ثمة مسألة غاية في الأهمية والخطورة لم تتنبه لها معظم المكونات المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وهي الكيفية التي سيتم عبرها استيعاب كافة الحلول والتوصيات والقرارات وكافة ما تم الاتفاق عليه فوق طاولة الحوار في المدونة الدستورية القادمة والمنظومة التشريعية التي ستنبثق منها،، صحيح ان أدبيات مؤتمر الحوار ولوائحه تفيد بطريقه او باخري بان ما سيتقرر في الحوار ملزم للجميع ،، لكن عنصر الإلزام هنا لابد ان يستوعبه اطار قانوني لاحق وناظم لعناصر الإلزامية بمفهومها القانوني وتقنيتها الادواتية والفنية . وبتعبير أوضح وابسط يجب ان يتم اعاده انتاج مخرجات وقرارات مؤتمر الحوار الوطني كنصوص في المنظومة التشريعية( الدستور + القوانين اللاحقة ) وفي هذا المحك البالغ الأهمية تأتي جملة من الاستفهامات الجوهرية . كيف سيتم استيعاب مخرجات الحوار في الدستور القادم والقوانين اللاحقة له ومن هي الجهة المناط بها القيام بذلك ثم وهو الأهم ماهي صلاحيات وطبيعة مهام تلك الجهة ..؟ لاشك ان كل منا سيستحضر في ذهنه أجابه بديهيه ..وهي ان اللجنة الدستورية المزمع تشكيلها قريبا ستتولى تلك المهمة كونها من ضمن المكونات التي حددتها نصوص المبادرة الخليجية لهذا الغرض،، لكنه روغم موضوعية هذه الإجابة فهناك عدة أمور متعلقة بالأمر وخافيه عن الكثيرين اولها انه لا يمكن افراغ كل مخرجات الحوار الوطني التفصيلية بالدستور فهناك كثير من المخرجات والقرارات والتوصيات التفصيلية محل استيعابها الطبيعي هو المنظومة القانونية (التشريعات الصادرة عن البرلمان ) في حين ان اللجنة الدستورية بحكم طبيعتها ومهامها المؤقتة لا تملك القيام بإصدار تشريعات لهذا الغرض او لغيره .وانما تقتصر مهمتها في صياغة الدستور الذي لن يتجاوز ال 150-200 ماده دستوريه .كما انه وفي سياق مهام وصلاحيات هذه اللجنة التي سيناط اليها بإعداد الدستور لاستيعاب المخرجات الكلية للحوار لا يوجد اطار قانوني يحدد الأسس والمعايير الدقيقة المتعلقة بطبيعة دور ومهام هذه اللجنة .سواء في المبادرة الخليجية او لوائح مؤتمر الحوار . بما معناه هل هذه اللجنة ستتولى اعداد الدستور ..ام صياغة الدستور ؟؟ والفرق هنا كبير جدا وفق المعايير القانونية بين مهام الإعداد ومهمة الصياغة ،، فالذي يفترض هنا هو ان هذه اللجنة مهمتها صياغه الدستور،، اي ان تتولي صياغة ما تم الاتفاق عليه في الحوار وما خرج به من حلول صياغة قانونية تقنية دون ان يكون لها الحق في إعادة النظر من الناحية الموضوعية باي امر قرره المتحاورين . ووفق هذا الامر الذي يجب ان يكون فان اللجنة وفق ما هو متعارف عليه عالميا يكون قوامها( 7-15 ) شخصا من القانونيين المتخصصين ويجب ان تنجز هذه اللجنة مهمة صياغة الدستور في مده لا تتجاوز 3-4 أسابيع وفق الأعراف الدستورية العالمية.. لكن هناك بعض المؤشرات التي يستشف منها ان الأمور ليست كما اشرنا . فالحديث بدا يتداول عن محاصصة سياسية لقوام اللجنة الذي سيتكون وفق المؤشرات من 30-50- شخصا . كما ان المدة الزمنية التي ستعطي للجنة لإتمام مهمتها هي 3 اشهر .. فهذا الاطار الزمني الطويل والمحاصصة السياسية للجنة وحجم قوامها الهائل معناه وبما لا يدع مجالا للشك انها لجنة اعداد وليست لجنة صياغة ويراد لها ان تعيد النظر في بعض مخرجات الحوار التي لم تناسب القوي المتنفذة ولم تتمكن من إعاقتها داخل أروقه الحوار والا فما معني تشكيل اللجنة بالمحاصة السياسية وبمدتها الزمنية المذكورة وقوامها الفج وليس من خبرا القانون الدستوري ؟ ان هذه المسالة الجوهرية الغائبة عن الغالبية هي اخر المحطات والحلقات التي ستقوم من خلالها القوي التقليدية الاستبدادية المعادية لمشروع الدولة المدنية الحديثة بالانقلاب علي مخرجات الحوار المتواضعة واعداد دستور يلبي رغبتها في السيطرة على السلطة والثروة على حساب أمال وتطلعات الشعب في إقامة دولته المدنية الحديثة . لذلك يجب ان تتنبه كافة المكونات السياسية والمدنية الى خطورة هذه المسألة والتمسك بتشكيل اللجنة الدستورية من الخبراء القانونين لصياغه الدستور القادم من واقع مخرجات الحوار وفي اطار زمني محدود والتأكيد في نفس الوقت علا ان يتضمن الدستور على ضمانات دستورية تلزم السلطة التشريعية لاحقا باستيعاب مخرجات الحوار الوطني الخاصة ببعض المناحي التي لم يتضمنها الدستور في المنظومة القانونية القادمة ….لان اي برلمان قادم ينتخبه الشعب لا يكون ملزما بذلك الا في حالة وجود عنصر الزام دستوري .