بمؤشرات تشغيلية مثل إشغال المقاعد أو الأداء البيئي لتعزيز الاستدامة والمرونة. * البعد التشغيلي: يتضمن معايير تشغيلية مفتوحة (API/Standards) لضمان التكامل مع الأنظمة المالية العالمية كأنظمة الحجز العالمية Amadeus) و(Sabre ومنصات الدفع Visa) و(Mastercard ويُستخدم مباشرة في شراء الخدمات الجوية، مع دعم برامج ولاء وتمويل رقمي داخلي. * ويتم إشراف العملة من خلال جهة إصدار مركزية عربية تحت رقابة مشتركة بين هيئة مالية عربية ومنظمة طيران إقليمية، مع تطبيق إجراءات أمن سيبراني متقدمة و تدقيق خارجي، ومراقبة آنية لضمان حماية المعاملات واستمرارية النظام. الأثر الاقتصادي والتشغيلي للعملة الجوية العربية: مكاسب ذكية متعددة الأبعاد اعتماد العملة الجوية العربية سيحدث تحولًا نوعيًا في اقتصاديات الطيران العربي عبر أبعاد مترابطة: 1. خفض التكاليف البنكية: تشير تقديرات IATA إلى إمكانية تقليص كلفة التسويات والمعاملات بين 1.2 و1.6 مليار دولار سنويًا، مع تسريع المعاملات وخفض الرسوم التقليدية بنسبة تصل إلى 80%. 2. تحسين إدارة السيولة: التسويات الفورية خلال ثوانٍ تعزز كفاءة إدارة السيولة بنسبة 20% في شركات الطيران والمطارات، وتقلل الاعتماد على العملات الأجنبية، محمية من تقلبات أسعار الصرف. 3. خفض تكاليف المستهلكين وتحفيز السوق: يقلل النظام رسوم المعاملات، ما قد يخفض أسعار التذاكر ويعزز تجربة السفر، مع ضرورة برامج توعية لضمان فهم مزايا العملة وثقة المستخدمين. 4. تمويل مبتكر للبنية التحتية: توفر أدوات مالية رقمية مثل السندات المشفرة وصناديق التمويل اللامركزي فرص تمويل بمليارات الدولارات خلال أول خمس سنوات، لدعم تطوير البنية التحتية الذكية للطيران. 5. تعزيز التكامل الإقليمي والسوق التنافسية: تعمل العملة كبرنامج ولاء موحد بين جميع شركات الطيران المشاركة، مع إمكانية استخدامها في التذاكر والترقيات، ودخول صالات المطارات، مما يسهل التحالفات ويخلق سوق طيران عربي متكامل. 6. تحفيز السياحة والخدمات الإقليمية: تجربة سفر سلسة عبر شبكة موحدة تشمل الطيران والفنادق، واستئجار السيارات، مع تقليل الحاجة لتحويل العملات، ما يزيد حركة الأفراد ويعزز مساهمة قطاع السياحة. 7. بوابة للابتكار الرقمي: تدعم العملة حلول FinTech وتقنيات العقود الذكية لتأمين السفر وتسوية التعويضات فورياً، مما يعزز التحول الرقمي في القطاع. 8. . تعزيز الاستدامة البيئية: تدعم العملة الجوية الاستدامة البيئية من خلال تبني تقنيات سلسلة الكتل منخفضة استهلاك الطاقة، مثل آلية 'إثبات الحصة – Proof-of-Stake'، بما يضمن توافق المبادرة مع أهداف الطيران الأخضر العالمية ويعزز مكانة القطاع كقائد في التحول الرقمي المستدام." مجتمعة، تعزز هذه المكاسب استدامة قطاع الطيران العربي واستقلاله المالي، وكفاءته التشغيلية، مع تمكين المنطقة من مركزية قيادية في الاقتصاد الجوي الرقمي. التحديات والإطار القانوني رغم ما تحمله مبادرة العملة الجوية العربية (AAC) من فرص استراتيجية، فإن نجاحها مرهون بتجاوز تحديات متعددة تشمل الأمن السيبراني وهشاشة البنية الرقمية في بعض الدول وتباين السياسات النقدية والتشريعية، وضعف التنسيق الإقليمي. كما يشكّل البعد الضريبي والامتثال الدولي عنصرًا حاسمًا، إذ يتطلب مواءمة العملة مع ضريبة القيمة المضافة (VAT)، ورسوم المطارات، والضرائب المرتبطة بالوقود والطيران، إلى جانب الالتزام بالمعايير الدولية مثل OECD BEPS لمكافحة التهرب الضريبي و FATF لتعزيز الشفافية ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ولضمان القبول العالمي واستدامة المبادرة، ينبغي وضع إطار قانوني وحوكمي متكامل يوازن بين التشريعات الوطنية والالتزامات الدولية، مع توفير آليات عملية للامتثال والحد من المخاطر الجيوسياسية. إضافة إلى ذلك، يبرز البعد التنافسي مع العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، حيث تسعى دول رائدة مثل الإمارات والسعودية لتطوير عملاتها الرقمية السيادية. ولتفادي التعارض، يجب أن يُصمم المشروع بحيث تعمل "العملة الجوية" كطبقة تطبيقية متخصصة داعمة لهذه العملات، لا كمنافس لها، مما يضمن تكاملها ضمن النظام المالي الرقمي الأوسع. نظرة نقدية واقعية ورغم جدواها الاقتصادية والتقنية، فإن المبادرة لا يمكن أن تنجح بالاعتماد على الابتكار التكنولوجي وحده. فالتحدي الحقيقي يكمن في بناء توافق سياسي بين الدول العربية، وهو ما أعاق بعض المشاريع التكاملية سابقا. كما أن التكامل مع الأنظمة البنكية القديمة (Legacy Systems) التي استثمرت فيها شركات الطيران مليارات الدولارات لن يكون أمرًا سهلاً. إضافة إلى ذلك، ستواجه العملة فور دخولها التداول عبر الحدود شبكة صارمة من التشريعات الدولية التي تتطلب التزامًا كاملًا بالحوكمة والشفافية. لذا، فإن النجاح مرهون بمزيج من البراعة التقنية والدبلوماسية الاقتصادية القادرة على تحويل التحديات إلى فرص عملية. الركائز الاستراتيجية للسيادة والثقة لكي تتحول المبادرة إلى منظومة مالية مستقرة ومستدامة، ينبغي تأسيسها على أربع ركائز رئيسية: 1. حماية المستهلك: إنشاء صندوق سيادي لتعويض المسافرين في حالات الإفلاس او الإلغاء او التأخير أو ضياع الأمتعة، وفق المعايير الدولية، مع توفير تطبيقات رقمية (Mobile Wallets) لضمان سهولة الوصول والشفافية، بما يعزز ثقة المستخدم واستقرار سوق النقل الجوي. 2. الحوكمة الرشيدة: عبر اعتماد نموذج تصويت هجين يوازن بين سيادة الدول ومساهمتها الفعلية، بما يضمن عدالة صنع القرار ومرونته. 3. احترام السيادة النقدية: من خلال التكامل المباشر مع البنوك المركزية باستخدام واجهات برمجة حديثة تتيح مراقبة التدفقات المالية وحماية الاقتصادات الوطنية. 4. السيادة الرقمية: بتوطين البيانات والمعاملات داخل المنطقة العربية، بما يرسّخ الاستقلالية ويعزز أمن المعلومات في العصر الرقمي. وفيما يخص المطارات وشركات الطيران ومقدمي الخدمات يتحقق بناء الثقة في العملة الجوية العربية من خلال حوكمة مؤسسية مستقلة، ووجود احتياطي نقدي كامل يضمن استقرار قيمتها، بالإضافة إلى تسويات مالية فورية وشفافة. كما يرتكز النظام على الالتزام بالمعايير القانونية والدولية مثل FATF وOECD BEPS والضرائب، مع تكامل سلس مع الأنظمة الوطنية والعملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs). وتعزز تقنيات الأمان السيبراني المتقدمة، إلى جانب حوافز اقتصادية ملموسة كخفض رسوم المعاملات وبرامج الولاء، من اعتماد العملة بشكل موثوق ومربح، لتصبح خيارًا استراتيجيًا للشركاء في قطاع الطيران العربي. خارطة الطريق التنفيذية للعملة الجوية العربية والتوصيات الاستراتيجية لضمان النجاح والتكامل الإقليمي تبنى خارطة الطريق عبر خمس محاور استراتيجية." 1. القيادة المؤسسية والحوكمة إعداد إطار قانوني عربي موحّد للعملات الرقمية الجوية بالتنسيق مع وزارات المالية والبنوك المركزية. قيادة المشروع عبر المنظمة العربية للطيران المدني بالتعاون مع مجلس الوحدة الاقتصادية والبنوك المركزية، مع إنشاء هيئة مستقلة للعملة الجوية لإصدار وإدارة العملة وضمان استقرار قيمتها، تحت إشراف مجلس حوكمة إقليمي يمثل سلطات الطيران، البنوك، والخبراء المتخصصين. 1. البنية التحتية والتمويل تأسيس صندوق التحول الرقمي للطيران لدعم تطوير النظام التقني والتجربة التشغيلية، وتكامل العملة مع الأنظمة المالية، مع تمويل من الصناديق السيادية والمؤسسات المالية الإقليمية. 1. التنفيذ المرحلي والتكامل الوطني والإقليمي - المرحلة التجريبية: البدء في عدد محدد من الدول العربية ذات الاقتصادات القوية والبنية التحتية المتقدمة، بتطبيق تجريبي في 3–5 مطارات مختارة ضمن بيئة تنظيمية تجريبية Regulatory Sandbox لتقييم الجاهزية الفنية والتشغيلية والرقابية. - المرحلة التوسعية: التدرج في ربط المحافظ الرقمية لشركات الطيران والمسافرين، والتكامل مع الأنظمة الوطنية وأنظمة الدفع، بالإضافة إلى مواءمة تدريجية مع العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، مع ضم الدول الأكثر جاهزية إلى المنظومة. - مرحلة النضوج: استكمال إدماج جميع الدول العربية في سوق مالي رقمي موحد لقطاع الطيران، بما يضمن تسويات فورية وفعّالة، ويعزز التكامل مع استراتيجيات التحول الرقمي والتنمية المستدامة الإقليمية. 1. تحفيز الابتكار والاعتماد تقديم حوافز لشركات الطيران لاعتماد المحافظ الرقمية ودعم البحث والتطوير عبر مختبرات الابتكار، وتعزيز التكامل مع CBDCs لدعم السياسات النقدية الوطنية. الخاتمة: وقت القيادة الرقمية العربية في السماء العملة الجوية ليست مجرد أداة مالية، بل رمز للسيادة العربية واستراتيجية لبناء اقتصاد طيران مستقل ومستدام. تجارب العملات الرقمية أثبتت قدرتها على خفض التكاليف التشغيلية وتحسين الكفاءة المالية، ويتوقع أن تحقق العملة الجوية العربية عوائد تراكمية بين 25–35% خلال 5–7 سنوات، مع تعزيز برامج الولاء وتحفيز السياحة البينية. "إن تبنّي المنظمة العربية للطيران المدني لهذه المبادرة، مقرونًا بإعداد دراسة جدوى متعمقة وتشكيل لجنة تأسيسية عربية بالشراكة مع البنوك المركزية والجهات التقنية، يوفر الأساس العملي لتحويل هذه الفكرة إلى منظومة قابلة للتنفيذ. وفي حال عدم توفر الجاهزية الفورية، فإن هذه الخطوات تضمن على الأقل إنتاج إطار إرشادي مؤسسي يُعتمد لاحقًا عند اكتمال المتطلبات الفنية والتشريعية.". لقد حان وقت التحول من استهلاك الحلول إلى صناعتها... من التبعية إلى القيادة الرقمية العربية في السماء. *دكتوراه في اقتصاد وإدارة مؤسسات الطيران