مع تأكّيد قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي؛ بأنَّ "الشعب الإيراني لن يخضع لأيّ إملاء"، يبرز العمق المتزايد للخلاف الأمريكي الإيراني عقب تراشق إعلامي جديد حول جدوى الضربات الأمريكية الصهيونية المزعومة على المنشآت النووية الإيرانية في يونيو الماضي. وفي مشهدٍ يأتي بعد أيامٍ قليلة من إعلان طهران تحررها الكامل من قيود الاتفاق النووي لعام 2015م، "JCPOA" بانتهاء مفعول القرار الدولي "2231"، وهذه التطورات وفقًا لتقارير إعلامية تؤسس لمرحلةٍ جديدة تعزز فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية موقعها بفضل صمودها ونجاحها في إدارة الأزمة. ومن موقع القوة، صرّح "كاظم غريب آبادي"، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، أنّ التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار تفاهم القاهرة قد تم تعليقه، مشيرًا إلى أنَّ الطلبات الجديدة للوكالة بشأن زيارة بعض المنشآت غير المتضرّرة لن تُبحث بعد الآن ضمن ذلك التفاهم. وأشار المسؤول الإيراني إلى أنَّ المجلس الأعلى للأمن القومي هو الجهة المخوّلة باتخاذ القرار النهائي في القضايا النووية كافة، وفقًا للقانون الذي أقرّه البرلمان الإيراني، مضيفًا أنَّ "المجلس الأعلى للأمن القومي"، هو صاحب الكلمة الفيصل، "وأيّ قرار يتّخذه سيتم تطبيقه في ذلك الإطار". وفي هذا السياق، افتتح الرئيس الأمريكي ترامب التراشق بتصريحٍ عن فخره ب "تدمير القدرة النووية الإيرانية" عبر عملية عسكرية وصفها ب "الأجمل"، مشيرًا إلى عودة قاذفات "بي2" من مهمتها "من دون أذى"، حدّ تعبيره. تصريحٌ استوقف قائد الثورة الإسلامية في إيران، السيد علي الخامنئي، الذي أكّد أنَّ ما أعلنه الرئيس الأمريكي هو مجرد "أوهام"، داعيًّا واشنطن إلى "الاستمرار بالحلم"، ولم يقتصر ردّ السيد الخامنئي على البرنامج النووي؛ بل شمل أيضًا البرنامج الصاروخي، مؤكّدًا أنَّ لدى بلاده "قدرات صاروخية متنوعة" لاستخدامها "عند اللزوم". ولفت إلى أنَّ كلام ترامب "الفارغ" والموجّه لمسؤولي الاحتلال اليائسين، يأتي بعد أنَّ تلقوا "صفعة إيرانية خلال حرب ال 12 يومًا"، عندما ضربت صواريخ "من صناعة شباب إيرانيين عمق نقاطهم الحساسة، وأنَّ تحيلها رمادًا"، مشدّدًا على أنَّ "لدينا أيضًا صواريخ أخرى عند اللزوم"، وهذا الردّ يعكس قوة الردع الإيرانية وقدرتها على تحقيق إنجازات عسكرية لا يعترف بها العدوّ. وأعلنت طهران تحررها من قائمة طويلة من القيود التي فرضها الاتفاق النووي لعام 2015م، مع انتهاء مدة الاتفاق المبرم قبل عشر سنوات، وتحديدًا في ال 18 أكتوبر الجاري، بانتهاء القرار الدولي رقم "2231". وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، "إسماعيل بقاي"، أكّدت إيران أنَّ على مجلس الأمن التعامل مع القرار 2231 على أنّه "منتهٍ"، مشدّدًا على أنَّ "لا يحق لأحد من الآن فصاعدًا أنَّ يفرض شروطًا على طهران بشأن برنامجها النووي". ويأتي هذا التحرر تتويجًا لمسارٍ بدأ ب "بالانسحاب الأمريكي وإعادة العقوبات 2018م، حيث دفع انسحاب ترامب وإعادة فرضه العقوبات الاقتصادية المشدّدة على إيران، طهران، للردّ، وكان الرد الإيراني بتخفيف الالتزامات عام 2019م، إذ بدأت طهران تدريجيًّا في زيادة تخصيب اليورانيوم وتقييد المراقبة، ردًّا على عدم تعويض الأوروبيين لها عن الخسائر". ومع انتهاء الصلاحية التلقائي في أكتوبر الجاري، انتهت القيود تلقائيًّا بموجب جداول القرار 2231؛ ممّا ألزم مجلس الأمن بالتعامل مع الأمر على هذا النحو. وتتسلح طهران بنص القرار "2231"، الذي يشترط عدم استئناف العمل بأحكام قرارات مجلس الأمن السابقة، للرد على تفعيل الدول الأوروبية ل "آلية الزناد" التي تسعى لإعادة عقوبات سابقة منتهية الصلاحية. وفي هذا الشأن صدر بيان مشترك "إيراني صيني روسي" أكّد أنَّ آلية الزناد الأوروبية "باطلة قانونيًّا"، وبعثت الدول الثلاث برسالة موحدة للأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"، وهذا الدعم الدولي يخدم الموقف الإيراني ويضع الأوروبيين في وضع صعب. وفيما يتعلق بمستقبل الصراع، أكّد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أنّه "لا يمكن القول إننا على أعتاب العودة إلى مفاوضات مع الجانب الأمريكي"، موضحًا أنَّ شروط ذلك "لم تتحقق بعد"، ومن أهمها "احترام حقوق إيران بالتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن"، وبذلك؛ فإنَّ إيران هي من تفرض شروط العودة للمفاوضات رغم "تبادل الرسائل بصورٍ غير مباشرة مع واشنطن". وبالتالي؛ فالتطورات الحالية، بفضل الصمود الإيراني في مواجهة العقوبات ونجاحها في إبطال مفعول القيود الدولية، لا تؤسس لتصعيد أمريكي جديد يخدم مصالح واشنطن؛ بل تؤدي إلى طاولة مفاوضات بشروطٍ إيرانية أكثر قوة وتحررًا من كل القيود.