تلاحقت الأحداث في سوريا على نحوٍ متسارع اليوم الاثنين مع دخول مفتشي الأممالمتحدة مدينة المعضمية بريف دمشق للتحقق عن هجوم بالأسلحة الكيمياوية أودى بحياة المئات من الأشخاص، فيما توعدت الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة برد فعل قوي على المتسبب في ذلك. وبينما شرع المفتشون في إجراء فحوصات على الضحايا -بحسب طبيب في المدينة التي يسيطر عليها الثوار- اتهم النظام السوري المعارضة بإطلاق نار على موكب المفتشين أثناء توجهه إلى المناطق التي تعرضت للهجوم الكيمياوي بريف دمشق. وقال متحدث باسم الأممالمتحدة إن قناصة مجهولين أطلقوا النار على سيارة يستخدمها مفتشون تابعون للأمم المتحدة في دمشق أثناء توجههم لموقع يشتبه بتعرضه لهجوم بالغاز السام. وقال المتحدث ‘أطلق مسلحون مجهولون النار عدة مرات على السيارة الأولى التابعة لفريق التفتيش عن الأسلحة الكيمياوية في المنطقة العازلة'. وأضاف أنه لم يعد بالإمكان تشغيل السيارة وأنه تم إبدالها بأخرى. وكان مفتشو الأممالمتحدة المكلفون بالتحقق من استخدام أسلحة كيمياوية في سوريا قد غادروا في وقت سابق اليوم مقر إقامتهم بأحد الفنادق وسط دمشق، متوجهين إلى المناطق التي تعرضت لهجوم بالغازات السامة الأسبوع الماضي في ريف دمشق، فيما تزايدت التوقعات باحتمال توجيه ضربات عسكرية للنظام السوري بعد تعزيز واشنطن لقواتها في البحر الأبيض المتوسط. وذكرت وكالات الأنباء أن المفتشين توجهوا إلى الغوطة الشرقية في قافلة من المركبات مكونة من ست سيارات حيث كانت ممثلة الأممالمتحدة لنزع الأسلحة أنجيلا كين في وداعهم ولم ترافقهم في رحلتهم. وكانت سوريا قد وافقت أمس الأحد على السماح للمفتشين بزيارة المواقع، لكن الولاياتالمتحدة وحلفاءها يقولون إن القرار جاء متأخراً وإن الأدلة على استخدام أسلحة كيمياوية ربما تكون قد دُمرت بفعل قصف المنطقة طوال الأيام الخمسة الفائتة من قبل قوات النظام السوري. تحركات دولية وتشهد الساحة الدولية تحركات حثيثة للبحث في كيفية التصدي للهجوم الكيمياوي الذي حدث فجر الأربعاء الماضي في حال التثبت من هوية الجهة الفاعلة. وفي آخر التطورات، قال مصدر حكومي في لندن إن رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون سيقطع عطلته ليرأس اجتماعا لمجلس الأمن الوطني البريطاني لبحث كيفية الرد على تقارير عن استخدام الأسلحة الكيمياوية في ريف دمشق. في غضون ذلك رفض المتحدث باسم مسؤولة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون التعليق على تكهنات بضربة عسكرية محتملة ضد سوريا. وقال المتحدث اليوم الاثنين في بروكسل ‘لن نعلق على افتراضات وتكهنات في وسائل الإعلام'. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أميركي طلب عدم كشف اسمه قوله ‘لو لم يكن للحكومة السورية ما تخفيه، ولو أرادت أن تثبت للعالم أنها لم تستخدم أسلحة كيمياوية في هذا الحادث، لكانت أوقفت هجماتها على المنطقة، وسمحت للأمم المتحدة بأن تصل فورا إليها قبل خمسة أيام'. وفي هذه الأثناء، تعهد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بكشف حقيقة ما جرى في غوطة دمشق فيما حذرت ألمانيا بلسان وزير خارجيتها من أنه ستكون هناك ‘تبعات' على نظام الرئيس السوري بشار الأسد في حال ثبوت استخدامه غازات سامة. وقال الوزير غيدو فيسترفيله في مؤتمر لسفراء ألمانيا في وزارة الخارجية ببرلين ‘إذا تأكد استخدام تلك الأسلحة فإنه سيتعين على المجتمع الدولي التصرف، حينها ستكون ألمانيا ضمن الذين يرون أن العواقب ستكون ضرورية'. وفيما أعلنت فرنسا أنها متأكدة من أستخدام النظام السوري لأسلحة كيمياوية في قصف الغوطة يوم الأربعاء الماضي، قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل أمس الأحد إن وزارته مستعدة للخيار العسكري بسوريا إذا تلقت أمرا من الرئيس باراك أوباما بذلك. وقالت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها ويليام هيغ اليوم الاثنين إن هناك إمكانية للرد على الهجوم بالأسلحة الكيمياوية دون أن يكون هناك إجماع على ذلك في مجلس الأمن في حال لم تُجدِ الضغوط الدبلوماسية نفعاً مع الحكومة السورية. من جانبها، أعربت تركيا عن استعدادها للمشاركة في تحالف عسكري دولي بغية التصدي لنظام الرئيس الأسد. ونقلت وسائل إعلام تركية اليوم الاثنين عن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قوله أنه رغم تأييد بلاده للتصرف بناء على قرارات من الأممالمتحدة ، إلا أن البدائل ستكون مطروحة على الطاولة حال عدم اتخاذ مجلس الأمن أي قرارات، على حد تعبيره. وتقول واشنطنولندن وباريس إن هناك علامات متزايدة على أن القوات السورية شنت هجوما كيمياويا على الغوطتين الشرقية والغربية فجر الأربعاء الماضي، وإن ذلك -إذا تأكد بشكل قاطع- يستدعي ردا قويا. وقال مراسل الجزيرة في واشنطن محمد العلمي إن اتصالات أوباما مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وقادة آخرين، فضلا عن تعزيز الأسطول الحربي الأميركي في البحر المتوسط، مؤشرة على عمل عسكري محتمل ضد سوريا. وقد أعربت اليابان هي الأخرى عن الأمل في أن يتمكن فريق المفتشين من كشف الحقيقة سريعاً بشأن استخدام السلاح الكيمياوي مؤخراً في ريف دمشق. ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الياباني (NHK) عن المتحدث باسم الحكومة، يوشيهيدي سوغا، قوله للصحفيين اليوم الاثنين إن اليابان تشعر بقلق عميق بشأن مزاعم استخدام السلاح الكيمياوي وستراقب التطورات. تحركات مضادة وعلى صعيد المواقف الداعمة لنظام دمشق، حذرت روسياالولاياتالمتحدة من التدخل العسكري في النزاع السوري. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي جون كيري، إن التدخل سيدمر مساعي السلام. وطالب لافروف الولاياتالمتحدة في البيان الذي نشر اليوم الاثنين حول فحوى المكالمة بعدم الانزلاق إلى ‘استفزازات'، مضيفا أن الاستخدام المحتمل لغازات سامة بالقرب من دمشق قد يكون مدبراً من ثوار. وأكد لافروف خلال الاتصال أن احتمال حدوث تدخل عسكري في سورية سيكون له عواقب وخيمة بالنسبة للشرق الأوسط. كما حذرت إيران من أي تدخل دولي في سوريا، وقال الجنرال مسعود جزائري نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية إن ‘أميركا تعلم حد الخط الأحمر للجبهة السورية'، مضيفا أن أي تجاوز لهذا الخط من قبل واشنطن ‘ستكون له عواقب وخيمة على البيت الأبيض'. أما الصين فقالت إنها تؤيد إجراء تحقيق دولي مستقل وموضوعي في مزاهم استخدام أسلحة كيمياوية في سوريا. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في بيان اليوم إن الصين تعارض تماماً استخدام أسلحة كيماوية أياً كان الطرف الذي يستخدمها. من جهته وصف الأسد في مقابلة مع صحيفة ازفستيا الروسية الاثنين الحديث عن استخدامه السلاح الكيمياوي بأنه يخالف العقل والمنطق. رافضا اتهامه باستخدام أسلحة كيمياوية بوصفها ذات دوافع سياسية. وأضاف أن الاتهامات الموجهة لسوريا بموضوع الكيمياوي ‘مسيسة بالمطلق' وتأتي على خلفية التقدم في مواجهة من وصفهم ب'الإرهابيين'. وتتزامن هذه التحركات وردود الأفعال الدولية مع اجتماع انطلق في وقت متأخر الأحد في الأردن بشأن سوريا بحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، ورؤساء هيئات الأركان في كل من بريطانياوفرنساوألمانيا وإيطاليا وكندا والسعودية وقطر وتركيا، لبحث تداعيات الأزمة السورية وتأثيراتها خصوصا بعد المجزرة الكيمياوية في ريف دمشق.