تذهب التغطية الإعلامية لقناة الجزيرة وأخواتها فيما يتعلق بالشأن اليمني إلى التهويل الفج المصحوب بالأكاذيب التي لا يخفى مغزاها على المتابع اللبيب. فإلى جانب التغطية على العناصر التكفيرية تحت مسمى القبائل، تزعم الجزيرة أن المواجهات المرتقبة في مأرب ستكون حاسمة لصالح تلك العناصر على حساب اللجان الشعبية التي ترقب الأوضاع عن كثب، وتؤكد استعدادها للدفاع عن أبناء مأرب، وعن المصالح الحيوية في المحافظة. الجزيرة ومن ورائها إمارة قطر تراهن على معركة (هوليودية)، يكون للقناة فيها السبق الإعلامي، وللدوحة فرصة التدخل عبر وكلائها من المرتزقة ولصوص الثورات الذين عرفهم اليمنيون عبر برامج الجزيرة التي لا تكف عن تلميعهم والترويج لقياداتهم في نشراتها الإخبارية وبرامجها التحليلية والحوارية. منذ أسابيع ومراسل الجزيرة يستوطن مأرب ترتيبا للمعركة الفاصلة، حيث جرى استكمال الترتيبات اللوجستية وإمكانية النقل المباشر من داخل الحدث المرتقب، والتهيئة له من خلال تحليلات وسيناريوهات، جعلت من مأرب عنواناً مثيراً في فضائية الدجل والإثارة. ولأن الصورة لم تكن كافية في مأرب، فقد اتجهت الدوحة إلى مجلس الأمن، والعمل عل لفت الأنظار من خلال حديث مندوبة قطر في الأممالمتحدة علياء أحمد آل ثان عن ما أسمته بالأعمال المرفوضة من قبل الجماعة الحوثية وما تنطوي عليه من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، حد زعمها. قطر عبر مندوبتها طالبت مجلس الأمن بالتصدي لما أسمته بالانقلاب الحوثي، وأبدت استعدادها لتقديم الدعم اللازم، في محاولة منها لتكرار سيناريو التدخل العسكري في ليبيا، خاصة بعد أن فشلت الدوحة عن تكرار خطوة كهذه في سوريا. وفيما يشبه التماهي مع سيناريو الدوحة كان ممثل الأممالمتحدة جمال بن عمر قد تحدث عن " توفر الظروف المواتية لتقوية تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، وأن هناك مخاوف حقيقية من احتمال تقديم التنظيم على إقامة معاقل له في محافظاتأبين وشبوة وحضرموت ومأرب". بالتزامن كانت عناصر من القاعدة قد قامت فعليا بالاستيلاء على اللواء 19 مشاه في شبوه، تلاه السيطرة على كتيبة عسكرية في محافظة مأرب، ما يوحي أن السيناريو خرج من طور المخاوف إلى الاتجاه عملياً نحو إعلان إمارات (داعشية) في هذه المحافظات، تمهيداً لتكرار السيناريو القطري في سوريا. وهو ما كانت قد حذرت منه صحيفة لبنانية كشفت عن مخطط تمزيقي في اليمن يعمل عليه اللواء الهارب علي محسن الأحمر بمساندة قطر والسعودية. ولأن داعش باتت تعتمد على الصورة في الترويج لعملياتها الإرهابية، فإن الجزيرة هي الأخرى تبحث عن حدث حصري تستعيد معه شعبيتها التي تراجعت كثيراً عما كانت عليه في الأشهر الأولى لاندلاع الربيع العربي الذي سرعان ما اتضح أن للدوحة أجندتها الخفية التي دفعتها إلى تصدر المشهد قبل أن يتراجع ربيع الثورات بفعل الأخونة المسنودة من الدوحة وقناة الجزيرة. تضاءلت شعبية الجزيرة بعد خسارات الإخوان في مصر وليبيا وتونس واليمن، ودخلت الدوحة في دوامة الفعل ورد الفعل، دونما مراجعة لحساباتها في المنطقة. وكما تحتشد القاعدة في مأرب، فإن الجزيرة تحشد طاقمها الإعلامي ليكون مواكباً لحدث افتراضي، قد لا تتمكن وسيلة إعلامية أخرى من منافستها فيه. تروج أخبار الجزيرة لانفصال إقلم سبأ، بل والإعلان عن دولة مستقلة شرق اليمن، وتستضيف في هذا الاتجاه أصواتاً إخوانية لا تخفي صلاتها بالتنظيمات الإرهابية، تعلن على منبرها استعدادات القاعدة للحرب عبر تجهيز " 13 ألف مقاتل و460 طقما عسكريا وأسلحة متوسطة متعددة"! وفقا لهذا السيناريو فإن مأرب ستكون على موعد مع حرب هي الأشرس يمنياً، أو هكذا تريدها الجزيرة. تزعم الجزيرة في تقاريرها أن القبائل قد توحدت ضد (الحوثيين)، وأن الطبيعة الصحراوية في مأرب لا تساعد الحوثيين على القتال لتمرسهم على مواجهات الجبال، بالإضافة إلى ضعف الحاضنة الشعبية لهم. مراسل الجزيرة في مأرب حمدي البكاري كان قد توعد اليمنيين بما اسماه استنفار قبائل مأرب ضد خطوة الإعلان الدستوري ، وقال : إن الأيام القادمة قد تنذر بحرب في المنطقة .واذا حاولت جماعة الحوثي التقدم الى مأرب فسوف تستخدم قبائل مأرب السلاح الذي بيدها مشيرا الى الكهرباء والنفط . وأضاف ان اليمن ستغرق بالظلام اذا ما حاولت جماعة الحوثي فرض الإعلان الدستوري على محافظة مأرب. الجيش اليمني هو الآخر مرسوم له سيناريوهات محددة وفقا لمركز دراسات الجزيرة، غير أن السيناريو المقلق بالنسبة للدوحة أن ينحاز الجيش لمصالح اليمنيين وحماية المنشآت النفطية، ما يجعل الجزيرة تهدد بأن القاعدة ( أو القبائل ) سيجعلون من معسكرات الجيش والمواقع الحيوية هدفا لهم. ثمة خبراء عسكريين تستضيفهم الجزيرة لتستنطقهم عن واقع الأمر، لكنهم لا يسعفونها بالأمنيات، فالوقائع بحسب الخبراء الأقرب للجزيرة تقول في الأخير أن الحوثيين سيتمكنون من دخول مأرب عسكريا لكنهم سيتكبدون خسائر كبيرة. لا يهم، فالمعركة قد تفضي حسب الجزيرة إلى " دفع القبائل اليمنية للتعاون مع القاعدة في شبه الجزيرة العرب لقتالها، أو اتفاق الجنوبيين على تشكيل قوة مسلحة تواجه الحوثيين، وهي مخاطر قد تستنزف الحوثيين في حروب طويلة ومكلفة تزيد الوضع اليمني اضطرابًا، وتقضي على ما تبقى من مؤسسات الدولة، وتمزق الجيش إلى فصائل على أسس مناطقية ومذهبية وقبائلية".. هذا بالضبط ما تشتهيه الجزيرة وحاكم قطر. ولأن رياح اليمن تجري على الضد من المآرب القطرية، فقد تحين وزير خارجية الدوحة، ترأس الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض لمناقشة وبحث مستجدات الأوضاع في اليمن المنعقد السبت الماضي، فبشر بالفوضى والعنف في اليمن، وبالتداعيات الخطيرة على الاستقرار والأمن في باقي المنطقة بل والعالم بأسره، حسب تعبيره. وأوضح في هذا الإطار أن على المجتمع الدولي وبخاصة مجلس الأمن الدولي "عدم التقاعس في اتخاذ الإجراءات والقرارات اللازمة لوضع حد للإجراءات غير الشرعية التي تم اتخاذها في اليمن والعمل على تنفيذ إرادة الشعب اليمني وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني". علما أن قطر لم تكن طرفا في المبادرة الخليجية أصلاً. قصارى القول أن داعش والجزيرة مهووسان بالصورة .. وكلا منهما يراهن على الآخر في السبق والإنفراد الصحفي على حساب دماء وأشلاء اليمنيين ووحدة واستقرار بلادهم.