كثيراً ما يدفعنا تهورنا الساذج إلى البوح بفكرة مبدعة خلاقة أمام صديق مقرب، أو عدد من المعارف وزملاء العمل، وفي اللحظة ذاتها يقتنصها شخص ماكر متسلق فيختزلها، وسرعان ما يقوم بتنفيذها وينسبها لنفسه، لنفاجأ ما بين ليلة وضحاها بأن جل مجهوداتنا ضاعت هباء، وفي هذا الجو المشحون بالقلق نلتزم الصمت، إذ إننا في هذه الحالة لا نمتلك الدليل القوي والحجة والبرهان على إثبات حقنا في الفكرة التي ضاعت في خضم هذا المشهد الذي يتكرر على طول الخط في محيط حياتنا. سرقة الأفكار ظاهرة موجودة في كل زمان ومكان، تحدث بين زملاء العمل الواحد، في الشركات والمؤسسات، وفي كل مناحي الحياة، لكن ما الذي يدفع البعض إلى البوح، ومن ثم التحدث أمام الآخرين عن فكرته التي اختزلها في نفسه من أجل الشروع في تنفيذها، هل يحدث ذلك بسبب الثقة المفرطة في بعض الأشخاص؟ أم أن العقل في هذه اللحظة لا يدرك حجم الخطأ الذي وقع فيه إلا بعد فوات الأوان، أم هو الحماس الذي يجعل الكثير من الناس يود الإفصاح عما يدور في نفسه من أفكار، وما تركيبة هذا الشخص الذي يستحل إبداع الآخرين، فينقض عليه ليصنع لنفسه مجداً زائفاً. أنانية مفرطة لا يعد الاستشاري ورئيس قسم الطب النفسي بمدينة خليفة الطبية الدكتور أحمد ألمعي، الفرد الذي تدفعه بواعث الأنانية المفرطة إلى استغلال براءة الآخرين وسرقة أفكارهم من الأسوياء، ويرى أن السنوات الخمس الأولى من عمر الإنسان تلعب دوراً مؤثراً في تكوين شخصيته، إلى جانب البيئة التي ينشأ فيها، والتي تشكل طباعه، وتغذي مشاعره بالإيجاب أو السلب، ويقول: الحرمان بأشكاله يمثل ضغوطاً وهواجس داخل النفس، ويدفع الفرد إلى عمليات التعويض عما افتقده من رعاية وحب وحنان وعطاء، وإذا افتقد أيضاً الفرد إلى جوهر الدين الصحيح ولم يتعلم أن يكون معطاءً فهو يتعرض لتشويش فكري، ومن ثم عدم القدرة على توجيه نفسه وضبط سلوكه، بما يتماشى مع الأعراف والتقاليد المجتمعية، ويضيف: من الكوارث الحقيقية في محيط الحياة العامة أن نكتشف إنساناً بيننا لديه دوافع الأنانية، على الرغم من أننا ننظر إليه على أنه من الأسوياء بحكم ملبسه الحسن، وهيئته المقبولة وقدرته على التجاوب مع الآخرين بشيء من اللباقة، لكن هذه الأشياء لا علاقة بالطبيعة الفردية أو السلوك الشاذ، مشيراً إلى أن الفرد الذي تسول له نفسه ارتكاب جريمة سرقة أفكار غيره، يتصرف وفق طبيعته البيولوجية، وفي هذه اللحظة التي يقوم فيها بهذا الفعل المشين لا يدري بأنه يتصرف خارج نطاق السلوك الاجتماعي، ويصور لنفسه أن ما حصل عليه هو حق مكتسب لنفسه، لذا فهو بحاجة إلى من يبصره بحقيقة سلوكه إذ إنه في هذه الحالة يكون غش الآخرين، بعدم أمانته وعدوانيته التي تحدث شرخاً في محيط علاقاته بالمجتمع وأفراده. ظاهرة مرضية وعن كيفية مجابهة هذه الظاهرة التاريخية التي تتكرر على مدار الأجيال باختلاف طبيعة الزمان والمكان، يلفت رئيس قسم الطب النفسي بمستشفى مدينة خليفة الطبية، إلى أن الفرد الذي يستبيح أفكار غيره ويعتدي على الملكية الفكرية لأصدقائه، أو زملائه في العمل لا يهمه سوى مصلحته الشخصية، إذ إنه لا يظهر أي انتماء لجماعة العمل، وسلوكه العدواني يثير الآخرين ويحفزهم ضده، مع أنه في حقيقية الأمر مريض ويجب أن يخضع فوراً للعلاج النفسي السلوكي، وعلى الرغم من أن مناقشته فيما اقترف من سلوك وفضحه أمام الجميع لا يغير شيئاً في محيط سلوكه، إلا أنه يؤثر في نفسه، ويجعله عرضه لنبذه واتخاذ مواقف شخصية ضده، ومن الأفضل تبصيره بحقيقيه سلوكه بصوره ملائمة، وتقديم النصح له بأن يتوجه إلى اختصاصي العلاج النفسي في سرية تامة، وربما يجدي هذا التصرف معه خصوصاً وأن السلوك المرضي إذا لم يتم معالجته بالطرق العلمية الصحيحة يتفاقم ويشكل مع مرور الأيام خطراً على صاحبه، لأن المجتمع لن يرضى عن مثل هذه السلوكيات العدوانية التي تضر بالآخرين، وتسبب لههم الإزعاج وتنفرهم من مرتكب هذه الأفعال. بيانات وهمية لم يصدق مهندس نظم المعلومات جرير الحارثي، أن زميله في الشركة التي يعمل بها سوف يسطو على فكرته التي ظلت تداعب رأسه عدة سنوات من أجل إدخال برنامج جديد إلى أجهزة الكمبيوتر، يجعلها أكثر قدرة على تحديث مهمات الحماية وصيانتها من الاختراق من قبل القراصنة، وعندما تكاملت الفكرة في رأسه ونضجت في أتون ذاته وشرع في تنفيذ مراحلها الأولى بمعمله الصغير في بيته أحس برغبة داخليه في الحديث عنها إلى زميله في العمل، على سبيل أنه يثق فيه خصوصاً، وأن هناك أفكاراً كثيرة تطرح في إطار حماية أجهرة الكمبيوتر من الاختراق، لكن الجديد في فكرته أن تمنح مثل هذه ألأجهزة القدرة على المراوغة، بحيث تعطى بيانات وهمية للمخترق، وفي الوقت نفسه تعطى إشارات عبر أجهزة المحمول المتصلة ببرنامج معين تفيد بأن هناك محاولة للتلصص على أجهزة الشركة، وفور حديثه إلى هذا الزميل الذي كان جرير يتوسم فيه خيراً كثيراً اختزلها في ذهنه والعجيب أنه كان من ذوي المهارة الفائقة ليس في السرقة فحسب، لكن في العمل على تطوير الفكرة بشكل أوسع، وإضافة بعض الخيوط إليها والتي تجعلها في حد ذاتها من الابتكارات، ويلفت إلى أنه ود لو أن هذا الزميل الذي سلب هذه الفكرة أن يطرح عليه مشاركته فيها بدلاً من السطو عليها، ومن ثم نسبتها إلى نفسه بدم بارد، ويشير إلى أنه واجهه بفعلته هذه لكنه بكل وقاحة أنكر نكراناً شديداً، وتعلل بأنه لم يكن منتبهاً للحديث الذي جرى بينهما، وفي هذه اللحظة لم يملك جرير إلا أن يتجاهله ومن ثم تحولت صداقتهما إلي عداوة ظاهرة ومشاحنات لا تنتهي. مبادرة مجتمعية ومن جانبها، تستهجن بشدة لبنى عمير «طالبة جامعية» مثل هذه التصرفات وتقول: هناك نقص حاد في السلوك والتفكير لدى هؤلاء الذين لا يقدرون مجهودات الآخرين، ولا يحترمون أفكارهم الإبداعية ومبادراتهم التي تخدم المجتمع، فكل فكرة براقة لها أهداف تشمل الجميع وتسهم في تسليط الضوء على ظاهرة ما يجب أن تقابل بالإشادة من الآخرين، وعدم الاقتراب منها، وتبين أنها طرحت فكرة مبادرة مجتمعية أمام عدد من زميلاتها في الجامعة وأخبرتهن بأنها تنوى أن توسع نطاقها لتشمل أفراد المجتمع كافة، بحيث لا تكون حبيسة جدران الجامعة، وأسهبت في شرح أفكارها بحسن نية على سبيل أن روح التعاون هي التي يجب أن تسود بين الطالبات، طالما أن الهدف نبيل ويخدم المجتمع، ويقدم حلولاً عاجلة لظاهرة ما، وفوجئت بأنه بعد مضى أسبوعين من حديثها إلى رفيقاتها في الدارسة بأن فكرتها نفذت في جامعة أخري، وتبين أن إحدى رفيقاتها لها أخت في هذه الجامعة قد نقلت إليها الفكرة فنفذتها على الفور دون أدنى احترام لصاحبتها، وتؤكد أن مثل هذه الظاهرة مؤرقة، ويجب أن تختفي من المجتمع، حيث إن الحماس هو الذي يدفع البعض للحديث عن الأفكار والمبادرات أمام الآخرين من دون الالتفات أن هناك نفوساً مريضة من الممكن أن تقدم على سرقة الأفكار، ومن ثم الاشتغال عليها بمثل هذه الضراوة والتسلط والأنانية، ولم تشأ أن تصّعد الموضوع إلى إدارة الجامعة حتى لا تتسبب في إلحاق ضرر كبير بهذه الزميلة. ويصنف منسق الفعاليات بإحدى قطاعات العمل العام، سالم بن سعيد مثل هذه التصرفات، على أنها تنبع من نفوس لا تعرف إلا الغدر وتستبيح بسهولة ما ليس لهم فيه حق، ومن ثم ينسبونه لأنفسهم، ويشير إلى أنه اكتوى بنار سرقة أفكاره من بعض زملاء العمل أكثر من مرة إذ عكف على عمل مشروع مبتكر حتى تتميز به الشركة التي يعمل بها، ولأنه قي العادة لا يغلق أدراج مكتبه على سبيل الثقة وأنه يعيش بين زملاء العمل أكثر ما يعيش بين أفراد أسرته، فقد اكتشف أن الخطوط الرئيسية التي وضعها لمشروعه في ورقة قد اختفت من أحد الأدراج، وأن فكرته تم تقديمها للمدير من قبل زميل آخر، وفي اللحظة ذاتها ثارت ثائرته لكنه لم يكن يمتلك الدليل على أن هذا المشروع من بنات أفكاره، ويشير إلى أنه لم يشعر بالراحة النفسية إلا عندما قام بتعرية تصرف هذا الزميل أمام الجميع، ومنذ وقوع هذا الحادث الأليم وهو يحرص على إغلاق أدراج مكتبه حتى لا يتعرض إلى مثل هده السرقات المنكرة. الطريقة الأمثل للحفاظ على الأفكار تعرضت مذيعة تلفزيون أبوظبيالإمارات رحاب عبدالله، إلى استغلال أفكارها من قبل صديقاتها قبل التحاقها بالتلفزيون، ومن ثم كن ينسبنها إلى أنفسهن على سبيل أنهن يمزحن معها، لكنها لم ترض أبداً عن مثل هذه التصرفات من قبلهن، وأوضحت لهن أكثر من مرة أنها مستاءة جداً من تصرفاتهن، وتذكر رحاب أن مثل هذه المواقف المؤلمة التي حدثت لها في حياتها مبكراً أنضجتها وساعدتها على ألا تبوح بأي فكرة مبدعة أمام أي شخص حتى ولو كان من الأصدقاء. مشيرة إلى أنها تستثني فقط أسرتها من هذا الأمر إذ تحرص على مناقشة والدتها فيما يخطر على بالها من أفكار، من أجل أن تثريها بالمناقشة. وتؤكد المذيعة الشابة التي تعمل ضمن أسرة برنامج «من الخاطر» على تلفزيون أبوظبيالإمارات أنها غزيرة الأفكار وتفضل أن تحيط هذه الإبداعات بسياج من السرية حتي لا يستغلها شخص ما وينسبها إلى نفسه، وتذكر إلى أن هذه هي أنسب طريقة لكي نتجنب ابتزاز المغرضين ونأمن على ابتكاراتنا الخاصة من السرقة والضياع. قانون حرية الفكر يوضح المستشار القانوني محمد الألفي بإمارة دبي، أن حرية الفكر كانت ولا تزال الطاقة التي تساعد على تطور الحضارات الإنسانية، لذلك اعتنت القوانين الوضعية بحماية الأفكار وسنت لها المواد القانونية التي تحميها. إلا أن القوانين وحدها لا تحمي الفكرة في حد ذاتها، وإنما تحمي طريقة تطبيقها، ونظرا للطفرة الحضارية التي تشهدها دولة الإمارات فقد سنت القوانين ذات الصلة بموضوع حماية الملكية الفكرية، فهي من الدول التي تتحقق فيها أعلى درجات احترام حقوق الإنسان والحريات وبخاصة حقوق الملكية الفكرية، ومنها «قانون اتحادي رقم 40 لسنة 1992 م في شأن حماية المصنفات الفكرية وحقوق المؤلف»، حيث نصت المادة الثانية منه على أنه يتمتع بالحماية المقررة في هذا القانون مؤلفو المصنفات الفكرية المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم أياً كانت قيمة هذه المصنفات أو نوعيتها أو الغرض من تأليفها أو طريقة التعبير عنها، وتشمل الحماية المصنفات الفكرية الآتية الكتب والكتيبات وغيرها من المواد المكتوبة، والمصنفات التي تلقى شفاهة، كالمحاضرات والخطب والمواعظ، والمؤلفات المسرحية والمسرحيات الموسيقية والمصنفات الموسيقية، سواء كانت مصحوبة بكلمات أو لم تكن، ومصنفات تصميم الحركات الإيقاعية والتمثيل الإيمائي، أعمال التصوير الفوتوغرافي، والمصنفات السينمائية والتلفزيونية والإذاعية والأعمال الابتكارية السمعية والبصرية وبرامج الحاسوب، وأعمال الفنون التطبيقية سواء كانت حرفية أو صناعية، وأعمال الرسم والتصوير بالخطوط والألوان والعمارة والنحت والفنون الزخرفية والحفر، والتصميمات والمخططات والمجسمات الجغرافية والطبوغرافية والموسوعات والمنوعات والمختارات التي تشكل من حيث انتقاء مادتها وترتيبها وتحريرها أعمالاً فكرية إبداعية، كما تشمل الحماية بوجه عام المصنفات التي يكون مظهر التعبير عنها الكتابة، أو الصوت، أو الرسم أوالتصوير أو الحركة. المصدر: جريدة الاتحاد