كنا في الأعداد السابقة قد أشرنا إلى بعضٍ من عطاءات وإسهامات عددٍ من الزملاء الشهداء الذين ارتقوا خلال الجريمة البشعة التي طالت صحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن"، واللتين خسرتا بنيتهما التحتية بشكلٍ كامل، وفقدتا كوكبةً من كوادرهما الصحفية والإعلامية والفنية، الذين طالتهم يد الإرهاب الصهيوني في العاشر من سبتمبر من العام الجاري 2025م. الشهداء، البالغ عددهم 31 ما بين صحفي وإعلامي وفني، إذا كرسنا الحديث في كل عدد عن شخصيةٍ منهم، فهذا يعني أننا نحتاج إلى أكثر من ثمانية أشهر حتى نكتب عن كل واحدٍ منهم على حدة. ولكن إجمالًا، فإن بقية الزملاء، رحمهم الله جميعًا، ابتداءً من الزميل الصحفي مراد الفقيه، ومحمد العميسي، وسامي الزيدي، وانتهاءً بالفنيين والإداريين أمثال العم عبدالله الحرازي، وعصام الحاشدي، والمصور عبدالرحمن الجعماني، والفني محمد الضاوي، والمصورين عبدالولي النجار، ومحمد محمود المطري، وعلي العاقل، والفني عارف السمحي، وعلي الفقيه، وبشير دبلان، وسليم الوتيري، وعباس الديلمي، وفارس الرميصة، وجمال العاضي، ولطف هديان، وعبدالله البحري، وأمل المناخي... كل الشهداء الذين ارتقوا في هذه الجريمة المروعة كانت لهم بصماتٌ واضحة، كلٌّ في مجال عمله. الكتابة، بقدر ما تستعرض بعضًا من سيرة عطاء أولئك الشهداء من الصحفيين والإعلاميين، فإنها في الوقت نفسه تؤرخ لمرحلةٍ استثنائيةٍ في تاريخ اليمن، تعمدت فيها العصابات الصهيونية استهداف الكثير من الأعيان المدنية، بما فيها المؤسسات الإعلامية، التي يُعد استهدافها جريمة حربٍ مكتملة الأركان، تضاف إلى جرائم الحرب التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد المدنيين والأعيان المدنية في اليمنوفلسطين، مثل المؤسسات الإعلامية، والمطارات، والموانئ، والمشافي، والنازحين، ومدارس الإيواء، بشكلٍ فاق جرائم النازية بكثير. كما أن الكتابة عن هذه الجريمة المروعة لا تستشعر اللحظة فحسب، وإنما تضع في حسبانها الأجيال القادمة التي ستقرأ عن واحدةٍ من أبشع الجرائم فتكًا وغدرًا وقبحًا، كونها طالت كوكبةً من حملة الأقلام الحرة الذين كتبوا ووثقوا جرائم العصابات الصهيونية في فلسطينواليمن، في إطار الواجب الذي تمليه عليهم أخلاق ومهنة الصحافة والإعلام الحر، الذي ينقل الحقيقة كما هي، إيمانًا بأن الكلمة أمانةٌ وعهدٌ ومسؤولية، يجب أن تصل من خلالها أصوات العقول والأقلام إلى كافة أحرار العالم، لتكشف بشاعة وإجرام الصهيونية التي أوغلت في سفك الدماء، كاشفةً بذلك زيف ادعاء أمريكا ودول الغرب احترامها لحرية الرأي والتعبير. لقد أحدثت جريمة العاشر من سبتمبر أصداءً واسعةً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، إذ أشارت إلى أن ما حصل لكوادر صحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن" يُعد جريمة حربٍ وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والإنساني، واتفاقية حماية الصحفيين الموقعة في جنيف عام 1949م. وما يعنينا هنا كهيئة تحرير هو أن المطالبة بملاحقة الجناة قانونيًا أمام المحاكم الدولية المختصة ستظل مهمةً باقيةً على عواتقنا جميعًا، بالتعاون مع كل الأحرار من الناشطين الحقوقيين والمنظمات والاتحادات المحلية والدولية المعنية بحقوق الصحفيين وحمايتهم في النزاعات المسلحة. قد يرى البعض أن ملاحقة الجناة لن تجدي نفعًا، خاصةً أمام انتهاك الاحتلال الصهيوني السافر للقانون الدولي والإنساني، وعدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة ضده منذ عام 1948م. وهذا صحيح، لأن الاحتلال يرى نفسه فوق المجتمع الدولي وقراراته. ولكن يكفي أننا من خلال هذه الدعوة المزمع رفعها، نُعري هذا الكيان الغاصب مجددًا، وداعميه الأمريكان، أمام كل أحرار العالم الذين انخدعوا بعض الوقت بمقولة: "أمريكا بلاد السلام وحرية الرأي والتعبير". تعرية العصابات الصهيونية مجددًا، والكتابة عن بشاعة الجريمة وتعمد قصف وتدمير المؤسسات الإعلامية، مسؤولية كل الناشطين الحقوقيين والإعلاميين في كل بقاع العالم، ليس دفاعًا عن الإعلاميين في اليمنوفلسطين فحسب، بل دفاعًا عن الكلمة والصورة والصوت الحر، الذي ينقل الحقيقة عبر مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي التي استطاعت أن توصل رسالتها عن مظلومية الشعب الفلسطيني، رغم التعتيم والقمع والإرهاب الصهيوني الذي يواصل جرائمه ضد الإنسانية بأفتك وسائل القتل والتدمير من الأسلحة الأمريكية في فلسطين. جريمة العاشر من سبتمبر، بكل أبعادها وتداعياتها التي أثرت بشكلٍ مباشرٍ على البنية التحتية لمقر صحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن"، وأزهقت أرواح العشرات من الكوادر الصحفية والإعلامية، لن نستطيع من خلال المقالات التي تم نشرها أن نلمّ بكل جوانبها من حيث الدلالة والأبعاد والانتهاك السافر للقانون الدولي والإنساني، والتأثير اللحظي والمستقبلي على مستقبل حرية الرأي والتعبير في المنطقة. ولكننا سنحاول أن نلمّ بكل ما يتعلق بجريمة الحرب من كافة الجوانب القانونية والإنسانية، من خلال كتابٍ خاص عن جريمة العاشر من سبتمبر، نعكف حاليًا على إعداده لتوثيق هذه الجريمة المروعة بكل تفاصيلها وتداعياتها.