الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    تعيين شاب "يمني" قائدا للشرطة في مدينة أمريكية    الوية العمالقة توجه رسالة نارية لمقاتلي الحوثي    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بمحافظة عمران (صور)    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    التفاؤل رغم كآبة الواقع    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آمال عوّاد رضوان.... الكتابةُ بشرطِ الاستعادةِ
نشر في شهارة نت يوم 19 - 04 - 2013

لا يمكنُ لأيّة قراءةٍ نقديّةٍ إلّا أن تكونَ محاولةً في استعادةِ النّصّ، النّصّ بوصْفِهِ بُنْيَةً مفتوحةً للمعنى/ الرسالة، أو بوصْفِهِ بُنيةً بَصَريّةً مُصَمَّمةً لاستحضارِ فكرة الجَمالي/الصّوري في الجملةِ الشعريّة.
هذهِ القراءةُ تسعى بالمقابلِ إلى الاستغراقِ في بُنيةِ النّصّ الاستعاريّةِ، مِن خِلال تفكيكِ التّماسُكِ الظاهريّ لهذا النصّ، والبحثِ عن الأبنيةِ الخفيّة والعميقةِ فيهِ، تلكَ الّتي تتجسّدُ عبرَ المزيدِ مِن التّلويناتِ البَصريّةِ، حتّى يبدو وكأنّ النصَّ يَفقدُ خاصّيّتَهُ المُعلَنةَ والمُباشرة، ليتحوّلَ إلى مجموعةِ سيْروراتٍ باثّةٍ لطاقةٍ داخليّةٍ، ورؤيا تُعبّرُ عن كشوفاتِ هذهِ الطاقةِ، وتَمثُّلها كخطابٍ شِعريٍّ/ لسانَيْن؛ يُمثّلُ الحاضنَ لكلِّ الشّفراتِ الدلاليّةِ في النصّ، ولكلّ الاشتغالاتِ الأسلوبيّةِ في التّعبيرِ عن تركيبِ الجُملةِ، وبناءِ الصّورةِ، وما يَستدعيهِ ذلكَ مِن إجراءاتٍ في كشْفِ المعنى الّذي تُلاحقُهُ الكتابةُ دائمًا، عبرَ استعادةِ الذّاتِ أو الطبيعةِ أو المحبوب ..
هذهِ العَتبةُ القِرائيّةُ تَضعُ نُصوصَ الشّاعرةِ آمال عوّاد رضوان، أمامَ اشتغالاتِ الكشفِ الداخليِّ والخارجيّ للبُنيةِ البَصريّةِ، وللبُنيةِ الاستعاريّةِ، إذ تَشتبكُ هاتانِ البُنيتانِ في مجموعتِها الشّعريّةِ (بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّجٌ)، باتّجاهِ الكشْفِ عن الشّعريّ، بوصْفِهِ تَماهٍ معَ فكرةِ الاستعادةِ، ومعَ رؤيا البحثِ عن التّجلّياتِ الحسّيّةِ، إذ هي تتلمّسُ كشوفاتِ الجُملةِ الشّعريّةِ، مِن مُنطلقِ إحالتِها إلى جُملةٍ ثقافيّةٍ مشحونةٍ بطاقةٍ تعبيريّةٍ، وهو ما يُعطي لنصوصِ المجموعةِ سِياقًا حُرًّا، تَسعى مِن خلالِهِ الشّاعرةُ إلى توسيعِ فكرةِ الاستعادةِ تلك، مِن خلالِ استمالةِ الحسّيّ، والجسدانيّ، والوصفِ الشّعوريّ المُتورّطِ بالكشفِ عن تفاصيلِ التجربةِ وترميزِها، ومنْحِها إيقاعًا داخليًّا مُصمَّمًا، وكأنّه تعويذةٌ للارتواءِ، وبيانُ الإنشادِ العاطفيِّ الّذي يتماهى معَ نداءِ الآخَرِ الحاضِرِ، عبرَ صوَرٍ ومَناخاتٍ حِسّيّةٍ وآيروسيّةٍ مُتعدّدةٍ...
إنّ ما تُفصِحُ عنهُ الشاعرةُ آمال عوّاد رضوان هو إفصاحٌ وصْفِيٌّ أوّلًا، وهو إفصاحٌ بَصَريٌّ في جوْهرِهِ، إذ يَتوالَدُ عبرَ صورةٍ استعماليّةٍ، مَسكونةٍ بالاستعارةِ، رغم أنّ لغةَ الشاعرةِ بسيطةٌ، إلّا أنّها مَشوبةٌ بهَوَسٍ حِسّيٍّ للتعبيرِ عن شِفرةِ الرغبةِ، رغبةِ البحثِ، رغبةِ الاكتشافِ، رغبةِ الاستحضارِ، رغبةِ اللذّةِ، إذ تكونُ اللغةُ في هذا السّياقِ الاستعاريِّ أشبَهُ بمجموعةٍ مِنَ الإشارات، الّتي تُوظّفُها الشّاعرةُ باتّجاهِ أن تَستفزَّ الذاكرةَ، وأن تستفزَّ الجسدَ، وبما يُسبغُ على لعبةِ الاستعادةِ المَجازيّةِ سِماتٍ تُعبّرُ عن نفسِها، مِن خلالِ الانشدادِ إلى انزياحِ الاستعارةِ، الّذي يَبدو مكشوفًا امامَ ازدحامِ التفاصيلِ الشّعوريّةِ، ومَناخاتِ الإحساسِ المُفرِطِ في نزوعِهِ الاستعاديّ ..
أَحِنُّ إِلى حَفيفِ صَوْتِكَ
ينسابُ
نَسِيمًا رَطِبًا في مَعابِرِ رُوحِي
تَجمَعُني قُزَحاتهُ إضمَاماتٍ فوَّاحَةً
تَزدانُ بِها مَنابرُ مَسامِعي
أَشتاقُكَ ..
أيُّها المَجنونُ
إِلى ما لا نِهايةٍ مِن جُنونِك
أَشتاقُك ..
إنّ تكرارَ الإشارة الصّوتيّة (صوتك) هي إشارة تعويضيّة ونفسيّة، تقابلُ غيابَ الحضور والتّشخصن، وهذا ما يدفعُ الشّاعرةُ لاصطناعِ نصِّها البَصريِّ بوصْفِهِ نصًّا لغويًّا استعاريًّا، يَفترضُ إبرازَ السّياقِ الاستعاديّ، ليكونَ بمثابةِ البُنيةِ المُهيمِنةِ الّتي تُحرِّكُ المحتوى الإشاريّ، وبما تمنحُ بُنيةَ الصّوتِ بوصْفِهِ نداءً، مجالًا تعويضيًّا يَجذبُ إليه الكثير مِن البُنياتِ الثّانويّة..
ولاشكّ أنّ هذا النّزوعَ البنائيّ يفترض له أيضًا تراتبًا وتركيبًا في البناء الأسلوبيّ، يجعل من المجموعة وكأنّها قصيدةً واحدة، كُتبتْ تحت إغواء الاستعادة، مِثلما خزينٌ استعاريٌّ لتحديدِ استعادةِ الآخَر/ المحبوب، لطاقةِ الإغواء الحسّيّ، أو المزاج الذي يَطبعُ إحساسَ الشّاعرة، وهي تستغرقُ في البُنيةِ الاستعاريّةِ بوصْفِها ترميزًا ودلالةً، أو بوصْفِها احتواءً نفسيًّا، كثيرًا ما يَتحوّلُ إلى طاقةٍ شعوريّةٍ وتعبيريّةٍ، الّتي تتسلّلُ إلى الذّات المهووسةِ بالآخر، إذ تستحضرُهُ في توليفات صوتيّةٍ مُكرّرة، كونُهُ نداءً أو رغبةً، مناخات تختزن طيّاتِها توهّجًا خفيًّا، هو توهّجُ الشّاعرة ذاتها، وهي تستسلمُ إلى ما تكتشفُهُ مِن صورٍ واستمالاتٍ لصورةِ الآخَرِ، تتجوهرُ فيها لهفةُ الرّوحِ والجسدِ المسكونيْنِ بهاجسِ الاستدعاء وفرش التفاصيل، توْقًا إلى ارتواءاتٍ تعويضيّة..
آثارُ قلبِكَ دَعني أرَمِّمْها ..
أُجَدِّدْ مَاءَ حَدائِقِها ..
أَجعلها وُرودًا
نَتراقصُ بَينَها شَغفًا
وتَسبَحُ قَنادِيلي في جَداولِهِا الشّهيَّة
تُكرّرُ الشّاعرة هذه الخاصّيّةَ- خاصيّةَ الاستحضار- حدّ الحلول فيها، لأنّها تمنحُها إحساسًا حادًّا بالامتلاء، واستيعاب ما تفورُ به الرّغبةُ مِن تهويماتٍ تُخفي في جوهرِها قلقًا وجوديًّا، هو قلق الفقدان، لذا هي تحاول أن تخفي هذا القلق عبْرَ استحضارِ الإشاراتِ الإيروتيكيّة وإشارات الخصب، كدلالةٍ مقابلةٍ لفكرةِ الحلول عند الصّوفيّة، لأنّ هذا الشّعورَ التّعويضيّ هو المضادّ لبنيةِ الفقدان المضمرةِ في حدوسٍ غير معلنة، نجدُ مقابل (آثار قلبك) وهي صور استذكاريّة؛ إذ هي تُشيِّءُ بثنائيّةٍ مفترَضةٍ للحضور والغياب عبْر صور (آثار) وصورة (أرمّمها)، صورًا أخرى (هو صدرُك بيدري)، وهذا التّقابل الصّوريّ يكشفُ عن شبقٍ حسّيٍّ ولغويٍّ، مثلما تتوالدُ عنه رغبةٌ في التّوحّدِ والتّبادلِ تُجسِّدُها البنيةُ التّساؤليّة..
أتكونَ دفينَ انصِهَاري
حَبيسَ أنْوِيَتي ؟!
أتَقْبَلُ بِكيْنونَةٍ جَديدةٍ
لا تُحَرِّرُها إلاّ بَراكيني ؟!
تتمثّلُ أغلبُ القصائدِ/ النّصوصِ في المجموعةِ إلى إحساسٍ عميقٍ بالأسى، وتَوهُّجٍ داخليٍّ، تَستفزُّ مِن خِلالِهِ الذّاكرةَ المُعاديةَ للصّمت، فهي ترسمُ صورةً لقلقِها وانتظارِها وندائِها مِن خلالِ الآخر (مصدر الأسى واللّذّة)، إذ هيَ تستلُّهُ، بَدْءًا مِن بنيةِ الاستهلال (إليكَ، حيثُ أنتَ، فيّ أبدًا)، وانتهاءً بإعادةِ استحضارِهِ عبْرَ سيولةٍ مِن التّفاصيل، تلكَ المَسكونةُ بالكثيرِ مِنَ الصُّورِ المُشتبِكةِ بالاستعارةِ، والّذي يبدو أحيانًا، وكأنّهُ يُخِلُّ بالكثافةِ الشعريّةِ، إذ تنحاز الشّاعرةُ هنا إلى هذيانِها المصمّم، هذيان الرّغبة، هذيان التّدفّق والتّوليد اللّغويّ المُدجّج بالاستعارات، وكأنّها عبْرَ هذه الشّراهةِ تؤكّدُ الحضورَ الرّمزيّ، وتؤكّدُ نزعةَ سيكولوجيا الامتلاك، مثلما تؤكّدُ أيضًا طاقةَ الوجودِ الّتي تؤنسنُها، عبْرَ تحقّقِ العديدِ مِن التّرميزاتِ الموحيةِ بقوّةِ التّملّكِ، والباثّةِ لطاقاتٍ تعبيريّةٍ أكثرَ عُمقًا، وأكثرَ تَوجُّسًا واستغراقًا بالحسّيّ ..
في قصيدة "في مهبِّ رصيفِ عزلة"، تحاولُ الشّاعرةُ أن تكشفَ عن رمزيّةِ فقدانِها، إذ هي الأنثى الموغلة في آهاب رغباتِها، وتيقّنِها بأنّها لن تستعيدَ إلاّ صورتَها في المرآة؛، صورةَ المرأة الأنثى وليست المرأة الوجود، إذ هي الّتي تندفعُ إلى الاستعادة، لأنّها محكومةٌ بالحُبّ والتّوحّدِ واللّذّة والتّبادل، والمرأةُ الأخرى محكومةٌ بقانون الطبيعة.. تنحاز الشّاعرةُ إلى أنموذجها المُتعالي والأنويّ والمهووس والمشخصن في عقدةِ المرآة، وتجد عبْرَ خساراتِه وفقدانِهِ إحساسًا متعاليًا وباطنيًا، يجعلُ مِن مشاعرِها المضطربة والقهريّة استبطانًا لاجتراح لذّةٍ داخليّة/ استمنائيّةٍ وعداويّة، هي سرُّ ما يمنحُها التّدفّقَ والتّوحّشَ واستعادةَ الحياةِ والحُبِّ ولو رمزيّا...
آهٍ ...
ما أَشقاهَا المرأةَ
حِينَ تُسَاقُ مُقَيَّدَةَ الرَّغبةِ
إلى زَنزَانةِ أَحلامِهَا المُستَحِيلَة ..
كأَنَّ الشَّوقَ يَرمِي حُوريَّاتِ الأَحلامِ
في سَحيقِ هَاوياتِها
يُهجِّنُ وِلادَاتٍ رَهيبةٍ
يَترُكَها أَجِنَّةَ حُبٍّ عَلى ثَديِ انْتِظَارِها
قَد أَكونُ أَرهقتُكَ ؛
بِضَجيجِ فِكري
بِضَوضاءِ قَلبِي
أَشعرُ بالذَّنْبِ
حِينَما أَرجُمُكَ بِإبرِ أَحاسِيسي
وما مِن ذَنْبٍ أَقترِفهُ
سِوَى أن تتكَبَّدَ جَرِيمَةَ حُكْمِي
أُحِسُّ برَاحةٍ غَريبةٍ
حِينَما أُوقِعُ بِكَ قِصَاصِي
بِلُؤمٍ أَبْلَه
تكتبُ الشّاعرةُ آمال عوّاد رضوان تحتَ إيقاع هذه المشاعر اللّجوجة، تغرقُ لغتُها بغليان مِن الصّورِ المحتدِمةِ وحدوس الرّوح المتوجِّسة، (البنيةُ الصّوتيّة) تمثّلُ فضاءَها الذي تستغرقُهُ كبنيةٍ استحضاريّةٍ متدفّقة، إذ يكون الصّوتُ هو النّاقلُ لوجعِها الدّاخليّ ونفورها ومزاجها القهريّ، مثلما هو مجسُّها الذي تتلمّس به الخارج، بكلّ ما يمورُ به مِن أحلام ورؤى وتوهّجات وفقدانات، والتي عادةً ما تترك فراغًا مُريعًا!
الصّوت هنا هو لجوؤُها الفارق والمُدهِش والباطنيّ، تُغلّفُ إيقاعَها بنبر خفيٍّ يتجاوز أحيانًا بنيتَهُ النّثريّة، ليكشف عن إيقاع اللّغةِ ذاتها؛ إيقاع التّوتّر، تصادم الرّؤى وتعاكس الأحاسيس، حتى تبدو اللّغةُ هنا أشبه بالمصدّ الذي يحتكّ بالتباساتِ الخارج المرثيّ!
إذ تصنع له الشّاعرة كتابةً في الرّثاء، وتجعل مِن ذاتِها المرآويّةِ فضاءً لحيواتٍ ضاجّة، تكسرُ إيهام الزّمن واغترابه، حيث ينطلق هذا الزّمن مِن الماضي، ليستحضر حاضرًا لا هويّة له، سوى أنّه حاضرُ الجسد المكتنِز بالنّداءِ واستجلاب المحبوب الغائب والغائم، كنوع من الإيهام برغبةِ التّعويض أو التّرميم، وأحيانًا تكون الكتابة استغراقًا في رثاء الجسد..
ومن هنا تضع الشّاعرةُ قصيدتها أمام لعبة إغواءٍ متواصل؛ لعبةٍ في استغراق الحياة، لعبةٍ في الانفلات من المرارة، كتابتُها نصُّ الاستعادة هو محاولة للهروب إلى الأمام، دفْعًا لاستعادةِ قوّتِهِ في الشّهوة والإشباع، واستئثارًا بكتابةٍ هي الأقرب إلى كتابةِ المزاج، إذ تكون الشّاعرةُ أمامَ شراهة أنويتها وحيدةً تنحاز إلى آخر يشبهُها، لا خصوصيّةَ له سوى أن يتدفّق، يُطلق عصافيرَ إشباعه ونشيدِهِ المُباح.. ولاشكّ أن هذه القصيدة / النّصّ تفترضُ لغةً صاخبةً لا تتسلّلُ باطمئنان إلى الخارج، لغةً غيرَ مشبعة، انشطاريّة، لا زحمةَ في نظامِها الدّلاليّ، مفتوحةً على شفرات الجسد وانشغالاتِهِ وحدوسِه، حيث يكون الجسدُ هنا هو الحاضن الإشكاليّ الذي يُفلسفُ أزمة الكائن في وجوده، وفي عشقه وفي استمالته وارتوائه..
الشّاعرةُ تطلقُ العنان هنا لهذه اللّغةِ المتدفّقةِ دون مُوارَبةٍ، لأنّها على يقين أنّها تكتب لغتها، وتنزاح إلى استعاراتها الحسّيّة التي لا تفلسفُ علاقتها مع الآخر.. لذا هي لغةٌ محتويةٌ لأنويةِ الشّاعرة، حاضنةٌ لقلقِها وندائِها وبوحِها وتوحُّدِها واعترافِها!
يا خِشْيَتي مِنْكَ وَعَليْكَ
إنْ تَلتحَمْ أكوانُ كَلَفِكَ
بِضُلوعِ جِنَاني
أأقولُ :
لا تَدْنُ مِن مُروجي
فَما اخضِرارُ بَتْلاتي سِوى سَرابٍ
يَخلِبُ لِحَاظَ القِلوبَ
ويَفتنُ مَجسَّاتِ العُقول ؟
إنّ قصيدةَ "أنفض الغبار عن متحف فمك"، تمثّلُ قصيدةَ اعترافٍ موجِع، تمارسُ فيها الشّاعرة أقصى رغباتِها في التّصريح عن مكنونها، وانهماكِها باستعادة الآخر اللّذّويّ والإشباعيّ إزاء توهّماتِ حرمانِها وفقدانِها، وهذا التّقابلُ الحادُّ يُضفي على شفراتها اللّغويّةِ نوعًا من التّعبيريّة الحادّة، التي تتكثّفُ أصواتُها في صوت واحد، هو صوت الأنثى التي تمارسُ إغواءَها القديم بمواجهة ذاتها/ جسدها/ حريّتها أوّلاً، قبلَ الآخر الذي وضعتْ الشّاعرة/ الأنثى فمَهُ في المتحف، وهنا تتوهّمُ استعادتَهُ دائمًا عبْرَ اصطناع لعبةِ حضوريّةٍ إفراغيّة، تفترض فيها إشارة (نفض الغبار) كنصّ مضادّ للمتحف الذي يؤطّرُهُ السّكون، مثلما تتوهّمُ المروجَ كعلامة مضادّة للسّراب، وتتوهّم ثنائيّاتٍ أخرى تتزاوج فيها رغباتُ الشّاعرة المحتدِمة..
إنّ شعريّة آمال عوّاد رضوان هي شعريّةُ كفاية الحلم كما يسمّيها ابن عربي! إذ هي تستدعي وتستحضرُ سيرةَ فقدانِها، حتى تبدو وكأنّها مرويّةَ حُلم، له نشوةُ الابتهاج وله قسوة المكاشفة، هذا الانجرار الحسّيُّ يجعلها أثر إيغالاً في تلذّذِ الكشف، وتحويل جسد الآخر إلى سطح لتدوين هذا الكشف، الذي تتكثّف مشهديّتُه في نصّ فسيح/ توصيفيٍّ لا قاموسَ له سوى الرّغبة، ولا امتداد له سوى اللّحظة المكثّفةِ المتوهّجة، التي تمنحها الشّاعرة استعادةً مُكرّرة..
هو ذا القَلبُ خاشعٌ
راكعٌ في مِحرَابِ الاعترافِ
يتمتمُ في صمتِهِ الصَّاخبِ
يا مَنْ تَرْجِمُني بِوابِلٍ مِن قُبُلات
لأجْمَلِ اقْتِراف
إن نصوصَ الشّاعرة لا تحتمل التأويل ولا تهرب بعيدًا عن المعنى! لأنّها محمولة على كتابةٍ موجعة وحلمية ومباشرة أحيانًا، تفرش قماشتها اللّغوية بنوع من التّوثب الذي يُلامس روح أنوثتها النافرة والقلقة..هي تكتب نصًّا في استدعاء الغياب بكلّ ما يختزنُه هذا الغياب من ترميزاتٍ واستعارات، والذي يحمل شفرة الآخر بكلّ توهّجه وخوفٍه وخذلانِه..
وجدت نفسي أتسلّلُ مع قصائدِها، وكأنّي أبحث عن نهايةِ هذا الأسى وهذا الصّحو في هذه اللّعبة الماهرة داخل كيمياء الجسدِ واللّذّة، والتي تختمها الشّاعرة باستعارة نداء (أيها)، وهي إشارة للحضور الملتبس الذي يكشف عن أدوار، تبادلُها إيّاهُ الشّاعرةُ الحرمانَ والنّشوةَ والجنونَ وحتّى الهذيان!
أيُّها القادمُ من رَحمِ الحرمانِ مَدفوعًا برياحِ النَّشوة والهيام،
تَخشى افتقادَ اللَّحظة،
تُحلّق في روائع الجنون
خشْيَةَ أن تصحُو من عَبقِ الهذَيان.
شاعر وناقد عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.