رامي المحمود وفعل الإدارة الوطنية للإفراج عنه    أسعار الصرف مقابل الريال اليمني الاثنين 10 أغسطس/آب 2025    الاصاد يحذر من أمطار رعدية مصحوبة بحبات البرد على 9 محافظات خلال الساعات القادمة    جلسة عاجلة لمجلس الأمن لبحث خطة إسرائيل لاحتلال غزة    روسيا تحذر إسرائيل من عواقب وخيمة بعد قرارها احتلال غزة    هل ينجح برشلونة في تجاوز حاجز ال100 هدف في الليغا؟    تقرير أممي: نزوح داخلي لعشرات الأسر اليمنية لاسباب متعددة    شكراً للفريق السامعي الذي ألف بينهم    أحمد سيف.. الذاكرة التي لا تغيب وصوت الدولة المدنية    الدكتورة زايد : هذا ما يحدث للإنسان عند فقدان أحد الأسنان    بعد محاولة اختطاف طفلة في ذمار .. ظاهرة اختطاف الأطفال يعود إلى الواجهة    مظاهرات حاشدة بمدن عربية وغربية تضامنا مع غزة    رسميا.. النصر يضم مدافع برشلونة    البيض ماذا يريد بالضبط؟؟    علماء يكتشفون أن نقص عنصر غذائي "شائع" قد يسبب الزهايمر    فوائد صحية لتناول القرفة لا يعرفها كثيرون    المناظرة اليتيمة التي طأطأت رأس الإمامة في التاريخ!    بالعلامة الكاملة.. نيوزيلندا في ربع النهائي    موريتانيا تنعش آمالها في بلوغ ربع نهائي كأس إفريقيا للمحليين    مواجهة نارية مساء اليوم بين ليفربول وكريستال بالاس    مركز الراهدة الجمركي يحبط عمليتي تهريب كمية من الأدوية والإلكترونيات    مأرب بلا كهرباء.. الفساد يلتهم جزء من موازنة المحطة الغازية ويخرجها عن الخدمة    تراجع حوادث الدراجات النارية بنسبة 65%    وزارة التربية والتعليم تعلن نتيجة الدور الثاني لاختبارات الشهادة الأساسية    مقتل 3 مسلحين وشرطي في هجوم على قوات الأمن في إيران    مواصفات حواسب Galaxy الجديدة من سامسونغ    اعتراض سفينة سعودية محملة بالأسلحة لإسرائيل    عودة 6 صيادين بعد أشهر من الاختطاف في سجون العدوان السعودي    جيولوجيون يعثرون على آثار كارثة كونية في قاع المحيط    لماذا تتجعد أصابعنا في الماء تفسير طبي    الدكتور عبدالله العليمي يعزي أمين عام محلي شبوة عبدربه هشلة في وفاة شقيقه الشيخ محمد هشلة    لا للمنطقة العسكرية الاولى ولا للكلاب الحمر و للجرو الرضيع من ثديها    وقف صرف مرتبات المسؤولين بما فيهم أعضاء مجلس الرئاسة بالعملة الأجنبية    السكوتر ينقذ مدرب جوام    البرازيلية ألين تنتقل من الهلال إلى العلا    الانفصال الذي يسوّقه إخوان اليمن على مقاسهم    شباب المعافر يخطف نقطة ثمينة من شباب المسراخ في بطولة بيسان    إصلاح المهرة ينفذ برنامجاً تدريبياً لتعزيز قدرات كوادره في الإعلام الجديد    اللجنة التحضيرية النسائية تدّشن فعاليات المولد النبوي الشريف بأمانة العاصمة    الإعلام والمسؤولية الوطنية    وزير الثقافة والسياحة يؤكد على أهمية الدور التنويري للمثقفين والأدباء    امن ذمار ينظم فعالية خطابية احتفاء بذكرى المولد النبوي    مديرية معين تدشن فعاليات ذكرى المولد النبوي    رحلة في متاهات الوطن    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية وهبوب رياح شديدة السرعة    انتقالي حضرموت يشارك في ختام مهرجان خريف حجر السنوي ويطّلع على أبرز فعالياته    انتقالي الضالع يدشن المرحلة الثالثة من تمكين المرأة اقتصادياً    تعز.. نقطة عسكرية تحتجز نائب مدير موانئ الحديدة وأسرته والمحور يرفض توجيهات المحافظ    استئناف أعمال الترميم والصيانة في قلعة القاهرة التاريخية بتعز    فؤاد الحميري، له من اسمه نصيب    عشر سنوات من العش والغرام واليوم فجأة ورقة طلاق    لهايات للبالغين تنتشر في الصين لتخفيف التوتر والإقلاع عن التدخين    بيت هائل.."نحن الدولة ونحن نقود البلد وهم يتبعونا!!"    مهرجان القاهرة السينمائي يطلق «CAIRO'S XR»    المدرسة الديمقراطية تكرم الصحفي حسن الوريث    إنسانية عوراء    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    من أين لك هذا المال؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى استشهاد الامام علي بن أبي طالب عليه السلام
نشر في شبوه برس يوم 29 - 03 - 2024

الشريف الرضي (رحمه الله) كلمة في وصف كلام الإمام والثناء عليه، يقول في مقدمته لنهج البلاغة: "كان أمير المؤمنين عليه السلام مَشْرَعَ الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا، لأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي".

* ويقول الجاحظ كما روي عنه: "ما قرع سمعي كلام بعد كلام الله ، وكلام رسوله إلا عارضته إلا كلمات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فما قدرت على معارضتها وهى مثل قوله: "ما هلك امرؤ عرف قدره" و "استغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره".

* وقال العلامة سبط بن الجوزي: "كان علي ينطق بكلام قد حف بالعصمة، ويتكلم بميزان الحكمة، كلام ألقى الله عليه المهابة، فكل من طرق سمعه راقه فهابه، وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة، والطلاوة والفصاحة، لم تسقط له كلمة، ولا بارت له حجة، أعجزَ الناطقين، وحاز قصب السبق في السابقين".

* وتخرج ابن المقفع بخطبه، وما نال محمد بن عبد الملك المعروف بالزاهد الفارقي الحظوة من إقبال النّاس على مواعظه، وانثيالهم على مجلسه، وتدوينهم لكلامه إلا لأنه كان يحفظ (نهج البلاغة) ويغيّر بعض عباراته فيحسبون أنها من إنشائه ومبتكراته.

* وقال محمد بن طلحة الشافعي: "الفصاحة تنسب إليه، والبلاغة تنقل عنه والبراعة تستفاد منه، وعلم المعاني والبيان غريزة فيه".

* وعن عامر الشعبي قال: "تكلم أمير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالاً، فقأن عيون البلاغة وأيتمن جواهر الحكمة، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن، ثلاث منها في المناجاة، وثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الأدب، فأما اللاتي في المناجاة فقال : " إلهي كفى لي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب" ، وأما اللاتي في الحكمة فقال: " قيمة كل امرئ ما يحسنه، وما هلك امرؤ عرف قدره، والمرء مخبوّ تحت لسانه " ، وأما اللاتي في الأدب فقال: " امنن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره" .

* وهذا الشيخ محمود شكري الآلوسي يقول: "هذا كتاب (نهج البلاغة) قد استودع من خطب الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الإلهي، وشمس تضيء بفصاحة المنطق النبوي".

* ونشير هنا أيضاً إلى ما قاله صاحب (الطراز) الإمام يحيى اليمني: "فمن معنى كلامه ارتوى كل مصقع خطيب ، وعلى منواله نسج كل واعظ بليغ، إذ كان عليه السّلام مشرع البلاغة وموردها، ومحط البلاغة ومولدها، وهيدب مزنها الساكب ، ومتفجر وَدقها الهاطل، وعن هذا قال أمير المؤمنين في بعض كلامه: "نحن أمراء الكلام، وفينا تشبثت عروقه، وعلينا تهدلت أغصانه"، ثم أورد مثالا من أول خطبة في ( نهج البلاغة ) وقال:"العجب من علماء البيان والجماهير من حذاق المعاني كيف أعرضوا عن كلامه وهو الغاية التي لا مرتبة فوقها، ومنتهى كل مطلب وغاية كل مقصد في جميع ما يطلبونه، من المجازات والتمثيل والكنايات؟".

* ويقول الإمام الشيخ محمد عبده في مقدمة شرحه لنهج البلاغة: "وليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام الإمام علي بن أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه وأغزره مادة وأرفعه أسلوباً وأجمعه لجلائل المعاني. فأجدر بالطالبين لنفائس اللغة، والطامعين في التدرج لمراقيها أن يجعلوا هذا الكتاب أهم محفوظهم وأفضل مأثورهم، مع تفهم معانيه في الأغراض التي جاءت لأجلها، وتأمل ألفاظه في المعاني التي صيغت للدلالة عليها ليصيبوا بذلك أفضل غاية وينتهوا إلى خير نهاية". ولك أن تراجع مقدمته الرائعة للنهج ولكن المقام لا يسمح بإيرادها هنا.

* ويقول الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في مقدمته لشرح ابن أبي الحديد: "ومنذ أن صدر هذا الكتاب عن جامعه سار في الناس ذكره، وتألق نجمه، أشام وأعرق،وأنجد وأتهم، وأعجب به الناس حيث كان، وتدارسوه في كل مكان، لما اشتمل عليه من اللفظ المنتقى، والمعنى المشرق، وما احتواه من جوامع الكلم، ونوابغ الحكم، في أسلوب متساوق الاغراض، محكم السبك، يعد في الذروة العليا من النثر العربي الرائع".

* ويقول الأستاذ عباس محمود العقاد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: " كان أديباً بليغاً له نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون، وقسط من الذوق مطبوع يحمده المتذوقون ، وإن تطاولت بينه وبينهم السنون، فهو الحكيم الأديب والخطيب المبين والمنشئ الذي يتصل إنشاؤه بالعربية ما اتصلت آيات الناثرين والناظمين..".

* ويقول الأستاذ أحمد حسن الزيات: "ولا نعلم بعد رسول الله فيمن سلف وخلف أفصح من علي في المنطق ولا أبل ريقاً في الخطابة، كان حكيماً تتفجر الحكمة من بيانه، وخطيباً تتدفق البلاغة على لسانه، وواعظاً ملء السمع والقلب ومترسلاً بعيد غور الحجة، ومتكلماً يضع لسانه حيث شاء. وهو بالاجماع أخطب المسلمين وإمام المنشئين، وخطبه في الحثعلى الجهاد، ورسائله إلى معاوية، ووصفه الطاووس والخفاش والدنيا، وعهده للأشتر النخعي إن صح ذلك، تعد من معجزات اللسان العربي، وبدائع العقل البشري".

ولم يقف الحمد والإطراء والمدح والثناء على بلاغة سيد البلغاء على حدود المسلمين، بل تعدى ذلك إلى المسيحيين أيضاً، فترى جملة من المفكرين والأدباء الكبار يقفون حائرين أمام هذه الكلمات الحاملة بين طياتها أسمى معاني البلاغة والفصاحة. ولنقف الآن مع مجموعة من مقولاتهم:

* يقول الأديب جورج جرداق: "هذه الحقيقة تتركز جلية واضحة في شخصية علي بن أبي طالب فإذا هو الإمام في الأدب، كما هو الإمام في ما أثبت من حقوق وفي ما علّم وهدى، وآيته في ذلك ( نهج البلاغة ) الذي يقوم في أسس البلاغة العربية في ما يلي القرآن من أسس، وتتصل به أساليب العرب في نحو ثلاثة عشر قرناً فتبني على بنائه وتقتبس منه ويحيا جيّدها في نطاقٍ من بيانه الساحر. أما البيان فقد وصل علي سابقه بلاحقه، فضم روائع البيان الجاهلي الصافي المتحد بالفطرة السليمة اتحاداً مباشراً، إلى البيان الإسلامي الصافي المهذب المتحد بالفطرة السليمة والمنطق القوي اتحاداً لا يجوز فيه فصل العناصر بعضها عن بعض. فكان له من بلاغة الجاهلية ومن سحر البيان النبوي، ما حدا بعضهم إلى أن يقول في كلامه إنه (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق)".

* ويقول الأديب جبران خليل جبران: "في عقيدتي أن ابن أبي طالب كان أولَ عربي لازم الروحَ الكليةَ وجاوَرَها وسَامَرَها، وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى أغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من ذي قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم، فمن أعجب بها كان إعجابه موثوقاً بالفطرة، ومن خاصمه كان من أبناء الجاهلية".

* ويقول الأديب ميخائيل نعيمة في رسالة بعثها للأستاذ جورج جرداق عندما أخبره جرداق بأنه عازم على وضع كتاب عن الإمام: " عزيزي الأستاذ جرداق، نعمّا ما أقدمت عليه في وضع كتاب عن الإمام علي، حالَفَك التوفيق. تسألني رأيي في الإمام، كرم اللّه وجهه، ورأيي أنه من بعد النبي سيد العرب على الإطلاق بلاغة وحكمة، وتفهّماً للدين، وتحمّساً للحق، وتسامياً عن الدنايا. فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلاً دانت له اللغة مثلما دانت لابن أبي طالب، سواء في عظاته الدينية وخطبه الحماسية ورسائله التوجيهية، أو في تلك الشذور المقتضبة التي كان يطلقها من حين إلى حين مشحونة بالحكم الزمنية والروحية، متوهجة ببوارق الإيمان الحي، ومدركة من الجمال في البيان حد الإعجاز، فكأنها اللآلئ بلغت بها الطبيعةُ حد الكمال، وكأن البحر يقذف بتلك اللآلئ دونما عنتٍ أو عناء! ليس بين العرب من صفت بصيرته صفاء بصيرة الإمام علي، ولا من أوتي المقدرة في اقتناص الصور التي انعكست على بصيرته وعرضها في إطار من الروعة، هو السحر الحلال حتى سجعه -وهو كثير- يسطو عليك بألوانه وبموسيقاه ولا سطوَ القوافي التي تبدو كما لو أنها هبطت على الشاعر من السماء، فهي ما اتخذت مكانها في أواخر الأبيات إلا لتقوم بمهمة يستحيل على غيرها القيام بها. إنها هناك لتقول أشياء لا تستطيع كلمات غيرها أن تقولها، فهي كالغَلَق في القنطرة!" ثم يقول: "إن علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان، في كل زمان ومكان!".

* ويقول الأديب والشاعر بولس سلامة في خاتمة ملحمته (عيد الغدير): "فيا أبا الحسن! ماذا أقول فيك وقد قال الكتاب في المتنبي:(إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس)، وإنْ هو إلا شاعر له حفنة من الدر إزاء تلال من الحجارة، وما شخصيته حيال عظمتك إلا مدرة على النيل خجلى من عظمة الأهرام".

* ويقول الأديب والمفكر عبد المسيح الأنطاكي بأن الأديب البارز إبراهيم اليازجي (والذي كان في وقته أكبر كتاب العرب وإمام أساتذة اللغة فيهم) قال له: "ما أتقنتُ الكتابة إلا بدرس القرآن العظيم ونهج البلاغة القويم، فهما كنز اللغة العربية الذي لا ينفد وذخيرتها للمتأدب، وهيهات أن يظفر أديب بحاجته من هذه اللغة الشريفة إن لم يُحْيِ لياليه سهراً في مطالعتهما والتبحر في عالي أساليبهما".

ويروى أن أباه الشيخ ناصيف اليازجي أوصاه: "إذا شئت أن تفوق أقرانك في العلم والأدب وصناعة الإنشاء فعليك بحفظ القرآن ونهج البلاغة".

* ويقول الأديب والباحث روكس بن زايد العزيزي: "يقيناً إن كل مثقف عربي، كل كاتب عربي، كل شاعر عربي، كل خطيب عربي، مدين للإمام علي...، وانطلاقاً من هذه النقطة فنحن لا نعد كاتباً أو أديباً عربياً مثقفاً ثقافةً عربيةً أصيلةً إن لم يقرأ القرآن ونهج البلاغة قراءاتٍ عميقةً متواصلةً".

وإلى غير ذلك مما ذكره الأستاذ راجي أنور هيفا في كتابه المذكور من الأعلام المسيحيين الذي أشادوا ببلاغة أمير المؤمنين وفصاحته.

وفي الختام، أشير إلى أنني لم أعلق على الأقوال السالفة، حتى يتاح للقارئ التأمل في مدلولاتها طويلاً لإدراك مقام علي بن أبي طالب عليه السلام في البلاغة والفصاحة، خصوصاً وأن معظم الأقوال كانت من علماء ومفكرين ليسوا بشيعة، فعلي عليه السلام ليس حكراً على الشيعة، بل هو لكل المسلمين بل للإنسانية جمعاء، وشهادته في ليالي القدر هي خسارة للإنسانية قاطبة، وفي ذلك يقول المفكر والأديب المسيحي نصري سلهب: "وفي بيت الله قتلوك وأنت راكع تصلي، وباسمه تسبح وتستغفر، فمضيتَ من أجلهم تصلي وتستغفر، وإلى ربك عدت راضياً مرضياً، وتركت أهل الأرض يئنون ويتحسرون لا لأنهم خسروكَ فحسب، بل لأنهم أدركوا أن ينبوع الروح شحَّ بموتك وكاد يجفّ، وإنهم إلى أقوالك وأفعالك سيعطشون، وهيهات أن يجدوا ينبوعاً كروحك منه يرتوون".

وحقَّ أن ينادي جبريل كما في الرواية بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: "تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم محمد المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى ، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء".

فالسلام عليك سيدي يا أبا الحسن يوم ولدت ويوم رحلت إلى ربك ويوم تبعث حياً، وثبتنا الله على ولايتك وحشرنا معك، إنه سميع مجيب. عرض أقل

*- للدراسات والبحوث
8 يوليو 2015 ·
في ذكرى استشهاد الامام علي بن أبي طالب عليه السلام
كلمات قيلت بحقه ...

ألشريف الرضي (رحمه الله) كلمة في وصف كلام الإمام والثناء عليه، يقول في مقدمته لنهج البلاغة: "كان أمير المؤمنين عليه السلام مَشْرَعَ الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا، لأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي".

* ويقول الجاحظ كما روي عنه: "ما قرع سمعي كلام بعد كلام الله ، وكلام رسوله إلا عارضته إلا كلمات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فما قدرت على معارضتها وهى مثل قوله: "ما هلك امرؤ عرف قدره" و "استغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره".

* وقال العلامة سبط بن الجوزي: "كان علي ينطق بكلام قد حف بالعصمة، ويتكلم بميزان الحكمة، كلام ألقى الله عليه المهابة، فكل من طرق سمعه راقه فهابه، وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة، والطلاوة والفصاحة، لم تسقط له كلمة، ولا بارت له حجة، أعجزَ الناطقين، وحاز قصب السبق في السابقين".

* وتخرج ابن المقفع بخطبه، وما نال محمد بن عبد الملك المعروف بالزاهد الفارقي الحظوة من إقبال النّاس على مواعظه، وانثيالهم على مجلسه، وتدوينهم لكلامه إلا لأنه كان يحفظ (نهج البلاغة) ويغيّر بعض عباراته فيحسبون أنها من إنشائه ومبتكراته.

* وقال محمد بن طلحة الشافعي: "الفصاحة تنسب إليه، والبلاغة تنقل عنه والبراعة تستفاد منه، وعلم المعاني والبيان غريزة فيه".

* وعن عامر الشعبي قال: "تكلم أمير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالاً، فقأن عيون البلاغة وأيتمن جواهر الحكمة، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن، ثلاث منها في المناجاة، وثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الأدب، فأما اللاتي في المناجاة فقال : " إلهي كفى لي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب" ، وأما اللاتي في الحكمة فقال: " قيمة كل امرئ ما يحسنه، وما هلك امرؤ عرف قدره، والمرء مخبوّ تحت لسانه " ، وأما اللاتي في الأدب فقال: " امنن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره" .

* وهذا الشيخ محمود شكري الآلوسي يقول: "هذا كتاب ( نهج البلاغة ) قد استودع من خطب الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الإلهي، وشمس تضيء بفصاحة المنطق النبوي".

* ونشير هنا أيضاً إلى ما قاله صاحب (الطراز) الإمام يحيى اليمني: "فمن معنى كلامه ارتوى كل مصقع خطيب ، وعلى منواله نسج كل واعظ بليغ، إذ كان عليه السّلام مشرع البلاغة وموردها، ومحط البلاغة ومولدها، وهيدب مزنها الساكب ، ومتفجر وَدقها الهاطل، وعن هذا قال أمير المؤمنين في بعض كلامه: "نحن أمراء الكلام، وفينا تشبثت عروقه، وعلينا تهدلت أغصانه"، ثم أورد مثالا من أول خطبة في ( نهج البلاغة ) وقال:"العجب من علماء البيان والجماهير من حذاق المعاني كيف أعرضوا عن كلامه وهو الغاية التي لا مرتبة فوقها، ومنتهى كل مطلب وغاية كل مقصد في جميع ما يطلبونه، من المجازات والتمثيل والكنايات؟".

* ويقول الإمام الشيخ محمد عبده في مقدمة شرحه لنهج البلاغة: "وليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام الإمام علي بن أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه وأغزره مادة وأرفعه أسلوباً وأجمعه لجلائل المعاني. فأجدر بالطالبين لنفائس اللغة، والطامعين في التدرج لمراقيها أن يجعلوا هذا الكتاب أهم محفوظهم وأفضل مأثورهم، مع تفهم معانيه في الأغراض التي جاءت لأجلها، وتأمل ألفاظه في المعاني التي صيغت للدلالة عليها ليصيبوا بذلك أفضل غاية وينتهوا إلى خير نهاية". ولك أن تراجع مقدمته الرائعة للنهج ولكن المقام لا يسمح بإيرادها هنا.

* ويقول الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في مقدمته لشرح ابن أبي الحديد: "ومنذ أن صدر هذا الكتاب عن جامعه سار في الناس ذكره، وتألق نجمه، أشام وأعرق،وأنجد وأتهم، وأعجب به الناس حيث كان، وتدارسوه في كل مكان، لما اشتمل عليه مناللفظ المنتقى، والمعنى المشرق، وما احتواه من جوامع الكلم، ونوابغ الحكم، فيأسلوب متساوق الاغراض، محكم السبك، يعد في الذروة العليا من النثر العربي الرائع".

* ويقول الأستاذ عباس محمود العقاد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: " كان أديباً بليغاًله نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون، وقسط من الذوق مطبوع يحمده المتذوقون ، وإن تطاولت بينه وبينهم السنون، فهو الحكيم الأديب والخطيب المبين والمنشئ الذي يتصل إنشاؤه بالعربية ما اتصلت آيات الناثرين والناظمين..".

* ويقول الأستاذ أحمد حسن الزيات: "ولا نعلم بعد رسول الله فيمن سلف وخلف أفصح من علي في المنطق ولا أبل ريقاً في الخطابة، كان حكيماً تتفجر الحكمة من بيانه، وخطيباً تتدفق البلاغة على لسانه، وواعظاً ملء السمع والقلب ومترسلاً بعيد غور الحجة، ومتكلماً يضع لسانهحيث شاء. وهو بالاجماع أخطب المسلمين وإمام المنشئين، وخطبه في الحثعلى الجهاد، ورسائله إلى معاوية، ووصفه الطاووس والخفاش والدنيا، وعهدهللأشتر النخعي إن صح ذلك، تعد من معجزات اللسان العربي، وبدائع العقلالبشري".

ولم يقف الحمد والإطراء والمدح والثناء على بلاغة سيد البلغاء على حدود المسلمين، بل تعدى ذلك إلى المسيحيين أيضاً، فترى جملة من المفكرين والأدباء الكبار يقفون حائرين أمام هذه الكلمات الحاملة بين طياتها أسمى معاني البلاغة والفصاحة. ولنقف الآن مع مجموعة من مقولاتهم:

* يقول الأديب جورج جرداق: "هذه الحقيقة تتركز جلية واضحة في شخصية علي بن أبي طالب فإذا هو الإمام في الأدب، كما هو الإمام في ما أثبت من حقوق وفي ما علّم وهدى، وآيته في ذلك ( نهج البلاغة ) الذي يقوم في أسس البلاغة العربية في ما يلي القرآن من أسس، وتتصل به أساليب العرب في نحو ثلاثة عشر قرناً فتبني على بنائه وتقتبس منه ويحيا جيّدها في نطاقٍ من بيانه الساحر. أما البيان فقد وصل علي سابقه بلاحقه، فضم روائع البيان الجاهلي الصافي المتحد بالفطرة السليمة اتحاداً مباشراً، إلى البيان الإسلامي الصافي المهذب المتحد بالفطرة السليمة والمنطق القوي اتحاداً لا يجوز فيه فصل العناصر بعضها عن بعض. فكان له من بلاغة الجاهلية ومن سحر البيان النبوي، ما حدا بعضهم إلى أن يقول في كلامه إنه (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق)".

* ويقول الأديب جبران خليل جبران: "في عقيدتي أن ابن أبي طالب كان أولَ عربي لازم الروحَ الكليةَ وجاوَرَها وسَامَرَها، وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى أغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من ذي قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم، فمن أعجب بها كان إعجابه موثوقاً بالفطرة، ومن خاصمه كان من أبناء الجاهلية".

* ويقول الأديب ميخائيل نعيمة في رسالة بعثها للأستاذ جورج جرداق عندما أخبره جرداق بأنه عازم على وضع كتاب عن الإمام: " عزيزي الأستاذ جرداق، نعمّا ما أقدمت عليه في وضع كتاب عن الإمام علي، حالَفَك التوفيق. تسألني رأيي في الإمام، كرم اللّه وجهه، ورأيي أنه من بعد النبي سيد العرب على الإطلاق بلاغة وحكمة، وتفهّماً للدين، وتحمّساً للحق، وتسامياً عن الدنايا. فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلاً دانت له اللغة مثلما دانت لابن أبي طالب، سواء في عظاته الدينية وخطبه الحماسية ورسائله التوجيهية، أو في تلك الشذور المقتضبة التي كان يطلقها من حين إلى حين مشحونة بالحكم الزمنية والروحية، متوهجة ببوارق الإيمان الحي، ومدركة من الجمال في البيان حد الإعجاز، فكأنها اللآلئ بلغت بها الطبيعةُ حد الكمال، وكأن البحر يقذف بتلك اللآلئ دونما عنتٍ أو عناء! ليس بين العرب من صفت بصيرته صفاء بصيرة الإمام علي، ولا من أوتي المقدرة في اقتناص الصور التي انعكست على بصيرته وعرضها في إطار من الروعة، هو السحر الحلال حتى سجعه -وهو كثير- يسطو عليك بألوانه وبموسيقاه ولا سطوَ القوافي التي تبدو كما لو أنها هبطت على الشاعر من السماء، فهي ما اتخذت مكانها في أواخر الأبيات إلا لتقوم بمهمة يستحيل على غيرها القيام بها. إنها هناك لتقول أشياء لا تستطيع كلمات غيرها أن تقولها، فهي كالغَلَق في القنطرة!" ثم يقول: "إن علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان، في كل زمان ومكان!".

* ويقول الأديب والشاعر بولس سلامة في خاتمة ملحمته (عيد الغدير): "فيا أبا الحسن! ماذا أقول فيك وقد قال الكتاب في المتنبي:(إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس)، وإنْ هو إلا شاعر له حفنة من الدر إزاء تلال من الحجارة، وما شخصيته حيال عظمتك إلا مدرة على النيل خجلى من عظمة الأهرام".

* ويقول الأديب والمفكر عبد المسيح الأنطاكي بأن الأديب البارز إبراهيم اليازجي (والذي كان في وقته أكبر كتاب العرب وإمام أساتذة اللغة فيهم) قال له: "ما أتقنتُ الكتابة إلا بدرس القرآن العظيم ونهج البلاغة القويم، فهما كنز اللغة العربية الذي لا ينفد وذخيرتها للمتأدب، وهيهات أن يظفر أديب بحاجته من هذه اللغة الشريفة إن لم يُحْيِ لياليه سهراً في مطالعتهما والتبحر في عالي أساليبهما".

ويروى أن أباه الشيخ ناصيف اليازجي أوصاه: "إذا شئت أن تفوق أقرانك في العلم والأدب وصناعة الإنشاء فعليك بحفظ القرآن ونهج البلاغة".

* ويقول الأديب والباحث روكس بن زايد العزيزي: "يقيناً إن كل مثقف عربي، كل كاتب عربي، كل شاعر عربي، كل خطيب عربي، مدين للإمام علي...، وانطلاقاً من هذه النقطة فنحن لا نعد كاتباً أو أديباً عربياً مثقفاً ثقافةً عربيةً أصيلةً إن لم يقرأ القرآن ونهج البلاغة قراءاتٍ عميقةً متواصلةً".

وإلى غير ذلك مما ذكره الأستاذ راجي أنور هيفا في كتابه المذكور من الأعلام المسيحيين الذي أشادوا ببلاغة أمير المؤمنين وفصاحته.

وفي الختام، أشير إلى أنني لم أعلق على الأقوال السالفة، حتى يتاح للقارئ التأمل في مدلولاتها طويلاً لإدراك مقام علي بن أبي طالب عليه السلام في البلاغة والفصاحة، خصوصاً وأن معظم الأقوال كانت من علماء ومفكرين ليسوا بشيعة، فعلي عليه السلام ليس حكراً على الشيعة، بل هو لكل المسلمين بل للإنسانية جمعاء، وشهادته في ليالي القدر هي خسارة للإنسانية قاطبة، وفي ذلك يقول المفكر والأديب المسيحي نصري سلهب: "وفي بيت الله قتلوك وأنت راكع تصلي، وباسمه تسبح وتستغفر، فمضيتَ من أجلهم تصلي وتستغفر، وإلى ربك عدت راضياً مرضياً، وتركت أهل الأرض يئنون ويتحسرون لا لأنهم خسروكَ فحسب، بل لأنهم أدركوا أن ينبوع الروح شحَّ بموتك وكاد يجفّ، وإنهم إلى أقوالك وأفعالك سيعطشون، وهيهات أن يجدوا ينبوعاً كروحك منه يرتوون".

وحقَّ أن ينادي جبريل كما في الرواية بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: "تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم محمد المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى ، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء".

فالسلام عليك سيدي يا أبا الحسن يوم ولدت ويوم رحلت إلى ربك ويوم تبعث حياً، وثبتنا الله على ولايتك وحشرنا معك، إنه سميع مجيب. عرض أقل

*- من صفحة مركز على الوردى للدراسات والبحوث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.