على هذه الأرض، التي سُقيت بدماء الأبطال، وُلدت رايةٌ لا تنحني ولا تُنتزع، بل تبقى خفاقةً رغم العواصف، عصيةً على السقوط، صامدةً في وجه كل من يحاول طمسها أو ربطها بواقعٍ يُراد له أن يكون قبيحًا. هذا العلم لم يكن يومًا خيارًا سياسيًا يُتفاوض عليه، بل هويةٌ وطنيةٌ راسخةٌ لا يملكها أحد، ولا يمكن اختزالها في قائدٍ أو حزبٍ أو مكونٍ سياسي. إنها رايةٌ حملها الشهداء في أحلك الظروف، ورفعوها رمزًا للفداء والانتماء، قبل أن تُولد السياسات وتتغير المصالح. فكيف لنا أن نتخلى عن إرثٍ دفع أبناء الجنوب أرواحهم لحمايته؟
في كل معركةٍ عظيمة، هناك من يحاول تغيير مسارها بقصد، وهناك من تم إقناعهم بأن القضية تتطلب فصل العلم عن النضال حتى لا تُسرق الثورة. أوهموهم بأن الراية تخص قائدًا أو شعارًا لكيانٍ سياسي، رغم أنها كانت موجودة قبل الجميع، وقبل أن يُولد المجلس الانتقالي الذي جاء في فترةٍ لاحقةٍ من المسيرة الجنوبية الطويلة. هذا التشويه المنهجي يهدف إلى إرباك الموقف الجنوبي، وخلق حالةٍ من الشكوك حول رمزٍ كان وسيظل أكبر من أي كيانٍ سياسي أو زعيمٍ عابر.
لكن علم الجنوب ليس مجرد قطعة قماشٍ تُرفع، بل هويةٌ لا تمحى، وتاريخٌ محفورٌ في وجدان شعبٍ ناضل ودفع أثمانًا غالية كي يبقى هذا الرمز عاليًا في كل موقف. هو ليس سبب الأزمة، ولا يمكن أن يكون مبررًا لصمت الناس عن حقوقهم أو تقليص حضورهم في ساحات المطالبة. بل هو عنوانٌ لقضيةٍ أعمق، قضية كرامةٍ لا تقبل المساومة، وقضية وطنٍ لن يخذله أبناؤه في لحظاتٍ يحتاج فيها إلى صوتهم وإلى ثباتهم.
أبو شهيدٍ يرفع علم الجنوب فخرًا، أم شهيدٍ ترى في الراية ذكرى ابنها الذي بذل روحه لأجلها، جريحٌ حملها بيده التي نزفت، فكيف يُطلب منهم أن يخفوا ما كان شاهدًا على تضحية أبنائهم؟ كيف يُراد أن تُطمس هذه الرمزية التي خضبتها دماء الأبطال؟ هؤلاء لم يرفعوا العلم مجاملةً، بل حملوه بقلوبهم ورفعوه بإرادتهم، ولن يكون لأحدٍ أن يمنعهم.
الأحزاب والقادة زائلون، لكن العلم باقٍ، كان هنا قبلهم وسيظل بعدهم، فلماذا يُراد له أن يُمحى وكأنه عارٌ على أرضه؟ انظروا إلى شعوب العالم كلها، كيف ترفع راياتها بفخرٍ في كل احتجاجٍ ومطلبٍ عادل، فلماذا في عدن يُراد فرض واقعٍ غريبٍ علينا؟ كيف تكون هناك وقفةٌ لمطالبةٍ برفع الظلم وتحسين الخدمات وتخفيض سعر العملات الأجنبية، بينما يُشترط أن تُقام بلا هوية؟
هذه الشروط تثير التساؤلات، وتجعلنا نتساءل: من يقف خلف هذه التحركات؟ ما الهدف الحقيقي من هذا الفصل المصطنع بين الحقوق والهوية؟ ولماذا يُراد إيصال صورةٍ مغلوطة إلى العالم بأن شعب الجنوب لا يريد استعادة دولته؟
الإخوة والأخوات، افيقوا! مطالبنا عادلة، حقوقنا مشروعة، ومعركتنا ليست فقط في تحسين أوضاعنا المعيشية، بل في الدفاع عن هويتنا، عن رمزنا الذي خضبته دماء شهدائنا. من حقنا أن نخرج ونطالب بحياةٍ كريمة، ونحن نرفع علم بلادنا، بلا ترددٍ ولا مساومة، كما تفعل كل شعوب الأرض حين تطالب بحقوقها.
قسمٌ لا يُنكسر وحقٌ لا يُنتزع
ترابهُ كُحل العيون، وأرواحنا فيه تهون، وقسمًا بربي لانخون. نحن أبناء الجنوب، أبناء الأرض التي لم تُهزم، أبناء الراية التي لن تسقط، وأبناء الحقوق التي لن تُنتزع مهما اشتد الظلم وتكاثرت المؤامرات.
سنرفع علمنا عاليًا كما رفعه الأبطال الذين سبقونا، وسنرفع أصواتنا بنفس العزيمة لنطالب بحقوقنا، لأن الكرامة ليست شعارًا يُتلاعب به، بل حقٌ لا يُنتزع، وإرثٌ لا يمحوه الزمن، ومبدأٌ سنظل نحمله حتى يتحقق النصر.
ليس العلم رمزًا يُساوم عليه، بل هويةٌ وحقٌ، فمن حمله حمل إرثًا لا يُنسى، ومن ناضل تحته سار على خطى الأبطال. سيظل عاليًا في ميادين النضال كما بقي في قلوب الأحرار، لا ينكسر ولا يزول، لأن التاريخ كتبه بدماءٍ لا تُمحى.