(لم نقم بالثورة ضد الإمام احمد، الاّ لآن الإمام أراد ان يساوينا بالرعية من ابناء تعز وآب)..هذا القول لم يصدرعن كائن قادم من كوكب أخر، أو شخص ينتمي لمجتمع متطور تقنيا، وثقافياً وسلوكياً، وأنما ورد في مذكرات شيخ قبيلة متخلف، امي، قادم من كهوف التاريخ. وهذه اللغة التي تحمل بين طياتها مقولات النقاء العرقي وأعواد المشانق للآخر المختلف، ينبغي التوقف عند كلماتها طويلاً لآن المفردات في اللغة الإيديولوجية في العادة ليست بريئة ولا محايدة على الاطلاق، وأنما محملة بالقيم والمعتقدات، وأساليب التعامل والتفاعل مع الغير، وبالأخص عندما تصدر عن زعيم يتماهى بالقبيلة وتتماهى فيه، شغوف بنفسه وشغوف بها، لا يرى في الآخر سوى جموع بلا قيمة خُلقت لكي تُحكم وتُستعبد من قبل قبائل (الكانيبال) التي تجري في عروقها الدماء الملونة، ناهيك عن كونه منظرها الإيديولوجي والناطق الرسمي باسمها والمعبرعن تصورها الرغبوي للحاضر والمستقبل. والحقيقة ان هذا القول يثير العديد من التساؤلات الشائكة:- كيف يمكن لشخص ان يجمع بين الثورية والعنصرية الوقحة؟ وهل الفعل الثوري يقوم على تكريس التخلف والعبودية والعنصرية ام ضدهما؟ هل الثائر عبداً يثور على سيدة ام انساناً يثورعلى عالم السيد والعبد معاً؟ هل الثورة تعني التجرد من القيم الإنسانية والآخلاقية والوطنية؟؟ والحقيقة ان الجمع بين متناقضات مسألة في غاية الاستحالة لكونها منافية للعقل والمنطق في آن، فكيف يمكن ان يكون الإنسان ثوريا بمعنى نصيراً للحرية والعدل والمساواة ومدافعاً عن حقوق الإنسان وعنصرياً فجاً ومتعصباً لايقبل الآخر الا كعبد في مزرعتة، أو خادم في منزلة؟ ، وحتى لانتية في العموميات نعود للوقائع والاحداث والممارسات التي نجمتعن هذة النظرة العنصرية، ابتداءً من خلال الإستئثار بالحكم ونهب الثروات وتقاسمها والتأسيس للتشظي المجتمعي وصناعة الحروب الآهلية التي تلد احداها الاخرى كالنباتات الشيطانية، وتوالت الاحداث وفقا للتسلسل الزمني وعلي النحو التالي:- 1- اغتيال الشهيد علي عبد المغني مهندس الانقلاب بعد أيام من نجاحة، كونة ينتمي الي احدى المناطق الرعوية الذي يأبى الشيخ القادم من العصر الحجري ان يتساوى معة. 2- التأمر على الحرس الوطني القادم من المناطق الملوثة بعدم النقاء العرقي، والتي نجد صداها في العديد من الروايات الشفوية المتطابقة،عند الكثيرين ممن شاركوا في تلك الملحمة البطولية، من قبل مليشيات قبلية طائفية مسلحة بالجهل، والبترو- دولار والحقد العنصري، بالاضافة الى بعض كتابات د.عبد الرحمن البيضاني عضو مجلس قيادة الثورة الذي تم التخلص منة بسبب انتمائة المناطقي والمذهبي.. 3- تصفية وزارات القوة (الدفاع والأمن) من ابناء هذة المناطق عبر الكمائن الغادرة، والعزومات المفخخة ،كما حدث لبطل ملحمة السبعين يوما الشهيد عبدالرقيب عبد الوهاب وغيره ممن تحتفظ بهم الذاكرة الشعبية كأبطال وطنيين، ناهيك عن الاعتقالات التي طالت العديد من الضباط والجنود، وتصفية المعسكرات من الناطقين بكلمة (ب ق رة) واغلاق مؤسسات القوة في وجوههم حتى اللحظة واستفراد منطقة جغرافية بعينها على وزارات القوة في سبيل اخضاع الدولة لسلطة القبيلة التي عاثت في البلاد فساداً ونهباً، مما ضاعف من الطغيان السياسي والاجتماعي وقد حذر قديماً ارسطو من هذه العملية بقولة: (لاتعط السكين لطفل، الآ تضع القوة في ايدي الاوغاد). والحقيقة ان المفأجأة الصادمة هي الصمت المخجل على هكذا لغة عنصرية ممهورة بالدم وشرعيتة الغاشمة، من قبل حزب الشيخ نفسة، والتي تمثل هذة المناطق قاعدتة الشعبية العريضة، فحتى رئيس وزراء اسرائيل استنكر وأدان قطعان المستوطنيين العنصريين بقولة (ادين بكل حزم الاعمال العنصرية التي استهدفت مؤخرا عرب اسرائيل، وايضا أعمال التخريب التي ارتكبت ضد فلسطنيين بلا أى استفزاز او تبرير) والواقع ان الصمت على هكذا لغة متخشبة لن تحصن البلد، بل ستزيد من حالات التفتت لمجتمع ينخرة التصدع والتذرر بفعل هكذا ثقافة تمجد التعصب القبلي- الطائفي الغبي، وممارسات استعلائية اثقلت جيل بالرضوض النفسية وزعت الكراهية والاحقاد في طول البلاد وعرضها، ويمكن لاي شخص ان يلمسها بالاصابع المجردة، ولم تبق هذة النزعة محصورة في حدود (جمهورية مرو) وانما امتدت الى خارج الحدود بعد اعلان الوحدة المغدورة، أى أن للحديث بقية..