تشييع جثمان الشهيد علي مشعف في الزيدية    وقفات مسلحة في القبيطة وفاءً للشهداء وتأكيد الجهوزية    طائرة البرق بتريم تتجاوز تاربة ينعش آماله في المنافسة في البطولة التنشيطية لكرة الطائرة بوادي حضرموت    البحسني يحمل العليمي مآلات الأوضاع في حضرموت ويتهمه بتعمد تجميد كافة القرارات المتعلقة بحضرموت ومخالفة الدستور    الشعيب وحالمين تطلقان حملة مجتمعية لتمويل طريق الشهيد الأنعمي    تنامي التحذيرات من محاولات الإخوان جر حضرموت إلى دائرة التوتر    حكومة بريك تسجل 140 مشاركًا في مؤتمر البرازيل بينما الموظفون بلا رواتب    كواليس إسقاط المسودة البريطانية الأمريكية لتشديد العقوبات على اليمن    مراكز بحثية: أي اعتداء على اليمن سيعيد الهجمات البحرية ويضرب أمن الطاقة الخليجي    أمن العاصمة عدن يسقط أخطر الخلايا الحوثية المدربة بإشراف الإرهابي أمجد خالد    البرتغال إلى نهائيات «المونديال» للمرة السابعة توالياً باكتساحها أرمينيا    دراسة جديدة تشجع الشباب على تعلم عدة لغات    ضبط شحنة أدوية مهربة في نقطة مصنع الحديد غرب العاصمة عدن    بلا رونالدو.. البرتغال "مبهرة" تنتصر 9-1 وتصل للمونديال    رئيس لجنة المسابقات: لائحة جديدة ودوري بنظام الذهاب والإياب    رئيس تنفيذية انتقالي لحج يطلع على جهود مكتب الزراعة والري بالمحافظة    الخارجية ترفض قرار تجديد العقوبات وتعتبره انعكاسا للأجندة الأميركية    فيروس جديد.. يفترس 9 حالات أولية في إثيوبيا    حضرموت.. حكم قضائي يمنح المعلمين زيادة في الحوافز ويحميهم من الفصل التعسفي    افتتاح معرض صور الآثار والمعالم التاريخية اليمنية في إب    العدو الإسرائيلي يسرق 17000 قطعة أثرية من متحف قصر الباشا في غزة    القربي: توافق الدول دائمة العضوية حول اليمن انتهى وهناك مخاوف من تصعيد قادم    بعثة المنتخب الوطني تصل الكويت لمواجهة بوتان    560 ألف دولار تعادل رواتب 11,200 موظف لوفد اليمن في البرازيل    نجوم الإرهاب في زمن الإعلام الرمادي    الجوف.. تسيير قافلة من البرتقال دعماً للمرابطين في الجبهات    ولد علي يعلن قائمة المنتخب اليمني النهائية لتحدي آسيا وكأس العرب في نوفمبر الناري    رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    وزارة الصحة تدّشن مخيمًا طبيًا للفحص المبكر عن السكري والأمراض الصدرية    "العسل المجنون" في تركيا..هل لديه القدرة فعلًا على إسقاط جيش كامل؟    مخيم مجاني لمرضى السكري من يوم غد يشمل توزيع ادوية    الدكتور بن حبتور يعزّي عبدالعزيز البكير في وفاة عمه    رئيس النمسا المحترم وسفهاء سلطة اليمن في مؤتمر المناخ    الوقت لا يسير لصالح الجنوب    الأرصاد لا يستبعد تشكّل الصقيع على أجزاء محدودة من المرتفعات    "وثيقة".. الرئاسي يعتمد قرارات الزبيدي ويوجه الحكومة بتنفيذها    الأمير الذي يقود بصمت... ويقاتل بعظمة    بدء صرف راتب أغسطس لموظفي التربية والتعليم بتعز عبر بنك الكريمي    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    بينها 7 منتخبات عربية.. 30 متأهلا إلى كأس العالم 2026    أفاعي الجمهورية    مريم وفطوم.. تسيطران على الطريق البحري في عدن (صور)    سفيرٌ يمنيٌّ وطنه الحقيقي بطاقة حزبه.. تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى مكتبٍ حزبي    تصفيات كأس العالم 2026 - أوروبا: سويسرا تتأهل منطقيا    فراغ ، حياة وتجربة ناصرية    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    أمن مأرب يحبط مخططاً حوثياً جديداً ويعرض غداً اعترافات لأفراد الخلية    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    تجربتي في ترجمة كتاب "فضاء لا يتسع لطائر" ل"أحمد سيف حاشد"    رئيس الوزراء بيدق في رقعة الشطرنج الأزمية    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى استشهاد الامام علي بن أبي طالب عليه السلام
نشر في شبوه برس يوم 29 - 03 - 2024

الشريف الرضي (رحمه الله) كلمة في وصف كلام الإمام والثناء عليه، يقول في مقدمته لنهج البلاغة: "كان أمير المؤمنين عليه السلام مَشْرَعَ الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا، لأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي".

* ويقول الجاحظ كما روي عنه: "ما قرع سمعي كلام بعد كلام الله ، وكلام رسوله إلا عارضته إلا كلمات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فما قدرت على معارضتها وهى مثل قوله: "ما هلك امرؤ عرف قدره" و "استغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره".

* وقال العلامة سبط بن الجوزي: "كان علي ينطق بكلام قد حف بالعصمة، ويتكلم بميزان الحكمة، كلام ألقى الله عليه المهابة، فكل من طرق سمعه راقه فهابه، وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة، والطلاوة والفصاحة، لم تسقط له كلمة، ولا بارت له حجة، أعجزَ الناطقين، وحاز قصب السبق في السابقين".

* وتخرج ابن المقفع بخطبه، وما نال محمد بن عبد الملك المعروف بالزاهد الفارقي الحظوة من إقبال النّاس على مواعظه، وانثيالهم على مجلسه، وتدوينهم لكلامه إلا لأنه كان يحفظ (نهج البلاغة) ويغيّر بعض عباراته فيحسبون أنها من إنشائه ومبتكراته.

* وقال محمد بن طلحة الشافعي: "الفصاحة تنسب إليه، والبلاغة تنقل عنه والبراعة تستفاد منه، وعلم المعاني والبيان غريزة فيه".

* وعن عامر الشعبي قال: "تكلم أمير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالاً، فقأن عيون البلاغة وأيتمن جواهر الحكمة، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن، ثلاث منها في المناجاة، وثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الأدب، فأما اللاتي في المناجاة فقال : " إلهي كفى لي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب" ، وأما اللاتي في الحكمة فقال: " قيمة كل امرئ ما يحسنه، وما هلك امرؤ عرف قدره، والمرء مخبوّ تحت لسانه " ، وأما اللاتي في الأدب فقال: " امنن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره" .

* وهذا الشيخ محمود شكري الآلوسي يقول: "هذا كتاب (نهج البلاغة) قد استودع من خطب الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الإلهي، وشمس تضيء بفصاحة المنطق النبوي".

* ونشير هنا أيضاً إلى ما قاله صاحب (الطراز) الإمام يحيى اليمني: "فمن معنى كلامه ارتوى كل مصقع خطيب ، وعلى منواله نسج كل واعظ بليغ، إذ كان عليه السّلام مشرع البلاغة وموردها، ومحط البلاغة ومولدها، وهيدب مزنها الساكب ، ومتفجر وَدقها الهاطل، وعن هذا قال أمير المؤمنين في بعض كلامه: "نحن أمراء الكلام، وفينا تشبثت عروقه، وعلينا تهدلت أغصانه"، ثم أورد مثالا من أول خطبة في ( نهج البلاغة ) وقال:"العجب من علماء البيان والجماهير من حذاق المعاني كيف أعرضوا عن كلامه وهو الغاية التي لا مرتبة فوقها، ومنتهى كل مطلب وغاية كل مقصد في جميع ما يطلبونه، من المجازات والتمثيل والكنايات؟".

* ويقول الإمام الشيخ محمد عبده في مقدمة شرحه لنهج البلاغة: "وليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام الإمام علي بن أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه وأغزره مادة وأرفعه أسلوباً وأجمعه لجلائل المعاني. فأجدر بالطالبين لنفائس اللغة، والطامعين في التدرج لمراقيها أن يجعلوا هذا الكتاب أهم محفوظهم وأفضل مأثورهم، مع تفهم معانيه في الأغراض التي جاءت لأجلها، وتأمل ألفاظه في المعاني التي صيغت للدلالة عليها ليصيبوا بذلك أفضل غاية وينتهوا إلى خير نهاية". ولك أن تراجع مقدمته الرائعة للنهج ولكن المقام لا يسمح بإيرادها هنا.

* ويقول الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في مقدمته لشرح ابن أبي الحديد: "ومنذ أن صدر هذا الكتاب عن جامعه سار في الناس ذكره، وتألق نجمه، أشام وأعرق،وأنجد وأتهم، وأعجب به الناس حيث كان، وتدارسوه في كل مكان، لما اشتمل عليه من اللفظ المنتقى، والمعنى المشرق، وما احتواه من جوامع الكلم، ونوابغ الحكم، في أسلوب متساوق الاغراض، محكم السبك، يعد في الذروة العليا من النثر العربي الرائع".

* ويقول الأستاذ عباس محمود العقاد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: " كان أديباً بليغاً له نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون، وقسط من الذوق مطبوع يحمده المتذوقون ، وإن تطاولت بينه وبينهم السنون، فهو الحكيم الأديب والخطيب المبين والمنشئ الذي يتصل إنشاؤه بالعربية ما اتصلت آيات الناثرين والناظمين..".

* ويقول الأستاذ أحمد حسن الزيات: "ولا نعلم بعد رسول الله فيمن سلف وخلف أفصح من علي في المنطق ولا أبل ريقاً في الخطابة، كان حكيماً تتفجر الحكمة من بيانه، وخطيباً تتدفق البلاغة على لسانه، وواعظاً ملء السمع والقلب ومترسلاً بعيد غور الحجة، ومتكلماً يضع لسانه حيث شاء. وهو بالاجماع أخطب المسلمين وإمام المنشئين، وخطبه في الحثعلى الجهاد، ورسائله إلى معاوية، ووصفه الطاووس والخفاش والدنيا، وعهده للأشتر النخعي إن صح ذلك، تعد من معجزات اللسان العربي، وبدائع العقل البشري".

ولم يقف الحمد والإطراء والمدح والثناء على بلاغة سيد البلغاء على حدود المسلمين، بل تعدى ذلك إلى المسيحيين أيضاً، فترى جملة من المفكرين والأدباء الكبار يقفون حائرين أمام هذه الكلمات الحاملة بين طياتها أسمى معاني البلاغة والفصاحة. ولنقف الآن مع مجموعة من مقولاتهم:

* يقول الأديب جورج جرداق: "هذه الحقيقة تتركز جلية واضحة في شخصية علي بن أبي طالب فإذا هو الإمام في الأدب، كما هو الإمام في ما أثبت من حقوق وفي ما علّم وهدى، وآيته في ذلك ( نهج البلاغة ) الذي يقوم في أسس البلاغة العربية في ما يلي القرآن من أسس، وتتصل به أساليب العرب في نحو ثلاثة عشر قرناً فتبني على بنائه وتقتبس منه ويحيا جيّدها في نطاقٍ من بيانه الساحر. أما البيان فقد وصل علي سابقه بلاحقه، فضم روائع البيان الجاهلي الصافي المتحد بالفطرة السليمة اتحاداً مباشراً، إلى البيان الإسلامي الصافي المهذب المتحد بالفطرة السليمة والمنطق القوي اتحاداً لا يجوز فيه فصل العناصر بعضها عن بعض. فكان له من بلاغة الجاهلية ومن سحر البيان النبوي، ما حدا بعضهم إلى أن يقول في كلامه إنه (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق)".

* ويقول الأديب جبران خليل جبران: "في عقيدتي أن ابن أبي طالب كان أولَ عربي لازم الروحَ الكليةَ وجاوَرَها وسَامَرَها، وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى أغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من ذي قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم، فمن أعجب بها كان إعجابه موثوقاً بالفطرة، ومن خاصمه كان من أبناء الجاهلية".

* ويقول الأديب ميخائيل نعيمة في رسالة بعثها للأستاذ جورج جرداق عندما أخبره جرداق بأنه عازم على وضع كتاب عن الإمام: " عزيزي الأستاذ جرداق، نعمّا ما أقدمت عليه في وضع كتاب عن الإمام علي، حالَفَك التوفيق. تسألني رأيي في الإمام، كرم اللّه وجهه، ورأيي أنه من بعد النبي سيد العرب على الإطلاق بلاغة وحكمة، وتفهّماً للدين، وتحمّساً للحق، وتسامياً عن الدنايا. فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلاً دانت له اللغة مثلما دانت لابن أبي طالب، سواء في عظاته الدينية وخطبه الحماسية ورسائله التوجيهية، أو في تلك الشذور المقتضبة التي كان يطلقها من حين إلى حين مشحونة بالحكم الزمنية والروحية، متوهجة ببوارق الإيمان الحي، ومدركة من الجمال في البيان حد الإعجاز، فكأنها اللآلئ بلغت بها الطبيعةُ حد الكمال، وكأن البحر يقذف بتلك اللآلئ دونما عنتٍ أو عناء! ليس بين العرب من صفت بصيرته صفاء بصيرة الإمام علي، ولا من أوتي المقدرة في اقتناص الصور التي انعكست على بصيرته وعرضها في إطار من الروعة، هو السحر الحلال حتى سجعه -وهو كثير- يسطو عليك بألوانه وبموسيقاه ولا سطوَ القوافي التي تبدو كما لو أنها هبطت على الشاعر من السماء، فهي ما اتخذت مكانها في أواخر الأبيات إلا لتقوم بمهمة يستحيل على غيرها القيام بها. إنها هناك لتقول أشياء لا تستطيع كلمات غيرها أن تقولها، فهي كالغَلَق في القنطرة!" ثم يقول: "إن علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان، في كل زمان ومكان!".

* ويقول الأديب والشاعر بولس سلامة في خاتمة ملحمته (عيد الغدير): "فيا أبا الحسن! ماذا أقول فيك وقد قال الكتاب في المتنبي:(إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس)، وإنْ هو إلا شاعر له حفنة من الدر إزاء تلال من الحجارة، وما شخصيته حيال عظمتك إلا مدرة على النيل خجلى من عظمة الأهرام".

* ويقول الأديب والمفكر عبد المسيح الأنطاكي بأن الأديب البارز إبراهيم اليازجي (والذي كان في وقته أكبر كتاب العرب وإمام أساتذة اللغة فيهم) قال له: "ما أتقنتُ الكتابة إلا بدرس القرآن العظيم ونهج البلاغة القويم، فهما كنز اللغة العربية الذي لا ينفد وذخيرتها للمتأدب، وهيهات أن يظفر أديب بحاجته من هذه اللغة الشريفة إن لم يُحْيِ لياليه سهراً في مطالعتهما والتبحر في عالي أساليبهما".

ويروى أن أباه الشيخ ناصيف اليازجي أوصاه: "إذا شئت أن تفوق أقرانك في العلم والأدب وصناعة الإنشاء فعليك بحفظ القرآن ونهج البلاغة".

* ويقول الأديب والباحث روكس بن زايد العزيزي: "يقيناً إن كل مثقف عربي، كل كاتب عربي، كل شاعر عربي، كل خطيب عربي، مدين للإمام علي...، وانطلاقاً من هذه النقطة فنحن لا نعد كاتباً أو أديباً عربياً مثقفاً ثقافةً عربيةً أصيلةً إن لم يقرأ القرآن ونهج البلاغة قراءاتٍ عميقةً متواصلةً".

وإلى غير ذلك مما ذكره الأستاذ راجي أنور هيفا في كتابه المذكور من الأعلام المسيحيين الذي أشادوا ببلاغة أمير المؤمنين وفصاحته.

وفي الختام، أشير إلى أنني لم أعلق على الأقوال السالفة، حتى يتاح للقارئ التأمل في مدلولاتها طويلاً لإدراك مقام علي بن أبي طالب عليه السلام في البلاغة والفصاحة، خصوصاً وأن معظم الأقوال كانت من علماء ومفكرين ليسوا بشيعة، فعلي عليه السلام ليس حكراً على الشيعة، بل هو لكل المسلمين بل للإنسانية جمعاء، وشهادته في ليالي القدر هي خسارة للإنسانية قاطبة، وفي ذلك يقول المفكر والأديب المسيحي نصري سلهب: "وفي بيت الله قتلوك وأنت راكع تصلي، وباسمه تسبح وتستغفر، فمضيتَ من أجلهم تصلي وتستغفر، وإلى ربك عدت راضياً مرضياً، وتركت أهل الأرض يئنون ويتحسرون لا لأنهم خسروكَ فحسب، بل لأنهم أدركوا أن ينبوع الروح شحَّ بموتك وكاد يجفّ، وإنهم إلى أقوالك وأفعالك سيعطشون، وهيهات أن يجدوا ينبوعاً كروحك منه يرتوون".

وحقَّ أن ينادي جبريل كما في الرواية بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: "تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم محمد المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى ، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء".

فالسلام عليك سيدي يا أبا الحسن يوم ولدت ويوم رحلت إلى ربك ويوم تبعث حياً، وثبتنا الله على ولايتك وحشرنا معك، إنه سميع مجيب. عرض أقل

*- للدراسات والبحوث
8 يوليو 2015 ·
في ذكرى استشهاد الامام علي بن أبي طالب عليه السلام
كلمات قيلت بحقه ...

ألشريف الرضي (رحمه الله) كلمة في وصف كلام الإمام والثناء عليه، يقول في مقدمته لنهج البلاغة: "كان أمير المؤمنين عليه السلام مَشْرَعَ الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا، لأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي".

* ويقول الجاحظ كما روي عنه: "ما قرع سمعي كلام بعد كلام الله ، وكلام رسوله إلا عارضته إلا كلمات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فما قدرت على معارضتها وهى مثل قوله: "ما هلك امرؤ عرف قدره" و "استغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره".

* وقال العلامة سبط بن الجوزي: "كان علي ينطق بكلام قد حف بالعصمة، ويتكلم بميزان الحكمة، كلام ألقى الله عليه المهابة، فكل من طرق سمعه راقه فهابه، وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة، والطلاوة والفصاحة، لم تسقط له كلمة، ولا بارت له حجة، أعجزَ الناطقين، وحاز قصب السبق في السابقين".

* وتخرج ابن المقفع بخطبه، وما نال محمد بن عبد الملك المعروف بالزاهد الفارقي الحظوة من إقبال النّاس على مواعظه، وانثيالهم على مجلسه، وتدوينهم لكلامه إلا لأنه كان يحفظ (نهج البلاغة) ويغيّر بعض عباراته فيحسبون أنها من إنشائه ومبتكراته.

* وقال محمد بن طلحة الشافعي: "الفصاحة تنسب إليه، والبلاغة تنقل عنه والبراعة تستفاد منه، وعلم المعاني والبيان غريزة فيه".

* وعن عامر الشعبي قال: "تكلم أمير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالاً، فقأن عيون البلاغة وأيتمن جواهر الحكمة، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن، ثلاث منها في المناجاة، وثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الأدب، فأما اللاتي في المناجاة فقال : " إلهي كفى لي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب" ، وأما اللاتي في الحكمة فقال: " قيمة كل امرئ ما يحسنه، وما هلك امرؤ عرف قدره، والمرء مخبوّ تحت لسانه " ، وأما اللاتي في الأدب فقال: " امنن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره" .

* وهذا الشيخ محمود شكري الآلوسي يقول: "هذا كتاب ( نهج البلاغة ) قد استودع من خطب الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الإلهي، وشمس تضيء بفصاحة المنطق النبوي".

* ونشير هنا أيضاً إلى ما قاله صاحب (الطراز) الإمام يحيى اليمني: "فمن معنى كلامه ارتوى كل مصقع خطيب ، وعلى منواله نسج كل واعظ بليغ، إذ كان عليه السّلام مشرع البلاغة وموردها، ومحط البلاغة ومولدها، وهيدب مزنها الساكب ، ومتفجر وَدقها الهاطل، وعن هذا قال أمير المؤمنين في بعض كلامه: "نحن أمراء الكلام، وفينا تشبثت عروقه، وعلينا تهدلت أغصانه"، ثم أورد مثالا من أول خطبة في ( نهج البلاغة ) وقال:"العجب من علماء البيان والجماهير من حذاق المعاني كيف أعرضوا عن كلامه وهو الغاية التي لا مرتبة فوقها، ومنتهى كل مطلب وغاية كل مقصد في جميع ما يطلبونه، من المجازات والتمثيل والكنايات؟".

* ويقول الإمام الشيخ محمد عبده في مقدمة شرحه لنهج البلاغة: "وليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام الإمام علي بن أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه وأغزره مادة وأرفعه أسلوباً وأجمعه لجلائل المعاني. فأجدر بالطالبين لنفائس اللغة، والطامعين في التدرج لمراقيها أن يجعلوا هذا الكتاب أهم محفوظهم وأفضل مأثورهم، مع تفهم معانيه في الأغراض التي جاءت لأجلها، وتأمل ألفاظه في المعاني التي صيغت للدلالة عليها ليصيبوا بذلك أفضل غاية وينتهوا إلى خير نهاية". ولك أن تراجع مقدمته الرائعة للنهج ولكن المقام لا يسمح بإيرادها هنا.

* ويقول الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في مقدمته لشرح ابن أبي الحديد: "ومنذ أن صدر هذا الكتاب عن جامعه سار في الناس ذكره، وتألق نجمه، أشام وأعرق،وأنجد وأتهم، وأعجب به الناس حيث كان، وتدارسوه في كل مكان، لما اشتمل عليه مناللفظ المنتقى، والمعنى المشرق، وما احتواه من جوامع الكلم، ونوابغ الحكم، فيأسلوب متساوق الاغراض، محكم السبك، يعد في الذروة العليا من النثر العربي الرائع".

* ويقول الأستاذ عباس محمود العقاد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: " كان أديباً بليغاًله نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون، وقسط من الذوق مطبوع يحمده المتذوقون ، وإن تطاولت بينه وبينهم السنون، فهو الحكيم الأديب والخطيب المبين والمنشئ الذي يتصل إنشاؤه بالعربية ما اتصلت آيات الناثرين والناظمين..".

* ويقول الأستاذ أحمد حسن الزيات: "ولا نعلم بعد رسول الله فيمن سلف وخلف أفصح من علي في المنطق ولا أبل ريقاً في الخطابة، كان حكيماً تتفجر الحكمة من بيانه، وخطيباً تتدفق البلاغة على لسانه، وواعظاً ملء السمع والقلب ومترسلاً بعيد غور الحجة، ومتكلماً يضع لسانهحيث شاء. وهو بالاجماع أخطب المسلمين وإمام المنشئين، وخطبه في الحثعلى الجهاد، ورسائله إلى معاوية، ووصفه الطاووس والخفاش والدنيا، وعهدهللأشتر النخعي إن صح ذلك، تعد من معجزات اللسان العربي، وبدائع العقلالبشري".

ولم يقف الحمد والإطراء والمدح والثناء على بلاغة سيد البلغاء على حدود المسلمين، بل تعدى ذلك إلى المسيحيين أيضاً، فترى جملة من المفكرين والأدباء الكبار يقفون حائرين أمام هذه الكلمات الحاملة بين طياتها أسمى معاني البلاغة والفصاحة. ولنقف الآن مع مجموعة من مقولاتهم:

* يقول الأديب جورج جرداق: "هذه الحقيقة تتركز جلية واضحة في شخصية علي بن أبي طالب فإذا هو الإمام في الأدب، كما هو الإمام في ما أثبت من حقوق وفي ما علّم وهدى، وآيته في ذلك ( نهج البلاغة ) الذي يقوم في أسس البلاغة العربية في ما يلي القرآن من أسس، وتتصل به أساليب العرب في نحو ثلاثة عشر قرناً فتبني على بنائه وتقتبس منه ويحيا جيّدها في نطاقٍ من بيانه الساحر. أما البيان فقد وصل علي سابقه بلاحقه، فضم روائع البيان الجاهلي الصافي المتحد بالفطرة السليمة اتحاداً مباشراً، إلى البيان الإسلامي الصافي المهذب المتحد بالفطرة السليمة والمنطق القوي اتحاداً لا يجوز فيه فصل العناصر بعضها عن بعض. فكان له من بلاغة الجاهلية ومن سحر البيان النبوي، ما حدا بعضهم إلى أن يقول في كلامه إنه (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق)".

* ويقول الأديب جبران خليل جبران: "في عقيدتي أن ابن أبي طالب كان أولَ عربي لازم الروحَ الكليةَ وجاوَرَها وسَامَرَها، وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى أغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من ذي قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم، فمن أعجب بها كان إعجابه موثوقاً بالفطرة، ومن خاصمه كان من أبناء الجاهلية".

* ويقول الأديب ميخائيل نعيمة في رسالة بعثها للأستاذ جورج جرداق عندما أخبره جرداق بأنه عازم على وضع كتاب عن الإمام: " عزيزي الأستاذ جرداق، نعمّا ما أقدمت عليه في وضع كتاب عن الإمام علي، حالَفَك التوفيق. تسألني رأيي في الإمام، كرم اللّه وجهه، ورأيي أنه من بعد النبي سيد العرب على الإطلاق بلاغة وحكمة، وتفهّماً للدين، وتحمّساً للحق، وتسامياً عن الدنايا. فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلاً دانت له اللغة مثلما دانت لابن أبي طالب، سواء في عظاته الدينية وخطبه الحماسية ورسائله التوجيهية، أو في تلك الشذور المقتضبة التي كان يطلقها من حين إلى حين مشحونة بالحكم الزمنية والروحية، متوهجة ببوارق الإيمان الحي، ومدركة من الجمال في البيان حد الإعجاز، فكأنها اللآلئ بلغت بها الطبيعةُ حد الكمال، وكأن البحر يقذف بتلك اللآلئ دونما عنتٍ أو عناء! ليس بين العرب من صفت بصيرته صفاء بصيرة الإمام علي، ولا من أوتي المقدرة في اقتناص الصور التي انعكست على بصيرته وعرضها في إطار من الروعة، هو السحر الحلال حتى سجعه -وهو كثير- يسطو عليك بألوانه وبموسيقاه ولا سطوَ القوافي التي تبدو كما لو أنها هبطت على الشاعر من السماء، فهي ما اتخذت مكانها في أواخر الأبيات إلا لتقوم بمهمة يستحيل على غيرها القيام بها. إنها هناك لتقول أشياء لا تستطيع كلمات غيرها أن تقولها، فهي كالغَلَق في القنطرة!" ثم يقول: "إن علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان، في كل زمان ومكان!".

* ويقول الأديب والشاعر بولس سلامة في خاتمة ملحمته (عيد الغدير): "فيا أبا الحسن! ماذا أقول فيك وقد قال الكتاب في المتنبي:(إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس)، وإنْ هو إلا شاعر له حفنة من الدر إزاء تلال من الحجارة، وما شخصيته حيال عظمتك إلا مدرة على النيل خجلى من عظمة الأهرام".

* ويقول الأديب والمفكر عبد المسيح الأنطاكي بأن الأديب البارز إبراهيم اليازجي (والذي كان في وقته أكبر كتاب العرب وإمام أساتذة اللغة فيهم) قال له: "ما أتقنتُ الكتابة إلا بدرس القرآن العظيم ونهج البلاغة القويم، فهما كنز اللغة العربية الذي لا ينفد وذخيرتها للمتأدب، وهيهات أن يظفر أديب بحاجته من هذه اللغة الشريفة إن لم يُحْيِ لياليه سهراً في مطالعتهما والتبحر في عالي أساليبهما".

ويروى أن أباه الشيخ ناصيف اليازجي أوصاه: "إذا شئت أن تفوق أقرانك في العلم والأدب وصناعة الإنشاء فعليك بحفظ القرآن ونهج البلاغة".

* ويقول الأديب والباحث روكس بن زايد العزيزي: "يقيناً إن كل مثقف عربي، كل كاتب عربي، كل شاعر عربي، كل خطيب عربي، مدين للإمام علي...، وانطلاقاً من هذه النقطة فنحن لا نعد كاتباً أو أديباً عربياً مثقفاً ثقافةً عربيةً أصيلةً إن لم يقرأ القرآن ونهج البلاغة قراءاتٍ عميقةً متواصلةً".

وإلى غير ذلك مما ذكره الأستاذ راجي أنور هيفا في كتابه المذكور من الأعلام المسيحيين الذي أشادوا ببلاغة أمير المؤمنين وفصاحته.

وفي الختام، أشير إلى أنني لم أعلق على الأقوال السالفة، حتى يتاح للقارئ التأمل في مدلولاتها طويلاً لإدراك مقام علي بن أبي طالب عليه السلام في البلاغة والفصاحة، خصوصاً وأن معظم الأقوال كانت من علماء ومفكرين ليسوا بشيعة، فعلي عليه السلام ليس حكراً على الشيعة، بل هو لكل المسلمين بل للإنسانية جمعاء، وشهادته في ليالي القدر هي خسارة للإنسانية قاطبة، وفي ذلك يقول المفكر والأديب المسيحي نصري سلهب: "وفي بيت الله قتلوك وأنت راكع تصلي، وباسمه تسبح وتستغفر، فمضيتَ من أجلهم تصلي وتستغفر، وإلى ربك عدت راضياً مرضياً، وتركت أهل الأرض يئنون ويتحسرون لا لأنهم خسروكَ فحسب، بل لأنهم أدركوا أن ينبوع الروح شحَّ بموتك وكاد يجفّ، وإنهم إلى أقوالك وأفعالك سيعطشون، وهيهات أن يجدوا ينبوعاً كروحك منه يرتوون".

وحقَّ أن ينادي جبريل كما في الرواية بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: "تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم محمد المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى ، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء".

فالسلام عليك سيدي يا أبا الحسن يوم ولدت ويوم رحلت إلى ربك ويوم تبعث حياً، وثبتنا الله على ولايتك وحشرنا معك، إنه سميع مجيب. عرض أقل

*- من صفحة مركز على الوردى للدراسات والبحوث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.