في هذا المخاض الذي يعيشه الوطن على أمل ألا يلد خدجا، أو مولودا مشوها، أو "دراكولا" طرح أكثر من طرف سياسي واجتماعي مقترحاً بأن يتم بيع الوقود في الموانئ بالسعر الدولي على أن تتكفل خزينة الدولة بدفع تكاليف النقل وأرباح البائعين. ولأننا نعلم عليم اليقين أن وسائل النقل الثقيل في اليمن، وخاصة في مجال المحروقات يحتكرها مجموعة من النافذين، الأمر الذي يعني بصورة مباشرة لا تقبل الشك بأن عائد وفائدة المقترح المطروح أو المتداول الآن في سوق السياسة والاقتصاد سيذهب في معظمه مباشرة إلى جيوب أفراد تلك المجموعة النافذة شبه المحتكرة لنقل المشتقات النفطية الخام والمكرر، إضافة إلى مقاسمتها للوطن ثروته النفطية بصور غير مشروعة شتى، وأن تلك التكلفة ستكون أضعافا مضاعفة على ما يمكن أن يطلبه أصحاب القاطرات من عامة الشعب، وأن الفساد الإداري وكثرة بائعي الذمم في الجهات المعنية سيسهل لهم الحصول على ما يريدون. ولأننا، أيضا، نعلم أن القرارات السعرية الأخيرة، رغم جورها على الفقراء، قد حرمت اللصوص والمهربين والمتاجرين بأقوات الشعب من عشرات المليارات التي ينهبونها بتهريبهم للمواد النفطية التي يتقاسمونها أرقاما بالأسعار المدعومة، وهي ما تزال في البحار، ثم يقومون ببيع تلك الأرقام وتحويلها من هناك إلى أسواق عدة، وخاصة في أفريقيا، لأننا نعلم كل ذلك فإننا نحذر مما هو آت من هذا العبء الجديد والباب الواسع للفساد والإفساد. إن كثيرا من الحلول التي من شأنها أن تخفف من وطأة هذه الجرعة الثقيلة على كاهل المواطن مناحة ومن شأنها أن تذهب مباشرة إلى الفئات الاجتماعية المحدودة الدخل والفئات التي أصابتها بشكل مباشر ومنها: الفقراء عموما المزارعين والصيادين وأرباب المهن الصغيرة التي تكاد عائداتها تغطي الإنفاق اليومي على منتسبي تلك الفئات ومن يعولون ليس أكثر، بشكل خاص. ومن تلك الحلول: 1- خفض أرباح البنوك ذات الصلة وهي: بنك التسليف التعاوني الزراعي، بنك التسليف للإسكان، بنك التسليف للصناعات الخفيفة، وما في حكم ذلك، وبما يمكن أرباب هذه المهن من الاستمرار في أعمالهم وضمان معيشتهم ، بل وتطوير تلك المهن بما تعود فائدته على الاقتصاد الوطني بشكل عام. 2- خفض جمارك كل المدخلات الزراعية ومن أهمها: الأسمدة، البذور، المعدات الراعية وقطع غيارها، وسائل الري ووسائل نقل المنتجات الزراعية وقطع غيارها. 3- تخفيض الضرائب على المنتجات الزراعية الغذائية ووضع حد للانتهازيين والفاسدين الذين يمعنون في استغلال المزارعين في مختلف الأسواق المركزية والنقاط المنتشرة في مداخل المدن. 4- إنشاء مؤسسات تسويق وطنية للمنتجات الزراعية على المستويين المحلي والخارجي، وتكثيف التوعية الإعلامية بأهمية التركيز على الجودة في المنتجات وتجنب استخدام المبيدات الممنوعة التي تنفر الأسواق الخارجية من المنتج الوطني. 5- خفض الجمارك على مدخلات الاصطياد السمكي وتسويقه داخلياً وخارجياً. 6- تقديم الدعم المباشر لجمعيات الصيادين من خلال منح أعضائها شباك الصيد وأدواته والقوارب اللازمة بحسب القدرة الإنتاجية المستهدفة، وتشريع قانوني التأمين الاجتماعي والطبي. 7- منع الشركات الأجنبية التي تتعمد تدمير البيئة البحرية اليمنية بوسائل مختلفة كالصعق الكهربائي والتفجيرات والتجريف وما إلى ذلك من العمل في مياهنا الإقليمية والدولية. 8- إنشاء موانئ ومنافذ لبيع الأسماك في مختلف شواطئ ومدن المحافظات الساحلية، وذلك بهدف بيع حاصل الاصطياد، سواء للتجار المحليين أو للشركات الخارجية التي تستورد الأسماك بدلا من تمكينها من استباحة البحار اليمنية وتدمير بيئتها وشعبها المرجانية التي تتكون عبر ملايين السنين، بالإضافة إلى قتل ملايين الأطنان من الأسماك عن طريق التفجيرات والصعق الكهربائي من قبل الشركات التي تستهدف أنواعا معينة من الأسماك ثم ترمي بقية الأنواع الميتة في البحر دون أن تفرمها لتكون طعاما صالحاً للأسماك ، بل تصبح سما قاتلا يتسبب في قتل ملايين أخرى من الأسماك في البحر. وذلك كله سيشجع على التوسع في العمل في هذا المجال، ويرفع من مستوى الدخل الوطني الذي هو الوسيلة الرئيسية للقضاء على الفقر والتخلف. 9- إنشاء معاهد التدريب الخاصة التي تستهدف فقراء المجتمع بشكل مباشر وخاص، وذلك لتأهيل الذكور والإناث منهم على مختلف الأعمال الحرفية الإنتاجية ومساعدتهم على حسن تسويق منتجاتهم، سواء عبر مؤسسات خاصة تتولى الوزارة المختصة إنشاءها أو عبر جمعيات نوعية خاصة ينشئها أرباب تلك المهن بمساعدة مباشرة من الوزارة، وبما يساعد الفقراء الذين يعيشون على مرتبات الضمان الاجتماعي من أن يحيوا حياة كريمة قائمة على ما ينتجونه بأيديهم وجهودهم ويشعرون معها بأنهم أعضاء عاملون في المجتمع وليسوا عالة عليه، ويكرس بالتالي دور الدولة في مساعدة الأفراد الفقراء العاجزين عن العمل والإنتاج. أما بالنسبة لتكاليف نقل المشتقات النفطية التي يراد بأن تتحملها الدولة مؤقتا، فإنه إن لم يكن ثم بديل جاهز فإن من الضرورة بمكان أن تقوم الدولة بسن قانون ينظم هذه العملية، يحدد الكلفة من خلال المسافات والأوزان، وتحديد آلية دقيقة وصارمة للرقابة على التنفيذ لكي لا تفتح الدولة بابا جديدا وواسعا للفاسدين المتنفذين ينفذون منه إلى المال العام من جديد فيفقدون هذا العبء قيمته المجتمعية المتوخاة، ويسرقونه من جديد وبالتالي يحرمون الاقتصاد الوطني من الفائدة المرجوة من هذه الإجراءات التي تم اتباعها بغرض دفع العملية الاقتصادية إلى الأمام. إننا نعلم مدى قدرة الفاسدين المتنفذين على تمرير فسادهم وحماية مصالحهم على حساب المصلحة الوطنية العليا بكل الوسائل التي منها القوة والضغط والإفساد، أي بشراء الذمم ، وحتى التخريب والإخلال بالأمن، إن استدعى فسادهم ذلك، الأمر الذي يقتضي أن تعمل الدولة وتستعد منذ الآن ، إن عدم البديل، على حماية القرار وحماية الوطن وثروته من غيلان الفساد، رؤوس الأفاعي الذين قد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، وما ذلك على الحكومة الوطنية التي قوامها الكفاءات والقيادات الوطنية التي تعرف معنى النزاهة والشرف بعسير.