بداية الانكسار: تعتبر العقود الأخيرة من القرن العشرين بداية الانكسار الفاجع في الوطن العربي وتحديداً منذ هزيمة 1967م.. فهزيمة 67 كانت كارثة قوية بكل المعنى ولكن الكارثة رغم مأساويتها وجبروتها لم تقض كلياً على روح المقاومة العربية المجزأة كالوطن العربي نفسه. فقد أحرزت عدن الانتصار بعد كفاح بطولي استمر قرابة أربعة؟؟؟؟. وتزامن انسحاب آخر جندي مصري من الشمال مع انسحاب آخر مستعمر بريطاني من الجنوب، فبينما تصدت صنعاء لحصار جائر ودموي استمر لسبعين يوماً شاركت فيه قوى دولية وعربية معينة إلى جانب الملكية والمرتزقة من أجانب وعرب ويمنيين وحينها قال الزعيم العربي جمال عبد الناصر لوفد من صنعاء أنكم الرئة التي نستنشق منها هواء المقاومة والصمود. واستطاعت صنعاء دحر جحافل الغزاة في ليل مطموس الأنجم.. كإبداع الشاعر الكبير إبراهيم صادق. الوحدة القدر العظيم لعقدين من الزمن أعاقت الخلافات الإيديولوجية والسياسية قطار التوحد في اليمن وان بقيت رايات خفاقة في الشطرين ولا يجرؤ أي منهما إنكار الإرادة العظيمة لليمانيين، فكان بيان الثلاثين من نوفمبر 1989م أول إجابة صائبة على لغز التشطير والانقسام وقد أطلق البيان الحريات الديمقراطية واقر التعددية السياسية والحزبية وحدد موعد ال22 من مايو لإعلان الوحدة والاستفتاء على دستورها. وتوحدت اليمن وكدأبها في المفاجئات العظيمة والرائعة فقد قال شيخ المؤرخين الخزرجي "أن لليمنيين وثبات كوثبات السباع".. ومن أهم وثبات القرن العشرين الثورة الدستورية في 48م في حين كان بعض تبعات في الوطن العربي يؤسسون للانقلابات العسكرية والفاء الدستور. وكانت الوثبة الأعظم هي ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والرابع عشر من أكتوبر 1963م" الثورة اليمنية".. وكانت الوحدة اليمنية ذروة الانتصارات القومية في ظروف انهيار المعسكر الاشتراكي وبروز دولة القطب الواحد أمريكا. وبغض النظر عن عوامل وخلفيات الوحدة فان الإنجاز كان بحجم التحدي وكان يعتبر أهم انتصار تحققه الأمة العربية بعد الانتفاضة الأولى. انتصرت الوحدة وغدت حرة وديمقراطية باتت ربيعاً ديمقراطياً وفرت شعباً عظيماً بكل المعنى ولصبح اليمن الذي لم يكن مجهولاً رقماً صعباً وكبر العرب والمعايير بحجم الإنجاز و الإعجاز فقد وصل الإنجاز في ذمة وأصبح النكوص خرافة شان الثورة سبتمبر وأكتوبر. صحيح أن الحروب المستعرة على سبتمبر وأكتوبر لم تقهرهما ولكنها والحقيقة قد قوت فيهما عضلة القوة وخيار الغلبة ومثلت الأيدلوجية والاحتراب عائقاً أمام برامج التنمية والتحديث والبناء الوطني وفتت في عضد الإدارة الوحدوية . وجأت حرب 94م وما تلاها هي الأخرى أيضاً المزيد من تحديث المجتمع والدولة على حد سواء وبناء عجلة التنمية والديمقراطية.. فتحية للفتى مايو تحية لسبتمبر وأكتوبر في ذكراه الخامسة عشرة ويقيناً فان تعب الفتن وجراحات الحروب لا تعالج إلا بتضميد الجراح والمعالجات الدوائية والمثابرة لمعرفة أسباب العلل والعوامل المؤدية للداء. الفتى مايو لم يعد طفلاً فسنه الخامسة عشر هي سن الرشد في بعض المذاهب الإسلامية بل أن النجابة قرر تعطى للمولود الرشد قبل البلوغ.. الفتى مايو لا يحتاج الوصاية فهو أعظم إنجاز يحققه اليمنيون في خاتمة القرن العشرين, ما يحتاجه مايو العظيم هو الحرص على المدماك الأساس الذي بني عليه وهو الفوز الديمقراطي واحترام التعددية السياسية والحزبية والاستناد قولاً وفعلاً إلى تداول سلمي للسلطة والتخلي والى الأبد عن عقلية الهيمنة والإلغاء والتهميش.