الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    ليفاندوفسكي يقود التشكيل المتوقع لبرشلونة ضد فالنسيا    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب ما بعد صالح.. مجلس عسكري وهيئتان تشريعية وتنفيذية داخل الانتقالي استعدادا للخطر (تحليل)
نشر في شبوه برس يوم 09 - 12 - 2017

تصفيةُ الرئيس السابق علي عبدالله صالح وكوادر حزبه وانتصارُ الحوثيين والسيطرةُ على الشمال هو سقوطٌ حقيقي للجمهورية والعودة بالشمال إلى ما قبل العام 62م، وإن حاول الحوثيون التدثّرَ والتبرير بشيءٍ من المَلَكية الدستورية أو التظاهر بشيء مما تبقّى من أطلالٍ للنظام الجمهوري، الذي حاول صالح بناءَه خلال العقود الثلاثة الماضية.
سقوطُ الجمهوريةِ التي يُفترض أن صالح ونظامه وبقية الأحزاب التقليدية والمكونات السياسية ودستور اليمن الموحد هي أدواتُه يعني سقوطاً حتمياً للوحدة وانفراطاً أخيرا لعقد الشراكة بين الشمال والجنوب اللذيَن شكّلا الجمهوريةَ اليمنية ونظامها الجمهوري، فبات من الطبيعي أن يكونَ للجنوب وضع سياسي آخر وجديد بالتوازي مع تغيير الوضع في الشمال، إذ ان النظام الملكي وتسيّد الشيعة وتوسّع النفوذ الفارسي والتواجد المذهبي والطائفي في الشمال غيرُ مقبول به إطلاقا في الجنوب ولا حاضنةَ لا سياسية ولا اجتماعية له، كما هو الحال في الشمال. والوحدة التي قامت مع شريك يتمثّل في دولةٍ بنظام جمهوري ذي سيادة متمسك بعروبته وهويته التاريخية والدينية ويحافظ على سلامة دول الجوار وأمنها ويلتزمُ لقرارات الشرعية الدولية والسلام العالمي انتهت بالمعنى المُتعارف عليه والتوصيف في القانون الدولي، وحلّتْ بدلاً عنها جماعةٌ سلالية طائفية لايمكن أن تقيمَ دولةً ولا نظاماً يرتقي أن تستمر معه الوحدة.
*موتٌ قادم من الشمال
أثبتتْ جماعةُ الحوثي خلال الأيام الأولى لمقتل صالح أنها عصابةٌ دموية مليشياوية لا ترتقي أن تكونَ على رأس دولة تشرّعُ وتحكم وتنفذ وتدير كسلطات متنوعة يحرّكها دستورٌ وقوانين، فعمدتْ إلى تصفية ما يقارب من ألف كادر من قيادات المؤتمر الشعبي العام ورجال القبائل الذين اختلفوا معهم على شراكة الانقلاب.
انتصارُ الحوثيين في الشمال هو في الحقيقة انتصار للمشروع الإيراني بكل أبعاده السياسية وأطماعه الاستراتيجية، وإن كان تمكينُ الحوثيين من حكم الشمال مجرّد تكتيك إيراني في إطار حلقة متكاملة تشكّل في مجملها الاستراتيجية الفارسية في المنطقة العربية ككل، فإيران لا تريدُ كهوف مرّان ولا جبال نقم ولا سوق الملح في صنعاء القديمة أو الجحملية في تعز، كما يتوهّم كثيرُ من هواة السياسة والمزايدين، إيران عيونها على باب المندب وخليج عدن، والمشروع الفارسي ينظر إلى جنوب الجزيرة العربية كمنطقةِ نفوذ هي بالنسبة لإيران مصير وتكون من أجله أو لا تكون، بيد أنها وجدت في الشمال منطقةً رخوةً تتقبّل فكرها المذهبي وفي جماعة الحوثيين وبعض طوائف الزيدية حاضنةً شعبية لتسويق مشرعها كنقطة انطلاق وبؤر زعزعة للأمن وإضعاف للأنظمة العربية، كما حاولت وتحاول في الطائف بالسعودية وفي البحرين والعراق وغيرها من المناطق العربية.
بعد التمكين التام والسيطرة الكاملة على الشمال بتصفية من تبقّى من قيادات المؤتمر وأنصار الراحل صالح وكسب ولاء القبائل وترتيب البيت الشمالي بتحالفات جديدة- سيكون إخوان اليمن أحد أهم أعمدتها- ستنطلق حملة الغزو الثالثة نحو الجنوب بإيعاز من عرابي المشروع الفارسي ذاته وستبدأ المعركة الحقيقة ضد التحالف العربي الذي لا يريد أن يعيَ ما يحاك للخليج العربي في هذه المنطقة.
وبالنسبةِ للجنوب وقياداته وكوادره فهم هدفٌ رئيسي لبطش الجماعة الحوثية وتنكيلها ومحاولة اجتثاث المشروع الجنوبي من أساسه على اعتبار أن الجنوبيين والجنوب عدوٌ رئيسي وقفوا في صف التحالف وهزموا التمدد الإيراني في غزوة العام 2015، فالحوثيون الذين أعدموا صالح وكبار رجاله الواقفين إلى جانبهم ضد التحالف لن يتوانوا عن تصفية القيادات الجنوبية وإعدام أكبر قدر ممكن في الجنوب إذا سنحت لهم الفرصة أو تمكنوا من إعادة الكرّة لاحتلال الجنوب، وهذا ما يجب أن تعيه السعودية ودول التحالف ويعِد له الجنوبيون عدتهم لمواجهة أي تحرك من هذا النوع، فالحقائقُ تؤكد أن من لم يرحمْ حليفَه في الجبهات ولأدنى التباينات انقلب عليه وعمد إلى تصفيته.. لن يرحمَ مَنْ قاتلَه وهزمه شر هزيمة وكسر شوكته.
*السعودية ومصالحها
الموقفُ السعودي من قضيةِ الجنوب ومطلب الاستقلال لم يكن بالمستوى المأمول ولا بالمقياس الذي يُفترض أن يكون وفقاً لمصالح السعودية في المنطقة ومحور ارتكازها باب المندب وخليج عدن، المملكةُ حتى ما قبل إعدام صالح تنتهجُ سياسةً تتقاطع كلياً مع مصالحها هنا، وترسم مواقفُها الأخيرة من قضية الجنوب خطوطاً متعاكسةً مع تلك المصالح التي تسعى إليها السعودية، ليس ذلك غباءً ولا عجزاً لكنها سياسة فرضتها جملةٌ من الظروف لتنتهجَ السعودية هذا الخط بالحفاظ على اليمن موحداً والنأي بالنفس عن تبنّي أو مساعدة توجهات الجنوبيين نحو الاستقلال، غير أن تلك المصالح انتهتْ اليوم بانتهاء عهد صالح ورحيله وتصفيته هو وكوادر حزبه وأبرز رجال نظامه، وهو ما يغير لا محالة من الواقع في الشمال، فموازين القوى باتتْ مختلةً تماما بغياب صالح بالنسبة للمملكة، ولم يعدْ في الشمال من قوى فاعلة غير الحوثيين والإخوان وهما في الحقيقة حبلٌ في عنق السعودية سيلتف في أية لحظة.
السعودية كان موقفها واضحاً في خضم حرب اجتياح الجنوب في العام 94م وساندت قرار فك الارتباط بوضوح لكن فرض الأمر الواقع بالسيطرة العسكرية على الجنوب غيّرَ الموازين وبدّل المواقف، وكان ذلك الموقف للسعودية يتماشي مع مصالح قديمة وسياسات بحتة تنتهجها المملكة آنذاك، ولا تزال تحنُ إليها، بيد أن السعوديةَ عادت لبناء علاقة مع نظام الراحل صالح وفقا لمصالح غير متكافئة وغير منطقية سياسيا في كثير من المحاور أهمها موقف اليمن من حرب الخليج الثانية، هذه المواقف الواضحة وما كان يخفيه نظام صالح وأحزاب الشمال من حقدٍ دفين للسعودية ساعدت على انهيار تلك الروابط وظهور العداء الحقيقي الذي كانت تضمره قوى الشر اليمنية للجارة الكبرى، وما الاستهدافُ العسكري والحماقات والتصعيد الذي مارسه تحالف صالح والمتمردون الحوثيون ضد المملكة إلا نتيجةٌ طبيعية للسياسات “الخاطئة” التي انتهجتها الشقيقة السعودية بنوايا طيبة مع الأنظمة والقوى التي تعاقبت على حكم اليمن الشمالي.
الموقف السعودي من قضية الجنوب (فك الارتباط) ظل متخاذلاً بناءً على متغيرات دخلت المعترك السياسي قبل رحيل صالح، وبناء على مواقف “الرفاق” والعداء التاريخي الذي خلّفه نظام الحزب الاشتراكي تجاه المملكة والخليج ككل، فاللاعب الإيراني والمدُ الشيعي والاستهداف الصفوي للخليج العربي بات خطراً حقيقيا يهدد المنطقة العربية بشكل أجبر السعوديةَ على تغيير بعض سياساتها الخارجية، ولو بشكل مؤقت، ومحاولة إيران استمالة بعض قيادات الجنوب إلى صفها وسعيها - أي إيران- إلى بناء تحالف بين جماعة الحوثي والحراك الجنوبي هو ضرب في هذا الاتجاه الذي غيرت معه السعودية بعض مواقفها وبقيت متحفظةً عن الأخرى، ومنها الموقف من قضية الجنوب ومطالب الاستقلال، وهو الخطر ذاته الذي ربما سيتجدد مع رحيل صالح واجتثاث نظامه وتمكين الحوثيين من السيطرة التامة على الشمال.
مصلحةُ السعودية اليوم تتجدد وتتأكد بأنها تكمن في العودة إلى عهد الدولتين وفي استقلال الجنوب والمساعدة على بناء دولة جنوبية ونظام عادل يضمن لها مصالحها ويكون منطلقاً للسعودية في مواجهة الأخطار والتهديدات على المستوى البعيد، فإعلان دولة الجنوب يعني دون أدنى شك اقتلاعَ أي حُلم للحوثيين بالعودة إلى الجنوب، وبقاءُ الوحدة مع الشمال يعني بقاء هذا الخطر ضد السعودية وضد منطقة الخليج كلها؛ ليبقى الحوثيون وكيل إيران الدائم في المنطقة. والسعودية تعي ذلك وتتفهمه تماما لكن حماقاتِ “الرفاق الأولين” ومراهقة “الرفاق الآخرين” هي التي ستبقى حاجباً بين استقلال الجنوب وموقف السعودية منه !.
ورغم أن عقلية الرفاق وسياسة الاشتراكي قد انتهت في الجنوب إلى غير رجعة وأن تحالف الحوثيين مع بعض قيادات الحراك الجنوبي “المراهقين” قد انتهت بحرب ضروس هُزِم خلالها الحوثيون وصالح في “غزوة 2015م”.. إلا أن القيادات الجنوبية مازالت مطالبةً اليوم بمراجعة سياساتها تجاه الشقيقة السعودية.. مازالت بحاجة إلى أن تقدمَ نفسها للسعودية بانفتاح بعيدا عن سياسات الماضي وحماقات الحاضر وتصحح المفهوم الخاطئ الذي زرعه نظام صالح وجماعة إخوان اليمن في مواقف السعودية تجاه الجنوب، وإن النهوض من حالة التشرذم والتشظّي والإجماع على ائتلاف جنوبي أو (مجلس شيوخ) في إطار المجلس الانتقالي يقود المرحلة ويتصدر المشهد هو أولى خطوات التصحيح والتقرّب من المملكة العربية السعودية التي تعي تماماً مصلحتها ومصلحة المنطقة من استقلال الجنوب وتستشعر جيدا خطر السير نحو الاستقلال بواقعٍ مشتت وقياداتٍ متباعدة الرؤى وضعيفة الموقف.
*وحدة الجنوب ضرورة
إعلانُ الجمعية الوطنية بالانتقالي الجنوبي وتسميةُ أعضائها يجب أن يدفعَ الجنوب نحو أن يكونَ غيرَ ما قبل سقوط الجمهورية في الشمال، وجعل الجنوب كذلك لن يكونَ بالمزايدةِ السياسية من بعض الأطراف الجنوبية التي رأت في الجمعية الوطنية فقداناً لمصالحها الأنانية الضيّقة وتكريساً حقيقياً للمناطقية والاسترزاق والسمسرة وغيرها من ممارسات الابتزاز التي شابتْ وشوّهت المكوناتِ الجنوبيةَ خلال فتراتٍ ماضية واستطاعت بفعل الاختراق والتعاطي غير المسؤول أن تفشِلَ تلك المكونات، بمعنى أن الجنوب لن يكون غير ما قبل سقوط الجمهورية ومقتل صالح، إلا بتجاوز الأخطاء التي رافقت إعلان الجمعية الوطنية بتشكيل هيئة أخرى موازية لها على غرار المجلسين ووفقا للنظم المتبعة، ولا ضير أيضا من هيئة أخرى تتبنى المهام التنفيذية.
في الحقيقة إن المجلس الانتقالي غيّرَ مجرى السياسة الجنوبية ونقل قضية شعب الجنوب إلى مصافِ القضايا السياسية الكبيرة والهامة في المنطقة العربية وأدخلها معمعان الصراع الخليجي الخليجي الذي كان بمثابة نار تحت الرماد.
إعلانُ الجمعية الوطنية وقبلها المجلس وقياداته المحلية بالمحافظات وحيثياته والترتيب له وطبيعة وحجم الأطراف الإقليمية الداعمة له سياسياً ولوجستياً كشف العُمق الحقيقيَ لقضية الجنوب ومكانتها في إطار السياسات المتعددة- ومنها المتباينة- في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي صار الجنوب أو بالأحرى أدركنا ولو بعد حين أن مسألة الإرادة الشعبية باستقلال الجنوب رقمٌ صعب في المعادلة الحاصلة اليوم وجزئيةٌ رئيسية في خِضم الصراع الخفي بين الأشقاء بالخليج العربي، وأدركنا أخيرا أن “وحدة اليمن” مجرّدُ وهمٍ كانت ومازالت تبيعه السعودية لتمرير سياسات معيّنة مع أطراف وقوى شمالية ارتبطت بها المملكةُ قديما وربطتها بها مصالح مشتركة ومتداخلة يصعب التخلي عنها دون تكتيك وبدائلَ ممكنةٍ، لكن يبدو أن تحالف صالح مع الحوثيين ثم الانقلاب عليهم وتفكك تحالف الانقلاب وتصفية صالح وكوادر حزبه سيغير كثيرا من تلك المواقف القديمة والمصالح المعقدة وفقا لمعادلة السيطرة الحوثية والتفرد في حكم الشمال وتهديد أمن المملكة.
الحديثُ عن المجلس الانتقالي بشيءٍ من الميتافيزيقة المطلقة وأنه يتحتم عليه إعلان دولة الجنوب أو أن يكونَ ذا استقلاليةٍ تامة دون ارتباطات خارجية حديثٌ قاصر وغير واعٍ ولا ناضج لا سياسياً ولا فكريا، فلولا ذلك “الخارج” والارتباط به لما وُجد لدينا مجلسٌ أساساً، ولن يكون له هذه القوة من التحرّك والتمثيل خارجيا دون ارتباط ومصالح مشتركة، فليس كل ارتباط خارجي عمالة أو خيانة!! وما هذه المآخذُ التي تُطرَحُ ضد المجلس الانتقالي إلا من بابِ المزايدة السياسية على الجنوب ومن باب النكاية ليس إلا.
ما يمكنُ أن يُؤخذَ على المجلس الانتقالي فقط هو التركيز الكامل على مسار العمل السياسي وتأجيل وربما التخاذل عن المسار الأهم الذي يعزز المسارَ السياسي ويستمد منه قوته وبقاءَه ألا وهو المسار العسكري وإحكام السيطرة على الأرض والحفاظ على النصر، فلم تتشكلْ قوةٌ سياسية في الجنوب بلغتْ حد المجلس الانتقالي إلا بالانتصارات العسكرية التي حققتها المقاومة الجنوبية، وفي المقابل فإن أية انتكاسة على الأرض هي انهيارٌ حقيقي للمجلس الانتقالي والمشروع الوطني الجنوبي برمته، لهذا لابدَّ ومن المُفترَض بشكلٍ عاجل إعلان مجلس عسكري يضم قياداتِ المناطق الجنوبية ورموزَ المقاومة وهيكلتها من الوضع المليشياوي إلى وضع آخر فيه من الاحترافية العسكرية والأمنية ما يوازي عمل المجلس السياسي ويعزز توجهاتِه، فليس من المنطقية ولا من العقل والوعي أن يكون لدينا مجلس وعمل سياسي جنوبي ومقاومتنا المسلّحة في يد الشرعية اليمنية تجيّرها وتستقطب رموزها يوماً عن يوم نحو أهدافها التي تتقاطعُ تماما مع تطلعات شعب الجنوب ومع الأهداف والمبادئ التي وُجدت من أجلها هذه المقاومة أصلا !! فالمجلس وسيلةٌ لبلوغ تلك التطلعات ولن يكون غايةً بأي حالٍ من الأحوال، فنجاحه هو نجاح للإرادة الشعبية وتعثره هو تعثّرٌ للأطراف الخارجية الداعمة له أو تغيير ما في مواقفها، والانتقالي زائلٌ والإرادة الشعبية والمشروع الجنوبي نحو الاستقلال هو الباقي، لكن هذا المجلس سيبقى البوابة التي دلفت منها إرادة الجنوبيين إلى مصاف العمل السياسي والدبلوماسي الاحترافي.
*آخر مسمار
الصوتُ الذي رفضَ الاجتياحَ العسكري للجنوب في غزوةِ 94م، وبعدها غزوة 2015م والموقفُ الناضج والمُدرِك آنذاك لأبعاد تحويل مشروع الوحدة إلى احتلالٍ سافرٍ للجنوب.. هو ذاته يسودُ اليوم الجنوب وتكويناتِه السياسية والاجتماعية، وهو نفسه يتسيّد الرأي العام في الجنوب، وهو عينه بأصالته وعنفوانه يتعاظمُ ويعلو ويزداد تمسّكاً بمشروع التحرير والاستقلال مع كل حدث جديد أو مستجد في الصراع بين شركاء الانقلاب في الشمال، ومع كل تقدم أو تراجع وانكسار لعمليات التحالف العربي، غير أن مقتل صالح وإسقاط الجمهورية هو آخر مسمار في نعش الوحدة مع العربية اليمنية، وهدفُ التحرير والاستقلال واستعادة دولة الجنوب كعضوٍ فاعل في المجتمع الدولي تحتَ أي مسمى هو مبدأ امتزجتْ دماءُ الجنوبيين لأجله وتوحّدت الجهود له وحُمِلتْ الرؤوسُ على الأكفّ لبلوغه وتحقيقه.. فلا مجالَ للمساومة!! ولا إرادة بشر غير إرادة شعب الجنوب! فمهما كان الطريقُ طويلاً والمتاعبُ والتضحيات جمةً إلا أن الاستقلال لا محالة هو المآل والمُستقَر لإرادة لم تعرْ الصعاب والمؤامرات اهتماما ولم تلق لها بالاً!!.
فمتى تدرك السعودية ودول الخليج أن الجنوب اليوم دولة بكل مقوماتها وإمكاناتها لا تخضع للعربية اليمنية إلا في إطار الاتفاق والتعاون مع التحالف العربي، ومتى يستوعبون أن الجنوب اليوم ليس مظاهراتٍ ومسيرات وشعارات بقدر ما هو جنوبُ السيطرة على الأرض عسكرياً ومدنيا، وأن للجنوب جيشاً ومقاومةً مسلّحة ومشروعاً وطنيا لن يسمحَ للسطوة اليمنية حتى بمجرد التفكير في العودة إلى أرض الجنوب، وأن هناك جيشاً وطنيا محترفا يُعد لهذا الغرض.
ببساطة الجنوب اليوم دولةٌ مستقلة عن اليمن ولا ينقصها سوى بعض “الشكليات” المرتبطة بالقانون الدولي ومفاهيم العلوم السياسية وهو ما يأمل شعب الجنوب من التحالف العربي المساعدة على استكماله لتأمين المنطقة خطر الشر القادم من الشمال.
تحليل / وهيب الحاجب – الأيام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.