تفاصيل الإنفصال باعتراف إماراتي ودعم سعودي ومخطط نحو تعز ومأرب    العليمي يسأل فرنسا عن وضعه القانوني    المنتخبات المتأهلة لربع نهائي كأس العرب 2025.. وجدول المباريات إلى النهائي    الريال يسقط بشكل مهين على ملعبه أمام سيلتا فيجو    تعليق سياسي: حكومة مصغرة في مأرب... انعكاس العجز واليأس عن استمرار الوحدة اليمنية؟    لقاءات العليمي السفراء الأجانب.. والعالم لا ينصت إلا لمن يملك القوة على الأرض    حضرموت.. على صفيح ساخن    وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن "24"    مجلس إدارة هيئة الاستثمار برئاسة العلامة مفتاح يوافق على مشروع اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار 2025م    في بيان مشترك لقطاعات الطيران والصحة وحقوق الإنسان.. وفاة 125 ألف مريض وعرقلة سفر 250 ألف آخرين بسبب إغلاق مطار صنعاء الدولي    الخطوط الجوية اليمنية تتجه لتعزيز أسطولها بطائرة جديدة    تصدي (إلهان عمر) لسباب (ترامب)    حركة الجهاد تكرم إذاعتي صنعاء وسام إف إم بدرعي طوفان الأقصى    سياسي مغربي : الدعم اليمني لغزة أجبر الاحتلال على وقف العدوان    العليمي يتحدث عن انتهاكات في وادي حضرموت وإجراءات أحادية وخلق واقع موازٍ في المحافظات الشرقية    قوة عسكرية تتجه من المكلا صوب وادي حضرموت    اطلّع على نشاط نادي أهلي صنعاء.. العلامة مفتاح: النشاط الشبابي والرياضي والثقافي جبهة من جبهات الصمود    أكد أن اليمن خسر شخصية وطنية ورجلًا مخلصًا لدينه ووطنه.. الرئيس المشاط يعزّي في وفاة المجاهد محمد محسن العياني    خلال شهر نوفمبر.. 57 انتهاكا واعتداء صهيونيًّا بحق الصحافيين الفلسطينيين    المثقفون ولعنة التاريخ..!!    مرض الفشل الكلوي (31)    الصلاحي: حكّام اليمن لا يفهمون جغرافيتها وتاريخها ومواردها، ويريدون أن يكونوا مجرّد وكلاء للخارج    العصر الثاني في هذا العصر    قوات الانتقالي تتسلم حقل نفطي في محافظة شبوة    ثلاث عادات صباحية تجهد البنكرياس وتزيد خطر الإصابة بالسكري    ارتفاع مفاجئ لأسعار الغاز المنزلي في عدن    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي وانتقالي لحج يؤدون واجب العزاء لأسرة الشهيد عبد الوكيل الحوشبي    المنتخب الأولمبي يخسر أمام الإمارات في بطولة كأس الخليج    اليمن يطلق نداء عاجلاً لرفع الحصار عن مطار صنعاء    بدء الدورة التدريبية الثالثة لمسؤولي التقيظ الدوائي في شركات الأدوية    انعقاد اللقاء الوطني الثاني للتعاون في مجال الأمن البحري    المحرّمي يبحث تسريع وتيرة الإصلاحات الحكومية وبرامج خدمة المواطنين    في ذكرى ميلاد الزهراء.. "النفط والمعادن" تحيي اليوم العالمي للمرأة المسلمة وتكرم الموظفات    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة المجاهد محمد محسن العياني    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    الأرصاد: صقيع على أجزاء من المرتفعات والحرارة الصغرى تلامس الصفر المئوي    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شركة وثلاث منشآت صرافة    أقدم توراة يمنية مؤكدة بالكربون المشع تُعرض للبيع في مزاد ب"نيويورك"    من لم يشرب نخب انتصاره سيتجرع كأس الهزيمة.    ركود حاد وهلع.. عام قاس يهز عرش العملات المشفرة    ميسي يقود إنتر ميامي للتتويج بلقب كأس الدوري الأمريكي    بمشاركة الكثيري: مكتب تنفيذي الوادي يؤكد مباشرة العمل تحت راية علم الجنوب    عاجل: وزير ومستشار لرشاد العليمي يدعو لتشكيل حكومة يمنية مصغرة في مأرب    نواميس النمل    عاجل: القوات الجنوبية تحكم قبضتها على سيحوت وقشن وتدفع بتعزيزات كبيرة نحو حصوين في المهرة    مانديلا يصرخ باليمنيين من قبره: هذا هو الطريق أيها التائهون!    أثناء خروجهن من المدرسة.. وفاة فتاتين وإصابة ثالثة عقب سقوط مواد بناء في إب    الأردن يتخطى الكويت ويضمن التأهل للدور الثاني من كأس العرب    اتحاد كرة القدم يؤجل انطلاق دوري الدرجة الثانية إلى 18 ديسمبر    خطوة في الفراغ    أقدم توراة يمنية معروضة للبيع في نيويورك    السعودية تهزم جزر القمر بثلاثية وتتأهل لربع نهائي كأس العرب    حضرموت وشبوة.. قلب الجنوب القديم الذي هزم ممالك اليمن عبر العصور    ندوة ولقاء نسائي في زبيد بذكرى ميلاد الزهراء    كلية المجتمع في ذمار تنظم فعالية بذكرى ميلاد الزهراء    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    رسائل إلى المجتمع    في وداع مهندس التدبّر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحوّلات الميدانية ومعركة النفوذ في حضرموت والمهرة
نشر في 26 سبتمبر يوم 07 - 12 - 2025


مقدمة:
تشهد محافظتا حضرموت والمهرة -منذ مطلع الأسبوع- تحوّلات متسارعة تمثّل أوسع عملية إعادة توزيع للنفوذ الأجنبي العسكري–السياسي في الشرق اليمني منذ عام 2015م. وتتداخل في هذه التحوّلات ثلاثة مسارات رئيسة:
أولها: تمدد "المجلس الانتقالي الجنوبي" بدفع إماراتي خارج السقوف المسموح بها، خصوصاً في المناطق المرتبطة بالمعابر الحدودية وخطوط الطاقة. ثانيها: تصاعد القلق السعودي من تغيّر موازين القوة بما قد يؤثر على أمن حدودها الجنوبية وممرات النفط والموانئ ذات النطاق الاستراتيجي. وثالثها: عدم تماسك البُنى العسكرية المحلية ممثلة ب"المنطقة العسكرية الأولى" في الشرق وتعرضها للانهيار السريع عند أول ضغط جدي، كما ظهر في وادي حضرموت على وجه الخصوص.
في هذا الإطار، اختارت السعودية الانتقال من سياسة "التوجيه عن بعد" إلى سياسة الضغط المباشر عبر الدفع بما تسمى قوات "درع الوطن" إلى مسرح العمليات، ما أدى إلى تغيّر جذري في معادلات القوة، وتحويل المشهد في المناطق اليمنية المحتلة من مجرد تنافس بين وكلاء مرتزقة إلى هندسة أمنية وسياسية سعودية تعيد رسم ملامح السيطرة في الشرق.
بنية التحوّل الميداني وإعادة الانتشار
حضرموت: انتقال المبادرة بين أدوات الاحتلال
شهدت حضرموت تحولاً ميدانياً سريعاً وملفتاً؛ فخلال الساعات الأولى من إعلان ما يسمى "الانتقالي" (المدعوم من الاحتلال الإماراتي) سيطرته على مناطق واسعة من وادي حضرموت، تعرّضت أرتاله في صحراء العبر–الوديعة لهجمات متتالية، كما أصيب عدد من قياداته في هجمات داخل مدينة سيئون. هذه التطورات كشفت ثلاث حقائق مهمة:
1. عجز "الانتقالي" عن العمل في بيئة مستقرة داخل حضرموت، خلافاً لمناطقه التقليدية في عدن ولحج والضالع أو حتى ساحل حضرموت المسيطر عليه منذ سنوات.
2. فقدان الأمان في تحرك قواته بحضرموت، وهي خطوط يصعب تأمينها في مواجهة فواعل محلية (ذات المشكلة يعاني منها في أبين وشبوة ولم يستطع تأمين تحركاته رغم العمليات العسكرية التي يقوم بها).
3. عدم امتلاكه حاضنة محلية في الوادي قادرة على توفير عمق اجتماعي يؤهل بقاءه.
وفي ذروة هذا الارتباك، أعلنت ما تسمى قوات "درع الوطن" تسلّم مواقع اللواء 23 ميكا في العبر، و"تأمين" الخط الدولي الحيوي الرابط بين حضرموت والحدود السعودية. هذا التحرّك ليس مجرد "استلام مواقع"، بل تحويل مركز الثقل الميداني إلى القوة الموالية للرياض، وإزاحة "الانتقالي" من المواقع الأكثر حساسية المرتبطة بطرق التجارة والنفط والمنافذ الحدودية.
بهذا المعنى، جاءت تحركات الاحتلال السعودي لما يبدو استجابة استراتيجية لضبط الميدان لصالحها، ومنع "الانتقالي" من فرض أمر واقع من شأنه تهديد ترتيبات الأمن الحدودي والاقتصادي للمحتل السعودي، في حين أنه تبادل أدوار بين السعودي والإماراتي ليبقى المشهد اليمني المحتل ملتهبا.
المهرة: إحلال ناعم للقوة السعودية
في المهرة -وتأكيداً على استمرار فصول المسرحية- اتخذت السعودية نموذجاً مختلفاً يقوم على الإحلال الناعم دون مواجهات مفتوحة؛ فقد جرى تسليم معسكر نشطون، ومطار الغيضة الدولي، ومباني الاستخبارات، والسجن المركزي، والجوازات لما تسمى قوات "درع الوطن" (التي يدعمها الاحتلال السعودي) دون مقاومة تذكر، رغم أن ما يسمى"الانتقالي" (الذي يدعمه الاحتلال الإماراتي) كان قد رفع أعلامه في تلك المواقع حين سيطر عليها مؤخراً.
بهذا الإحلال، تصبح المهرة تحت احتلال سعودية كامل تقريباً، ما يضمن لمحمد بن سلمان السيطرة على الموانئ، المنافذ الحدودية، وامتدادها البحري إلى بحر العرب.
البُنى التنظيمية ودلالات التموضع
"درع الوطن": الذراع السعودي لإعادة تصميم المشهد الأمني
تشكّلت قوات "درع الوطن" عام 2023م ك"قوة احتياط مركزية" ذات مرجعية سعودية، بتركيبة يغلب عليها الطابع السلفي، وبتوزيع جغرافي يُظهر دقة هندسة الانتشار:
* في المهرة: بقيادة "عبدالله بن سديف"، وتشرف على لواءين يقومان بتأمين المطار والموانئ والمقار الأمنية.
* في وادي حضرموت: لواءان أحلّا محل اللواء 23 ميكا في العبر ومحيطها.
* على الطرق الدولية: تنتشر الفرقة الثانية بقيادة "فهد بامؤمن"، وهي قوة تضم أبناء محافظات النفط والنفوذ (حضرموت–شبوة)
هذا الانتشار يعني أن السعودية لا تسعى فقط لاحتواء "الانتقالي"، بل لإنشاء قوة موازية (سلفية بديلة عن الإخوان) لا ترتبط بالبنى السياسية التقليدية، وتستطيع تنفيذ الأجندة الأمنية السعودية.
" المجلس الانتقالي": تآكل النفوذ وانكشاف محدودية القوة
دخل "الانتقالي" حضرموت والمهرة بزخم إعلامي كبير، رافعاً شعار "عملية المستقبل الواعد"، إلا أن الوقائع الميدانية جاءت معاكسة تماماً، إذ سرعان ما واجه ثلاثة مؤشرات تراجع حادة:
1. نزع الرمزية الانفصالية عبر إزالة أعلام الانفصال من المواقع المستلمة.
2. توجيهات صارمة من اللواء السعودي سعود القحطاني بعودة القوات إلى معسكراتها الأصلية.
3. انهيار خطوط الإمداد نتيجة الهجمات المتكررة.
النتيجة أنّ "الانتقالي" انتقل بسرعة من موقع "الفاعل المهاجم" إلى قوة مقيدة داخل معسكراتها، مهددة بخسارة ما تبقى من نفوذها إذا اصطدمت عسكرياً بقوات "درع الوطن".
الاتجاهات العامة للمشهد الاستراتيجي
السعودية: تثبيت مركزية القرار الأمني الذي يضمن مصالحها
انتقلت السعودية من إدارة الأزمة إلى صناعة المشهد. فبعد تجاوز "الانتقالي" السقف المتاح، رأت الرياض أن بقاءه دون ضبط سيشكّل:
* تهديداً لتوازنات القوة بين الرياض وأبو ظبي في اليمن.
* اختراقاً للمعادلة السياسية التي ترعاها المملكة في المحافظات اليمنية المحتلة.
من هنا جاء التحرك السعودي الذي أوحت أنه "حازم"، إذ اعتمد استراتيجية مزدوجة:
ضغط سياسي (إنذار بالانسحاب وتسليم المواقع)، وتحرك ميداني (إحلال مرتزقة "درع الوطن" في المواقع الحساسة).
وبذلك أعادت السعودية تعريف دور "الانتقالي" شرق اليمن من "قوة مهيمنة" إلى "قوة ضمن الهامش".
انحسار الدور الإماراتي: بداية مرحلة جديدة
لا تزال أبوظبي في مرحلة الامتناع عن المواجهة المباشرة، لكن المؤشرات واضحة:
* خسارة مواقع حيوية،
* تحييد قوات مرتزقة "الانتقالي"،
* بروز قوة مرتزقة موازية تابعة للرياض،
* وتراجع قدرة الإمارات على استخدام "الانتقالي" كأداة توسعية.
ورغم الصمت الحالي، فإن الإمارات قد تستخدم أدواتها السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية لإعادة تقاسم المناطق المحتلة، لا سيما إذا شعرت أن السعودية تستأثر بمساحة كانت تعدّها ضمن نفوذها التقليدي. وينسجم هذا مع تصريح "عيدروس الزبيدي" (السبت) بما قال إنها "المحافظة على المنجزات والمكتسبات، وطرح الآمال ب"دولة الجنوب الفيدرالية الحديثة" حسب الزبيدي.
الخلاصة
تدخل حضرموت والمهرة مرحلة إعادة كتابة قواعد اللعبة، المشهد لم يعد مجرد نزاع على السيطرة، بل مشروع سعودي لإعادة هندسة الأمن والسلطة شرق اليمن بما يخدم مصالحها، يقوم على ثلاث مرتكزات:
1. "درع الوطن": القوة المركزية للمرتزقة (ذات مرجعية سلفية) التي تمسك بالمنافذ والمقار الأمنية والمطارات والحدود.
2. "الانتقالي": قوة مرتزقة محدودة الحركة، تفقد قدرتها على إنتاج نفوذ مستقل.
3. الإمارات: فاعل يشهد تراجعاً نسبياً، بانتظار ما إذا كانت ستعيد التموضع أو تكتفي بالتكيّف.
ماذا عن الغد؟
في المحصلة، يتشكّل شرقٌ يمني جديد لا تحدده موازين القوى المحلية بقدر ما يحدده قرار المحتل السعودي، الذي عاد ليبرز كلاعب أول في هذه الجغرافيا الاستراتيجية. ورغم أن الكفة تميل حالياً لصالح الرياض، فإن هذا التفوق غير مستقر، ولا يمكن اعتباره حسمًا نهائيًا للمشهد.
فمن غير المستبعد أن تلجأ الإمارات إلى هجمة مضادة لإعادة التوازن، بما قد يشعل مواجهات جديدة بين المرتزقة، خصوصاً حول المنشآت النفطية في حضرموت. وتبقى المنافسة السعودية–الإماراتية -التي ما تزال حتى اللحظة تحت قدر من الضبط المشترك كما ظهر في التوافق على تحييد "المنطقة العسكرية الأولى" و"الإخوان"- عرضةً لأن تنزلق في ظروف معيّنة إلى صدام مباشر بين الأدوات إذا خرجت عن السيطرة.
أولها: تمدد "المجلس الانتقالي الجنوبي" بدفع إماراتي خارج السقوف المسموح بها، خصوصاً في المناطق المرتبطة بالمعابر الحدودية وخطوط الطاقة. ثانيها: تصاعد القلق السعودي من تغيّر موازين القوة بما قد يؤثر على أمن حدودها الجنوبية وممرات النفط والموانئ ذات النطاق الاستراتيجي. وثالثها: عدم تماسك البُنى العسكرية المحلية ممثلة ب"المنطقة العسكرية الأولى" في الشرق وتعرضها للانهيار السريع عند أول ضغط جدي، كما ظهر في وادي حضرموت على وجه الخصوص.
في هذا الإطار، اختارت السعودية الانتقال من سياسة "التوجيه عن بعد" إلى سياسة الضغط المباشر عبر الدفع بما تسمى قوات "درع الوطن" إلى مسرح العمليات، ما أدى إلى تغيّر جذري في معادلات القوة، وتحويل المشهد في المناطق اليمنية المحتلة من مجرد تنافس بين وكلاء مرتزقة إلى هندسة أمنية وسياسية سعودية تعيد رسم ملامح السيطرة في الشرق.
بنية التحوّل الميداني وإعادة الانتشار
حضرموت: انتقال المبادرة بين أدوات الاحتلال
شهدت حضرموت تحولاً ميدانياً سريعاً وملفتاً؛ فخلال الساعات الأولى من إعلان ما يسمى "الانتقالي" (المدعوم من الاحتلال الإماراتي) سيطرته على مناطق واسعة من وادي حضرموت، تعرّضت أرتاله في صحراء العبر–الوديعة لهجمات متتالية، كما أصيب عدد من قياداته في هجمات داخل مدينة سيئون. هذه التطورات كشفت ثلاث حقائق مهمة:
1. عجز "الانتقالي" عن العمل في بيئة مستقرة داخل حضرموت، خلافاً لمناطقه التقليدية في عدن ولحج والضالع أو حتى ساحل حضرموت المسيطر عليه منذ سنوات.
2. فقدان الأمان في تحرك قواته بحضرموت، وهي خطوط يصعب تأمينها في مواجهة فواعل محلية (ذات المشكلة يعاني منها في أبين وشبوة ولم يستطع تأمين تحركاته رغم العمليات العسكرية التي يقوم بها).
3. عدم امتلاكه حاضنة محلية في الوادي قادرة على توفير عمق اجتماعي يؤهل بقاءه.
وفي ذروة هذا الارتباك، أعلنت ما تسمى قوات "درع الوطن" تسلّم مواقع اللواء 23 ميكا في العبر، و"تأمين" الخط الدولي الحيوي الرابط بين حضرموت والحدود السعودية. هذا التحرّك ليس مجرد "استلام مواقع"، بل تحويل مركز الثقل الميداني إلى القوة الموالية للرياض، وإزاحة "الانتقالي" من المواقع الأكثر حساسية المرتبطة بطرق التجارة والنفط والمنافذ الحدودية.
بهذا المعنى، جاءت تحركات الاحتلال السعودي لما يبدو استجابة استراتيجية لضبط الميدان لصالحها، ومنع "الانتقالي" من فرض أمر واقع من شأنه تهديد ترتيبات الأمن الحدودي والاقتصادي للمحتل السعودي، في حين أنه تبادل أدوار بين السعودي والإماراتي ليبقى المشهد اليمني المحتل ملتهبا.
المهرة: إحلال ناعم للقوة السعودية
في المهرة -وتأكيداً على استمرار فصول المسرحية- اتخذت السعودية نموذجاً مختلفاً يقوم على الإحلال الناعم دون مواجهات مفتوحة؛ فقد جرى تسليم معسكر نشطون، ومطار الغيضة الدولي، ومباني الاستخبارات، والسجن المركزي، والجوازات لما تسمى قوات "درع الوطن" (التي يدعمها الاحتلال السعودي) دون مقاومة تذكر، رغم أن ما يسمى"الانتقالي" (الذي يدعمه الاحتلال الإماراتي) كان قد رفع أعلامه في تلك المواقع حين سيطر عليها مؤخراً.
بهذا الإحلال، تصبح المهرة تحت احتلال سعودية كامل تقريباً، ما يضمن لمحمد بن سلمان السيطرة على الموانئ، المنافذ الحدودية، وامتدادها البحري إلى بحر العرب.
البُنى التنظيمية ودلالات التموضع
"درع الوطن": الذراع السعودي لإعادة تصميم المشهد الأمني
تشكّلت قوات "درع الوطن" عام 2023م ك"قوة احتياط مركزية" ذات مرجعية سعودية، بتركيبة يغلب عليها الطابع السلفي، وبتوزيع جغرافي يُظهر دقة هندسة الانتشار:
* في المهرة: بقيادة "عبدالله بن سديف"، وتشرف على لواءين يقومان بتأمين المطار والموانئ والمقار الأمنية.
* في وادي حضرموت: لواءان أحلّا محل اللواء 23 ميكا في العبر ومحيطها.
* على الطرق الدولية: تنتشر الفرقة الثانية بقيادة "فهد بامؤمن"، وهي قوة تضم أبناء محافظات النفط والنفوذ (حضرموت–شبوة)
هذا الانتشار يعني أن السعودية لا تسعى فقط لاحتواء "الانتقالي"، بل لإنشاء قوة موازية (سلفية بديلة عن الإخوان) لا ترتبط بالبنى السياسية التقليدية، وتستطيع تنفيذ الأجندة الأمنية السعودية.
" المجلس الانتقالي": تآكل النفوذ وانكشاف محدودية القوة
دخل "الانتقالي" حضرموت والمهرة بزخم إعلامي كبير، رافعاً شعار "عملية المستقبل الواعد"، إلا أن الوقائع الميدانية جاءت معاكسة تماماً، إذ سرعان ما واجه ثلاثة مؤشرات تراجع حادة:
1. نزع الرمزية الانفصالية عبر إزالة أعلام الانفصال من المواقع المستلمة.
2. توجيهات صارمة من اللواء السعودي سعود القحطاني بعودة القوات إلى معسكراتها الأصلية.
3. انهيار خطوط الإمداد نتيجة الهجمات المتكررة.
النتيجة أنّ "الانتقالي" انتقل بسرعة من موقع "الفاعل المهاجم" إلى قوة مقيدة داخل معسكراتها، مهددة بخسارة ما تبقى من نفوذها إذا اصطدمت عسكرياً بقوات "درع الوطن".
الاتجاهات العامة للمشهد الاستراتيجي
السعودية: تثبيت مركزية القرار الأمني الذي يضمن مصالحها
انتقلت السعودية من إدارة الأزمة إلى صناعة المشهد. فبعد تجاوز "الانتقالي" السقف المتاح، رأت الرياض أن بقاءه دون ضبط سيشكّل:
* تهديداً لتوازنات القوة بين الرياض وأبو ظبي في اليمن.
* اختراقاً للمعادلة السياسية التي ترعاها المملكة في المحافظات اليمنية المحتلة.
من هنا جاء التحرك السعودي الذي أوحت أنه "حازم"، إذ اعتمد استراتيجية مزدوجة:
ضغط سياسي (إنذار بالانسحاب وتسليم المواقع)، وتحرك ميداني (إحلال مرتزقة "درع الوطن" في المواقع الحساسة).
وبذلك أعادت السعودية تعريف دور "الانتقالي" شرق اليمن من "قوة مهيمنة" إلى "قوة ضمن الهامش".
انحسار الدور الإماراتي: بداية مرحلة جديدة
لا تزال أبوظبي في مرحلة الامتناع عن المواجهة المباشرة، لكن المؤشرات واضحة:
* خسارة مواقع حيوية،
* تحييد قوات مرتزقة "الانتقالي"،
* بروز قوة مرتزقة موازية تابعة للرياض،
* وتراجع قدرة الإمارات على استخدام "الانتقالي" كأداة توسعية.
ورغم الصمت الحالي، فإن الإمارات قد تستخدم أدواتها السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية لإعادة تقاسم المناطق المحتلة، لا سيما إذا شعرت أن السعودية تستأثر بمساحة كانت تعدّها ضمن نفوذها التقليدي. وينسجم هذا مع تصريح "عيدروس الزبيدي" (السبت) بما قال إنها "المحافظة على المنجزات والمكتسبات، وطرح الآمال ب"دولة الجنوب الفيدرالية الحديثة" حسب الزبيدي.
الخلاصة
تدخل حضرموت والمهرة مرحلة إعادة كتابة قواعد اللعبة، المشهد لم يعد مجرد نزاع على السيطرة، بل مشروع سعودي لإعادة هندسة الأمن والسلطة شرق اليمن بما يخدم مصالحها، يقوم على ثلاث مرتكزات:
1. "درع الوطن": القوة المركزية للمرتزقة (ذات مرجعية سلفية) التي تمسك بالمنافذ والمقار الأمنية والمطارات والحدود.
2. "الانتقالي": قوة مرتزقة محدودة الحركة، تفقد قدرتها على إنتاج نفوذ مستقل.
3. الإمارات: فاعل يشهد تراجعاً نسبياً، بانتظار ما إذا كانت ستعيد التموضع أو تكتفي بالتكيّف.
ماذا عن الغد؟
في المحصلة، يتشكّل شرقٌ يمني جديد لا تحدده موازين القوى المحلية بقدر ما يحدده قرار المحتل السعودي، الذي عاد ليبرز كلاعب أول في هذه الجغرافيا الاستراتيجية. ورغم أن الكفة تميل حالياً لصالح الرياض، فإن هذا التفوق غير مستقر، ولا يمكن اعتباره حسمًا نهائيًا للمشهد.
فمن غير المستبعد أن تلجأ الإمارات إلى هجمة مضادة لإعادة التوازن، بما قد يشعل مواجهات جديدة بين المرتزقة، خصوصاً حول المنشآت النفطية في حضرموت. وتبقى المنافسة السعودية–الإماراتية -التي ما تزال حتى اللحظة تحت قدر من الضبط المشترك كما ظهر في التوافق على تحييد "المنطقة العسكرية الأولى" و"الإخوان"- عرضةً لأن تنزلق في ظروف معيّنة إلى صدام مباشر بين الأدوات إذا خرجت عن السيطرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.