بدونك يا أبتِ ندرك الآن قسوة غربتنا بعد ما رافقتك المنية في رحلة اللارجوع أبي كنت تلهج بالموت منذ طفولتنا في الأماسي وتخبرنا: أنه قادمٌ لا محالة كنا: نتمتم لحظتها إنه في رؤاك صديقٌ فكان صديقاً وخاتمة قد تمنيتها أن ترى صحبة الموت مُتَّزراً بالعبادات محتسباً صائماً ساجداً.. كنت تهواه منفرداً فتهجى خطاك إلى حيث عاقرَ فيك الحياةَ وما هزّ منك "المظلةَ" حتى "العمامة" ظلَّت كما كنت واضعها والعصا في يمينك ، ما عرته غير سبابةٍ للشهادة أوقفتها شاهداً وشهيداً ووجهك قد يممته ملائكةُ الله صوب المقام العتيق.. * * * أبي.. ها أنا حيث أسلمت طهرك للموت يا أبتِ أتهجى التفاصيل مندهشاً.. لم تر الشمسُ نحوك درباً وسير الظِّلال حزيناً يرتل صدق التسابيح خاشعة في مصلاك.. يا أبتِ: ليتني كنت حولك روحاً أمد شغاف فؤادي لنعليك مبتهلاً.. كي أراك وقد شافهتك المشيئة طهر الصلاة وقاسمتَها المنتهى ساجداً فاستدار السنا في جفون الروابي يباركك الموت.. موت النبيين والشهداء رضا الله والوالدين وتسبيحة في الأصيل. * * * أبي: أين منك أنا ؟ أين خطاك التي أزهرت بالندى؟ في اجتياز المسافات أين عصاكَ التي ما عَبَرْتَ بها خطوةً في الدجى في الضحى في التعاريج إلا وشقَّت بقلبي هتافاً أبي.. يا أبي: كيف لي أن أراك وقد يممتك النهاياتُ وجه الغياب وجئتك من قهر صنعاء مرتعداً كم يسفُّ ظلام الطريق دموعي وكم يكتم الليلُ أنفاسه راثياً حشرجاتي ولي خلف خطوي عزاءٌ يتمتمني طعنةً طعنةً من نصال الردى غدر فاتنة أشعلتْ في دمي ندمي لم يعد للورود مكانٌ بقلبي ولا للضياء مدارٌ بعيني ولا للبنفسج أغنيةٌ في دمي كل هذا وذاك مضى غائراً في الجراحات حتى التي باركتني القصيدة شوقاً إليها تماهتْ بأفقي. وما قرأتْ صدقَ ظني. * * * أبي: شبَّ جرحي عن الطوق.. مُذْ لفَّك الصمت في باطن الغيب أيقظتَ صمت الحنين إليك إلى كل فجرٍ سمعتك بعد الصلاة تتمتمني زاملاً وهزيجاً لتوقظ مني الحياة بروح الحنان.. إلى كل صبح أطل ضياؤك فيه إلى كل خطوٍ عبَرتَ به نحو روحي وقد أوشكت أن تغادرني يوم أرخى الغمام خزائنه مطراً كاد يغرقني كان حضنك لي مهرباً والردى شاهرٌ سيفه لم أكن غير طفلٍ نحيلٍ أسوق لهاثي إلى الله وقد كَلَّ خطوي ومد رفيقاي يأس النجاة إلى ماطر الغيم واغرورقت كلُّ سائلة بالمسيل.. فكانت ذراعك أسبق مني إليَّ ودفئك أحنى عليَّ. * * * أبي: لن تغادر ذاكرتي فالضحى عامرٌ بِدُعائِكَ لي والمصلى ترفرف فيه تسابيحُ روحي وفيه تبيتُ هواجسُ شعري وحبي وقلبي الفقير إلى الله.. * * * أبي: ها أنا في مصلاّك نمْ جُلَّ صمتي بكاءٌ وليلي أنين يقضُّ المدى والنهار بلا أملٍ والضحى ساربٌ من حنين (*) مرثية في وفاة الوالد-رحمه الله- المتوفى ظهيرة يوم الاثنين (10) رمضان 1430ه الموافق 1/9/2009م في نقيل ((المحقري-الذبوب الأحمر- الصاعد إلى قرية الشرف بين الجرادي -السلفية -محافظة ريمة)).. حيث لفظ نفسه الأخير ساجاداً