فرنسا تجدد عمها لوحدة اليمن وسلامة أراضيه    شكاوى من مماطلة حوثية بتنفيذ حكم الإعدام بحق مدان قتل ثلاثة أطفال    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي ملاك وممثلي معامل الدباغة ومصانع الجلديات    نائب رئيس الأركان الإيراني:اليمن صنع لنفسه سمعة خالدة في التاريخ بوقوفه المشرف إلى جانب فلسطين    تقديراً لمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية... الدكتور بن حبتور يتلقى برقية شكر من ممثل حماس    دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة تنعي الصحفي عبدالقوي الأميري    نقابة الصحفيين اليمنيين تنعى الصحفي عبدالقوي الأميري    برشلونة يبتعد بقمة الليجا ب 46 نقطة بعد إسقاط فياريال بثنائية    توجيه رئاسي باتخاذ إجراءات قانونية ضد تجاوزات عدد من المسؤولين    كرامة تستباح ومقدسات تهان .. إلى متى؟!    اصابة 4 مهاجرين افارقة اليوم بنيران العدو السعودي في صعدة    حين يتكلم الشارع الجنوبي... لحظة الحسم السياسي واستعادة الدولة    اتحاد حضرموت يتصدر تجمع سيئون بعد تغلبه على 22 مايو في دوري الدرجة الثانية    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات موظفي القطاعين المدني والعسكري    تدشين البطولة المفتوحة للرماية للسيدات والناشئات بصنعاء    محافظ الحديدة يفتتح 19 مشروع مياه في مركز المحافظة ب 81.2 مليون ريال    السقطري يترأس اجتماعًا موسعًا لقيادات وزارة الزراعة والثروة السمكية ويشيد بدور القوات الجنوبية في تأمين المنافذ ومكافحة التهريب والإرهاب    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يُعزي في وفاة التربوي القدير الأستاذ غازي عباس عبود    الكثيري يعقد اجتماعا مع قيادات مكتبي المبعوث الأممي في كل من العاصمة الأردنية عمّان والعاصمة عدن    محافظ عدن يوقّع اتفاقية بناء الدور الرابع بكلية طب الأسنان – جامعة عدن    البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة ويعيد التعامل مع أخرى    الأرصاد: انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة وتوقعات بتشكل الصقيع    أنابيب آبار تتحول إلى "صواريخ" في الضالع.. ونقطة أمنية تحجز عشرات الشاحنات    إنتاج قياسي وتاريخي لحقل "بوهاي" النفطي الصيني في عام 2025    المهرة.. مقتل امرأة وطفلين في انفجار قنبلة يدوية داخل منزل    تقرير أممي: ثلث الأسر اليمنية تعيش حرمانًا غذائيًا حادًا    مع ضغط النزوح من حضرموت.. دعوات رسمية إلى سرعة الاستجابة لاحتياجات النازحين بمأرب    اللجنة الوطنية للمرأة بصنعاء تكرّم باحثات "سيرة الزهراء" وتُدين الإساءة الأمريكية للقرآن الكريم    هيئة مستشفى ذمار تدشن مخيما مجانيا لعلاج أمراض العمود الفقري الأربعاء المقبل    هالاند يحطم رقم كرستيانو رونالدو    اليوم انطلاق كأس أمم أفريقيا    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    شرطة أمانة العاصمة تعلن ضبط 5 متهمين آخرين في حادثة قتل رجل وزوجته بشارع خولان    بمقطع فيديو مسرب له ولشقيقاته.. عبدالكريم الشيباني ووزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار في ورطة..!    وفاة الصحفي الاميري بعد معاناة طويلة مع المرض    تحذيرات جوية من انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    الحديدة: انطلاق مشروع المساعدات النقدية لأكثر من 60 ألف أسرة محتاجة    الجرح الذي يضيء    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    معلومات حول الجلطات في الشتاء وطرق الوقاية    عاجل: إعلان أمريكي مرتقب يضع الإخوان المسلمين على حافة التصنيف الإرهابي    ميرسك تعبر البحر الأحمر لأول مرة منذ عامين وتدرس عودة تدريجية    مهرجان ثقافي في الجزائر يبرز غنى الموسيقى الجنوبية    الموسيقى الحية تخفف توتر حديثي الولادة داخل العناية المركزة    "المحرّمي" يُعزِّي في وفاة السفير محمد عبدالرحمن العبادي    بالتزامن مع زيادة الضحايا.. مليشيا الحوثي تخفي لقاحات "داء الكلب" من مخازن الصحة بإب    الأوبئة تتفشى في غزة مع منع دخول الأدوية والشتاء القارس    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    انعقاد الاجتماع الفني لبطولة مديريات محافظة تعز - 2026 برعاية بنك الكريمي    المغرب يتوج بطلاً لكأس العرب بانتصاره المثير على منتخب الاردن    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    بين الاعتزاز والانسلاخ: نداءُ الهوية في زمن التيه    اتحاد كرة القدم يعلن استكمال تحضيراته لانطلاق دوري الدرجة الثانية    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    صباح المسيح الدجال:    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرحى الجنوب في الأردن .. إهمال يضاعف المعاناة
نشر في يافع نيوز يوم 05 - 09 - 2015

عندما نستعرض شريط المعاناة من عمر الحرب التي بدأت في عدن ومحافظات الجنوب من قبل ميليشيات الحوثي وصالح لما يقارب الخمسة أشهر, سنجد أنها تفوق التصور الذهني والواقعي لمعنى الكارثة والتدهور بكل ما تعنيه الكلمة من مأساة وألم. ولن نتحدث هنا عن حجم الدمار أو الضحايا الذي أشعلته الحرب, لأننا لو فصّلناه أو حصرناه لن ننتهي من فصوله لسنوات من هول وقعه على شعب الجنوب الذي ما انفك يخرج من حرب ليداوي نفسه من جراحاتها, تباغته حرب أخرى أشد قسوة لا تمنحه الفرصة لمداواة جراحاتها السابقة لتواجه أخرى جديدة, ومن نفس القتلة والمجرمين بأسماء وشعارات مختلفة. إلا أننا سنحصر اهتمامنا في هذا التقرير بأجساد الجرحى المشوهة وأشلائهم الممزقة وأطرافهم المبتورة المهملة, الجرحى الذين لا يُسمع أنينهم من خارج المستشفيات بعد أن أصبحوا عاجزين عن الحركة والتنقل بدون رعاية أو اهتمام, رغم أنهم مجرد مدنيّون منهم الطالب والأستاذ والطبيب والمهندس والأكاديمي, لم يحملوا السلاح يوماً في وجه أحد, إنما اضطروا على حمله في ميادين العز والشرف دفاعاً عن وطنهم وأرضهم وهم يقدمون أرواحهم ودمائهم ثمناً لذلك.
الاهتمام بالجرحى .. حبر على ورق
في زيارة لمجموعة من النشطاء والصحفيين للمستشفى الإسلامي في عمّان, لمسنا معاناة الجرحى وسوء العناية والاهتمام بهم من خلال ملاحظة سوء الحالة الصحية لبعضهم, وازدياد تدهور حالاتهم منذ وصولهم أكثر من ذي قبل على لسان بعض الجرحى, بسبب عدم متابعة ملفاتهم وحالاتهم باستمرار من قبل الجهات المسؤولة في السفارة اليمنية, وعدم مد يد العون والمساعدة لهم بمنحهم أي مخصصات أو متابعة عملياتهم ومتطلبات نقلهم إلى أماكن أفضل لاستيفاء العلاج. حيث ذكروا أنه تم منحهم عند وصولهم إلى مطار الملكة عليا في الأردن 200 دولار فقط لكل جريح, ومنذ ذلك اليوم ولهم ما يقارب الشهر لم يطلّ عليهم أي مسؤول من الجهة المختصة في الحكومة أو يتابع حالتهم إلا إذا جاء وفد رسمي للزيارة, فكل ما كان يعيش عليه الجرحى طيلة هذا الوقت تبرعات من بعض الحملات مثل "تكافل" و أهل الخير فقط.
وذكر بعض الجرحى في حديث خاص أنهم وصلوا إلى المطار مع مرافقيهم, حيث استقبلوهم بعد ساعات من المعاناة والانتظار وأدخلوهم بمبالغ مالية رغم أنه تم تخصيص مبالغ لدخولهم وعلاجهم من مركز الملك سلمان للإغاثة, وفوق ذلك تم إرجاع مرافقيهم على نفس الطائرة باتجاه عدن. علماً بأن كل جريح من (الحوثيين) الواصلين للعلاج من دولة عمان يسمح له بعدد 2 من المرافقين في المستشفيات الأخرى حسب قولهم. كما أن بعض الجرحى يقولون أنه يتم ترحيلهم خارج المستشفيات قبل استيفاء علاجهم بالكامل. حيث وأن الكثير من حالات الجرحى الشباب بحاجة لعمليات بتكاليف لا يتجاوز بعضها 4000 دولار رفعوا تفاصيلها إلى الجهات المختصة في السفارة اليمنية ولم يجدوا إجابة, والبعض من أفرادها ظل يقول لهم باستخفاف تابعوا أنتم التقارير واستخرجوها بأنفسكم. إذ كيف لجريح ربما يكون معاق جسدياً أو غير قادر على الحركة في سريره و"بدون مرافق" يتابع سير تقرير حالته, ويصدر أوراق تقرر رحيله أوبقاءه في المستشفى؟! فضلاً عن أن بعض الجرحى بحاجة للمزيد من العناية الطبية وبرامج التأهيل النفسي قبل الخروج لاستعادة أنفسهم. حيث تركوهم ليواجهوا مصيرهم وحدهم بدون دعم مادي أو نفسي يساعدهم على الاندماج من جديد في مجتمعهم, ما ضاعف من حجم آثار صدماتهم وجراحاتهم.
بعضٌ من وجع الجرحى
من خلف زجاج غرفة العناية المركزة في المستشفى الإسلامي بعمّان, يرقد الجريح "أنيس آدم" وهو أحد شباب المقاومة الجنوبية في عدن, أصيب بطلقة في الفم خرجت عبر فكه من خلف الأذن اليمنى ما سببت له كسر تام في عظمة الفك, آدم من أبناء المعلا دكة, أب لأربعة بنات وصل إلى الأردن للعلاج وهو يمشي على قدميه, وبسبب إهماله في المستشفى وعدم متابعة وضعه تدهورت حالته الصحية وأًصيب بتشجنات متكررة ما أدى لدخوله العناية المركزة لينتقل إلى حالة الموت السريري بلا مرافق أو معين, وبانتظار من يقرر عنه فصل أجهزة التنفس الصناعي. وهو الحال بالنسبة للشاب "علاء" الذي أصيب بخدش في سطح الجمجمة بسبب طلقة رصاص تعرض لها في المعلا, حيث رفض بتوجس أن تجرى له عملية في ذات المستشفى بعد تدهور حالة رفيقه الجريح "أنيس".
وفي حديث سابق مع الجريح "عبد الفتاح ردمان" حكى لنا جانباً من معاناته في كريتر, حيث تعرض للتعذيب من قبل "ميلشيات الحوثي وصالح" ما أدى إلى كسر في حوضه الأيمن, ورغم أنه خضع لعدة فحوصات وعمليات إلا أنه ظل يشكو آلاماً وأوجاعاً وحالة نفسية سيئة للغاية شهدنا جانباً منها, "ردمان" أصبح اليوم في عداد الأموات.
أما "محمد سمير" فهو شاب آخر صغير السن من شباب خور مكسر – مواليد 1998م, أصيب بطلقة في الفك أدت إلى فقدانه كامل أسنانه, حيث شرحت لنا والدته التي وصلت كمرافقه له على حسابها الشخصي بعد أن باعت كل ما تملك, أن حالته النفسية والصحية تسوء كل يوم لدرجة أن منع نفسه من الكلام أو الأكل أو مخالطة الآخرين, مازال يرقد في المستشفى وبحاجة لعملية زراعة أسنان لا تكلف قيمتها 2800 دينار أردني, كانت قد طالبت بها الأم لكن اللجنة المشرفة من السفارة تجاهلت طلبها, حيث كتب له الأطباء خروج من المستشفى قبل معالجته بشكل كامل. وكذا هو حال الشاب علي حسين الذي تعرض هو الآخر لإصابة في الفك حرمته من الأكل بشكل طبيعي.
كما يحكي لنا الشاب "رامي الميوني" بحسرة عن إصابته في العمود الفقري, الذي تعرض لها أثناء ما كان مع شباب المقاومة في "جبهة جعولة", الميوني من أسرة فقيرة جداً اضطر لحمل السلاح دفاعاً عن وطنه, وهذه العملية الثانية التي يجريها حيث شكى إهمال السفارة في صرف مخصصات الجرحى وعدم العناية بهم ومتابعة حالاتهم.
وفي الدور العلوي من المستشفى حكت لنا والدة الشاب "فهمي شوقي" عن حالة ابنها الذي تعرض لإًصابة في العين وبعض الحروق والإصابات في جسده بسبب قنبلة قامت الميلشيات الحوثية بتفجيرها في صوامع الغلال بالمعلا. حيث أصبح الشاب يعاني من حالة نفسية سيئة, قليل الكلام ويعاني من حالة اكتئاب حاد.
ورغم أن هناك المئات من الحالات الحرجة والقصص المؤلمة لجرحى الجنوب الموزعين على المستشفيات الأردنية, إلا أن هذا صوت قد يبدو يتيم أمام واقعهم المؤلم وجزء بسيط من مأساتهم في الخارج لعل وعسى أن تستجيب الجهات المسؤولة لجدية المناشدة, فضلاً عن مآسيهم الحقيقية في الداخل التي عرّضت الكثير منهم للوفاة داخل بيوتهم لعدم توفر أماكن كافية لإنقاذهم في بعض المستشفيات.
ما على الحكومة ومركز الملك سلمان للإغاثة
– من كل ما ذكرناه سابقاً وجب على حكومة الشرعية أن تضع حد لكل المتلاعبين والمزورين بملف الجرحى الذي ينم عن استغفال للجريح ومعاناته, وتسليم ملفاتهم إلى أيدي آمنة تقوم بواجباتها الإنسانية تجاههم, وتعمل على مراقبتهم وعمل تحقيق واسع لمعرفة أسباب الإهمال, بحيث تضع عقوبات تردع تصرفات المتلاعبين منهم بوثائق وملفات شؤون الجرحى سواء في الأردن.
– لا يعني إرسال دفعات جديدة من جرحى الجنوب إلى الأردن, إسقاط حق الجرحى السابقين في العلاج وتصريفهم من المستشفيات قبل استيفاءهم المدة الكافية واللازمة من العلاج لاستقبال آخرين, يجب أن تهتم الحكومة واللجنة المشرفة بهذه النقطة, وتمنح كل جريح حقه الكامل في العلاج وإن طالت المدة لأشهر.
– إرسال مع كل جريح للعلاج إلى الخارج نحو الأردن أو السودان مرافق واحد على الأقل للعناية به, لأنه من غير المنطقي أن يعتني الجرحى باحتياجات بعضهم البعض وسط كل هذا الإهمال من السفارة اليمنية, إذ أن هذا الأمر غير مقبول بتاتاً حتى على المستوى الإنساني .
– تغيير المسؤولية المتعلقة بملفات الجرحى من تحت إشراف السفارة اليمنية في الأردن, إلى إشراف السفارة السعودية مباشرة عبر متابعة مركز الملك سلمان للإغاثة, حتى لا يتم التلاعب بأموال الجرحى أو مخصصاتهم الممنوحة لهم للعلاج في مستشفيات الأردن من قبل أفراد السفارة اليمنية في عمّان.
– إرسال مبعوثين من مركز الملك سلمان للإغاثة في الرياض, وفد يتكون من 3 أفراد على الأقل للإشراف شخصياً على حالات الجرحى ومتابعتهم في الأردن وبالتنسيق مع السفارة السعودية هناك بشكل مستقل عن السفارة اليمنية. ورفع الحالات الخطيرة للجرحى إلى مستشفيات أفضل أو نقلهم للعلاج لدول أخرى أكثر اهتمام ومتابعة لحالاتهم.
– وأخيراً هناك تساؤل مشروع يطرح على أصحاب القرار في الرياض, مع كل هذه الأموال والمخصصات التي تُضخ للحكومة الشرعية, لماذا لا يصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرار يعتبر فيه ضحايا الحرب "شهداء للوطن" يلزم فيه الحكومة بمعالجتهم في الداخل والخارج وفق طبيعة الإصابة, علاوة على اعتماد راتب جندي لكل جريح ومعاق, وإنشاء صندوق خاص لرعاية شهداء وجرحى الحرب, على غرار صندوق رعاية شهداء وجرحى الثورة الشعبية السلمية الذي أصدره في مارس / آذار 2012م؟.
تقرير خاص – فريدة أحمد
عندما نستعرض شريط المعاناة من عمر الحرب التي بدأت في عدن ومحافظات الجنوب من قبل ميليشيات الحوثي وصالح لما يقارب الخمسة أشهر, سنجد أنها تفوق التصور الذهني والواقعي لمعنى الكارثة والتدهور بكل ما تعنيه الكلمة من مأساة وألم. ولن نتحدث هنا عن حجم الدمار أو الضحايا الذي أشعلته الحرب, لأننا لو فصّلناه أو حصرناه لن ننتهي من فصوله لسنوات من هول وقعه على شعب الجنوب الذي ما انفك يخرج من حرب ليداوي نفسه من جراحاتها, تباغته حرب أخرى أشد قسوة لا تمنحه الفرصة لمداواة جراحاتها السابقة لتواجه أخرى جديدة, ومن نفس القتلة والمجرمين بأسماء وشعارات مختلفة. إلا أننا سنحصر اهتمامنا في هذا التقرير بأجساد الجرحى المشوهة وأشلائهم الممزقة وأطرافهم المبتورة المهملة, الجرحى الذين لا يُسمع أنينهم من خارج المستشفيات بعد أن أصبحوا عاجزين عن الحركة والتنقل بدون رعاية أو اهتمام, رغم أنهم مجرد مدنيّون منهم الطالب والأستاذ والطبيب والمهندس والأكاديمي, لم يحملوا السلاح يوماً في وجه أحد, إنما اضطروا على حمله في ميادين العز والشرف دفاعاً عن وطنهم وأرضهم وهم يقدمون أرواحهم ودمائهم ثمناً لذلك.
الاهتمام بالجرحى .. حبر على ورق
في زيارة لمجموعة من النشطاء والصحفيين للمستشفى الإسلامي في عمّان, لمسنا معاناة الجرحى وسوء العناية والاهتمام بهم من خلال ملاحظة سوء الحالة الصحية لبعضهم, وازدياد تدهور حالاتهم منذ وصولهم أكثر من ذي قبل على لسان بعض الجرحى, بسبب عدم متابعة ملفاتهم وحالاتهم باستمرار من قبل الجهات المسؤولة في السفارة اليمنية, وعدم مد يد العون والمساعدة لهم بمنحهم أي مخصصات أو متابعة عملياتهم ومتطلبات نقلهم إلى أماكن أفضل لاستيفاء العلاج. حيث ذكروا أنه تم منحهم عند وصولهم إلى مطار الملكة عليا في الأردن 200 دولار فقط لكل جريح, ومنذ ذلك اليوم ولهم ما يقارب الشهر لم يطلّ عليهم أي مسؤول من الجهة المختصة في الحكومة أو يتابع حالتهم إلا إذا جاء وفد رسمي للزيارة, فكل ما كان يعيش عليه الجرحى طيلة هذا الوقت تبرعات من بعض الحملات مثل "تكافل" و أهل الخير فقط.
وذكر بعض الجرحى في حديث خاص أنهم وصلوا إلى المطار مع مرافقيهم, حيث استقبلوهم بعد ساعات من المعاناة والانتظار وأدخلوهم بمبالغ مالية رغم أنه تم تخصيص مبالغ لدخولهم وعلاجهم من مركز الملك سلمان للإغاثة, وفوق ذلك تم إرجاع مرافقيهم على نفس الطائرة باتجاه عدن. علماً بأن كل جريح من (الحوثيين) الواصلين للعلاج من دولة عمان يسمح له بعدد 2 من المرافقين في المستشفيات الأخرى حسب قولهم. كما أن بعض الجرحى يقولون أنه يتم ترحيلهم خارج المستشفيات قبل استيفاء علاجهم بالكامل. حيث وأن الكثير من حالات الجرحى الشباب بحاجة لعمليات بتكاليف لا يتجاوز بعضها 4000 دولار رفعوا تفاصيلها إلى الجهات المختصة في السفارة اليمنية ولم يجدوا إجابة, والبعض من أفرادها ظل يقول لهم باستخفاف تابعوا أنتم التقارير واستخرجوها بأنفسكم. إذ كيف لجريح ربما يكون معاق جسدياً أو غير قادر على الحركة في سريره و"بدون مرافق" يتابع سير تقرير حالته, ويصدر أوراق تقرر رحيله أوبقاءه في المستشفى؟! فضلاً عن أن بعض الجرحى بحاجة للمزيد من العناية الطبية وبرامج التأهيل النفسي قبل الخروج لاستعادة أنفسهم. حيث تركوهم ليواجهوا مصيرهم وحدهم بدون دعم مادي أو نفسي يساعدهم على الاندماج من جديد في مجتمعهم, ما ضاعف من حجم آثار صدماتهم وجراحاتهم.
بعضٌ من وجع الجرحى
من خلف زجاج غرفة العناية المركزة في المستشفى الإسلامي بعمّان, يرقد الجريح "أنيس آدم" وهو أحد شباب المقاومة الجنوبية في عدن, أصيب بطلقة في الفم خرجت عبر فكه من خلف الأذن اليمنى ما سببت له كسر تام في عظمة الفك, آدم من أبناء المعلا دكة, أب لأربعة بنات وصل إلى الأردن للعلاج وهو يمشي على قدميه, وبسبب إهماله في المستشفى وعدم متابعة وضعه تدهورت حالته الصحية وأًصيب بتشجنات متكررة ما أدى لدخوله العناية المركزة لينتقل إلى حالة الموت السريري بلا مرافق أو معين, وبانتظار من يقرر عنه فصل أجهزة التنفس الصناعي. وهو الحال بالنسبة للشاب "علاء" الذي أصيب بخدش في سطح الجمجمة بسبب طلقة رصاص تعرض لها في المعلا, حيث رفض بتوجس أن تجرى له عملية في ذات المستشفى بعد تدهور حالة رفيقه الجريح "أنيس".
وفي حديث سابق مع الجريح "عبد الفتاح ردمان" حكى لنا جانباً من معاناته في كريتر, حيث تعرض للتعذيب من قبل "ميلشيات الحوثي وصالح" ما أدى إلى كسر في حوضه الأيمن, ورغم أنه خضع لعدة فحوصات وعمليات إلا أنه ظل يشكو آلاماً وأوجاعاً وحالة نفسية سيئة للغاية شهدنا جانباً منها, "ردمان" أصبح اليوم في عداد الأموات.
أما "محمد سمير" فهو شاب آخر صغير السن من شباب خور مكسر – مواليد 1998م, أصيب بطلقة في الفك أدت إلى فقدانه كامل أسنانه, حيث شرحت لنا والدته التي وصلت كمرافقه له على حسابها الشخصي بعد أن باعت كل ما تملك, أن حالته النفسية والصحية تسوء كل يوم لدرجة أن منع نفسه من الكلام أو الأكل أو مخالطة الآخرين, مازال يرقد في المستشفى وبحاجة لعملية زراعة أسنان لا تكلف قيمتها 2800 دينار أردني, كانت قد طالبت بها الأم لكن اللجنة المشرفة من السفارة تجاهلت طلبها, حيث كتب له الأطباء خروج من المستشفى قبل معالجته بشكل كامل. وكذا هو حال الشاب علي حسين الذي تعرض هو الآخر لإصابة في الفك حرمته من الأكل بشكل طبيعي.
كما يحكي لنا الشاب "رامي الميوني" بحسرة عن إصابته في العمود الفقري, الذي تعرض لها أثناء ما كان مع شباب المقاومة في "جبهة جعولة", الميوني من أسرة فقيرة جداً اضطر لحمل السلاح دفاعاً عن وطنه, وهذه العملية الثانية التي يجريها حيث شكى إهمال السفارة في صرف مخصصات الجرحى وعدم العناية بهم ومتابعة حالاتهم.
وفي الدور العلوي من المستشفى حكت لنا والدة الشاب "فهمي شوقي" عن حالة ابنها الذي تعرض لإًصابة في العين وبعض الحروق والإصابات في جسده بسبب قنبلة قامت الميلشيات الحوثية بتفجيرها في صوامع الغلال بالمعلا. حيث أصبح الشاب يعاني من حالة نفسية سيئة, قليل الكلام ويعاني من حالة اكتئاب حاد.
ورغم أن هناك المئات من الحالات الحرجة والقصص المؤلمة لجرحى الجنوب الموزعين على المستشفيات الأردنية, إلا أن هذا صوت قد يبدو يتيم أمام واقعهم المؤلم وجزء بسيط من مأساتهم في الخارج لعل وعسى أن تستجيب الجهات المسؤولة لجدية المناشدة, فضلاً عن مآسيهم الحقيقية في الداخل التي عرّضت الكثير منهم للوفاة داخل بيوتهم لعدم توفر أماكن كافية لإنقاذهم في بعض المستشفيات.
ما على الحكومة ومركز الملك سلمان للإغاثة
– من كل ما ذكرناه سابقاً وجب على حكومة الشرعية أن تضع حد لكل المتلاعبين والمزورين بملف الجرحى الذي ينم عن استغفال للجريح ومعاناته, وتسليم ملفاتهم إلى أيدي آمنة تقوم بواجباتها الإنسانية تجاههم, وتعمل على مراقبتهم وعمل تحقيق واسع لمعرفة أسباب الإهمال, بحيث تضع عقوبات تردع تصرفات المتلاعبين منهم بوثائق وملفات شؤون الجرحى سواء في الأردن.
– لا يعني إرسال دفعات جديدة من جرحى الجنوب إلى الأردن, إسقاط حق الجرحى السابقين في العلاج وتصريفهم من المستشفيات قبل استيفاءهم المدة الكافية واللازمة من العلاج لاستقبال آخرين, يجب أن تهتم الحكومة واللجنة المشرفة بهذه النقطة, وتمنح كل جريح حقه الكامل في العلاج وإن طالت المدة لأشهر.
– إرسال مع كل جريح للعلاج إلى الخارج نحو الأردن أو السودان مرافق واحد على الأقل للعناية به, لأنه من غير المنطقي أن يعتني الجرحى باحتياجات بعضهم البعض وسط كل هذا الإهمال من السفارة اليمنية, إذ أن هذا الأمر غير مقبول بتاتاً حتى على المستوى الإنساني .
– تغيير المسؤولية المتعلقة بملفات الجرحى من تحت إشراف السفارة اليمنية في الأردن, إلى إشراف السفارة السعودية مباشرة عبر متابعة مركز الملك سلمان للإغاثة, حتى لا يتم التلاعب بأموال الجرحى أو مخصصاتهم الممنوحة لهم للعلاج في مستشفيات الأردن من قبل أفراد السفارة اليمنية في عمّان.
– إرسال مبعوثين من مركز الملك سلمان للإغاثة في الرياض, وفد يتكون من 3 أفراد على الأقل للإشراف شخصياً على حالات الجرحى ومتابعتهم في الأردن وبالتنسيق مع السفارة السعودية هناك بشكل مستقل عن السفارة اليمنية. ورفع الحالات الخطيرة للجرحى إلى مستشفيات أفضل أو نقلهم للعلاج لدول أخرى أكثر اهتمام ومتابعة لحالاتهم.
– وأخيراً هناك تساؤل مشروع يطرح على أصحاب القرار في الرياض, مع كل هذه الأموال والمخصصات التي تُضخ للحكومة الشرعية, لماذا لا يصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرار يعتبر فيه ضحايا الحرب "شهداء للوطن" يلزم فيه الحكومة بمعالجتهم في الداخل والخارج وفق طبيعة الإصابة, علاوة على اعتماد راتب جندي لكل جريح ومعاق, وإنشاء صندوق خاص لرعاية شهداء وجرحى الحرب, على غرار صندوق رعاية شهداء وجرحى الثورة الشعبية السلمية الذي أصدره في مارس / آذار 2012م؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.