صحيفة غربية: الطائرات المسيرة اليمنية قادرة على اختراق المنظومات الدفاعية الجوية المتطورة    موجة برد جديدة متوقعة يرافقها انخفاض في الرطوبة    منافسات مثيرة في النصف النهائي لبطولة كأس الشهداء لتنس الميدان    إطلاق نار يغلق البيت الأبيض ويوقف حركة الطيران في واشنطن    عودة 48 صياداً إلى الخوبة اختطفوا وعُذّبوا في إريتريا    دوري الأبطال.. أرسنال يجتاز البايرن وسان جيرمان والريال يستعيدان التوازن    ترتيب هدافي دوري أبطال أوروبا بعد سوبر هاتريك مبابي مباراة ريال مدريد وأولمبياكوس    الجنوب العربي والطارئون على السياسة بعد 1967    بن حبريش يكرر خطيئة إخوان شبوة ويقود تمرداً مسلحاً يعيد حضرموت إلى مربع الفوضى    الإصلاح يعلن وقوفه مع بن حبريش لتأديب الإمارات    تقرير أممي: انخفاض ملحوظ لواردات الوقود والغذاء عبر موانئ الحديدة    الاغذية العالمي يستبعد قرابة مليوني يمني من سجلات المساعدات الغذائية    هزة أرضية في محافظة ذمار    قراءة تحليلية لنص" بعد الخطوبة وقبل القران" ل"أحمد سيف حاشد"    سعد لمجرد يمثل أمام القضاء الفرنسي مجددا بتهمة "الاغتصاب المشدد"    ألمانيا تُعلّق على قرارات الاعدام التي أصدرتها سلطات صنعاء بحق 17 مواطنًا    دوري ابطال اوروبا: ارسنال يطيح بالبايرن ويخطف منه الصدارة    الصحفي الكبير والمناضل القدير محمد قاسم نعمان    صنعاء.. مقتل مواطنين بانفجار عبوة ناسفة بمديرية نهم    قائد المنتخب اليمني يعتذر للجماهير بعد خسارة مؤلمة بركلات الترجيح أمام جزر القمر    قراءة في تقدير مركز استخبارات أمريكي لاحتمال تجدد المواجهة بين اليمن والكيان الصهيوني    مسام يُتلف 7175 لغماً وذخيرة حوثية في وادي دوفس بأبين    عاشق الحياة وصديق الموت    تقرير اقتصادي: اليمن ثالث دولة تعتمد في اقتصادها على تحويلات المغتربين    عدن.. تعيين قيادة لجهاز أمن الدولة بعد قرابة عامين من إنشائه    صعدة : الإفراج عن 140 سجينا تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة    تقرير خاص : "المؤتمر الوطني الأول للطاقة .. منصة تحول وطني لتعافي القطاع وبناء مستقبل مستدام"    الفريق الوطني لتبسيط الإجراءات يبدأ نزولاً ميدانياً لتقديم الدعم الفني لتطوير مركز خدمة المواطن في وحدات الخدمة العامة    إخوان الأردن ولبنان في مرمى «أمر ترامب».. تأثير «الضربة المزدوجة»    معرض وبازار للمنتجات التراثية للأسر المنتجة في صنعاء    الأحد القادم إجازة رسمية في صنعاء وعدن    مخيم طبي خيري مجاني للأطفال في مستشفى الكويت الجامعي بصنعاء    مليشيا الانتقالي تحشد باتجاه حضرموت وحلف القبائل يتوعد بسحقهم    الصمود الصعيد والشاطئ بير علي يقهران منافسيهما شباب مرخة والنهضة خورة ويخطفان بطاقتي التأهل في أولمبياد شبوة الأول للكرة الطائرة    وفد بريطاني يطلع على جهود مركز الملك سلمان ويشيد بدور المملكة في مساعدة اليمن    قيادة المنطقة العسكرية الرابعة تكرم قيادتي السلطة المحلية في الضالع وإب    منتخب الناشئين يفوز على كمبوديا بثلاثية نظيفة في تصفيات آسيا    تكريم الفائزين في مسابقة البحوث العلمية حول سرطان الثدي بكلية المجتمع بسيئون ..    اشغال مأرب يدشن حملة لإزالة المخالفات من أرصفة شوارع عاصمة المحافظة    الإمارات تتعهد بدعم كهرباء الجنوب بمليار دولار    إحباط تهريب مخدرات.. ومطالب بتوسيع سيطرة النخبة لحماية حضرموت    رحيل مفجع للداعية البارز محمد المقري في مكة المكرمة    صنعاء تستعد لانطلاق مهرجان المقالح الشعري    الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة في أبحاث الدماغ    الرياضة في الأربعينات: سلاحك ضد الزهايمر    تشيلسي يسقط برشلونة بثلاثية    ترحيل 1522 مهاجر أفريقي من صعدة    قراءة تحليلية لنص "خطوبة" ل"أحمد سيف حاشد"    أزمة أخلاق!    تدشين فعاليات إحياء ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء بالامانة    فوز الكويت بمقعد العضوية في اليونيسكو لأربع سنوات    حين يتحوّل فستان إعلامية إلى معركة هوية في وطنٍ تُنهكه المآسي !!    خبراء التغذية: النظام الغذائي مفتاح التركيز الذهني    الصحة تعلن ارتفاع وفيات وإصابات التهاب السحايا في اليمن    الكثيري يُعزّي في وفاة الشاعر والأديب ثابت السعدي ويشيد بإرثه الأدبي والثقافي    تسجيل 26 حالة وفاة وألف و232 إصابة بالحمى الشوكية منذ مطلع العام الجاري    آخر حروب الإخوان    هيئة أسر الشهداء تُنفذ مشاريع تمكين اقتصادي بنصف مليار ريال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل بلا حدود: فائض قوة أم لعنة سياسية
نشر في شبوه برس يوم 26 - 08 - 2025

المفارقة أن إسرائيل التي تملك اليوم فائضًا في القوة والنفوذ لا تملك قرارًا واضحًا بخصوص الحدود. فهي قادرة على أن تضرب طهران لكنها لا تستطيع أن تجيب عن سؤال: أين تبدأ دولتكم وأين تنتهي؟

منذ اللحظة التي استطاعت فيها الطائرات الإسرائيلية أن تصل إلى سماء طهران وتضرب قلب الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدا وكأن فائض القوة الإسرائيلي قد بلغ ذروته التاريخية. هنا تحديدًا يبرز السؤال المؤجل منذ أكثر من سبعة عقود: متى ستقرر إسرائيل ترسيم حدودها السياسية؟ سؤال يبدو بديهيًا بالنسبة إلى أي دولة طبيعية، لكنه يتحول إلى معضلة وجودية حين يتعلق بدولة قامت أصلًا على الغموض الجغرافي وعلى منطق "الحدود المرنة" القابلة للتمدد كلما اقتضت الحرب أو سمحت القوة.

المفارقة أن إسرائيل التي تملك اليوم فائضًا في القوة والنفوذ، لا تملك قرارًا واضحًا بخصوص الحدود. فهي قادرة على أن تضرب طهران، لكنها لا تستطيع أن تجيب عن سؤال: أين تبدأ دولتكم وأين تنتهي؟ وهنا تكمن أزمة إسرائيل الكبرى: أنها لم تعرف نفسها سياسيًا إلا بوصفها كيانًا مؤقتًا يعيش بين حرب وأخرى، وفي لحظة السلام تتراجع إلى عقدة الحصار، وكأنها لا تستطيع أن تعيش إلا في دائرة الخوف والتوسّع معًا.

هذا السؤال لا ينفصل عن محيطه الإقليمي. فكما يطرح الإسرائيليون مشروع "إسرائيل الكبرى" في إطار أبعاد توراتية غيبية، يطرح الحوثيون أطروحة "اليمن الكبير"، ويعيد بعض العرب إنتاج حنين إلى "الدولة الأموية" بعد سقوط الأسد، فيما يتجدد في أنقرة حلم "العثمانية الجديدة"، وفي طهران تستمر خرافة "تصدير الثورة الخمينية". كلها مشاريع تتشابه في نزعتها التوسعية ورفضها الترسيم، أي رفض الاعتراف بالنهاية الطبيعية للدولة الوطنية. فهي مشاريع لا تعيش إلا في غيبية الماضي أو أوهام المستقبل، لكنها تعجز عن صياغة حاضر واقعي.

في قلب هذه الجدلية تقف إسرائيل. فهي دولة بلغت من القوة ما لم يبلغه أيّ مشروع إقليمي آخر: تتفوق عسكريًا، تتحالف مع الغرب، تملك ترسانة نووية، وتتحكم في مفاصل أمنية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن حدودها السياسية غير مرسومة، بل مؤجلة إلى أجل غير مسمّى. لم تحسم حدودها مع فلسطين، ولا مع لبنان، والجولان بقي خطًا عسكريًا لا خطًا سياسيًا. وفي غزة والضفة الغربية، يتجلى فقر الرؤية: قصف، ضم، حصار، ولكن لا قرار نهائيا يرسم للدولة نهايتها وحدودها.

*- المسألة هنا ليست عسكرية بل عقلية، فالعقل السياسي الإسرائيلي أسير فكرة التوسّع منذ تأسيس الدولة. هرتزل كتب عن دولة لليهود لكن بن غوريون أسس لدولة لا تعرف حدودها النهائية

المسألة هنا ليست عسكرية بل عقلية. فالعقل السياسي الإسرائيلي أسير فكرة التوسّع منذ تأسيس الدولة. هرتزل كتب عن دولة لليهود، لكن بن غوريون أسس لدولة لا تعرف حدودها النهائية. كل جيل إسرائيلي عاش في هذه الجدلية: دولة لها وجود مادي لكنها بلا نهاية جغرافية. ولذلك فإن فائض القوة لا يقود إلى ترسيم بل إلى المزيد من المراوغة، لأن الترسيم يعني الاعتراف بأن المشروع وصل إلى نهايته.

لكن ماذا لو كان هرتزل أو بن غوريون حاضرين في هذه اللحظة الفائضة بالقوة؟ الأرجح أن هرتزل كان سيبحث عن لحظة الاعتراف الدولي بوصفها ذروة المشروع، فهو كان مفكرًا في السياسة قبل أن يكون أسيرًا للنصوص التوراتية. كان سيدرك أن القوة لا تمنح شرعية بلا حدود سياسية. أما بن غوريون، رجل الحرب الذي عرف كيف يقتنص اللحظة، ربما كان ليعلن أن الدولة تحتاج إلى جغرافيا ثابتة لتبقى. لكن الورثة من بعدهما فضّلوا العيش في عقلية الحصار: إسرائيل الأقوى عسكريًا، الأضعف سياسيًا، تعيش بلا حدود ثابتة.

إن التجارب التاريخية في المنطقة تكشف خطورة هذه العقلية. الدولة الأموية توسعت حتى وصلت إلى حدود الصين، لكنها انهارت في دمشق لأنها عجزت عن بناء دولة سياسية مستقرة. الإمبراطورية العثمانية حكمت لقرون لكنها انهارت لأنها تمسكت بحدود غير قابلة للتثبيت. الثورة الخمينية تصدرت شعار تصدير الثورة لكنها تحولت إلى عبء على إيران نفسها، فبدل أن تبني دولة وطنية متماسكة غرقت في مشاريع توسع انتهت بالهزيمة أمام إسرائيل في حرب اثني عشر يومًا. والحوثي اليوم يرفع شعار اليمن الكبير، لكنه عاجز حتى عن إدارة صنعاء. كل هذه المشاريع كانت محكومة بالانهيار لأنها رفضت ترسيم حدودها الطبيعية.

إسرائيل ليست استثناءً. ففائض قوتها لن يحميها من السؤال المؤجل. بل إن كل قنبلة تسقطها على غزة، وكل غارة على دمشق أو بيروت، وكل طلعة جوية تصل إلى طهران، تزيد من حجم المعضلة: دولة تملك كل شيء عدا الاعتراف بحدودها. وحتى لو وقّعت اتفاقًا أمنيًا مع سوريا أو تفاهمًا مع لبنان، فإن ذلك لن يكون ترسيمًا سياسيًا بل هدنة مؤقتة، لأن المشروع نفسه غير مستعد للاعتراف بالنهاية.

الخطر على إسرائيل لا يأتي من قوة خصومها بقدر ما يأتي من عقلها السياسي نفسه. فالعقل الذي يعيش على الغيبية التوراتية ويرفض الترسيم هو عقل محكوم بالتناقض. فدولة بلا حدود تعني دولة بلا نهاية طبيعية، وهذا ما يجعلها في حالة حرب دائمة. ومنطق الحرب الدائمة يعني أن إسرائيل ستظل تعيش في عقلية الحصار حتى لو توسعت جغرافيًا. هي أسيرة خوفها بقدر ما هي أسيرة قوّتها.

هنا يجب أن نفهم أن فائض القوة الإسرائيلي اليوم ليس نعمة مطلقة، بل لعنة سياسية. لأنه يمدّد زمن السؤال ولا يجيب عنه. فإسرائيل قادرة أن تعيش خمسين سنة أخرى في غياب الحدود، لكنها في النهاية ستجد نفسها أمام ذات المأزق: إما أن ترسم حدودها وتصبح دولة طبيعية بين الدول، أو أن تبقى مشروعًا توسعيًا مؤقتًا محكومًا بالحصار والعداء.

إن التحدي الحقيقي ليس في "متى تضرب إسرائيل طهران؟" فقد فعلت. بل في "متى تحدد إسرائيل أين تنتهي دولتها؟" وهذه لحظة لم تأت بعد، وربما لن تأتي إلا حين يدرك العقل الإسرائيلي أن الغيبية التوراتية لا تبني دولة، بل تؤجل موتها.

*- شبوة برس - صحيفة العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.