أثار طلب الرئيس محمود عباس في كلمته في "مؤتمر القدس" في الدوحة، من المسلمين زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى، و"فتوى الشيخ القرضاوي بتحريم ذلك"، ردود فعلٍ شديدة بين مؤيد ومعارض، وقد اعتبر السيد الرئيس دعوته ليست تطبيعاً "بل هي حالة من التواصل مع القدس وأهلها وأن زيارة السجين ليست اعترافاً بالسجان أو تطبيعاً معه"، وليس سراً أن (إسرائيل) التي تواصل احتلالها لأراضي الدولة الفلسطينية وجوهرتها القدس الشريف، إضافة لأراضي عربية أخرى منذ حرب حزيران 1967، وتواصل الاستيطان فيها بشكل هستيري، لفرض وقائع ديموغرافية تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية، لم تأخذ من مبادرة السلام العربية سوى "إقامة علاقات كاملة مع (إسرائيل)" أي أنها تريد "سلاماً كاملاً" مع الدول العربية والإسلامية في ظل مواصلتها للاحتلال، مما يعني من ضمن ما يعنيه الاعتراف ب "القدس الموحدة" حسب التعبير الإسرائيلي عاصمة أبدية (لإسرائيل). فهل قضية القدس قضية دينية فقط... أم أنها قضية سياسية وثقافية وحضارية ودينية أيضاً..!!؟؟ وهل تعترف اليهودية بالديانتين السماويتين الأخريين الإسلام والمسيحية ..!!؟؟ وهل تسمح (إسرائيل) المحتلة والتي تُحاصر القدس بالكامل وتعزلها عن محيطها الفلسطيني والعربي لأبناء الشعب الفلسطيني من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة بدخول القدس حتى للصلاة في دور العبادة، كي تسمح لبقية العرب والمسلمين بدخولها...!!!؟؟؟ فالقدس حسب الديانة الإسلامية جزء من العقيدة، ترسخت عروبتها بمعراج الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه من مسجدها الأقصى إلى السماوات العليا، وهذا المسجد هو قبلة المسلمين الأولى، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تُشدّ إليها الرحال، مقروناً بالكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف، وكل حجر فيها له قصة تاريخية وحضارية عربية إسلامية، وفيها أيضاً كنيسة القيامة إحدى أكثر الأماكن المسيحية تقديساً. ومن عاصر ما قبل مرحلة احتلال حرب حزيران 1967 شاهد بأمّ عينيه أن ملايين الحجاج المسلمين كانوا يشدّون الرحال إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى في موسم الحج، وإذا ما استجاب المسلمون لدعوة السيد الرئيس بزيارة القدس فهل ستسمح (إسرائيل) لأربعة أو خمسة ملايين مسلم بشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى في موسم الحج..!!؟؟ ولا يغيب عن البال أيضاً "فتوى" البابا شنودة بابا الأقباط في مصر الذي حرّم هو أيضاً زيارة القدس طالما أنها تحت الاحتلال الإسرائيلي. وإذا ما استجاب العرب والمسلمون لدعوة السيد الرئيس، فهل ستتم الزيارة هكذا وبشكل عفوي وروتيني!؟ أم أن هناك متطلبات يستوجب عملها قبل ذلك؛ مثل فتح سفارات وقُنصليات في العواصم العربية والإسلامية كي تمنح تأشيرة دخول "فيزا" لمن يرغب بالزيارة!؟ وليس خافياً على أحد أن بعض الأنظمة العربية والإسلامية قد رضخت للضغوط الأمريكية لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) كبوادر حُسن نية من جانبهم تجاه (إسرائيل)، فقام بعضها بتبادل السفراء، وقام البعض ومنهم قطر بتبادل ما سُمي "مكاتب تجارية". مع التذكير بأن (إسرائيل) تُنفذ مخططاتها بتهويد القدس وبقية الأراضي المحتلة، دون عمل أيّ حساب لأيّ من العرب والمسلمين، وهي قامت، ولا تزال تقوم، بحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى مما يًهدده بالانهيار، وهي من قامت بهدم حارتي الشرف والمغاربة وحيّ النمامرة، وشرّدت مواطنيها وبنت حيّاً يهودياً استيطانياً بدلاً منها، وهي من جرفت مقبرة "ماميللا" التاريخية والتي تحوي رُفات صحابة شاركوا في الفتح الإسلامي، ورُفات علماء وأعيان ومواطني القدس عبر التاريخ، وهي من تسمح للجمعيات الاستيطانية والدينية المتطرفة باستباحة حرمات المسجد الأقصى متى شاءت، وهي المسؤولة عن حرق المسجد الأقصى في شهر آب / أغسطس عام 1969، وهي من اقتحمت المسجد عشرات المرات وقتلت المصلين فيه، وهي من قامت ببناء أكثر من ستين ألف وحدة استيطانية في القدس الشرقية المحتلة منذ عام 1967، وأسكنت فيها أكثر من ربع مليون مستوطن، بعد أن صادرت أكثر من 35% من مساحة المدينة، في حين تمنع البناء للعرب.... وإذا ما استجاب العرب والمسلمون لدعوة السيد الرئيس، فإن (إسرائيل) لن تسمح إلا للقادة ولبضعة آلاف من المسنين، مع أن (إسرائيل) تسعى إلى تحويل قضية القدس إلى قضية دينية، لإيمانها بأن "العربي الطيب هو العربي الميت" على رأي (جولدا مائير)...!!! لقد أحسن السيد الرئيس عندما طلب من العرب أن يمدوا القدس بالزيت، لدعم صمود المقدسيين فيها، مع التذكير أن المليونير اليهودي الأمريكي (موسكوفيتش)، قد تبرع لتهويد القدس في الخمسة عشر عاماً الماضية، أكثر مما تبرعت به الأنظمة العربية لفلسطين منذ تأسيس منظمة التحرير في العام 1964 وحتى الآن، فهل يستجيب قادة الدول النفطية لدعوة السيد الرئيس!؟ وهل ستسمح لهم أمريكا بذلك؟ إن قضية القدس تستوجب تجنيد الطاقات العربية والإسلامية والصديقة من أجل الضغط على (إسرائيل) كي تنسحب من الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس العربية المحتلة، عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة؛ فالمشكلة تكمن في استمرارية الاحتلال، وليس في إمكانية الصلاة في المسجد الأقصى وهو يئن من ثقل الاحتلال، مع أهمية هذه الصلاة... والحديث يطول.