في الحكومة اليمنية الجديدة التي تم اعلانها مؤخرا تم توزير خمس نساء لشغل خمس حقائب وزارية، سيقول البعض ان هذا يبشر بالخير الكثير وتحسن جيد لوضع المرأة اليمنية لكن الحقيقة ان صناع القرار قصدوا بذلك فقط كسب تأييد دولي لهذه الحكومة وهم يعلمون انها ربما لن تتمكن من ممارسة اي فعل، حتى لو تم الاتفاق عليها ستظل مجرد شكل ضعيف لا يمكنه ممارسة اي شكل من الحياة السياسية، الوضع يتدهور والخلافات مستمرة ولن تزول بسهولة. لا علينا نحن لسنا بصدد الحديث عن هذا الموضوع، ما يهمني هنا ان نتمعن قليلا في وضع المرأة ونظرة الاحزاب الدينية التي تشارك اليوم في السلطة او التي سبق وان كان لها سلطة ولعل ابرز هذه الاحزاب ما يسمى التجمع اليمني للإصلاح فرع الاخوان المسلمين في اليمن. الجميع يعلم ان اليمن بلد يتسم بالصبغة الذكورية القاسية ويسمي المرأة (حرمة وعار) وغير ذلك من المسميات التي تدل على التحفظ الكبير لمجرد ظهور وجهها أو صوتها تكون ناشز وخارجة عن العرف، فتجد الكثير من المثقفات والكاتبات رغم ممارسة الكتابة وانواع الابداع الا ان الكثيرات يحتفظن بالبرقع ويتحفظن على الظهور الاعلامي صوتا او صورة كون ذلك قد يسبب الكثير من المشاكل. عندما تدخل الى مدرج او باحة اي جامعة يمنية مثلا تجد الطالبات مكللات بالسواد والعلاقات مع الطلبة الذكور محدودة للغاية. توجد في اليمن بعض المؤسسات التي تهتم بشئون المرأة مثل اتحاد النساء ومؤسسات رسمية لكنها شكلية فارغة لا تعمل او تعمل في نطاق ضيق للغاية. و بالنسبة للمؤسسات المدنية والمستقلة البعض يستخدم مسالة حقوق المرأة كتجارة رابحة للحصول على دعم المؤسسات الغربية والمنظمات الدولية. قليلة جدا هي المنظمات المدنية اليمنية التي تعمل بصدق والبعض يستثمر قضية المرأة للحصول على الاوسمة والتكريمات من المنظمات الدولية. يظل العمل للجهات الصادقة قليل ومحدود للغاية يتركز في العاصمة فقط وقد يصل الى بعض عواصمالمحافظات. ما تزال اغلب هذه المؤسسات اعني الجادة قليلة الخبرة والتأثير وتواجه بعضها مصاعب قاسية رغم وجود دعم اجنبي، لنأخذ مثلا ملتقى المرأة بقيادة سعاد القدسي لها مصادر كثيرة للدعم ولها انشطتها الجيدة لكن التأثير لا يصل الا الى فئة بسيطة. حزب الاصلاح الديني له منذ سنوات كثيرة ثقل في البرلمان ورغم ذلك رفض قانون تحديد سن الزواج والحد من زواج القاصرات، لهذا الحزب قنواته الاعلامية المتعددة تجد فيها تغني بحقوق المرأة واشادة بدورها وضرورة دعمها لكنه خلال تواجده في مصدر القرار لم يقم بتمرير او اقتراح اي قانون يساهم في رفع الظلم والذل عن المرأة. لا توجد قوانين جنائية مثلا تجرم قتل النساء ونادرا ما يتم الاقتصاص من قاتل المرأة خصوصا الجرائم التي يقال انها من اجل غسل العار والشرف فاغلبها لا تصل الى المحاكم. في اليمن بوسع احدهم قتل ابنته بدم بارد ودفنها او حرقها لا احد يسال او يحقق في ذلك كأنها حيوان او متاع تم التخلص منه. نجد مثلا اعلام وقادة حزب الاصلاح وهم خطباء في الكثير من الجوامع المهمة عندما تستمع للخطابات الدينية تجد فيها الكثير من الاستحقار خصوصا الحديث عن المرأة فهي ملك زوجها وتحت طوعه. ليس عليها عصيانه عليها ان تخدمه وتلبي شهواته فتكون جميلة له وحده، يستدلون بحديث (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). يقولون ان الاسلام كرمها بالبقاء في بيتها ورعاية وطاعة زوجها وغيرها من الشعارات التي يتم تكرارها ويعتبرون ان الزوج عليه ان يصرف وينفق على زوجته ثم ينادون بضرورة ان تصبر الزوجة على فقر او بخل زوجها ان كان مقتر. و هكذا اغلب الخطابات الدينية تصب لصالح الرجل فمثلا لا احد يعاقب او يقف مع امرأة ظلمها اخوها او اخذ ميراثها او منع وعرقل زواجها فانت تجد الكثير من العوانس بسبب الاخ او الاخوة خوفهم من ان يطالب احدهم باي ميراث ان كان الاب غني يتم بتعمد حرمان نساء الاسرة من الزواج وهناك طبعا الزيجات بين الاهل الاقرباء جدا وزيجات لمجرد شركات تجارية. و اغلب هذه الزيجات تكون المرأة الشخص الوحيد المظلوم والمقهور، واما زواج القاصرات فحدث ولا حرج يجد مساندة كبار رجال الدين امثال عبدالمجيد الزنداني مثلا رئيس جامعة الايمان الدينية فهو كلما تقدم احدهم بل مجرد التفكير في سن قانون للحد من زواج القاصرات يثور الزنداني كبركان ويتحرك معه المئات من رجال الدين من مختلف الاتجاهات السلفية والشيعية والسنية. اغلب الاحزاب الدينية ليس لها برامج واضحة منشورة وليس لها موقف جاد وايجابي من المرأة ولا توجد نساء مثلا تم منحهن مناصب حزبية، احيانا للاستهلاك الاعلامي فقط وتحسين نظرة هذه الاحزاب خصوصا امام السفير الامريكي او الدول الغربية، نجد حضور خجول لنساء في بعض الفعاليات الاحتفالية للاحزاب الدينية وربما يتم اللقاء كلمة مختصرة تتحدث فيها امرأة لتصف الانجازات الكبيرة لحزبها في جانب حقوق المرأة او تكتب مقالا يتم نشره، لكن ارض الواقع يخالف تماما ما يتم نشره في الاعلام الورقي خاصة كون هذه الاحزاب تعلم ان انتشار الصحف الورقية محدود للغاية احسن صحيفة مثلا يمكن ان تطبع الف نسخة. اغلب هذه الاحزاب الدينية تعتمد على الاعلام السماعي وتستخدم المنابر الدينية لترويج خطاباتها العنصرية تجاه المرأة، عندما تستمع لخطباء من الاتجاه السلفي المتشدد تشعر بخطاب نازي بغيض مقزز عندما يتم تناول المرأة فيه. اغلب هذه الاحزاب الدينية تتفق في النظرة الدونية للمرأة تحديد نشاطها وخروجها تقليص حقوقها منح الرجل كامل الوصاية في التصرف فيها كمتاع وهم يخاطبون المرأة بضرورة السمع والطاعة والصبر ان كان الزوج قاسيا ولا يمنعون ضربها واهانتها معنويا وبدنيا. يختلف حزب الاصلاح في شيء واحد هو السماح للمرأة بالذهاب الى الانتخابات شرط ان يتم انتخاب افراد ينتمون للحزب، يمنحونها حق الانتخاب فقط ويحرمونها حق الشعور بكيوننتها كأنثى وكائن حي له شعور واحساس وروح. حاليا يأتي للسلطة حزب انصار الله ذو التوجه الشيعي وهذا الحزب المعروف بجماعة الحوثي لا توجد له اي ادبيات منشورة ورغم كثرة خطابات زعيمه عبدالملك الحوثي الا انه لم يتناول اي مرة حقوق المرأة ونظرة حزبه لهذه القضية، ولكن معروف جدا ان هذه الجماعة لها فكر قبلي متشدد مجرد ذكر المرأة يعتبر امر معيب ومخل. قد يتم الاتفاق السياسي ربما بين هذه الاحزاب الدينية وربما يتم تشكيل نظام حكم ديني مختلط وقد يستفرد الحوثي بالحكم المسائل والمتغيرات السياسية باليمن مرتبكة وقابلة لكل التحولات لكن جميع هذه الاحزاب الدينية متفقة تماما في تجميد اي دور مدني للمرأة والمحافظة على مكانة الرجل وسطوته. ان نحلم بوجود نظام سياسي مدني يؤمن ويعطي المرأة حقوقها الانسانية والمدنية والقانونية امر مستبعد تماما حتى الاحزاب التي لها توجهات قومية وعلمانية تحالفت مع التيارات الدينية للحصول على مكاسب سياسية فقط لكنها لم تقم بالتأثير ونشر فكرها المدني بل بالعكس اصيبت بنكسة وخواء فكري. *كاتب يمني مقيم في باريس