قمة روما ويوفنتوس تشعل الصراع الأوروبي    أول تعليق من رونالدو بعد التأهل لنهائي كأس الملك    جامعة صنعاء تثير السخرية بعد إعلانها إستقبال طلاب الجامعات الأمريكية مجانا (وثيقة)    اليوم الإجتماع الفني لأندية الدرجة الثالثة لكرة القدم بساحل حضرموت    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انهيار سريع وجديد للريال اليمني أمام العملات الأجنبية (أسعار الصرف الآن)    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    وفي هوازن قوم غير أن بهم**داء اليماني اذا لم يغدروا خانوا    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    غارسيا يتحدث عن مستقبله    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يحسم معركة الذهاب    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    عن حركة التاريخ وعمر الحضارات    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    بعد شهر من اختطافه.. مليشيا الحوثي تصفي مواطن وترمي جثته للشارع بالحديدة    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيفا العروس بعدسة روضة غنايم!
نشر في شهارة نت يوم 02 - 07 - 2014

نادي حيفا الثقافي- المجلس الملّي الأرثوذكسي الوطني- حيفا، أقام عرضًا فوتوغرافيا حيفاويّا، بعدسة روضة غنايم، في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان، شارع الفرس 3 (زاوية شارع اللنبي)، بتاريخ 26-6-2014، وقد غصّت القاعة بحضورٍ كبيرٍ من أدباءَ وشعراءَ وأصدقاءَ وأقرباءَ ومُهتمّين بالشأن الحيفاويّ، بالرغم من هيمنة أجواء المونديال. تخلّلَ الأمسيةَ عرضُ شرائح فوتوغرافيّة لحيفا الأنثى، وقراءاتٌ شعريّةٌ عن حيفا بمشاركة: أسامة حلبي، حنان جريس خوري، علي مواسي، وأنور سابا بصوت (خلود الفوراني)، وتولّى عرافة الأمسية الأستاذ رشدي الماضي، وكانت مداخلات للمحامي علي رافع، د.أنور جمال، المحامي محمد ميعاري، آمال رضوان، وجريس خوري، ومن ثمّ تم التقاط الصور التذكارية.
تغمزُ عدسةُ روضة بلفتاتِها الوضّاءة، لتُنيرَ زوايا معتمةٍ لحيفا البديعةِ الوديعةِ المعشوقةِ، الطافحةِ بوَقارِ أنوثةٍ طاغٍ، العابقةِ بماضٍ مُهمّشٍ مُهشّمٍ، والنابضةِ بحسرةِ حاضرٍ موجِعٍ، والمُتطلّعة إلى آفقٍ شاسعٍ مِن وجهها الحقيقيّ النقيّ، دونَ ماكياجٍ وتزويرٍ وتزييفٍ وتشويهٍ.
حيفا فائقةُ الجمال رغمَ اغتصابها، ورغمَ محاولاتِ اغتيالِها وتغييبها، وتطهيرِها عرقيًّا مِن بنيها البرَرة. لشرفاتِها قصصٌ كثيرةٌ تنطرُ الماضي، تحرسُهُ مِنَ الهذيانِ والنسيانِ، ولأحيائِها حكاياتٌ وزغاريدَ وآهاتٍ مدسوسة بين مداميك حجارتها، بين فتافيت قرميدها وجذوع صبرِها وأشجارها.
حيفا أنثى مكابرة جبارة، وفيّةٌ أبيّة، لما تزل تُعدّ طقوسها اليوميّة بإيمان، ومثابرة عارمة بالآمال والأحلام، لئلا تندثر حيفا الحضارة، ولتبقى عاصمة الثقافة كعهدها المجيد، فتصحو أزقتها من تحت الردم والرماد مع الفجر، ويتهلل زقاق وادي النسناس بالحياة، ومع الشروق يضحك شارع القدس، ويتهلل شارع اللد، ويلوّح تل السمك للشمس في غروبها، ولا يغفو زقاق سانت لوكس إلّا مع السحر.
حيفا تتزركش بالألوان، تتجمّل وتتحلّى وتتغندر، وتُعِدُّ نفسَها للنوم، أكأنما بجنباتها تذوبُ حياةُ الريفِ حَياءً؟ لكن، من يُنْصِفُ الزيتونَ، والصّبرَ، وعُمْرَ هذا الشجرِ العتيق والعربيّ الفلسطينيّ؟
ما غفلتْ نباهةُ عدسةِ روضة عن التقاط صُورِ الريف القائم في حيفا، فهناكَ بين البيوت العتيقة بقعةٌ منسيّةٌ بكامل عفويّتها، لم تطلْها يدُ الدهاءِ المُداهنةِ بعد، وعلى سجيّتها ترعى حيوانات وتجولُ طيورٌ داجنةٌ بين أُسَرٍ ترعاها، وهناك مخابزُ تُعِدُّ الخبزَ بالطريقةِ القديمةِ، وهناك وهناك..
وبين عتمة البياض وفسيفساء الذكريات المنحوتة، تُطلّ حيفا بكبرياءٍ لا يخبو، وبكامل جلالِها ودلالِها تشمخُ وتتأنّق، وبلفتاتِها تستقطبُ الأرواح وتجذبها، كأنما تُغري الأنظارَ، فتهفو إليها بحنين دامع، فها هي السناسل راسخة تتجذر، وبوجه الريح والفحيح والمَزاد والعتاد، ما انفكت تنتصبُ الشبابيكُ والأبوابُ العتيقة، بمزلاجها القديم، بعقداتها المقنطرة، بحجارتها المُقبّبة، ومن خلف شرفة مُضبّبةٍ، تُطِلُّ حاجّةٌ عتيقة، تتنهّد لوعةً، تُلازمُ شرفتها والوجع، تُشقشقُ دمعتُها زافرةً، تُزقرقُ روحُها شاهقةً، لتغدوَ في عدسةِ السائح الغريب جزءًا مِن متحفةِ الإنسان الفلسطينيّ! أما آن لحيفا العروسُ أن تضحكَ؟ أما آن لحيفا الأنثى أن تفرح؟
حيفا أكبرُ وأجملُ مدن فلسطين، تقعُ على الساحل الشرقيّ للبحر المتوسط، وتعانقُ جبلها الكرمليّ، لها تاريخ تجاريٌّ وعسكريٌّ حافلٌ لأهمّيّة موقعها، ممّا جعلها مشتهاةً في عيون المستعمرين منذ العهد الصليبّي وحتى النكبة. تبعد عن القدس 158 كم، وقد دعاها الصليبيّون "حيفا" نسبة للكاهن الصليبي قيافا من عهد المسيح، وظهر لحيفا أسماء أخرى بعدّة أشكال ولغات، ولكن العرب داوموا على استعمالِ حيفا بلفظٍ واحدٍ وثابت، بعدما بناها ظاهر العمر الزيداني، لكن هُجّرَت مِن سكانها العرب عام النكبة 1948.
تأسّست حيفا كقرية صغيرة في القرن الرابع عشر ق.م على يد الكنعانيّين، وفتحها الخليفة عمرو بن العاص عام 633 م، وبدأت القبائلُ العربيّة تستقرُّ في فلسطين، وازدهرت حيفا بالعرب في العهد الأمويّ والعباسيّ، ثمّ أسس حيفا الحديثة عام 1761 مكان البلدة القديمة القائد ظاهر العمر، فأسّس إمارة شبه مستقلة عن العثمانيين في الجليل.، وتأسس فيها أول مجلس بلدي عام 1873، وصارت مركز إشعاع فكريّ وثقافيّ في فلسطين التاريخيّة، خاصّة قبل النكبة.
حي الألمانية في حيفا هو مستوطنة بدأ الاستيطان 1868م، من قبل مجموعة عائلات ألمانية قادمة من ألمانيا، في القسم الغربي من المدينة، مما أدى إلى ظهور نهضة اقتصادية واجتماعية في حيفا، وانتشار المطاعم، ويعتبر مركز الحياة الليلية في حيفا، ومن ثمّ، تتوالى بقيّةُ حلقات الحكايةِ من نكبةٍ وتوابعِها.
جاء في كلمة عرافة الأستاذ رشدي الماضي:
حيفا أربعة وجوهٍ في الكاميرا، لأنّ روضة تُصرُّ أنّها عروسٌ مُحجّلة، تحتضنُ كلَّ الجهات.
الكاميرا وحيفا وروضة حالةُ عشقٍ دائمةٌ، حالةٌ تَشقُّ نافذةَ الوقتِ، وتُطلُّ مِن عينِ الشمسِ بصُورِ حكاياتِها خاليةً مِن الأرقِ، تُرمّمُ حقيقةً لمدينةٍ، حين تراها حقيبةٌ يُراودُها السفر.
روضةُ تُرفرفُ على ندى عشبِ الخليجِ الذائع، تُرفرفُ نورسةً قذفتْ بها زُرقةَ البحرِ، تُبلّلُ مللًا ملأ مناديلَ الانتظار، تُرتّقُ ثوبَ الرصيفِ، وتُعمّدُ خطى الأمواج طريقًا لقواربَ مِن البعيدِ آتيةً، تمسحُ وجهَ الليلِ، وتُهيّئُ الأقفالَ لشتلةِ مَفاتيح، يَحملها حنينُ نحاسِ الحكاية.
سلمَتْ يمينُكِ يا مجنونة حيفا، فحيفا يا روضة بلا شعرِ، بلا غناءٍ، بلا رسمٍ، بلا رقصٍ، وبلا كاميرا، هي مدينةٌ حجريّةٌ جامدةٌ، مُخيفةٌ كوحشٍ، ومَطرُها وحشيٌّ.
تَصلُني ابتسامةُ الفجرِ معَ تنفُّسِ الفجرِ عطرَ الطرحةِ حيفا، أشيعُ صديقي النومَ، وأنهضُ على رنينِ انتفاضةِ الساعة، أفكُّ عُجمةَ اللغةِ الضامرةِ مِن بردِ الصباح، وأمشي حاملًا نسيمَ القصيدة، كي أطردَ عُزلتي، أعبُرُ قربَ موجةٍ يُراقصُها الإلهُ، ترُشُّ على وجهِ الطريقِ غبارًا مُقدّسًا، مشى عليهِ جبريلُ التقيُّ معَ حيفا المكان وروضة، أحملُهُما إلى مقهايَ صباحًا جديدًا وفنجانَ قهوة، ترمُقُني عينُ الكاميرا، لأقرأها مُفرداتٍ، صُوَرًا، اسمًا، وُجوهًا، شوارعَ، أرصفةً، وحانةً قدّامَ الميناءِ مَنهوكةً تعِبةً. روضة تسرُدُ مسافةَ المدينةِ دهشةً صهباءَ، وحكايةً تتساقطُ حقيقيّةً حقيقةً، تهُشُّ دهشةَ صيفٍ هجينٍ، يَجِدُّ كي يَحملَ حيفا غيمةً، يُريدُها أن تَمُرَّ زيارةً عابرةً.
تموجُ في داخلي رؤوسُ الكلماتِ، تتناضحُ، تتضافرُ، تتقاطرُ، تتقاتلُ وتتوالدُ، كي أفسّرَ ولو قليلًا مِن مُفرداتِ القصيدة، أكتبُ عنّي ما لا أعلمُ. أنا وروضة لسنا غريبَيْن في مكانِنا، نجلسُ على مقعَدَيْنا في المقهى، في الشوارع قعقعةٌ يُغلّفُها غموضُ الضباب، نُراقبُ المَشهدَ والوجوهَ المُقنّعةَ بألوانِ القلق، تأتي ناتاشا النادلة بفنجانِ قهوةٍ، وبلكنتها تناديني: "روشادي" تفضّل. تقشَعِرُّ روضة وتنتفضُ، مِسكينٌ اسمُكَ، تكسّرَ على لسانِ الغريبةِ، حتّى صارَ اسمًا برّيًّا، اسمًا غريبَ الوجهِ لا يُشبهُكَ، فأرفعُ صوتي جُرحًا شاحبًا في نافورةِ هذا الزمن، أأنا حقّا هو أنا؟ ثمّ أعودُ وأنظرُ إليّ، لأراني أكثرَ وضوحًا. أنا يا روضة أعرفُني، وفي كلّ يومٍ أردّدُني أمامي، كي تحفظَني الغريبةُ اسمًا صحيحًا، اسمًا ليسَ مُبعثرًا، ودونَ لكنةٍ تُشوّهُني. نعم، كي تحفظَني اسمًا مُرَمَّمَ الحروف، رشدي اسمًا عربيًّا أليفَ الوجهِ واليدِ واللسان.
جاء في كلمة روضة غنايم: إنّ حيفا "صُوَرًا" جمالٌ مُعتّقٌ، صوَري تحكي أحاسيسي الّتي تتضوّعُ داخلي، خفقاتٌ تُعبّرُ عن الروحانيّاتِ الساكنةِ في أعماقي، وتُسجّلُ على صفحةِ الذاكرةِ لحظاتٍ عابرةً مِنَ الزمن،
أحيانًا تُسجّلُ لحظاتٍ مُمتدّةً مِنَ الماضي، وفي الأخرى مِنَ الحاضر، فصُوَري عبارةً عنِ امتدادٍ لحياتي منذ ثلاثِ سنواتٍ ونيْفٍ، أُصَوّرُ حيفا يوميًّا، وكأنّني اعتدتُ على تقبيلِها كُلَّ صباحٍ.
كيف لا، وهي عروسُ البحرِ وعروسُ فلسطين! كيف لا، وهي جميلةُ الجميلات، فلو قُدّرَ لي أن أكونَ "رياض" وليس "روضة"، لطلبتُ يدَها مِن سنَدِها وحارسِها الأمين "جبلِ الكرمل".
قصّةُ عشقٍ بدأتْ مع هذه المدينة حيفا، روحي سكنتْها منذ زمنٍ، وجسدي سكنَ مدينةً أخرى حتّى اتّحدا هنا. ولن أكونَ مُغاليةً إذا بُحتُ، أنّ عشقيَ لها بدأ منذ سقطتُ نطفةً في رحمِ أمي، ففي هذه المدينةِ سِحرٌ يجذبُ إليهِ كلَّ روحٍ تُحِبُّ الجَمال.
لماذا حيفا؟ لأنّها تجمَعُ الطبيعةَ الخلّابةَ مِن جبلٍ وبحرٍ. لأنّها تجمعُ التاريخُ مِن حجرٍ وبشرٍ وشجر. لأنّها تَجمعُ الذاكرةَ؛ ذاكرةَ شعبٍ ما زالَ يَنامُ ويصحو على جراحٍ منثورةٍ في الحَيّزِ والمَشهدِ العامّ. لأنّها دارٌ للثقافةِ العربيّةِ، رغمَ مُحاولاتِ الاحتلالِ والغزو الفكريّ. باختصارٍ، لأنّها أمُّ الغرباءِ مِثلي أنا.
لم أُدركْ أنّ مَخزوني الذاتيَّ هو مَخزونُ ذواتٍ أخرياتٍ. لم أُدركْ أنّ لحظةَ صُنعي لمشهدٍ ما، هي بمثابةِ مَشاهدَ تُكحّلُ عيونًا تُعاني الاغترابَ القسريَّ عن الوطن، عيونًا عطشى لمُداعبةٍ بَصريّةٍ، تروي ظمَؤُها منذ ستينَ عام وأكثر. يتعاملُ معي الآخرونَ على أنّني فتاةٌ، تسعى دائبةً لصيانةِ التراثِ والحفاظ عليه.
عزيزاتي وأحبّائي: حاولتُ في هذه الشرائحِ أن أنقُلَ لحظاتٍ تاريخيّةً انتقائيّةً، ومَشاهدَ تُوثّقُ جُرحَ النّكبةِ، التي يجبُ أن نَتبعَها برَديفِها التوأم؛ "التطهير العرقيّ"، التصفية والاغتيالات، ومنها اغتيالُ مدينةِ حيفا، وتجريدِها مِن مَعالمِها الثقافيّة.
عندما أزورُ شارعَ العراق الذي صارَ اسمُهُ بقدرةِ قادرٍ عم 1948 ("كيبوتس جاليوت")، أو شارع اللد، وصار شارع خالد بن الوليد ("يحائيل اليوم") في البلدة التحتا، حينها تنتصِبُ أمامي أطلالُ آثارِ النكبةِ واضحةً، في الأحياء، والبيوت المُنْسَدّةِ بالطين، بالفقرِ وبالإهمال.
أهلُ العروسِ حيفا الأصل والأصليّةِ والأصيلة بمَعالمِها الحقيقيّةِ، وليست بالهَجينةِ، بالحَدائقِ المُعلّقةِ للبهائيّينَ، أو بالحيّ الألمانيّ، وشوارع وحارات الكرمل الحديثة، التي تُحاولُ تَبييضَ وجهِ المدينةِ. كيفَ يكونُ ذلك، وهيَ الجرائمُ السوداءُ تنخُرُ جسدَ كلِّ حيٍّ وحَيّ؟
سأتركُ لهم "حيفاهُمُ"، وأُبقي معي "حيفايَ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.