هل بإمكان وكالات الاستخبارات ممارسة دور أوسع من مسألة "الأخ الأكبر" على وسائل التواصل الاجتماعي؟ ذاك السؤال الأكثر نقاشا في الولاياتالمتحدة وفتح معه الأبواب على أسئلة من نوع ما مدى تأثير ذلك على الخصوصية وحرية التعبير للمستخدمين الذين يتفاعلون على أكثر المنصات الاجتماعية شعبية في العالم؟ لا تتعلق النقاشات الحالية في الولاياتالمتحدة بمدى ممارسة دور الرقابة على المحتوى، بل تعدت ذلك إلى كيفية مساعدة وكالات الاستخبارات ومؤسسات إنفاذ القانون في منع وقوع عمل إرهابي وإجرامي، وعدم تمكين جهات داعمة للإرهاب من استغلال تلك المنصات في أعمالها غير المشروعة.
إيمانويل أوتولينغي: مشاركة المعلومات في الوقت الفعلي مع وكالات الاستخبارات مفيدة ولا يرغب فيسبوك في إتاحة مساحات لوكالات الاستخبارات لمراقبة المحتوى، فهو يفعل ذلك بنفسه. يعمل موقع التواصل الاجتماعي على إزالة أي محتوى يخالف معايير المجتمع، إضافة إلى حجب صفحات خاصة "تروج للتطرف وتمجد الإرهابيين".
وأعادت النقاشات الحالية التركيز على كيفية استغلال المعلومات المتداولة على صفحات فيسبوك وتويتر لتسهيل عملية تعقب الإرهابيين وتجار المخدرات والذين يقومون بأعمال غير مشروعة، فعملية الحجب وحدها غير كافية ولا تفي بالغرض لأن هناك طرقا مختلفة يمكن للمجرمين سلوكها لتمرير رسائلهم وتبادل المعلومات وتنفيذ مخططاتهم.
ويقول إيمانويل أوتولينغي وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن "يجب على عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي اتباع نهج أكثر واقعية وتركيز جهودهم على مشاركة المعلومات في الوقت الفعلي مع وكالات إنفاذ القانون".
ويضيف أوتولينغي في مقال تحليلي حول فوائد وسائل التواصل للاستخبارات نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية أن "تمتع فيسبوك وتويتر ومنافسيهما بميزة استضافة معلومات استخباراتية شفافة يحقق إرسالها إلى أولئك الذين يمكنهم التصرف نتائج أكثر مما يحدث عند مجرد حذفها".
ودارت النقاشات في الولاياتالمتحدة بعد هجوم الكابيتول في السادس من يناير الماضي وتعليق تويتر لحساب الرئيس السابق دونالد ترامب. وهذا الحدث غيّر العلاقة بين واشنطن ووادي السيليكون. وأثيرت أسئلة من نوع إذا كان ترامب يمثل مشكلة، فلماذا يستمر تويتر في إعطاء صوت للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وإنكاره للمحرقة؟
ويرى الباحث الأميركي أنه ليس من الواضح ما إذا كان أفضل شيء للأمن الجماعي يكمن في إزالة المحتوى الخطير أو الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية التي يوفرها لتطبيق القانون.
واستغل مكتب التحقيقات الفيدرالي حسابات المتمردين الذين هاجموا مبنى الكابيتول أوائل هذا العام لتعقبهم، لكنه واجه مشكلة من نوع أن هؤلاء يمكنهم بسهولة إزالة المحتوى وحذفه من المنصة. ويبقى السؤال حول كيفية المساعدة التي يمكن لفيسبوك وتويتر وغوغل تقديمها في هذا المجال؟
إغلاق أم مراقبة Thumbnail يعتبر أوتولينغي أن "إغلاق الملفات الشخصية التابعة للأشخاص والمؤسسات الخطرة لا يقضي على المخاطر التي يشكلونها بل يدفعهم بعيدا عن الأنظار"، وهذا الأمر قد يخلق إحساسا زائفا بالأمان لباقي المستخدمين.
ويرى أن "شركات التواصل الاجتماعي لا تتمتع بسجل جيد في تطبيق إرشاداتها الخاصة، حيث من المفترض أن تغلق الشركات الحسابات عندما ينتهك المستخدم شروط استخدام النظام الأساسي، والتي عادة ما تتضمن فقرات حول مخاطر الأذى الجسدي أو التهديدات للسلامة العامة".
ويقول إن "رؤية الكم الهائل من تجارة المخدرات والمواد الإباحية للأطفال على فيسبوك وإنستغرام وسنابشات تشير إلى فشل شركات وسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة المحتوى غير القانوني الأبرز".
ويعطي مثالا حول كيفية استخدام عناصر إرهابية وإجرامية لوسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك العديد من الكيانات الخاضعة لعقوبات أميركية.
ويقول إن عددا كبيرا من ممولي حزب الله اللبناني الذين عاقبتهم وزارة الخزانة الأميركية لجمع الأموال نيابة عن المجموعة في أميركا اللاتينية ينشطون على الشبكة الاجتماعية بحرية.
نشر مقاتلين من الحرس الثوري الإيراني صورهم على مواقع التواصل كان مفيدا لأجهزة الاستخبارات في معرفة أماكنهم في سوريا
كما أن هناك صفحات مخصصة لإحياء ذكرى مقاتلي الحزب الذين لقوا حتفهم في القتال، ويمكن أن نجد غازي عاطف نصرالدين الدبلوماسي الفنزويلي السابق في الشرق الأوسط الخاضع للعقوبات والمطلوب للاستجواب لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي لدعمه حزب الله، على تويتر.
ويعدّد أمثلة أكثر حول المساحات المتروكة لجماعات إجرامية وإرهابية على الشبكة الاجتماعية، من بينها أقارب أباطرة المخدرات المكسيكيين الذين يتباهون بأنماط حياتهم المترفة على هذه المنصات التي أصبحت للتجارة غير المشروعة.
وفي يونيو 2017 كتبت مونيكا بيكرت مديرة إدارة السياسة العالمية في فيسبوك، وبريان فيشمان مدير سياسة مكافحة الإرهاب مقالا بعنوان "أسئلة صعبة: كيف نكافح الإرهاب؟" قالا فيه إن المنصة تهدف إلى أن تكون "مكانا معاديا للإرهابيين". وكتبا أن فيسبوك "يزيل الإرهابيين والمنشورات التي تدعم الإرهاب كلما علمت بهم الشركة"، لكن بعد ذلك بعامين انتشر مقطع فيديو لبث مباشر على نطاق واسع لهجوم استهدف مسجدين في نيوزيلندا عام 2019.
ويقول أوتولينغي إن "الكثيرين تجاوزوا عمليات الإغلاق بشكل منتظم من خلال إنشاء حسابات جديدة، إذ يسهل إعادة فتح الحسابات بمجرد إغلاقها أو إنشاء حسابات مزيفة وإخفاء هويات من يديرها واستخدام الإعدادات لتجاوز التدقيق العام". ويوضح أن العصابات الإجرامية في أميركا اللاتينية احتضنت وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الرسائل لنشر ثقافة المخدرات وبيعها.
وسائل مفيدة للاستخبارات فوائد استخباراتية أكثر من المتوقع يبقى السؤال عما إذا كان السماح للإرهابيين والمجرمين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي حيث يتشاركون معلومات استخباراتية علنا أمرا مفيدا أم لا.
يوضح إيمانويل أوتولينغي، وهو أيضا متخصص في شؤون مكافحة الشبكات الإرهابية، فوائد وسائل التواصل الاجتماعي لأجهزة الاستخبارات، حيث يعطي مثالا كيف ساهمت عمليات نشر أعضاء من الحرس الثوري الإيراني صورا لهم في سوريا على فيسبوك وتويتر وإنستغرام عام 2015 في تحديد مواقع المقاتلين والطائرات التي استقلوها والأسلحة التي حملوها وهوية رفاقهم وقادتهم، والمطارات التي يتردد عليها النظام السوري في جهوده اللوجستية.
ويذكر أوتولينغي أنه "مع مقتل المقاتلين توجهت الميليشيات إلى مواقع التواصل الاجتماعي لإنشاء صفحات تذكارية تنشر صورا للجنازات والقبور والأضرحة، بالإضافة إلى مقاطع فيديو تضمنت أسماء المقاتلين والمعارك التي لقوا فيها حتفهم.
وكيف يرد أصدقاؤهم بالإعجاب والتعليقات كاشفين عن هوياتهم". ويقول إن من وراء ذلك كانت هناك "ثروة من المعلومات مفتوحة المصدر سمحت بجمع المعلومات الاستخبارية في الوقت الفعلي".
وأثبتت صور سيلفي تم التقاطها على متن طائرات تابعة للخطوط الجوية الإيرانية أن الناقل التجاري الإيراني كان يعمل لدعم القتال في سوريا، وهو نشاط خاضع للعقوبات، حيث فرضت الولاياتالمتحدة بعد ذلك عقوبات على الشركة الإيرانية.
ويقول الباحث الأميركي إن "فائدة وسائل التواصل الاجتماعي تصبح أكثر وضوحا عندما يتجاوز المرء ما ينشره مستخدموها علنا".
إغلاق الملفات الشخصية التابعة للأشخاص والجماعات الخطرة لا يقضي على المخاطر التي يشكلونها بل يدفعهم بعيدا عن الأنظار
وفي أبريل عام 2017 حددت سلطات باراغواي أن تجار المخدرات الذين يحتمل ارتباطهم بحزب الله اعتمدوا خاصيات المراسلة الفورية على منصات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والواتساب للتواصل، حيث لم يكتشف استخدام الاتصالات المشفرة من خلال تطبيقات المراسلة الفورية إلا عند الاستيلاء على الأجهزة الإلكترونية التي اعتمدها المتاجرون أثناء مداهمة أمنية.
ويرى أوتولينغي أن "شركات وسائل التواصل الاجتماعي لا تسمح لوكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون بخرق خصوصية الحسابات النشطة، لأنها ستثير غضبا عاما، مما يمنع تلك الوكالات من القيام بعملها والحفاظ على السلامة".
ويعتبر أن "منح وكالات الاستخبارات بابا خلفيا للاطلاع على أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة سيثير مخاوف بشأن الخصوصية ومن خلق دولة مراقبة".
وتظهر بيانات حديثة أن طلبات الحكومات للوصول إلى بيانات المستخدمين آخذة في الازدياد، حيث في حال قدمت الحكومة دليلا قويا على أن إحدى صفحات المجتمع متورطة في تجارة غير مشروعة أو أن بعض المستخدمين يخططون لهجوم إرهابي في رسائلهم الفورية، تتفوق فوائد المراقبة على الخصوصية.
ويقول إيمانويل أوتولينغي إن "الحسابات المرتبطة بالجماعات الإرهابية والخاضعة للعقوبات تستحق إزالتها من منصات التواصل الاجتماعي، لكن يجب على وسائل التواصل أن تعمل بجدية أكبر لمنع هذه الكيانات من استخدام منصاتها للترويج لنفسها والقيام بأعمال خطرة".
ويعتبر أن "بقاء حسابات أنصار تلك الجماعات في منطقة رمادية ينفع الأمن القومي أكثر من إغلاقها".
ويرى أن التحدي الذي تواجهه منصات وسائل التواصل الاجتماعي والوكالات الحكومية يكمن في تنفيذ اللوائح وإدخال الآليات التي تجعل الحسابات المرتبطة بالجماعات الإرهابية في متناول وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات في الوقت الفعلي.
ويعتبر أن "منصات التواصل الاجتماعي قد ترغب في التفكير فيه، لكنه الخيار الأفضل" لإحباط هجوم إرهابي وتجميع معلومات عن هويات شبكات إجرامية بسهولة خلف مرشحات وسائل التواصل الاجتماعي.
ويؤكد أنه "لا ينبغي وصف حماية الاتصالات بين تجار المخدرات والإرهابيين على أنها حماية للخصوصية، حيث تعرف الشركات من هم هؤلاء الأشخاص ويمكنها رؤية ما ينشرونه حتى لو كان مخفيا بإعدادات الخصوصية".