اطماع الأشقاء اليمنيون في الجنوب العربي لم تكن وليدة اللحظة، ففي حكم الائمة الزيدية شن الائمة حروبا شعواء على الجنوب العربي الأرض والإنسان، فكانت القبائل الجنوبية العربية الأصيلة تتصدى لتلك الغزوات البربرية الهمجية، لأنها تدرك جيدا الاختلافات الثقافية والاجتماعية والمذهبية الدينية، فتتقاطر القبائل لتساعد بعضها البعض في مواجهة الغزاة المحتلين في مختلف مناطق الجنوب العربي: الشعيب، والضالع، ولحج، والصبيحة، وعدن، وأبين، وشبوة، وحضرموت. وهكذا ظل الصراع قائما بين الأئمة الزيدية والقبائل الجنوبية ممثلة بسلاطينها لأكثر من ثلاثة عقود لم تستطع خلالها الهضبة الزيدية أن تخترق اللحمة الجنوبية حتى غيرت من أسلوبها فأوعزت لعبيدها تنفيذ مهمة الهضم.
ففي عشية الاستقلال الأول عام 1967م أنقض الجبالية عبدالفتاح إسماعيل علي الجوفي، ومحسن الشرجبي، وجار الله عمر واتباعهم من اليمنيين أو ما عرف موخرا بحزب حوشي على الجنوب العربي الأرض والإنسان، وتحت تأثير الشعارات القومية، والاشتراكية، طمسوا هويته وغيروا تاريخه وقدموه على طبق من ذهب للهضبة الزيدية بعد صراع مرير معها لأكثر من ثلاثة قرون من الزمن والذي ابتدأ عام 1065 هجرية 1645ميلادية عندما حصل الخلاف بين الإمام المؤيد الذي طالب بالكشف عن ميراث والده وهو ما أزعج ابن أخيه أحمد بن الحسن وشن حربا على عمه ولكنه هزم فيها وهرب إلى عدن والتجأ في حمى السلطان حسين بن عبدالقادر اليافعي وأحسن إليه وأكرمه .
وبعد فترة من الزمن تصالح أحمد بن الحسن مع عمه المؤيد وعاد إلى طاعته وأخبره عما شاهده في عدن عند السلطان حسين بن عبدالقادر من خيرات وممتلكات نفيسة، وموقعها الاستراتيجي، وبعد وفاة الإمام المؤيد وتولى الحكم أخيه الإمام القاسم عين ابن أخيه أحمد بن الحسن على رأس الجيش الأمامي لغزو عدن، وهذه هي أخلاقهم أحسن إليهم ستجدهم يسيئون إليك بل ويغدرون فيك .
هذه لمحة تاريخية بسيطة أذكر فيها شعب الجنوب العربي بما كان عليه أجدادهم وسلاطينهم في التصدي للهضبة الزيدية لا لأجل عروشهم ولكن إيمانا منهم بالدفاع عن أعراضهم، ودينهم، وأرضهم، وكرامتهم، وأني أعلم يقينا مدى الضرر الذي لحق بشعبنا منذ ثورة 14 أكتوبر التي تم تغيير مسارها التاريخي إلى يومنا هذا، ولكن حتمية المواجهة لتصحيح المسار التاريخي والعودة إلى الوضع الطبيعي واجب مقدس على كل مواطن جنوبي شريف.
وها هو التاريخ يعيد نفسه من جديد، نحن على مشارف الاستقلال الثاني والهضبة الزيدية بعدما خسرت كل معاركها في الجنوب العربي تنتظر من جبالية اليوم، رشاد العليمي، ومعين عبدالملك، وسلطان البركاني، واتباعهم من اليمنيين الهاربيين إلى عدن في إعادة الجنوب العربي إلى الهضبة الزيدية تحت تأثير الشعارات ولكن مع تغيير عناوينها فالشعارات القومية لم تعد تجدي نفعا، ولكن ستجدهم يستخدمون شعارات براقة : اليمن الكبير، واليمن الأتحادي وغيرها من الشعارات الجوفاء التي تظهر الوحدة والألفة وتخفي بداخلها الحقد والعداء الدفين للجنوب العربي الأرض والإنسان، فهم لا يريدون لهذه الأمة، أمة الجنوب العربي أن تأخذ مكانتها بين الأمم، ولكن الأهم بالنسبة إليهم هو إعادتها إلى حظيرة اليمننة خمسين عاما أخرى أو حتى إلى الأبد أن تمكنوا من ذلك .
سبق الشعارات أساليب أخرى لأخضاع الجنوب منها قطع الخدمات، وتهريب العملة الصعبة، والتلاعب بالأسعار الغذائية قوت الشعب، كون الهضبة الزيدية بشقيها الحوثية أو ما يعرف بالشرعية هي من تسيطر على رأس المال بالجنوب بحكم الاحتلال ونهب الثروات لأكثر من 30 عاما، غير مدركة بأن هذا الجيل جيل القبائل الجنوبية العربية الأصيلة الذي تصدى وسيتصدى للهضبة الزيدية وعبيدها وليس شلة الجبهة القومية أو شرذمة الإشتراكية ممن فرطوا بالدولة، والأرض، والهوية، والتاريخ، تحت تأثير الشعارات القومية المطاطية الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع .