انخرط مبكراً في الحركة الإسلامية وعُرِف بصلابته التنظيمية، مما جعل قيادة الحركة تختاره لتولي مسئولية الجهاز التنظيمي، حتى انه كان يُلقّب بوزير "داخلية النهضة" قبل ان يتولى حقيبة الداخلية فعلياً في الدولة بعد نجاح الثورة في اسقاط الرئيس السابق زين العابدين بن علي ، هو علي العريض الذي وقع عليه الاختيار لتولي رئاسة الحكومة التونسية . فقد أعلن حزب حركة النهضة الاسلامي الحاكم في تونس أمس الجمعة ترشيحه وزير الداخلية علي العريض لرئاسة الحكومة خلفا لحمادي الجبالي الذي استقال مؤخرا. ويعد العريض أحد أبرز قيادات الصف الأول في حزب النهضة الإسلامي والذي اشتهر بنشاطه الحركي في حماية حزبه من ضربات النظام السابق ، حيث يعتبر من "صقور النهضة" قبل الثورة وبعده. سنوات من السجن ينحدر علي العريض من منطقة مدنين، وبعد ترشحه لرئاسة الوزراء يعتبر بذلك أول رئيس حكومة تونسي قادم من الجنوب. وعلي العريض هو ابن المرحوم المقاوم لطيف لعريض و أخو عامر العريض نائب حركة النهضة في المجلس التأسيسي عن دائرة فرنسا 1 ، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، بنت وولدان . والعريض المولود سنة 1955 بجرجيس التابعة لولاية (محافظة) مدنين درس بتونس وتخرج مهندسا في البحرية التجارية، وتدرج في المناصب القيادية بحركة النهضة منذ بداية الثمانينيات، فقد رأس مجلس شورى الحركة من 1982 إلى 1986، وكان عضوا في المكتب التنفيذي للحركة ورئيسا للمكتب السياسي منذ 1988 وحتى اعتقاله في 23 ديسمبر / كانون الأول 1990، كما كان ناطقا رسميا بالنيابة للحركة. حكم عليه عام 1987 بالسجن غيابيا عشر سنوات، ثم حوكم في نفس السنة بالإعدام الذي أسقط عنه بعفو رئاسي عام 1988. وفي عام 1992 مَثل للمحاكمة مع قيادات الحركة، وصدر في حقه حكم بالسجن لمدة 15 سنة قضى منها 14 سنة قبل أن يفرج عنه، منها عشرة أعوام في سجن انفرادي. وعانى العريض زمن بن علي من حملة تشويه، إذ تم تسريب شريط فيديو يظهره في السجن في أوضاع غير أخلاقية، الأمر الذي حمل "النهضة" على اتّهام أجهزة استخبارات بفبركة الشريط لتشويه واحد من أبرز مناضليها. كما أدانت المعارضة تسريب هذا الشريط الذي أعيد نشره على "الفيسبوك" بعد تولي العريض الداخلية. وبعد ذلك عاد إلى الظهور والمشاركة باسم حركته في هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي أنشئت في 2005 وضمت إسلاميين ويساريين وليبراليين وقوميين. وشغل العريض عقب الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، منصب رئيس الهيئة التأسيسية لحركة النهضة حتى انعقاد المؤتمر التاسع في يوليو / تموز 2012. وعقب حصول حركة النهضة على الأغلبية في انتخابات المجلس التأسيسي، اختير العريض في ديسمبر 2011 وزيرا للداخلية في حكومة حمادي الجبالي. وبالطبع هناك الكثير من الصدف التي تقع في بعض الاحيان ، فبالنسبة للعريض نجد أنه دخل السجن في 17 ديسمبر / كانون الأول 1990 ، وتولى منصبه كوزير للداخلية أيضا في 17 ديسمبر ولكن مع اختلاف السنة 2011. لكن ما رواه العريض حول هذا الأمر بنفسه لا يقف عند ذلك الحد. فعلي العريض وهو يهم بالدخول لوزارة الداخلية، وجد نفسه يعيد سيناريو 1990 عندما كان موثوقا وهو ينزل إلى سراديب وزارة الداخلية، ولم يفق سوى على أصوات المستشارين والضباط يشيرون عليه بأن مكتبه فوق مكررينها عدة مرات "فوق فوق فوق فوق". مرونة وتحديات وعُرف عن علي العريض مرونته في الحوار والتفاوض، بالإضافة إلى أنه يحظى باحترام الأطراف السياسية. كما عُرف عنه استماعه الجيّد لمحدثيه وتفاعله الواسع مع مخالفيه في الرأي، وحظي في أغلب الأحيان خلال ممارسته لمهماته على رأس وزارة الداخلية باحترام المعارضة. لكن فترة توليه وزارة الداخلية عرفت تحديات صعبة، حيث واجه العريض هجوماً كبيراً من المعارضة والإعلام والمجتمع المدني على خلفية قمع قوات الأمن لتظاهرات في محافظة سليانة باستعمال رصاص "الرش" الذي يستخدم للصيد حيث تعالت أصوات منادية باستقالته من منصبه. كما واجه انتقادات لاذعة إثر حادثة اغتصاب فتاة من قبل أعوان أمن. ويعيب عليه خصومه الفشل في إدارة حادثة الاعتداء على السفارة الأميركية يوم 14 أيلول / سبتمبر 2012 وأعمال العنف التي صاحبتها. وعلى رغم الأداء غير المرضي الذي أبداه علي العريض أثناء توليه وزارة الداخلية، إلا أنه يُعتبر من أكثر الشخصيات في "النهضة" انفتاحاً وقدرة على الحوار والتفاوض، بالإضافة إلى أن جزءاً من المعارضة يرى فيه رجلاً محل توافق وأمامه فرصة للحصول على توافق وطني يجمع كل الأطراف السياسية. "حكومة لكل التونسيين" وعقب الاعلان عن توليه رئاسة الحكومة قال علي العريض انه سيبدأ مشاورات لتشكيل حكومة جديدة "ستكون حكومة كل التونسيين". ودعا العريض التونسيين إلى العمل معا لتحقيق اهداف الثورة. وقال العريض بعد لقائه رئيس الجمهورية "كلفني رئيس الجمهورية رسميا بتشكيل حكومة جديدة". وأضاف في كلمة للشعب "سندخل في مشاورات لتشكيل حكومة جديدة.. ستكون حكومة لكل التونسيين." ووعد العريض بعد لقائه الرئيس التونسي بأنه سيسعى إلى تأليف حكومة "لجميع التونسيين والتونسيات"، وقال "سندخل مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة التي ستكون حكومة جميع التونسيين والتونسيات انطلاقا من ان الرجال والنساء متساوون في الحقوق والواجبات". وشدد العريض على أنه يحتاج إلى دعم "الرئاسة والمجلس الوطني التأسيسي والأحزاب السياسية والمجتمع المدني لإرساء الديمقراطية التي يتطلع إليها الجميع". وأوضح أنه سيتطرق في مناسبة أخرى إلى "أولويات" الحكومة المقبلة، رافضا الرد على أسئلة الصحافيين واعتبارا من تاريخ تعيينه، لدى العريض مهلة تستمر 15 يوما لتشكيل فريقه الحكومي الذي يفترض أن يحصل بعد ذلك على ثقة المجلس الوطني التأسيسي. عنوان للفشل وأعلنت أحزاب المعارضة التونسية اعتراضها على تكليف علي العريض بتشكيل الحكومة الجديدة خلفا لحمادي الجبالي المستقيل، وذلك في الوقت الذي أكدت فيه حركة النهضة التونسية التي ينتمي إليها العريض أن الفريق الحكومي المقبل "سيجمع بين الشخصيات السياسية والتكنوقراط.. من أجل الخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد". ووجهت المعارضة في تونس انتقادات لتعيين العريض لرئاسة الحكومة، حيث قال نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري العلماني إن العريض ليس رجل وفاق وهو شخصية خلافية . مضيفاً إنه يتحمل اخفاقات كبيرة أثناء عمله على رأس وزارة الداخلية. وقال محمود البارودي القيادي في التحالف الديمقراطي "العريض عنوان للفشل وهو يتحمل مسئولية التسامح مع العنف ضد الحقوقيين وإفساد اجتماعات المعارضة واغتيال بلعيد." وحذر من أن تعيين العريض يزيد تأزم الاوضاع ويرفع حالة الاحتقان معتبرا أن "السياسة الفاشلة للنهضة انتصرت" . كما انتقدت الجبهة الشعبية التي ينتمي لها بلعيد تعيين العريض رئيسا للوزراء. وقال زياد لخضر القيادي بالجبهة الشعبية "القرار يعمق الأزمة لأن العريض ترأس وزارة تتحمل مقتل شكري بلعيد وتتحمل مسئولية العنف الذي انتشر في البلاد". لكن تونسيين يقولون إنه أظهر صرامة كبيرة في مواجهة تنظيمات إرهابية تابعة للقاعدة وقال عبد العزيز المسعودي عضو الهيئة التنفيذية لحزب "المسار الديمقراطي الاجتماعي" في حديث لقناة "روسيا اليوم" :"إن تعيين علي العريض رئيسا للحكومة مكان حمادي الجبالي جاء على عكس توقعات أغلبية القوى السياسية الفاعلة في البلاد". وحمل حركة النهضة مسؤولية فشل الحكومة وتأزم الوضع السياسي في البلاد مشيرا إلى أن النهضة لا تريد تشكيل حكومة كفاءات وتسعى للعودة إلى المربع الأول لتكوين حكومة تطغى عليها التجاذبات السياسية ما يجعلها تبتعد عن أهداف الثورة وخدمة الاستحقاقات التي ينتظرها الشعب. اعتراض السلفيين وتظاهر مئات السلفيين الجمعة في مدينة سيدي بوزيد، وسط غرب تونس، غداة تبادل اطلاق نار بين قوات الامن التونسية وسلفيين جهاديين مفترضين، ورفع نحو 700 متظاهر شعارات ضد علي العريض وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة الذي كلف رسميا الجمعة تشكيل حكومة جديدة. وانتقد هؤلاء المتظاهرون العريض بسبب تدخل قوات الامن في مسجد بالمدينة لمطاردة سلفيين تحصنوا به بعد تبادل اطلاق النار مع قوات الامن الخميس. وهتف المتظاهرون وهم يلوحون براياتهم السوداء "يا عريض يا جبان، المساجد لا تهان" و"العريض عميل الامريكان".