إسرائيل تتوعد مجددا ب"رد قوي" على الصاروخ الباليستي الذي استهدف مطار بن غوريون    إسرائيل ألقت 100 ألف طن متفجرات وأبادت 2200 عائلة في غزة    قبل زيارة مرتقبة لترامب إلى المنطقة.. جولة مباحثات جديدة بين إيران والولايات المتحدة في مسقط    إثر خلافات أسرية.. رجل يقتل شقيقه بمدينة تعز    تعيين مدير لفرع المؤسسة الاقتصادية بعدن    أردوغان يقدم الشرع هدية لنتنياهو    صلاح يفوز بجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي لكرة القدم للمرة الثالثة    اختيار بن بريك من قبل العليمي لأجل تمرير صفقة نفط شبوة واعتمار قرارات القاهرة    دراسة : عدد ساعات النوم الصحية يختلف باختلاف البلد والثقافة    لماذا نقيم مراكز تقديم الخدمة للمواطنين ؟    السيد فضل الله يشيد بمواقف الشعب اليمني ومقاومته تجاه الشعب الفلسطيني    المحامي جسار مكاوي يوجه رسالة لأهالي عدن حول خدمة الطاقة المؤقتة    وكيل وزارة الخارجية ورئيسة بعثة الصليب الأحمر يطّلعان على الأضرار في مطار صنعاء    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    الجيش الروسي يعلن السيطرة على ثلاث بلدات في دونيتسك    في شوارع الحزن… بين أنين الباعة وصمت الجياع    لأول مرة .. بتكوين يقفز ويتجاوز 100 ألف دولار.    تصل إلى 100 دولار .. لجنة حكومية تفرض رسوم امتحانات على طلاب الثانوية اليمنيين في مصر    توقعات بهطول أمطار وموجة غبار    حتى أنت يا بروتوس..!!    ارتفاع أسعار الذهب قبيل محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين    الشلهوب يقود الهلال إلى الفوز من المباراة الأولى    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الجوع في غزة بشكل متسارع    تشيلسي إلى نهائى دورى المؤتمر الأوروبي    الأهلي يفوز على المصري برباعية    ناطق الحكومة يوضح جانبا من إنجازات وجهود الحكومة في التصدي للعدوان الأمريكي    مانشستر يونايتد يضرب موعداً مع توتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    واقعة خطيرة.. هجوم مسلح على لاعبي فلامنغو    ليفربول يقدم عرض للتعاقد مع نجم مانشستر سيتي بروين    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    العليمي اشترى القائم بأعمال الشركة اليمنية للإستثمار (وثائق)    الغيثي: أميركا غير مقتنعة بأن حكومة الشرعية في عدن بديل للحوثيين    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    وطن في صلعة    الجولاني يعرض النفط والتواصل مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات    باشراحيل: على مواطني عدن والمحافظات الخروج للشوارع وإسماع صوتهم للعالم    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    تغاريد حرة .. صرنا غنيمة حرب    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    تعيين نواب لخمسة وزراء في حكومة ابن بريك    السامعي يتفقد اعمال إعادة تأهيل مطار صنعاء الدولي    صنعاء.. عيون انطفأت بعد طول الانتظار وقلوب انكسرت خلف القضبان    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    القضاء ينتصر للأكاديمي الكاف ضد قمع وفساد جامعة عدن    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مركز "عزمي بشارة" يدرس عوامل نجاح الحوار وفرص تنفيذ مقرراته
نشر في أنصار الثورة يوم 23 - 02 - 2014

أنّ ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011 في اليمن كانت تهدف إلى إطاحة نظام حكمٍ سياسي - اجتماعي قديمٍ وفاسدٍ وإقامة نظامٍ آخرَ مكانه، فإنّ النخب السياسية والاجتماعية التقليدية تمكّنت من تحويل مسار الثورة إلى عملية تفاوضية، توِّجت في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 بالتوقيع على مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تنص على عقد مؤتمر حوارٍ وطني شاملٍ. وقد أسفر المؤتمر عن صدور "وثيقة الحوار الوطني الشامل" في 26 كانون الثاني/ يناير 2014.
ظروف نجاح مؤتمر الحوار الوطني وعوامله
أسهمت مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية في وصول مؤتمر الحوار الوطني في اليمن إلى خاتمة إيجابية على الرغم من الصعوبات والمعوقات التي اعترضته. على الصعيد الخارجي، وضع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2051 قيدًا إلزاميًا على أطراف الحوار، وشكّل رادعًا لمحاولات عرقلة مسيرة التسوية من قبل أطراف إقليمية. أما على الصعيد الداخلي، فقد كان لوجود رئيس توافقي، يقف على مسافة متساوية من جميع القوى المشاركة في الحوار، الدور الأكبر في إنجاح المؤتمر. فضلًا عن ذلك، لم يحصل الحوار على أساس انقسامات ثنائية بحيث يكون الاستقطاب على أشده، بل جرى بين أطرافٍ عديدة متساوية نسبيًا، وتمثّل جماعات سياسية واجتماعية مؤثرة، ولا سيما في ظلّ مشاركة قوى جديدة وازنة؛ مثل الشباب، والنساء، وجماعة أنصار الله، والسلفيين، والحراك الجنوبي. وجاءت ضوابط الحوار التي تضمّنها النظام الداخلي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، والذي صدر بقرار رئيس الجمهورية رقم 10 لعام 2013، لتشكِّل ضمانة قوية، وتحول دون قيام أي من الأطراف المشاركِة بإفشال المؤتمر. فقد جرى صوغ النظام الداخلي بما يحول دون تفرّد جهةٍ أو طرفٍ باتخاذ القرارات، فلا الأكثرية استطاعت فرض إرادتها، ولا الأقلية تمكّنت من التعطيل، ووفقًا لنص المادة 41/2 تُتخذ القرارات المدرجة في فرق العمل بالتوافق، ويجري وضع آليات للتعامل مع تعذّر حصوله[1].
انقسم المشاركون في المؤتمر (حسب النظام الداخلي) إلى تسعة فرق، يختص كل فريق بمعالجة قضية من القضايا التسع المحددة في جدول أعمال المؤتمر، وهي: القضية الجنوبية، قضية صعدة، القضايا ذات البعد الوطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، بناء الدولة، الحكم الرشيد، أسس بناء الجيش والأمن، استقلالية الهيئات ذات الخصوصية، الحقوق والحريات، التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة.
الجنوب وصعدة مفتاح الحلّ
على الرغم من التباينات بين المشاركين في المؤتمر (على مستوى كل فريق، وعلى مستوى المشاركين بشكل عام)، جرى التوافق على جميع القضايا المُدرجة باستثناء القضية الجنوبية التي لم يصل فريقها إلى توافقٍ بشأن ضمانات حلّها وعدد أقاليم الدولة الاتحادية؛ ما استدعى تدّخل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر الذي اقترح في 10 أيلول/ سبتمبر 2013 تشكيل فريق مصغّر لبحث القضية الجنوبية مكوّن من 16 عضوًا (8 من الشمال و8 من الجنوب). وقد عقد هذا الفريق 32 اجتماعًا خلال الفترة 10 أيلول/ سبتمبر - 21 كانون الأول/ ديسمبر 2013[2]. ومع ذلك، لم يجرِ التوافق على عدد أقاليم الدولة الاتحادية، وخلص الفريق إلى تفويض رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة برئاسته لتحديد عدد الأقاليم، بحيث "تدرس خيار ستة أقاليم (أربعة في الشمال واثنان في الجنوب)، وخيار إقليميْن، أو أيّ خيار آخر يحقق التوافق"[3].
وفي 10 شباط/ فبراير 2014 أقرت لجنة تحديد الأقاليم في اليمن برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، وهي: إقليم حضرموت (عاصمته المكلا، ويضم محافظات حضرموت، وشبوة، والمهرة، وسقطرة)، وإقليم سبأ (عاصمته مأرب، ويضم محافظات مأرب، والجوف، والبيضاء)، وإقليم عدن (عاصمته عدن، ويضم محافظات عدن، وأبين، ولحج، والضالع)، وإقليم الجند (عاصمته تعز، ويضم محافظتي تعز، وإب)، وإقليم أزال (عاصمته صنعاء، ويضم محافظات صنعاء، وصعدة، وعمران، وذمار)، وإقليم تهامة (عاصمته الحديدة، ويضم محافظات الحديدة، وريمة، وحجة، والمحويت). ويتطابق هذا التقسيم مع المقترح المشترك الذي تقدّم به المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح للجنة المصغرة المنبثقة من فريق القضية الجنوبية، ولم يختلف عنه سوى بضم محافظة ذمار إلى إقليم أزال بدلًا من ضمها لإقليم الجند.
ومع ذلك، يبدو أنّ تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم لا يحلّ القضية الجنوبية من وجهة نظر دعاة الانفصال على الأقل، وسوف يكون بوسعهم دائمًا الادّعاء بأنّ الشمال يسيطر على السلطة التشريعية الاتحادية (المكونة من مجلس النواب والمجلس الاتحادي والجمعية الوطنية)؛ إذ نصت قرارات المؤتمر على أن "يتكون المجلس الاتحادي من عددٍ من الأعضاء لا يزيد على نصف عدد أعضاء مجلس النواب، ويجري انتخابهم جميعًا بالاقتراع السري الحر والمباشر بنظام القائمة النسبية المغلقة على مستوى الإقليم، وبالتمثيل المتساوي بين الأقاليم"[4]، ولا سيما في ظل المهمات الكبيرة التي خوّلت لهذا المجلس[5]. كما ستكون هناك هيمنة أيضًا - برأي هؤلاء - على الجمعية الوطنية، التي تتكون من الاجتماع المشترك لمجلس النواب والمجلس الاتحادي[6]. ولكن، لن يكون هناك ترتيب يمكن أن يرضي من يصرُّ على الانفصال، أما إذا كان الهدف تحقيق العدل في الجنوب فلا شك في أنّ هذه الترتيبات تفسح المجال لذلك، والأمر منوط بنوع النخب التي ستمثل الأقاليم المختلفة، ونسبة النخب الثورية الجديدة بينها.
أما في ما يتعلق بقضية صعدة، فقد أقرّت الوثيقة "ضمان الحرية المذهبية والفكرية وممارسة الشعائر وتحريم فرضها أو منعها بالقوة من أي جهة كانت، وأن تكون الدولة وأجهزتها محايدة، ولا تقوم بتبني أو تقديم دعم مادي أو معنوي أو تسهيلات لأي مذهب أو فكر وبما يضمنه الدستور وينظمه القانون". كما جرى "وضع ضوابط للمناهج الدراسية والتعليم الديني والأهلي بحيث يكون ذلك تحت إشراف الدولة"، إضافة إلى "وضع نصوص دستورية تجرِّم الحصول على الأموال من جهات خارجية تحت أي مسمى واعتبار ذلك خيانة عظمى"، و"تحريم وتجريم استخدام الجيش في الصراعات الداخلية"، و"نزع واستعادة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من كافة الأطراف والجماعات والأحزاب والأفراد التي نُهبت أو تم الاستيلاء عليها وهي ملك للدولة"، وتمنع الوثيقة أيضًا "امتلاك الأسلحة الثقيلة والمتوسطة عن طريق التجارة، ويكون ملك هذه الأسلحة حصريًا بالدولة وينظم القانون حيازة السلاح الشخصي"، وتجري "معالجة الثارات والنزاعات الناجمة عن حروب صعدة في إطار العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية"[7].
وعلى الرغم من أنّ هذه المبادئ المهمة سيجري تضمينها في الدستور، فإنّ التحدي الأساسي يكمن في القدرة على تنفيذها، وبخاصة في منطقة صعدة حيث يسيطر الحوثيون الذين يشكلون كبرى الجماعات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة، والذين لا يُعرف مدى استعدادهم للالتزام بقرارات مؤتمر الحوار الوطني. ولا يبدو الأمر سهلًا، وبخاصة في ظل المواجهات العنيفة التي بدأها الحوثيون ضد قبائل منطقة عمران بعد إقرار وثيقة الحوار الوطني مباشرة.
فرص تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار الوطني
هناك صعوبات كثيرة تعترض تنفيذ توصيات وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، منها ما يرتبط بمدى توافر الإمكانات المادية لتعويض أُسر الشهداء والجرحى، وتعمير المناطق المتضررة من الحروب السابقة، وتأسيس اللجان والمؤسسات والمصالح والهيئات، وبعضها الآخر تحول دون تنفيذه أسباب مرتبطة بضعف مؤسسات الدولة وانقسام الجيش مثل نزع أسلحة "المليشيات" والجماعات المسلحة. لكنّ أهم الصعوبات سوف تتمثّل بتهديد القوى المتضررة من توصيات وثيقة مؤتمر الحوار؛ فالقوى المستفيدة من الوثيقة هي القوى المدنية من الشباب والنساء التي لا تملك من وسائل القوة إلا الإعلام، أما القوى التقليدية المتضررة فتمتلك السلاح والمال والدعم الخارجي. وعلى الرغم من أنّ سلطة شيوخ القبائل بدأ يعتريها الضعف، فإنّ هذا لم يؤدِ إلى زيادةٍ في قوة القوى المدنية بل صبَّ في مصلحة قوى تقليدية أخرى؛ فضعف مشايخ حاشد مثلًا جاء لمصلحة جماعة أنصار الله الحوثية التي باتت قوة كبيرة مسيطرة على المناطق الشمالية.
ومع ذلك، بات من الصعب العودة إلى الوراء في ما يتعلق بعملية التسوية السياسية في اليمن؛ فمقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل تستند إلى ضمانات وضغوط دولية، لا سيما في ظل إشارة الفقرة السادسة من قرار مجلس الأمن رقم 2051 إلى استعداد المجلس النظر بمزيد من الإجراءات بما في ذلك اتخاذ تدابير وفقًا للمادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة. ومن المتوقع أن يُصدر مجلس الأمن قرارًا بفرض عقوبات على من يعرقل التسوية السياسية، كما أنّ هناك توجهات تسعى لتحويل وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل إلى وثيقة دولية. لكنّ الضمانة الأهم سوف تبقى متمثلة في رغبة القوى السياسية اليمنية وإرادتها في إخراج البلاد من حالة الفوضى وانعدام الأمن والتنمية، والمضي قدمًا في تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار الوطني بما يؤدي إلى إعادة بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تستوعب الجميع.
الدراسة صادرة عن وحدة تحليل السّياسات في المركز العربي للأبحاث ومقره العاصمة القطرية الدوحة ويرأسه المفكر العربي عزمي بشاره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.