الخارجية العُمانية تكشف عن إبرام صفقة مع سلطة صنعاء    قراءة تحليلية لنص "سوق الخميس والمجنون" ل"أحمد سيف حاشد"    قراءة تحليلية لنص "سوق الخميس والمجنون" ل"أحمد سيف حاشد"    الكثيري: وجهنا بتأمين المنشآت والمؤسسات وحماية المصالح العامة والخاصة بوادي حضرموت    الضالع ويافع.. فزّاعة المفلسين أمام الحقيقة في حضرموت    الرئيس الزُبيدي يُعزي بوفاة القاضي صالح محسن باشافعي    تقديرات أمريكية بتوجه صيني للسيطرة على تايوان بحلول 2027    الوفد السعودي يؤكد رفضه لما حدث في حضرموت ويطالب بخروج القوات التي دخلت المحافظة    السقاف يرأس اجتماعاً استثنائياً لتنفيذية انتقالي العاصمة عدن ويبارك انتصارات القوات المسلحة الجنوبية    هدوء حذر في وادي حضرموت بعد السيطرة على قيادة المنطقة العسكرية الأولى    اختتام الدورة التدريبية الخاصة بأمناء المخازن وموزعي الادوية في الشركات    الرئيس الزبيدي يوجه بالإفراج الفوري عن الأسرى وتقديم الرعاية الطبية للجرحى في وادي حضرموت    معرض وبازار للمنتجات التراثية للأسر المنتجة في صنعاء    مأرب.. تدشين مشروع توزيع كفالات الأيتام ل561 يتيماً ويتيمة من 10 محافظات    مركز النور للمكفوفين يكرم المتفوقين بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    صنعاء.. إصدار التعزيزات المالية بنصف مرتب أكتوبر 2025    وزير المالية يلتقي مصنعي وتجار الرخام والجرانيت    لحج .. أبناء القبيطة يعلنون النفير والجهوزية لمواجهة الأعداء    منتخب الجزائر يتعادل مع السودان في كأس العرب    قوات دفاع شبوة تسيطر على معسكر على تخوم محافظة مأرب    "خيرات باجل".. مهرجان زراعي يعزز مكانة المديرية كنموذج إنتاجي واعد    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة وشركة صرافة    دراسة حديثة تكشف دور الشتاء في مضاعفة خطر النوبات القلبية    تأخير الهاتف الذكي يقلل المخاطر الصحية لدى المراهقين    فاجعة غزة مستمرة: ارتفاع عدد الشهداء إلى 70,117 ضحية للعدوان    وفاة رئيس اتحاد الأدباء في إب عبد الإله البعداني    قرار حكومي بمنع اصطياد وتسويق السلاحف البحرية لحمايتها من الانقراض    عن الطالبانية الجامعية وفضيحة "حمّام الطواشي"    تجربة تعاونية رائدة في مديرية الشعر بإب.. المغتربون حجر الزاوية فيها    النفط يتراجع وسط ترقب لنتائج محادثات السلام في أوكرانيا    إدارة ترامب توقف رسمياً إجراءات الهجرة والتجنيس للقادمين بعد 2021 من 19 دولة بينها اليمن    عاجل: استشهاد أول أبطال القوات المسلحة الجنوبية في معركة تحرير وادي حضرموت    مباراة الأهداف التسعة.. مانشستر سيتي ينجو من ريمونتادا مجنونة أمام فولهام    قناة آي 24 نيوز: عدن .. أزمة خانقة وشلل اقتصادي وغياب تام للدولة    برشلونة يعاقب أتلتيكو في كامب نو    ندوة ولقاء نسائي في زبيد بذكرى ميلاد الزهراء    إعلان تشكيل لجنة تسيير لشراكة اليمن للأمن البحري بمشاركة دولية واسعة    معجزة غزة.. فيلم لبناني يحصد جائزة في برلين    مواطنون يشكون تضرر الموارد المائية لمناطقهم جراء الأنفاق الحوثية في إب    اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين ينعى الأديب عبدالإله البعداني    صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأة وشركة صرافة    الذهب ينخفض مع جني الأرباح والنفط يرتفع بفعل الأخطار الجيوسياسية    كأس العرب.. فوز تاريخي لمنتخب فلسطين على قطر    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء من المرتفعات    كلية المجتمع في ذمار تنظم فعالية بذكرى ميلاد الزهراء    برشلونة يقترب من ضم موهبة مصرية لتعزيز الهجوم    هيئة الأوقاف في البيضاء تعيد تأهيل مقبرتي الخرقاء الشرقية والغربية    حقول النفط في حضرموت: معاناة الأهالي مقابل ثراء فئة قليلة    جاهزية صحية قصوى في وادي حضرموت وسط مخاوف من تطورات وشيكة    لملس و الحريزي يفتتحان مشروع إعادة تأهيل شارع معارض السيارات في الشيخ عثمان    الإمارات في عيدها 54.. اتحاد راسخ ورؤية تنموية رائدة    الهيئة النسائية في تعز تدشن فعاليات إحياء ذكرى ميلاد الزهراء    المغرب يستهل كأس العرب بمواجهة غامضة واختبار صعب للكويت والسعودية    الليغا ... ريال مدريد يستمر في السقوط    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    رسائل إلى المجتمع    تقرير أممي: معدل وفيات الكوليرا في اليمن ثالث أعلى مستوى عالميًا    في وداع مهندس التدبّر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرعية اليمنية: ثراء أسود في زمن الحرب
نشر في شبوه برس يوم 28 - 08 - 2025

لم تترك الحرب في الجنوب العربي و اليمن مجالاً من مجالات حياة المواطنين إلا وعصفت به، حتى تحولت الغالبية الساحقة إلى ضحايا للفقر والجوع وانعدام الأمان. وفي مقابل هذا المشهد المظلم، تبرز ظاهرة تبدو في ظاهرها لامعة لكنها في حقيقتها سوداء؛ إنها ظاهرة الثراء الفاحش الذي تفجر فجأة في صفوف قادة الشرعية اليمنية وجماعات النفوذ المحيطة بهم وغيرهم. ثروات تضخمت بسرعة مريبة، لا صلة لها بجهد أو عرق أو استثمار مشروع، بل هي حصيلة فساد منظم، بدءًا من قوائم الموظفين والجنود الوهميين إلى صفقات مشبوهة التهمت ملايين الدولارات، ثم جرى غسلها في حسابات مصرفية أجنبية وشركات وهمية خارجية.

إنها ليست ثروات عادية، بل ثراء أسود، يقتات من دماء الناس وعرقهم، ويحوّل آلام الحرب إلى مكاسب غير مشروعة. ومن يتابع نمط حياة هؤلاء المسؤولين وأسرهم يدرك حجم الفجوة الصارخة بين ما يعيشونه وبين ما يعيشه عامة الناس. قصور فارهة في الخارج، استثمارات عقارية وتجارية في بلدان بعيدة، رحلات وسهرات ومظاهر بذخ فاضحة؛ كل ذلك في وقت يئن فيه المواطن تحت وطأة الجوع وانعدام الخدمات، ويقف عاجزاً حتى عن توفير وجبة كريمة لأطفاله. لقد صار هذا الترف المستفز ليس مجرد إهانة للفقير، بل جريمة كاملة الأركان بحق الوطن كله.

وما يزيد الأمر سوءاً أن النظام السياسي والقانوني الهش، الذي يفترض أن يضبط هذه الممارسات، قد تحول إلى مظلة تحمي الفاسدين وتمنحهم الحصانة. القضاء مكبل بالنفوذ السياسي، والرقابة المالية إما غائبة أو متواطئة، ما فتح الطريق واسعًا أمام المتنفذين لمزيد من النهب بلا خوف من عقاب. وهكذا صار الفساد منظومة كاملة، يتغذى على استمرار الحرب، ويعيد إنتاج ذاته كلما برزت فرصة إصلاح أو بارقة أمل للتغيير.

الأزمات السياسية التي تبدو على السطح وكأنها صراعات على سلطة أو مناصب ليست في جوهرها سوى حروب خفية على الثروات. فالصراع لم يعد على الشرعية كمفهوم سياسي، بل على الموارد والامتيازات التي تُدرها هذه الشرعية. إنه اقتصاد حرب قائم على النهب المنظم والتهريب وبيع الولاءات. والنتيجة أن السلطة تحولت إلى وسيلة للثراء الشخصي، بينما الوطن نفسه يدفع الثمن الباهظ من مستقبله ومستقبل أجياله.

لا يمكن للمجتمع أن يقبل استمرار هذه الدوامة بلا ردع. المطلوب تشريع جريء يجرم الثروات غير المبررة، ويُلزم المسؤولين بالكشف عن ذممهم المالية، ويتيح مصادرة الأموال المنهوبة وإعادتها إلى خزينة الدولة. المطلوب سلطة قضائية مستقلة لا تخضع للترهيب أو الترغيب، وتتمتع بقدرة فعلية على محاسبة الكبار قبل الصغار. فالقانون وحده لا يكفي إن لم يكن مسنودًا بإرادة سياسية ومجتمعية تُصر على كسر هذه الحلقة الجهنمية.

إن محاربة الفساد ليست ترفًا فكريًّا أو شعارًا سياسيًّا يُرفع للاستهلاك، بل هي قضية حياة أو موت لشعب أنهكته الحروب المتواصلة. فحين تُنهب الأموال العامة، لا تُسرق فقط من خزينة الدولة، بل يُسلب منها حق المواطن في الدواء والتعليم والكهرباء والعيش الكريم. إن السكوت عن هذا الثراء الأسود هو خيانة صريحة لكل الجياع والمحرومين الذين ينتظرون غداً أفضل بعرق جبينهم لا بفتات موائد الفاسدين.

لهذا، لا يجوز أن يُترك مصير ملايين المواطنين، سواء في الجنوب العربي أو في اليمن، رهينة في أيدي قلة صغيرة تعيش في البذخ الفاحش وتتعامل مع الوطن كغنيمة شخصية. فإما أن ينهض المجتمع بقوة القانون والإرادة الشعبية لكسر هذه المنظومة، أو سيظل المستقبل أسيراً لشبكات الفساد التي صنعت من الحرب تجارة مربحة. إن ساعة الحسم تقتضي أن ندرك أن الفساد أخطر من الرصاص، وأن مواجهته واجب وطني وأخلاقي لا يحتمل التأجيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.