لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد تبدأ أعمالها وتدعو التجار لتقديم طلباتهم لمراجعتها والبت فيها    بينهم أنس الشريف.. استشهاد 6 صحفيين في قصف إسرائيلي في محيط مجمع الشفاء    وفاة طفلين وإصابة 5 أشخاص من أسرة واحدة بصاعقة رعدية في حجة    اكتشاف مستوطنة نادرة على قمة جبل في بيرو    5 أخطاء تحول الشاي إلى سم    إدانات بمجلس الأمن لخطة احتلال غزة ودعوات لوقف المجاعة    أطماع بلا حدود: سطو على نفط شبوة.. واليوم يستحوذون على ستارلنك    إشادة قبلية وإعلامية بخطاب أبوعلي الحضرمي ضد الفوضى والتمرد    اجتماع في تعز يقر آليات ضبط الأسعار ومحاسبة المخالفين    خواطر ومحطات حول الوحدة اليمنية (الحلقة رقم 50)    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (8)    الحقيقة لا غير    ارتفاع حصيلة الإبادة الإسرائيلية في غزة إلى 61 ألفا و430 شهيداً    مزرعة ألبان رصابة بذمار.. بين التحدي والطموح    إعلان نتيجة الدور الثاني لاختبارات الشهادة الأساسية    أشاد بجهود قيادة وكوادر شرطة المرور في الارتقاء بالعمل وتنفيذ خطط التطوير    المدرسة الديمقراطية تكرم الصحفي حسن الوريث لدوره في مكافحة الفساد    الإرادة تصنع المستحيل    في ذكرى ميلاد المصطفى    استعدادات واسعة للاحتفاء بذكرى المولد النبوي    خلال اللقاء التحضيري لتدشين فعاليات المولد النبوي بأمانة العاصمة..    هيئة الرقابة على المناقصات تدعو الجهات الحكومية لموافاتها بتقارير وخطط المشتريات    بهدف معالجة الصعوبات والمشكلات التي يعاني منها القطاع الصحي.. رئيس مجلس الشورى يلتقي وزير الصحة والبيئة    مرض الفشل الكلوي (16)    565 طالبًا وطالبة يتنافسون على 16 مقعدًا مجانيًا بالجامعة الألمانية الدولية – عدن    هاتفيًا.. المحرمي يطمئن على الأوضاع الأمنية والخدمات بحضرموت    وصية الشهيد الإعلامي أنس الشريف ابن فلسطين درة تاج المسلمين توجع القلب    رسوم المدارس الحكومية (المخصخصة) وحرمان الطلاب.. "مشهد من أمام بوابة مدرسة"    وحدة التربة يحقق فوزا مهما على أمل الخيامي في بطولة بيسان    كأس خوان غامبر: برشلونة يحرز اللقب بعد سحقه كومو الايطالي    ناشط حقوقي يتلقى تهديدات بتصفيته وأسرته ويحمّل سلطات صنعاء المسؤولية    المحافظات المحتلة: بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور الوضع المعيشي .. مظاهرات وعصيان مدني في حضرموت وتعز واشتباكات بين المرتزقة    استمرار اخفاء قيادي بعثي في صنعاء للاسبوع الثاني    استعدادا للمشاركة بكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية للمنتخب الوطني للناشئين    عدن .. البنك المركزي يوقف تراخيص ويسحب أخرى من كيانات مصرفية    مجلس الأمن يعقد اجتماعاً طارئاً بشأن غزة    وداعا كريم..    وجع بحجم اليمن    مدرب أهلي تعز: جاهزون لمواجهة التعاون ونبحث عن النقاط الثلاث    إلى حضارم العزلة: خريطة حضرموت التاريخية من باب المندب إلى المهرة    رامي المحمود وفعل الإدارة الوطنية للإفراج عنه    شكراً للفريق السامعي الذي ألف بينهم    تقرير أممي: نزوح داخلي لعشرات الأسر اليمنية لاسباب متعددة    جلسة عاجلة لمجلس الأمن لبحث خطة إسرائيل لاحتلال غزة    الاصاد يحذر من أمطار رعدية مصحوبة بحبات البرد على 9 محافظات خلال الساعات القادمة    أحمد سيف.. الذاكرة التي لا تغيب وصوت الدولة المدنية    بعد محاولة اختطاف طفلة في ذمار .. ظاهرة اختطاف الأطفال يعود إلى الواجهة    مظاهرات حاشدة بمدن عربية وغربية تضامنا مع غزة    رسميا.. النصر يضم مدافع برشلونة    علماء يكتشفون أن نقص عنصر غذائي "شائع" قد يسبب الزهايمر    فوائد صحية لتناول القرفة لا يعرفها كثيرون    بالعلامة الكاملة.. نيوزيلندا في ربع النهائي    مأرب بلا كهرباء.. الفساد يلتهم جزء من موازنة المحطة الغازية ويخرجها عن الخدمة    السكوتر ينقذ مدرب جوام    بطولة " بيسان " تعز 2025... -عودة الحياه الرياضية وعجلتها الكروية!    وزير الثقافة والسياحة يؤكد على أهمية الدور التنويري للمثقفين والأدباء    مهرجان القاهرة السينمائي يطلق «CAIRO'S XR»    من أين لك هذا المال؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين قرار بن مبارك ومواقف الانتقالي.. عدن تُقتل بأيادٍ جنوبية
نشر في شبوه برس يوم 28 - 04 - 2025

*- شبوة برس - عدن «الأيام» وهيب الحاجب:
عدن بلا كهرباء.. ما وفروه من إلغاء شراء الطاقة دمروا به المحطات الحكومية
سم في العسل.. إجهاز على ما تبقى من كهرباء عدن عبر قرارات تدعي محاربة الفساد
آخر الحلول.. عصيان وسيطرة ولجان مؤهلة لإدارة المؤسسات بعيدا عن طرفي الحكومة
"عدن تُقتل بأيادٍ جنوبية".. أربع كلمات قد تكون كافية للتعبير عن معاناة أبناء الجنوب في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب جراء ويلات الحر والظلام وما سبقهما من جوع وتجويع وفقر وإفقار انتهجه رئيس الوزراء "الجنوبي" أحمد عوض بن مبارك بقرارات كارثية وممارسات تُمرر بحضرة ورعاية ومباركة من حامي حمى الجنوب المجلس الانتقالي "الجنوبي"، لتبقى الأطراف الشمالية المتربصة بعدن وقوى الغزو والاحتلال تراقب الوضع من على "الأرائك" في معاشيق، منتشية بأن وجدتْ من يقوم بمهمتها وينفذ لها مشاريعها دون عناء ولا كلفة...

"الجنوبي" بن مبارك مرر قراره بإلغاء عقود شراء الطاقة دون بدائل، وتمكن بنجاح من إنهاء ما تبقى من قطاع الكهرباء في عدن وأدخل أبناء العاصمة في جحيم وحميم بعد أن أخذ "اللقمة" من أفواههم، ليضع بذلك شركاءه في المجلس الانتقالي "الجنوبي" أمام موقف صعب وبين خيارات سياسية مكلفة... فماذا ومن وراء قرار بن مبارك؟ وأين سيقف الانتقالي ومع من: "مطلع أم منزل" ؟!

في منتصف فبراير الماضي، أصدر رئيس الوزراء بحكومة المناصفة د. أحمد عوض بن مبارك قرارًا بإلغاء جميع عقود شراء الطاقة من القطاع الخاص، وهو إجراء لطالما طالب به خبراء اقتصاديون بدعوى أنه سيخفف على الحكومة عبئًا ماليًّا ضخمًا ويوجه الأموال مباشرة لدعم المحطات الحكومية، بيد أن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا.. توقفت المحطات الحكومية عن العمل بشكل كامل لتعيش العاصمة عدن أسوأ أزمة كهرباء منذ عقود.

الدافع خلف إلغاء عقود الطاقة كان لتوفير مبالغ طائلة كانت تدفع للقطاع الخاص، سواء مقابل إنتاج الكهرباء أو شراء الوقود لمحطاتهم، وتسخير هذه الوفورات المالية لشراء النفط الخام والديزل والمازوت لمحطات الحكومة، لتعمل بكامل طاقتها التوليدية دون انقطاع؛ وبالتالي إنهاء ظاهرة "الاعتماد على الطاقة المشتراة"، وتقوية الاعتماد على المحطات الحكومية.. لكن بدلا أن تتحقق هذه الأهداف المعلنة ازدادت ساعات الانطفاء الكهربائي في عدن ومحافظات الجنوب إلى مستويات قياسية وصلت أمس وأمس الأول إلى أن توقفت المحطات الحكومية عن العمل بشكل كامل بسبب نفاد الوقود، وهذا يعني أنه لم يظهر أثر حقيقي للوفورات المالية التي أعلنت عنها الحكومة، سواء عبر توفير الوقود أو عبر تحسين الخدمة.. فأين ذهبت الأموال التي قيل إنه تم توفيرها؟ ولماذا لم تجهز المحطات الحكومية بالوقود الكافي بعد إلغاء العقود؟

قرار سياسي أم إصلاحي؟
تعود خلفيات قرار الإلغاء إلى تقارير رقابية رسمية وغير رسمية، تتحدث عن أن عقود الطاقة المشتراة كانت تستنزف مئات الملايين من الدولارات سنويًا دون تحسين للخدمة.

كانت هذه العقود تتم غالبًا عبر اتفاقيات مع شركات خاصة، بعضها يفتقر للمعايير، كما ارتبطت تلك العقود بشبهات فساد مالي كبير، واعتُبرت واحدة من أكبر ملفات الفساد في قطاع الخدمات.

سعى بن مبارك في ظل ضغوط من دول الجوار الداعمة، إلى تنفيذ إصلاحات حقيقية للحد من استنزاف موارد الدولة، وكان إلغاء الطاقة المشتراة أحد أهم هذه الخطوات، بهدف كسر شبكة الفساد المرتبطة بهذا الملف.

القرار من حيث الشكل اتخذ غطاء "الإصلاح الاقتصادي"، لكنه في الواقع حمل أبعادًا سياسية خطيرة تكشف جميعها عن ملامح مخططات ممنهجة ومرتب لها ومتفق عليها لتعطيل قطاع الكهرباء بشكل كامل؛ وذلك إما لإفشال توجهات إعادة بناء مؤسسات الدولة في عدن ومحو ما تبقى من ملامح المدنية والنظام لتبقى عدن كسيحة تفتقر لأن تكون عاصمة لدولة، سواء الجنوب أو اليمن، أو لإحداث انفلات وفوضى ومصادمات يتعزز معها إبقاء عدن فرعًا تابعًا للأصل وانتزاع أي مقومات يرى "العدو" أنها تؤهل المدينة لتكون عاصمة لدولة جنوبية مستقلة.

منذ لحظة تنفيذ القرار، لم تقدم حكومة بن مبارك أي خطة طوارئ لتوليد الكهرباء أو شراء محطات جديدة، والتصريحات الرسمية كانت خجولة ومبهمة، تركز على "وجود خطط مستقبلية"، بينما كانت عدن تغرق رويدا رويدا في ظلام دامس. ترافق ذلك مع تجاهل شبه كامل لمناشدات السلطات المحلية والمواطنين بضرورة التدخل العاجل، مما زاد من حدة الاحتقان الشعبي.

ثمة هناك رأي لدى أوساط الرأي العام في عدن والجنوب عامة مفاده أن أحمد عوض بن مبارك، بصفته شخصية جنوبية، استُخدم كواجهة لتمرير قرار كارثي كان سيرفض لو صدر من شخصية شمالية.

بمعنى آخر، تم دفعه ليأخذ قرارًا يؤدي عمليًا إلى "قتل عدن بيد جنوبية"، مما يخفف من حدة الغضب الشعبي تجاه الحكومة الشرعية اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي.

تشير تسريبات إلى أن القرار جاء بعد ضغوط مباشرة من شخصيات نافذة داخل الحكومة وخارجها، بهدف تنفيذ مخططات مع ضمان "أقل تكلفة سياسية" عبر تمريره على يد مسؤول جنوبي.

بركان شعبي
انهيار الخدمات الحيوية المرتبطة بالكهرباء كالمستشفيات ومحطات المياه من المؤكد أن يدفع نحو موجة غضب شعبي غير مسبوقة تهدد بانفجار مجتمعي وعمالي قد يخرج عن السيطرة، فبينما يستمر بن مبارك بالصمت، تتسع الهوة بين الحكومة وسكان العاصمة عدن الذين باتوا يرون أن السلطة الحالية، بعجزها وصراعاتها، أخطر عليهم من الفساد الذي كانت تدعي محاربته؛ إذ شهدت عدن أمس وأمس الأول تظاهرات متفرقة في مديريات عدة، حيث أقدم محتجون على قطع الطرقات وإشعال الإطارات، وسط هتافات غاضبة ضد الحكومة وضد رئيس الوزراء أحمد بن مبارك.

تصاعد الغضب الشعبي ينبئ باحتمال دخول عدن مرحلة العصيان المدني الشامل إذا استمرت الأزمة على حالها، وهناك مؤشرات حقيقية على أن الحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني بدأت التنسيق لدعوات واسعة للإضراب العام والسيطرة على المؤسسات الحكومية، كخطوة تصعيدية لفرض الاستجابة ورفع المعاناة عن كاهل السكان.

الفراغ الخدمي عادةً ما يرافقه فراغ أمني، خصوصًا في مدن مثل عدن تعاني أساسًا من هشاشة في منظومتها الأمنية، وكل هذه السيناريوهات ممكنة، خاصة مع حالة الإحباط الجماعي وتآكل الثقة بأي حل قريب.

موقف الانتقالي
المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو القوة السياسية والعسكرية الأقوى والأكثر في عدن، وجد نفسه أمام معادلة بالغة التعقيد، فمن جهة لا يريد المجلس أن يظهر بمظهر العاجز عن حماية المواطنين وتوفير الخدمات، خصوصًا وأنه يطرح نفسه ممثلًا لقضية الجنوب، ومن جهة أخرى، فإن المجلس جزء من حكومة الشرعية اليمنية عبر مشاركته في مجلس القيادة الرئاسي وحكومة بن مبارك، مما يقيد قدرته على التصعيد السياسي أو الانقلاب على قرارات الحكومة دون أن يتحمل هو نفسه جزءًا من المسؤولية.

الانتقالي يكتفي عادة بإصدار بيانات تندد بالأوضاع المعيشية وتطالب الحكومة بتحمل مسؤولياتها، لكنه لم يتخذ خطوات عملية حقيقية، مثل فرض حلول بديلة أو فك ارتباطه بالحكومة، في المقابل هناك ضغوط متزايدة من قواعده الشعبية لدفعه نحو تبني مواقف أكثر صرامة، بما في ذلك دعوات لإعلان "حالة الطوارئ الجنوبية" أو السيطرة المباشرة على إدارة الخدمات في عدن خارج إطار الحكومة، أو إعادة العمل بقرار "الإدارة الذاتية" للجنوب التي كان أعلنها الانتقالي في العام 2022م ثم تراجع عنها بعد أقل من شهرين.

وسط هذا الوضع المعقد فإن المجلس الانتقالي واقع أمام عدة خيارات، كلها مكلفة سياسيًا وتحتاج إلى إرادة وخطط بديلة تواجه تبعات أي قرار، حتى لا تكون نتيجة أي قرار كمصير قرار بن مبارك وحكومته بإلغاء عقود الطاقة المشتراة.

أول الخيارات أمام الانتقالي هو التصعيد السياسي عبر المطالبة بإقالة الحكومة وتحميلها كامل المسؤولية، وهو ما قد يعيد تأجيج الخلافات مع مكونات الشرعية، يرافق ذلك تدخل إداري مباشر عبر مساعدة القطاعات الشعبية المدنية على تشكيل لجان محلية لإدارة الكهرباء والمياه والخدمات، مع مراعاة ما يحمله ذلك من تحدٍ قانوني وسياسي.

أما ثاني الخيارات فهو الانخراط في دعم العصيان المدني كخيار شعبي، لكن هذا قد يدفع الوضع نحو الانفجار الشامل خارج سيطرته.

مسألة الاستمرار بالمناورة السياسية دون تحرك فعلي، مع تحميل الحكومة المسؤولية إعلاميًا ومحاولة تجنب الاصطدام المباشر فهذا ليس خيارًا بل سلوكا اعتياديا يمارسه الانتقالي عند كل أزمة تعصف بالعاصمة عدن وتفاقم معاناة أبناء الجنوب، وهو سلوك محفوف بمخاطر فقدان ثقة قواعده الشعبية.

عدن أمام مفترق طرق
عدن اليوم ليست فقط مدينة تغرق في الظلام، بل مدينة تقف على فوهة بركان اجتماعي وأمني.. غياب الحلول العاجلة قد يدفع نحو موجة عصيان مدني واسعة، تدخل العاصمة والمحافظات المجاورة في دوامة من الفوضى والانفلات قد يصعب احتواؤها.. بمعنى أن المجلس الانتقالي "الجنوبي" بات في سباق مع الزمن بين خيارين أحلاهما مر: إنقاذ عدن أو خسارتها سياسيًا وشعبيًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.