وأنت تشهد فرق الموت وكتائب الآخرة تذبح وتنحر تحت ألوية الشعارات الجهادية المتعددة والدعوات التخديرية الفتاكة والمتنوعة في غير مكان من وطنك الحبيب، لا تذهب بعيداً في حبك خيوط المؤامرة- فقط فتش كيف يجري تفخيخ عقول النشء قبل قلوبهم.. فتش عن الجاني الأصلي والمشارك في دفة الأسانيد والمتون الدينية البيِنة والانغماسية، وثائق الهرطقة التأسيسية، المطويات والوصايا الدعوية القاتلة، فتاوى ومواعظ المرجعيات والمحدثين السُمية، منابر التعبئة والتحريض الحاضة على الكراهية والعنف وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح .. فتش في المناهج الملغومة وفي خدمات وكلاء الحجز والتوصيل إلى مقاعد الجِنان.. ثم فتش- بالمقابل- في الدور الرقابي والحمائي والوقائي للحكومة والفرد والمجتمع؛ مخرجات مؤسسات التنشئة والتربية والإرشاد ووسائل التوعية والإعلام والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني! ليس البشر وحدهم من يقع ضحايا للتنشئة الدينية العُنفية، بل وأنت تشهد عدداً غير هيناً من حوادث سحق الكلاب على جنبات الشوارع على الدوام؛ وقائع العدوان عليها وعلى صغارها من قبل أطفال و شبان في أزقة المدن ومشاهد جروحها وإعاقتها الجارحة للضمير.. لا تنسى- أبداً- أن تفتش في تركة التربية الدينية وموجهوها وما ألفًته من نظرة كراهية وازدراء ومقت تجاه الكلب، شكلت- بمعية عوامل أخرى- موقفاً مجتمعياً عدائياً وظالماً تجاهه.. ناهيك عن أن الاحتفاء بقصة المرأة التي سقت الكلب فقدت تأثيرها-كما يبدو- في معمعة التشديد والوعيد من نجاسته وعدم جدواه! و يظل أخطر ما في التنشئة الدينية الانعزالية أن مختلفي الأديان والمذاهب والطوائف والفرق يكتسب كل واحد منهم أيديولوجيته ومعتقداته من قناة ومنهاج خاص به وبمعزل عن المشترك الإنساني، ويدعي كل واحد على حده الأحقية والاصطفاء لنفسه عبر نفي صدقية وصحة الآخر، بغض النظر عن درجة الافتراق والالتقاء، ولا يحيطون علماً بأدبيات الآخر المختلف الذي يُنصب تجاهه العداء تحت مزاعم شتى فقط لأنه مختلف أو مُخالف، لتترسخ الكراهية والعداء، وتتشكل على هذه الخلفية المريحة مصالح سياسية واقتصادية تتصارع فيما بينها لتولد طاقة عنف مدمرة تنتج انقسامات اجتماعية افقية ورأسية وصراعات تاريخية لا نهاية لها تضاعف من محنة الفساد والفقر والكوارث.