اشتبك شبان مع الشرطة في مدينتي باريس وليون الفرنسيتين واطلقت قوات الامن الغاز المسيل للدموع على ألفي محتج في العاصمة الفرنسية بعد انتخاب المرشح المحافظ نيكولا ساركوزي رئيسا لفرنسا أمس الأحد 6-5-2007، بينما أعلن ساركوزي في أول خطاب رئاسي له عن نيته تطبيق سياسات جديدة "مناسبة للتعامل مع مشكلة الهجرة". ورأي شهود عيان شبانا ملثمين يرشقون الشرطة بالزجاجات والحجارة واشياء اخرى وقد ردت الشرطة باطلاق الغاز المسيل للدموع واستخدمت لمرة واحدة خرطوم مياه في ميدان الباستيل بباريس والمرتبط بالاحتجاجات اليسارية. وقالت الشرطة ان اربعة رجال شرطة وشخصا اخر أصيبوا. وهتف المتظاهرون"الشرطة في كل مكان والعدالة ليس لها مكان" واشعلت النار في دراجة نارية. يذكر أنه في عام 2005 أدت تصريحات لساركوزي، وزير الداخلية آنذاك، إلى استفزاز الجاليات المهاجرة، حيث تعهد قبل بدء اعمال العنف التي ضربت ضواحي باريس قبل عامين، بتنظيف الضواحي "بخراطيم المياه" من اللصوص واصفا اياهم انهم من "الرعاع". وامتدت أحدث الشغب بعد فوز ساركوزي، إلى مدينة ليون ثاني اكبر مدن فرنسا حيث اشتبك محتجون في الميدان الرئيسي مع الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع. ووردت انباء عن وقوع اعمال عنف متفرقة في ضواح خارج العاصمة ولكن الشرطة وصفتها بأنها حوادث فردية . ومن بين المناطق التي شهدت قلاقل منطقة ارجينتيول الواقعة شمال غربي العاصمة حيث قالت الشرطة ان النار اضرمت في اربع مركبات من بينها حافلة كانت متوقفة , وقال متحدث باسم الشرطة "هناك بعض التوتر ولكنها حوادث منعزلة." ورأى مراسلو رويترز سيارتين مشتعلتين قرب ضاحية كليشيه شمال شرقي باريس. وفي تولوز بجنوب غرب فرنسا ورينيه في الغرب اشعل الشبان النار في صناديق القمامة. وصورت المرشحة الاشتراكية المهزومة سيجولين روايال ساركوزي على انه خطر على فرنسا خلال الحملة الانتخابية قائلة انه مستبد ومن المرجح ان يزيد التوترات في الضواحي الفقيرة ذات الخليط العرقي التي تطوق مدنا كثيرة. ونشر الاف من افراد الشرطة الاضافيين في المناطق الحساسة وتحدث مراسل لرويترز في مدينة ليون بجنوب شرق فرنسا عن وقوع اشتباكات بين الشرطة وانصار اليسار في وقت سابق من مساء الأحد. رئيس لكل فرنسا وأكد ساركوزي في أول خطاب رئاسي له، أنه سيكون رئيسا لكل الفرنسيين "مهما كانت انتماءاتهم السياسية، وسواء صوتوا له أم لا". حتى "المهمشين"، قال ساركوزي إنه لن يتركهم وحدهم، مؤكدا على نيته العمل لأن يعيش الكل في فرنسا "باحترام وكرامة، مهما كان أصله وجنسه". وأضاف: "سنعمل على تطبيق سياسات جديدة مناسبة للتعامل مع مشكلة الهجرة". وفي لمحات سريعة عما ستكون عليه سياسة الرئيس الجديد، توجه ساركوزي إلى "الشركاء الأوروبيين" بالقول إن فرنسا "ستبقى في حضن أوروبا"، كما أكد للأمريكيين إمكانية اعتمادهم على بلاده في عهده، متحدثا عن ضرورة إيجاد حلول لحل مشكلة الاحتباس الحراري. وحيال الشرق الأوسط، أكد ساركوزي على مواصلة فرنسا لدورها السياسي في هذه المنطقة من العالم، وضرورة بناء "شرق أوسط قوي وموحد". كما أشار إلى ضرورة العمل لمواجهة الفقر والمرض في القارة الأفريقية. ردود الفعل الدولية وفور إعلان نتائج الانتخابات، توالت ردود الفعل الدولية، ففي أول تهنئة رسمية، تلقى ساركوزي اتصالا من الرئيس المصري حسني مبارك لتهنئته بالفوز، مؤكدا له الثقة ببقاء علاقات ممتازة بين البلدين. وقال السفير المصري في فرنسا ناصر كامل إن مبارك وساركوزي "اتفقا على تكثيف المشاورات بين البلدين حول ملف الشرق الأوسط، وعلى الصعيد الدولي". كما تلقى ساركوزي تهنئة من الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته جاك شيراك، الذي تمنى له النجاح بمهمته في خدمة الفرنسيين والفرنسيات". وأعلن الناطق باسم البيت الابيض ان الرئيس الاميركي جورج بوش اتصل لتهنئة الرئيس الجديد. وكان زعيم الأكثرية اللبنانية سعد الدين الحرير وجه برقية لساركوزي، هنأه فيها على نجاحه "الذي شكل انتصارا جديدا للديموقراطية في بلادكم والعالم". وأضاف "اني واثق كما الشعب اللبناني بان العلاقات التاريخية بين لبنان وفرنسا ستواصل تطورها على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي خلال رئاستكم". وقال "هذا امل جميع اللبنانيين الذين يحفظون لفرنسا وللشعب الفرنسي وقوفهم الدائم الى جانب قضيتهم". من جهته، توقع المتحدث باسم الحكومة الاسرائيلية آفي بازنر ان يعتمد الرئيس المنتخب سياسة "اكثر توازنا" في الشرق الاوسط. ووصف بازنر ساركوزي بأنه "صديق لاسرائيل". وذكر بأن ساركوزي "قال ان زيارته الى نصب ياد فاشيم (لضحايا محرقة اليهود) في القدس شكلت منعطفا في حياته". نبذة عن الرئيس الجديد استطاع نيكولا ساركوزي دو ناغي بوكسا، المتحدر من اب مجري مهاجر وام باريسية محامية, تجاوز كل العقبات التي اعترضت مسيرته، ليتمكن أخيرا من تحقيق "حلم حياته" برئاسة فرنسا. وبينما يشيد مناصروه بطاقته التي لا تنضب وتصميمه، واقتناعهم بقدرتهم على إخراج البلاد من الوضع الصعب الذي تواجهه، فإن معارضوه يصفوه بأنه "عنيف" و"خطر" ويشبهونه ب "قيصر صغير". دخل ساركوزي المعترك السياسي في التاسعة عشرة من عمره. برز بسرعة في محيط جاك شيراك زعيم اكبر احزاب اليمين حينذاك. وفي الثامنة والعشرين من عمره انتخب رئيسا لبلدية نويي, احدى الضواحي الباريسية الراقية. وفي الرابعة والثلاثين من عمره اصبح نائبا وبعد اربعة اعوام عُيّن وزيرا. وفي عام 2004، انتخب ساركوزي الذي درس المحاماة رئيسا للحزب الحاكم "الاتحاد من اجل حركة شعبية" الذي انشأه جاك شيراك في 2004 ليحل محل الحزب الديغولي "التجمع من اجل الجمهورية". ويومها صرح ساركوزي "مرت 25 سنة على معرفة الناس بي. في لحظة من اللحظات قالوا انها له, انها فرصته (...) انا مسكون بها, افكر بها على الدوام". و"هذه" قصد بها ساركوزي بالطبع رئاسة الجمهورية. ويرغب الرئيس الجديد في طي صفحة عهد شيراك الذي تدهورت علاقته به منذ "الخيانة" التي ارتكبها ساركوزي بحقه في 1995 حين دعم ادوار بالادور في مواجهة عرابه السياسي الذي فاز بالرئاسة. وبعد هذه المرحلة, لم تطل الفترة الصعبة من حياة ساركوزي السياسية, اذ سرعان ما اصبح لاعبا اساسيا في اليمين الذي اراده "بلا تعقيدات". وفي وزارة الداخلية التي شغلها بين 2002 و2005 (باستثناء بضعة اشهر تولى خلالها حقيبة الاقتصاد) انصرف ساركوزي الى بلورة صورة "المرشح الرئاسي". فعمل على تسليط اضواء الاعلام على ادائه في مكافحة انعدام الامن والهجرة غير الشرعية وشدد على سعيه "لقول الحقيقة" ما دفع البعض الى اتهامه ب"الشعبوية". وادت جملة استخدمها ساركوزي للتعبير عن رغبته في "تطهير" الضواحي من المشاكل من اجل مكافحة الجانحين وكلمة "الرعاع" الى سلبه شعبيته بين الشبان المتحدرين من اصول اجنبية. وأثارت هذه العبارات انتقادات شديدة له خلال ازمة الضواحي خريف 2005. وخلال الحملة الانتخابية عزز ساركوزي صورته كرجل حازم بتبنيه مواضيع تدغدغ مشاعر اليمين المتطرف. فقد اقترح مثلا استحداث "وزارة للهجرة والهوية الوطنية" ما اثار انتقادات حادة من جانب خصومه. لكنه رد على منتقديه بالقول انه يمكن للمرء الحديث عن الهجرة "من دون ان يكون عنصريا" وانه يريد "استعادة" ناخبي جان ماري لوبن. ولم يكشف ساركوزي عن موقف ضعف سوى مرة واحدة حين تحدث عبر التلفزيون عن "مشاكله الزوجية" مع زوجته سيسيليا التي هجرته لفترة قبل ان تعود وتظهر الى جانبه. ولساركوزي ولد واحد من سيسيليا وولدان من زواج اول. السيدة الاولى وبفوز ساركوزي، تصبح زوجته سيسيليا، الحسناء الانيقة وعارضة الازياء السابقة البالغة من العمر 49 عاما سيدة فرنسا الاولى، وهو مركز عزيز على قلب الفرنسيين، دون أن يحكمه اي بروتوكول او نص رسمي. وقد لعبت هذه السيدة دور مستشارة مؤثرة لنيكولا ساركوزي, الذي تزوجته عام 1996 بعد طلاقها من مقدم برامج تلفزيونية. ولسيسيليا ونيكولا فتى يدعى لوي يبلغ العاشرة من العمر. لكنها اوضحت من الان انها لا ترى نفسها "كسيدة اولى" وقالت يوما "هذا الامر يزعجني. انا لا احترم القواعد السياسية فانا اتنزه ببنطلون جينز. انا لا ادخل في اطار قالب معين". وقد تصدرت سيسيليا اخبار الصحف والمجلات عندما اختار ساركوزي حين كان وزيرا للداخلية ان يعرض افراد عائلته على طريقة آل كنيدي. وظهرت سيسيليا حينها انها تشارك كثيرا في حياة زوجها السياسية واصبحت مستشارته الرئيسية. وقالت سيسيليا البالغ طولها 178 سنتمترا وهي اطول بكثير من زوجها "السياسة عنيفة جدا واذا كنا اثنين فالامور تكون افضل". لكن هذه التغطية الاعلامية التي كانت بلا مثيل ارتدت عليه عندما رحلت سيسيليا بعد بضعة اشهر الى الولاياتالمتحدة مع رجل يعمل في الحقل الاعلامي، ما شكل مادة دسمة لصحافة المشاهير. واضطر ساركوزي الى توضيح الامر في برنامج تلفزيوني واعدا اعتماد التكتم اكثر في اطار حياته الخاصة. وقد استعاد الاثنان حياتهما الزوجية رسميا في ربيع 2006 لتحتل سيسيليا موقعا مؤثرا في حياة زوجها. لكن غيابها الملفت عن المهرجانات الانتخابية الكبيرة جدد التكهنات حول صعوبات جديدة بيد انهما صوتا معا خلال الدورة الاولى في 22 نيسان/ابريل. رد ساركوزي "عندما كانت تظهر كثيرا كان يتم انتقادي على ذلك, الان وقد استخلصنا العبر من تجارب الماضي ارى نفسي في مواجهة الاسئلة", مؤكدا انه في حال انتخابه "ستضطلع سيسيليا بدور" يكشف عنه بعد الانتخابات.