يصادف يوم غدٍ الثلاثاء الموافق 14 أكتوبر 2025م اكتمال العام الثاني والستين لقيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة، التي انطلقت من جبال ردفان الشماء معلنةً بداية الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، وقد شكّلت لها صنعاء خلفية نضالية، واحتضنت تعز وإب وجبلة رجالها ومناضليها، حيث كان قادتها يعقدون اجتماعاتهم ومؤتمراتهم فيها، ويتلقون الدعم عبرها طيلة فترة الكفاح المسلح التي امتدت خمسة أعوام، فتحقق الاستقلال الناجز وبُنيت الدولة المستقلة. لكن ما يدعو للأسف، بالنسبة لنا كيمنيين، خاصةً في هذه الأيام، هو أن نحتفل للعام العاشر على التوالي بذكرى ثورة 14 أكتوبر المجيدة، بعد أن اختلت الموازين؛ إذ أصبحت عدن، التي كان يُطلق عليها "لؤلؤة الجزيرة والخليج" وكانت تشكّل القبلة الاقتصادية لعدد من الدول، ويُعد ميناؤها ثاني ميناء في العالم من حيث الأهمية بعد ميناء نيويورك، محتلةً مع بقية المحافظاتالجنوبية والشرقية من قبل أعراب الإمارات والسعودية، العدو التاريخي لليمن. مع أن ثورة 14 أكتوبر، بفضل رجالها، هي من استطاعت أن تُحجّم بريطانيا وتقضي على أسطورة "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"، فطردت الاستعمار البريطاني من جنوب الوطن اليمني، وحققت الاستقلال في 30 نوفمبر عام 1967م، لتصبح أكثر من عشرين سلطنة ومشيخة ومحمية أنشأتها بريطانيا دولةً ذات سيادة، أُطلق عليها اسم "جمهورية اليمنالجنوبية الشعبية"، ثم عُدّل اسمها فيما بعد نتيجة لصراع الرفاق على السلطة إلى "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، فشكّلت رقمًا صعبًا في منطقة الجزيرة والخليج. وفي 22 مايو، تمّت إعادة توحيد الوطن اليمني بشطريه الشمالي والجنوبي، فولدت دولة "الجمهورية اليمنية"، لتزداد اليمن قوةً وأهميةً في المنطقة، فكانت وستظل الشمعة المضيئة في سماء الأمة العربية، وكادت تستمر على هذا النحو لولا أن سوء إدارة دولة الوحدة من قبل من كانوا يتحكمون في صنع القرار قد أوقف عجلة انطلاقتها، وأتاح الفرصة لتدخل الخارج في الشأن اليمني الداخلي، وتطوّر هذا التدخل الخارجي إلى شنّ عدوان ظالم على اليمن وشعبه العظيم لم يشهد له التاريخ مثيلًا. ومن هنا، لا بد أن نعود في هذه المناسبة الوطنية قليلًا إلى الوراء للحديث عن عدن وأهميتها التاريخية، وكيف كانت تتصارع الدول الاستعمارية على احتلالها، وما الأسباب التي جعلت بريطانيا تكون هي الكاسب الأكبر، حيث استطاعت أن تحتل عدن وتنشئ حولها المحميات انطلاقًا من مبدأ "فرّق تسد"، وهو ما جعلها بهذه السياسة الاستعمارية تستمر في عدن 129 عامًا، ولم تخرج إلا بقوة السلاح ومقاومة الثوار الأبطال لاحتلالها. لقد كانت عدن، ولا تزال إلى اليوم، محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي، ومن ثم السيطرة على المحيط الهندي، والحصول على الهيمنة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة. وما تقوم به اليوم أدوات بريطانيا في المنطقة، السعودية والإمارات، خير دليل على الأهمية التاريخية لعدن. فتوالت على عدن الكثير من القوات والدول المستعمرة، لا يتسع المجال هنا لذكرها، ولم يكن الاستيلاء على عدن هو غاية ما تبغيه بريطانيا وأدواتها في المنطقة، وإنما كان هذا الاستيلاء بمثابة نقطة للتوسع وبداية الانطلاق لتأكيد النفوذ البريطاني في جنوباليمنوالبحر الأحمر وعلى الساحل الشرقي الإفريقي، وكذلك لإبعاد أي ظل لقوى أخرى. هذه نبذة موجزة عن الأسباب التي تعللت بها بريطانيا لاحتلال عدن والسيطرة على جنوباليمن، والتي استمرت حتى العام 1967م، وتحاول إعادة الكرة عبر أدواتها في المنطقة من جديد. إن ثورة 14 أكتوبر قد ضمنت استمراريتها النضالية بعد أن وجدت لها ظهرًا قويًا وداعمًا تمثّل في عملية التغيير التي تمت في صنعاء عام 1962م، وهو ما يؤكد على واحدية النضال اليمني في الشمال والجنوب، لا سيما أن التغيير في صنعاء كان من ضمن أهدافه التحرر من الاستعمار الذي كان جاثمًا في الجنوب، فجاءت ثورة 14 أكتوبر لترتبط به بدليل عملي وترتيب مرسوم كفل لها الإمداد والخلفية النضالية وقوة الانطلاقة. ولولا التدخل الخارجي في الشأن اليمني بعد إعلان النظام الجمهوري بديلًا عن النظام الملكي، والذي سمح به حكام الشمال، لكان اليمن اليوم هو الأول في المنطقة وليس الأخير، كما أراد له العملاء والتابعون من الحكام أن يكون كذلك، حيث تحولت الساحة اليمنية إلى ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية ودولية، ولا يزال بقاياهم يقبعون في فنادق الرياض وأبو ظبي وغيرها من العواصم الأخرى، يحرضون الخارج على احتلال بلدهم في مقابل ثمن بخس يُدفع لهم نظير خيانتهم لوطنهم. ولا ننسى في هذه المناسبة أن نؤكد بأن كل مدن ومناطق ما كان يُعرف ب"الجمهورية العربية اليمنية" قد مثّلت لثورة 14 أكتوبر خط النسق الرئيسي والتكوين الأساسي لعناصر القوة الفاعلة والمنظمة، ضمانًا لاستمراريتها حتى تحقق النصر ضد المحتل البريطاني. كما كانت ساحة الشمال اليمني بالنسبة لثوار 14 أكتوبر بمثابة محطة الاستراحة والتهيئة المنظمة للتحرير، وهذا التداخل الفطري والتلقائي يثبت واحدية النضال اليمني عمومًا. ولذلك، من الطبيعي جدًا أن تكون فرحة أبناء الشعب اليمني شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا عظيمة وواحدة بذكرى إنجاز الاستقلال والانتصار على بريطانيا العظمى، على الرغم من بعض الآلام والأوجاع التي كانت تهيمن حينها بسبب مؤامرة المستعمر الانتقامية بعد خروجه من الجنوب صاغرًا. واليوم، والشعب اليمني يحتفل بالعيد الثاني والستين لثورة 14 أكتوبر المجيدة في ظل احتلال جديد لجنوب الوطن اليمني، بسبب تقاعس أبناء وأحفاد ثوار 14 أكتوبر وتعبئتهم الخاطئة ضد إخوانهم في الشمال، فإن موعدهم مع القدر آتٍ لا محالة، ليخوضوا معركة تحرير جديدة ومقاومة العدوان الظالم على اليمن وشعبه العظيم، وجعل أرض اليمن مقبرة للغزاة والمحتلين ولوكلاء الغرب من العملاء والمرتزقة، حتى تتجلى الحقيقة أكثر وأكثر، ويعود جنوب الوطن اليمني إلى حضن أبنائه محررًا، وتُخرج أدوات بريطانيا منه إلى غير رجعة بإذن الله تعالى.