إذا كانت عملية مجمع الدفاع الإجرامية ليست الأولى في سلسلة زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن، فلن تكون الأخيرة.وإذا كان الهدف في هذه المرة الشخصية السياسية الأولى للبلد فمن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة أيضاً. فالمؤشرات تدل على أن هناك من عقد العزم بألاَّ ينعم الوطن باستقرار ولا يهنأ للشعب عيش، إلا بعد أن تمضي كلمته ورؤاه على الجميع، وتستمر فترة الوصاية والحراسة على كل قرار سياسي يتعلق باليمن واليمنيين. من يريد أن يُحمِّل أطرافاً غير يمنية في كل ما يجري فاليكن وليدفن رأسه في الرمال، ولكن هذا لن يزيل الخطر ولن يعالج المشكلة ولا يجب أن يعنينا من قريب أو بعيد أي طرف خارجي وإن كان حقيقةً لا جدال فيها. من يعنينا هم أبناء جلدتنا؛ من يظنون أن مصالحهم تتقاطع مع هذه الأطراف، وأن مصالح اليمن مرتبطة في نظرهم على أقل تقدير ببقائهم مؤثرين على مصدر صناعة القرار في اليمن ولو بأي ثمن كان. المستفيدون من هذه الحادثة كثر ومتعددون بتعدد الإيحاءات التي أراد من يقف وراء تنفيذها بثها وإشاعتها قبيل وأثناء وبعد تنفيذ العملية بغرض التمويه والتشويش وطمس كل ما يمكن أن يحدد مصدر الجريمة. ولكن علينا الأخذ في الاعتبار بأن ليس كل مستفيد بقادرٍ على التنفيذ. و أكثر المستفيدين الذي هو في ذات الوقت أكثر المتضررين من سياسيات الرئيس هادي، هو فقط من نفذ هذه العملية وأخرجها بطريقة تبدوا وكأنها تحمل أكثر من بصمة بالاتفاق مع طرف أو أكثر من الأطراف السياسية الأخرى. وبدا المشهد وكأنهم اتفقوا على أن يقوموا مجتمعين بضرب الرئيس ضربةً واحدة لتتفرق سبل الاهتداء على الفاعلين ولتتفرق المسؤولية على الجميع. ولكن إذا تعددت الأشكال والألوان عند التنفيذ فالهدف واحد وهو التخلص من شخص الرئيس في هذه الفترة أو في أحسن الأحوال إيصال رسالة قوية له بعد سلسلة الرسائل التي لم تجدِ نفعاً معه. أما القول بأن القاعدة هي من نفذت العملية، وبدون إعارة إعلان المسؤولية عن ذلك و نفيه أي اهتمام، فيمكن القول بذلك فقط فيما يخص عملية التفجير للسيارة المفخخة بقلب المجمع، فهذه هي فقط البصمة الوحيدة للقاعدة وما عداها من بقية أجزاء العملية لا يخصها من قريب أو بعيد !. ولكن لماذا يُراد التخلص من الرئيس هادي؟...في تقديري الأسباب كثيرة ومتعددة أيضاً وكلٌ له أهدافه ومآربه، فهناك من يرى أن النجاح النسبي "النظري" لمؤتمر الحوار الوطني وما تم التوصل إليه من نتائج لا يجب أن تمر ولو نظرياً. سواءً كان ذلك متعلقاً باللغط الذي يدور حول مواد دستورية تتعلق بالشريعة الاسلامية، أو بموضع الدولة المركزية والفدرالية وعدد الأقاليم. أو سواءً بقررات متعلقة بالعزل السياسي، أو بالفترة التي يجب أن تشملها ما يعرف بالعدالة الانتقالية وغيرها من نقاط الاختلاف. ومن خلف ذلك كله رغبة الوصاية الإقليمية المتحالفة مع بعض القوى اليمنية في استمرار بقاء هذه الوصاية وعدم خروج القرار السياسي لليمن عن طوعها أو يكون بعيدٍ عن مؤثراتها. والتي هي الأخرى لم يعجبها كثيراً مما تمخض عنه هذا المؤتمر ولم تعجبها كثيراً من سياسيات الرئيس هادي. والأهم من ذلك ما ترتب على تلكؤ البعض في تنفيذ المبادرة الخليجية في بعض بنودها بغرض عرقلة التسوية السياسية وتعقيد الأمور فكان أن انقلب السحر على الساحر وكانت النتيجة الحتمية والطبيعية الاتفاق على استمرار حكم الرئيس ومنحه فترة زمنية إضافية يتم خلالها إنجاز ما لم يتم إنجازه من بنود المبادرة . هذا الاتفاق لم يعجب البعض، فالتمديد يعني على المدى القريب الانحسار التدريجي لرقعة مقومات الفوز ونضوب فرص التأييد الشعبي لمن يرغب في الترشح لهذا المنصب حسب ما نصت عليه المبادرة وآليتها التنفيذية المزمنة في موعد الذي حددته. كما لا يجب أن ننسى أن هناك من أزعجته القرارات المتعلقة بهيكلة الجيش وسببت الفقد للكثير من المصالح ولم تكن ليتوقعها البعض من الرئيس هادي مطلقاً. وأيضاً هناك من لم ترق له سياسة الرئيس هادي ولا طريقة تعاملة ربما حتى على المستوى الشخصي فحسب خلال السنتين الماضيتين. كما أن خلط الأوراق ودخول البلد في فراغ سياسي يخدم توجهات البعض فلا يوجد ما قد يخسرونه في هذا الفراغ بل ستكون فرصهم على السيطرة على مناطقهم وترسيخ نفوذهم فيها ستكون أكبر يتساوى في ذلك من يحكم صعدة ومن يظن نفسه وصياً على المناطق الجنوبية. مع الأخذ بعين الاعتبار مرة أخرى بأن ليس كل مستفيد بقادرٍ على تنفيذ هكذا عملية. ما أعرفه أن كل هؤلاء لا يبحثون عن مصالح البلد ولا يلهثون إلا وراء مصالحهم فقط، و بما أن جميعهم يريدون التخلص من الرئيس هادي أو يرون في غيابه أو تغييبه أو تركيعه وتدجينه ما يحقق مآربهم، فهذا يعني أنه مضى في الطريق الصحيحة ونتمنى أن يستمر في المضي فيها. وعليه أن يعي بأن محاولات تطويع سياسات اليمن في اتجاه تجهيل وتركيع شعبها واستغلال مواردها ستستمر معه ومع غيره ممن قد يحكم اليمن. إلا أن التاريخ سيسجل بذاكرته التي لا تنسى أولئك الزعماء الذين يمضون فيما يجب أن يُمضى فيه من تحقيق ما يصبو إليه الشعب من تقدم وعيشٍ كريم ولو كان الثمن تقديم أغلى ما يملكون وبذلك تخلد ذكراهم في أنصح الصفحات. مع العلم بأن ما يطمح إليه شعبنا اليمني في هذه الآونة ليس ذلك المستوى من التقدم والعيش الكريم المأمول لأي شعب. فأقصى ما يمكن أن يطمح إليه في هذه الآونة هو الاستقرار السياسي والأمني فقط ولا أظن ذلك كثيراً عليه، أو لا يستحقه. ولأن حلفاء الأمس خصوم اليوم ستجمعهم المصالح حتماً ، فلن يدخروا طريقة أو وسيلة للقضاء على كل من يقف أمامهم ويهدد مصالحهم. خصوصاً وأن مكامن كثير من القوة مازالت بيدهم وفي ذات الوقت هم لا يرقبون في هذا الشعب إلاً ولا ذمة، فمن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة.