كانت الحرية والاستقلال هدفًا وغاية لكل الأحرار والشرفاء من أبناء اليمن، ولهذا ناضلوا وقاموا بالثورات المتتالية، وقدموا التضحيات الكبيرة ليتحقق لبلدهم السيادة والحرية. فثورة ال26 من سبتمبر الخالدة، التي انطلقت في أواخر عام 1962م، رفعت شعار "التحرر من الاستبداد والاستعمار" كأول أهدافها، وعلى نهجها أتت ثورة ال14 من أكتوبر، رافعة شعار "التحرر من الاستعمار"، وكذلك ثورة ال21 من سبتمبر التي تبنّت نفس الأهداف: "التحرر من التبعية والوصاية". في ذلك تأكيد على وحدة المسار الثوري في كل الثورات، فكل ثورة تلت ال26 من سبتمبر جاءت لتجدد الأهداف وتواصل مسيرة النضال الخالد الذي خاضه شعبنا لعقود من الزمن، واجه خلالها مؤامرات كثيرة وتدخلات إقليمية ودولية عرقلت فيما مضى الوصول إلى تحقيق الاستقلال والتحرر بمعناه الشامل للقرار السياسي والاقتصادي والتنموي. مرحلة جديدة اليوم، ونحن نحتفل بالعيد ال63 لثورة ال26 من سبتمبر الخالدة، نستذكر محطات هامة من مسارات الثورة، وكيف واجهت التآمر منذ يومها الأول، خصوصًا العداء السعودي لمشروع التحرر الذي أطلقته ثورة ال26 من سبتمبر، فجاء التدخل العسكري السعودي لوأد الثورة في مهدها، لكن صمود الثوار في الدفاع عن ثورتهم وعن العاصمة صنعاء في حرب السبعين يومًا (من 28 نوفمبر 1967 إلى 7 فبراير 1968م) جعل النظام السعودي يستسلم لليأس من تحقيق أهدافه والنيل من ثورة الشعب اليمني، فاتجه في عام 1970م إلى مرحلة جديدة من المؤامرات من خلال الاعتراف الصوري بالنظام الجمهوري، مقابل ضمان تدخله في الشأن الداخلي اليمني عبر نفوذ عملائه من شخصيات قبلية وقوى اجتماعية وسياسية وعسكرية، بما يعني إفراغ ثورة سبتمبر من أهدافها. اغتيال الحمدي مثّل تدخل النظام السعودي في اليمن نقطة الخلاف الرئيسية مع الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، الذي تولى حكم اليمن (1974–1977م)، ومشروعه لاستعادة أهداف ثورة ال26 من سبتمبر، والسيادة، والتحرر من التدخلات الخارجية، وعلى رأسها التدخل السعودي. حينها، لم يرق للسعودية ذلك التوجه الذي بدأ بتقييد أيادي الموالين لها الذين كانت توجههم لخدمة سياستها وعرقلة أي توجه اقتصادي أو تنموي يمكن أن يحقق النهوض في اليمن. هنا، سعت السعودية في مؤامرة واضحة للتخلص من الرئيس إبراهيم الحمدي، وجندت من خلال تواصل الملحق العسكري السعودي (الهديان) مع بعض المشايخ والقادة العسكريين من قام بمهمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي واغتيال مشروعه الوطني، وبذلك ضمنت السعودية عودة تدخلها في اليمن. انتصار الإرادة استمر النظام السعودي في التدخل في شؤون اليمن بعد أن ضمن ولاء من كان يسميهم بالأصدقاء، ويصرف لهم مرتبات مجزية عبر اللجنة الخاصة التي كانت مسؤولة عن ملف اليمن، حيث شمل التدخل السعودي كافة مفاصل القرار السياسي والاقتصادي. إلى أن جاءت ثورة ال21 من سبتمبر في عام 2014م، التي قطعت أيادي التدخلات الخارجية في اليمن، وتبنت إرادة الشعب اليمني في الخروج من عباءة الوصاية ولفظ كل العملاء العابثين بثروات اليمن. حينها، أدرك النظام السعودي أن الأمور في اليمن خرجت عن سيطرته، فشن في 26 مارس 2015م، ومعه النظام الإماراتي، تحت مسمى "التحالف العربي" المدعوم أمريكيًا وإسرائيليًا، عدوانًا غاشمًا على اليمن استمر نحو تسع سنوات، أفصح عن حقده الدفين وعدائه التاريخي للشعب اليمني، وكذلك أطماعه في احتلال أجزاء من الأرض اليمنية. ومع وحشية العدوان واستهدافه لكل المقدرات والإمكانات، واجهه شعبنا اليمني بكل بسالة واقتدار، مؤكدًا تمسكه بأهداف ثورته وقيادته الوطنية ونهجها القرآني، فنجح اليمن مجددًا في الانتصار للسيادة والاستقلال والحرية والكرامة. العداء البريطاني كما نعرف جميعًا، فإن ثورة ال26 من سبتمبر كانت الملهم والمحرك لثورة ال14 من أكتوبر التي انطلقت شرارتها في عام 1963م ضد الاستعمار البريطاني في جنوباليمن، حيث امتزجت دماء أبناء اليمن الواحد في الدفاع عن ثورة ال26 من سبتمبر، وكذلك في مقارعة المستعمر البريطاني، الذي ناصب العداء لكل أبناء اليمن، وحاول بالوسائل العديدة، وعبر أدواته في المنطقة، عرقلة الثورة في شمال اليمن، وزرع بذور الفتنة بين الثوار في جنوباليمن (جبهة التحرير والجبهة القومية)، والحيلولة دون تحقيق مطلب الثورة في إعادة الوحدة الوطنية وترميم النسيج الاجتماعي اليمني الذي عمل الاستعمار البريطاني على تفكيكه عبر سياسة "فرّق تسد" التي انتهجها طيلة احتلاله لجنوباليمن. ورغم خروج بريطانيا مجبرة في 30 نوفمبر 1967م من عدن، إلا أن أطماعها ومؤامراتها ظلت حاضرة بشكل غير مباشر في اليمن، وبرز العداء البريطاني في السنوات الأخيرة بشكل واضح من خلال دعمها للعدوان السعودي والإماراتي على اليمن في عام 2015م، ومن ثم اشتراكها بشكل مباشر مع أمريكا في عام 2024م في العدوان على الشعب اليمني، واستمرار بريطانيا في انتهاج العداء لليمن إلى اليوم. العداء الصهيوني منذ عام 1973م، ومن قبله، كان الكيان الصهيوني ينظر إلى مضيق باب المندب، الذي تطل عليه وتتحكم فيه اليمن، نظرة الطامع والخائف من وجود أو ظهور أي توجه يمني حقيقي لاستغلال هذا الموقع، فكان يستعين ويشارك في مؤامرات القوى الاستعمارية، خصوصًا بريطانياوأمريكا وأياديهما في المنطقة، لإبقاء اليمن تحت وصايتهم وضمان عدم تهديده للوجود الصهيوني في المنطقة. وعندما استشعر العدو الصهيوني خطر وجود الرئيس الحمدي على رأس السلطة في اليمن، وبالتحديد عقب مؤتمر البحر الأحمر الذي عقد بمدينة تعز في مارس 1977م، وتمت الدعوة إليه من قبل الرئيسين الشهيدين الحمدي وسالمين، وكان الغرض منه توحيد جهود الدول المطلة على البحر الأحمر لمواجهة التدخلات الأجنبية، سعى بكل الوسائل، بل وشارك حسب المعلومات المؤكدة، إلى جانب قوى إقليمية في التخطيط لاغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي. وبعد قيام ثورة ال21 من سبتمبر 2014م، أفصح الصهاينة عن عدائهم الصريح لهذه الثورة التي وصفوها بالأخطر من السلاح النووي، فشاركوا قوى العدوان في السنوات الماضية، ومن ثم شن العدو الصهيوني عدوانه المباشر والمستمر إلى الآن للقضاء على الثورة اليمنية التي غيرت المعادلة، وأثبتت الأيام أنها من أنجح الثورات، ومن ثمارها الموقف اليمني المشرف والداعم للمقاومة الفلسطينية، والمشاركة المباشرة في المعركة ضد العدو الصهيوني، وحصاره بحريًا باستهداف سفنه أو تلك التي تزوده بالسلع والبضائع، وحرمانها من الإبحار عبر البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي، وهو ما أثر في اقتصاد العدو الصهيوني وجعله تحت تهديد ونيران الصواريخ اليمنية والطائرات المسيّرة التي وصلت إلى أبعد مما كان يتوقعه العدو. اليمن المنشود وفي ظل استمرار العدوان الصهيوني والأمريكي والبريطاني على اليمن، واستمرار التآمر السعودي على الاقتصاد اليمني ومماطلته في استحقاقات السلام، يؤكد شعبنا اليمني وقيادته الثورية والسياسية التمسك بأهداف الثورة اليمنية: ال26 من سبتمبر، وال21 من سبتمبر، وال14 من أكتوبر، وحقه في الاستقلال والسيادة المطلقة، والاستمرار في النضال الثوري حتى يتم تحرير كامل الأرض اليمنية من كل مستعمر ومحتل. ونختتم هذه السطور بما أكده رئيس المجلس السياسي الأعلى، المشير الركن مهدي محمد المشاط، في خطابه التاريخي بمناسبة العيد ال63 لثورة ال26 من سبتمبر، حين خاطب الشعب اليمني بأنهم، وكما كانوا أوفياء ومتيقظين أمام التلاعب بأهداف ال26 من سبتمبر، فهم اليوم يخوضون معركة الدفاع عن ثورة ال21 من سبتمبر في وجه الطامعين. وأكد أن تلاحمهم وتعاضدهم وتوجيهات القيادة ستقودهم إلى اليمن المنشود: يمن العزة والحرية والكرامة.