باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأشغال العامة.. وزارة قبيلة "حاشد"
90% من المقاولين الذين تصنفهم الوزارة درجة أولى من قبيلة "حاشد"
نشر في يمنات يوم 15 - 10 - 2012

نحن أمام جريمة فساد في وضح النهار: إرساء مناقصة عامة على شركة حازت المرتبة الثالثة واستبعاد أخرى حازت المرتبة الأولى وفقاً لمحاضر تحليل العطاءين: المالي والفني التي حصلت عليها صحيفة الأولى مؤيدة بقرارات الهيئة العليا للرقابة على المناقصات التي قضت، في 8/4/2012م، بإلغاء المناقصتين رقم (works-1/comp1&4/1/2010) وإعادة طرحهما من جديد كإجراء قانوني تتخذه الهيئة مع اي مناقصة مخالفة أو تشتبه في سلامة إجراءاتها. لكن يبدو أن قرارات هيئة الرقابة على المناقصات بحاجة ل"فيتامين سي" حتى تكون في المرة القادمة أقوى. كما إن مشروع "حماية تعز من الفيضانات" بحاجة إلى من يحميه هو أولاً قبل أن يحتمى به!
"تلك مشكلة دائمة الوقوع" يقول موظف حكومي في جهة رقابية مضيفاً: "إنها صارت بالنسبة لكثير من اليمنيين أمراً اعتيادياً كانقطاع التيار الكهربائي أو تجاوز إشارة المرور وجملة أخطاء يتعايش معها اليمنيون وكأنها قضاء وقدر.
وبينما كانت الآلات والدكاكات تشق الطرق "من المهرة لميدي ومن صعدة لسيئون" كان اليمنيون يزدادون تمزقاً وتشظياً كل يوم.
في كل وزارة أسماء محظوظة
على اية حال ليست كل قضايا الفساد بنفس حجم الضرر. فالفرق بين مناقصة بمعايير وضوابط دولية وأخرى بمعايير وضوابط محلية أن حجم الضرر في الأولى أكبر. بعبارة أخرى: إن فساد مشروع محلي مولته الحكومة اليمنية، وإن كان وصمة عار، يبقى "داخل البيت" ولا يلام عليه إلا مرتكبوه فقط، بينما فساد مشروع ممول من قرض أجنبي -أريق ماء وجه الحكومة اليمنية للحصول عليه- فيه إهانة لكل يمني وليس مرتكبوه فقط الملامين عليه. وهذا هو الفرق: إن شعباً بأكمله يوضع في القائمة السوداء بسبب فساد أشخاص.
من هنا تأتي أهمية هذه القضية. إن سمعة المؤسسة النقدية الأولى على مستوى العالم على المحك. ومن شماتة الأيام أن المؤسسة العالمية التي تقدم لحكومات العالم الثالث الإرشادات حول كيفية تحقيق تنمية مستدامة واستغلال أمثل للموارد، وترشيد الإنفاق العام، ومحاربة الرشوة والفساد المالي والإداري هي ذاتها اليوم بحاجة لمن يرشدها. باختصار: مكتب البنك الدولي في اليمن في ورطة لا يحسد عليها من اعتاد على التعامل مع حكومات العالم الثالث بشيء من الاستعلاء والأنفة. وعلى البنك استنقاذ سمعته أو الدفاع عنها إن كان لا يزال بوسعه تقديم مرافعة دفاع!
وتعليقاً على ذلك قال مسئول في الهيئة العليا للرقابة على المناقصات طلب عدم ذكر اسمه صباح أمس: "لا تخلو وزارة يمنية من قضية فساد مشابهة". ورداً على سؤالي ما إن كان الفساد قد انخفض إلى حد كبير بعد إنشاء الهيئة والعمل بقانون المناقصات بدلاً عن الشراء بالأمر المباشر قال: "لا يعدم النافذون في البلد طرق الاحتيال على القانون وتطويعه لصالحهم. على سبيل المثال أي مناقصة بأكثر من 150 مليون ريال لا بد أن توافق عليها اللجنة العليا للمناقصات وحتى وقت قريب كانت وزارت مثل الأشغال والكهرباء والاتصالات تحتال على اللجنة بتجزئتها إلى مناقصيتين أو أكثر بدلاً عن إعلان مناقصة واحدة كبيرة. يعني تعلن واحدة ب100 مليون وأخرى ب60 مليون وهكذا تتجنب المرور باللجنة العليا للمناقصات.
مفخرة علي عبدالله صالح الطرق والمقاولات. هذا هو مجده الشخصي: قطعة إسفلت. ولديه حق: لقد امتص مراكز القوى والمشائخ وكل المنافسين المحتملين وحوّلهم إلى مقاولين يلهثون في الوزارات وراء المستخلصات!
وزاد: "مثلاً بحسب تقرير وزارة الأشغال حول مشاريع إنارة الشوارع فقد أوكلت الثلاثة المشاريع الوحيدة المنفذة في محافظة صعدة عام 2010م لمؤسسة الأشول التي فازت بالأول وكان بقيمة كبيرة (510,383,000) فعرض على اللجنة العليا للمناقصات بحسب القانون وأقرته بينما كان الآخرين أحدهما ب43 مليون ريال تحت مسمى (ملحق عقد استكمال انارة بعض شوارع مدينة صعده) والآخر ب77 مليون وتحت مسمى مشابه (انارة بعض شوارع مدينة صعدة). والسؤال هنا: لم تدمج هاتين المناقصتين في مناقصة عامة كبيرة تخضع لضوابط أكثر صرامة. نفس الشيء في قطع غيار الكهرباء التي يفوز بمعظمها في السابق حسن جيد، نفس الشيء في وزارة الاتصالات مع شركة هاواي.. وهكذا في معظم الوزارات هناك أسماء تبدو محظوظة أكثر من غيرها. وحين سألته عن وزارة النفط انقبضت قسمات وجهه فجأة إلى درجة أشعرتني بنفاد الأوكسجين في الغرفة: "الأمر معقد" هكذا قال.
باستثناء مؤسسة بامسلم وأخرى فإن 90% من المقاولين المصنفين في الدرجة الأولى من الشمال فقط غالبيتهم من حاشد!
قبل خروجي قلت له إن سبب زيارتي رغبتي في التحقق من صحة الوثائق التي فردتها على مكتبه. هز رأسه بعد تفحصها لبرهة بالموافقة ثم أشار بكسلٍ نحو ملفات "بوكس" سوداء تحمل أسماء وزارات ومؤسسات حكومية وقال: "هذه كلها قضايا فساد وكثير منها في وزارة الأشغال المغرية كون تنفيذ أي مشروع طريق لا تقل قيمته عن مليار ريال". ثم أضاف مستدركاً بلهجة من يريد إنهاء المحادثة: "هناك عشرات القضايا ضبطناها لكن أحداً من كبار المسئولين لم يحل على إثرها إلى نيابة الأموال العامة. وكثيراً ما نقرر في الهيئة العليا للرقابة على المناقصات إلغاء مناقصة ما لعدم سلامات الإجراءات ووجود تلاعب واحتيال جليين فنلزم الوزارة المعنية بإعادة طرح المناقصة من جديد ثم نفاجأ بعد مدة أن الوزارة واللجنة العليا للمناقصات قد قاما مجدداً بإرساء المناقصة على نفس الشركة التي أقرينا قبلاً بطلان إرساءها عليها وهذا شيء محبط"!
ثم أسند ظهره على الكرسي الدوار وقال بنبرة المنتصرة حجته: "هذه القضية التي بين يديك مثال على ذلك".
وراء كل فساد في المنح والقروض.. "استشاري من البيت"
مطلع العام الفائت أعلنت وزارة الأشغال العامة عن ثلاث مناقصات دولية لمشروع التنمية الحضرية الشامل في تعز (الحماية من الفيضانات) بحوالي 9 مليون دولار يمولها البنك الدولي بنسبة 100%. وفي 13/2/2011 فتحت مظاريف الشركات المتنافسة غير إنه ونتيجة الاحتجاجات التي عمت البلاد وما ترتب عليها أعلن البنك، في مارس 2011، إغلاق مكتبه في اليمن وتعليق جميع مشاريعه -وهي بحوالي 800 مليون دولار- ولم يُرفع التعليق عنها إلا بعد توقيع المبادرة الخليجية. لكن وزارة الأشغال شرعت في يوليو بتحليل العطاءات مستغلة إغلاق مكتب البنك وحصلت في 15/8/2011م رغم عدم قانونية إجراءاتها على موافقة اللجنة العليا للمناقصات. اللجنة التي أنشأت لا لتقوم بدور المحلل الشرعي وإنما لتكون أشبه بفلتر لتنقية أي فساد أو شوائب في مناقصات الوزارات والمؤسسات الحكومية.
كان عطاءات الشركات المتنافسة كالتالي:
1- سهمان للتجارة والمقاولات بقيمة عطاء أو عرض سعر3 مليون و728 ألف دولار أمريكي.
2- مؤسسة التويتي بقيمة عطاء 3 مليون و881 ألف دولار أمريكي.
3- الوادي للمقاولات والهندسة بقيمة عطاء 3 مليون و978 ألف دولار أمريكي.
ورغم أن فارق السعر بين العطاء والثالث 236 ألف دولار (57 مليون ريال) إلا أن لجنة المناقصات في الوزارة، ومن بعدها اللجنة العليا لتحليل المناقصات، أرست العطاء على شركة الوادي دون أن يكون هناك اي خلل في المواصفات الفنية كما سيرد في رسائل الهيئة العليا للرقابة على المناقصات وحيثيات قراراها بإلغاء المناقصة في 8/4/2012م.
في رسالة موافقة اللجنة العليا للمناقصات بتاريخ 15/8/2011 على قرارات الإرساء المتخذة من قبل وزارة الأشغال ذكّر المهندس محمد الجنيد رئيس اللجنة الوزارة في الفقرة رقم 7 من الرسالة -التي تنشرها الأولى- بالالتزام بإشعار جميع الشركات المتقدمة بقرار الإرساء انسجاماً مع المادة رقم 22/ب من قانون المناقصات رقم 23 لعام 2007م. غير إن رئيس لجنة المناقصات ووكيل أول الوزارة د/عبدالملك الجولحي ومدير وحدة مشاريع الحماية من الفيضانات امتنعا عن إشعار الشركات بقرار الإرساء خطياً خشية أن تقوم الشركة الحائزة على المرتبة الأولى، بالطعن في اليوم التالي لدى الهيئة العليا للرقابة على المناقصات. ولهذا السبب، وكدليل إدانة إضافي، ماطلت الوزارة في إرسال رسالة الإشعار 4 أشهر لكسب الوقت. مطلع العام الجاري قدمت الشركة طعناً لدى الهيئة التي قررت في 22/1/2012 وقف إجراءات المناقصة وموافاتها بأولويات المناقصة والرد على الطعن.
في 1/2/2012م دافعت وزارة الأشغال في رسالة رسمية حملت إمضاء الوزير عمر الكرشمي عن سلامة إجراءات المناقصة مدعية أن الشركة التي تقدمت بأقل الأسعار "غير مؤهلة وغير مستجيبة". كان رسالة الوزارة ضرباً من المرافعات الفاشلة لمحامي يقدم أدلة إضافية لإدانة موكله. معظم ما ورد في رسالة الأشغال، كما سيرد لاحقاً، ملفق باستثناء معلومة واحدة صحيحة: أن من يحدد أي الشركات المتنافسة طابقت المواصفات الفنية ليس الوزارة وإنما الاستشاري الخاص بالمشروع. ولهذه قصة أخرى.
عُمر المباني في اليمن أقل من رُبع العمر الافتراضي للبناء المسلح بسبب التلاعب في المواصفات والجودة. في البناء يتم زيادة "النيسة" على "الكرِّي" لأن الأولى أرخص. وفي الطرق يتم زيادة "الكرِّي" على "الإسفلت" لأن الأولى أرخص فتسيرون على طرق مهلهلة!
اشترطت الدول المانحة في جميع التمويلات والقروض المقدمة للحكومة اليمنية، في إجراء احترازي للحد من الفساد، إعلان مناقصة دولية تنافسية لاختيار الاستشاري كمسئول عن إعداد القوائم الفنية وكراسة المواصفات بمعايير وضوابط دولية. ولأن الاستشاري هو صاحب الكلمة الفصل في المناقصة وهو القادر على تفصيل المواصفات على شركة بعينها أثناء إعداد الكراسة الفنية سارعت معظم البيوت التجارية الكبيرة في البلد وكبار الموظفين في الوزارات الحكومية إلى إنشاء مكاتبهم الاستشارية الخاصة بهم أو الحصول على توكيلات من شركات استشارية عالمية يديرها هندي أو لبناني أو أي مدير لا تربطه صلة ظاهرة بالمتقدم للفوز بمناقصة ما. حدث هذا في معظم الوزارات الحكومية وليس الاشغال فحسب وقد أفلحت الهيئة العليا للرقابة على المناقصات في إيقاف بعضها كمناقصة مشروع الحماية من الفيضانات التي بين أيدينا.
في رسالته إلى وزارة الأشغال يدحض رئيسها المهندس عبدالملك العرشي المبررات التي سوقتها وزارة الأشغال للدفاع عن إجراءات المناقصة. بحسب الرسالة "لوحظ المبالغة في المعيار الخاص بالسيولة النقدية 1.5 مليون دولار أي أكثر من 60% من قيمة العقد في حين أن السيولة المعقولة 15-20% فقط. ويضيف: "تشير جداول التحليل أنه تمت الترسية على شركة غير مستوفية لشروط التأهيل". إضافة إلى أن التحليل "المرفوع من قبل الاستشاري يفيد عدم تقديم البيانات والوثائق التي طلبت من الشاكي رغم أنه سلمها، بموجب صورة استلام، للمسئولين في الوزارة "ما يشير إلى عدم إطلاع الاستشاري على الوثائق أثناء التحليل".
وحتى لا يتم التلاعب عند التحليل الفني تتبع المناقصات الدولية عادة آلية تدريجية في تحليل العطاءات المقدمة من الشركات المتنافسة. فأولاً يتم المقارنة بين الشركات من حيث "الاستجابة لأولية لشروط المناقصة المعلنة" يلي ذلك "إجراء التحليل المالي والفني للعروض" ثم بعده يأتي "إجراء التأهيل اللاحق لأقل العطاءات المقدمة وإذا لم يتم التأهيل يتم الانتقال إلى العرض الذي يليه مباشرة وفقاً لوثائق المناقصة" لكن وبخلاف هذه الآلية المنصوص عليها من قبل البنك الدولي قامت الوزارة بدمج "معايير التأهيل اللاحق" بالمعيار الأول "الاستجابة الأولية للشروط" من أجل استبعاد أقل عطاءين تقدما في المناقصة في مخالفة واضحة لوثائق المناقصة وإجراءات البنك الدولي. وبموجب ذلك وغيره قررت الهيئة العليا للرقابة على المناقصات إلغاء المناقصة وإعادة طرحها في مناقصة عامة جديدة مع تعديل الوثيقة بما يتلاءم مع حجم وطبيعة المشروع ومتوسط السيولة النقدية كما قرر البنك الدولي الاستغناء عن الشركة الاستشارية الهندية السابقة لاشتباه تواطئها. كان هذا
في 8/4/2012م قررت الهيئة العليا للرقابة على المناقصات إلغاء المناقصة التي تم غرساها على شركة الوادي في 15/8/2011. أعيد طرح المناقصة من جديد وقبل شهر ونصف أعلنت لجنة المناقصات في وزارة الأشغال في 5/8/2012 إرساء المناقصة من جديد على نفس الشركة. يقول المسئول في هيئة الرقابة على المناقصات الذي طلب عدم ذكره بلهجة محبطة: "هذا ما حدث ويحدث في أكثر من مناقصة ووزارة. نخرجهم من الباب فيعودون من الطاقة". وإذا انطلت هذه الحيلة على البنك الدولي بمعاييره العالية فمن باب أولى أن تنطلي على اللجنة العليا على المناقصات وعلينا في هيئة الرقابة على المناقصات". ويستمر استنزاف المال العام.
إدارة البلد بعقلية صاحب "وينش" أو "بوكلين"
الأشغال في اليمن نفط آخر. يبدو الأمر مشجعاً. إن شق الكيلو الواحد يساوي بلغة البنك المركزي 70 إلى 80 مليون ريال في الطرق العادية (شاملاً الإسفلت وكافة الأعمال الإنشائية). ويتراوح في الطرق الجبلية بين 150 إلى 200 مليون ريال. مع وجود هامش ربح ضخم غير متوقع في حال طرأت أعمال إضافية أو تغييرية أو بحكم الخلل القائم في وزارة الأشغال في إدارتي الإشراف والتصنيف (أتناول ذلك في أعداد قادمة بشي من التفصيل مع يتطلع إليه المهندسون من إنصاف وما يطالب به المقاولون من الحد من ابتزازهم وأخير مستحقاتهم والشريحة العمالية الواسعة في هذا القطاع وغير ذلك)
اليمن على الدوام في أسفل قائمة الدول العربية في التنمية والصحة والتعليم والأمن الغذائي ووفيات الأطفال. واليمن هي ثاني دولة في العالم بعد أفغانستان من حيث سوء التغذية لكنها، من يصدق، ثاني دولة عربية بعد المملكة العربية السعودية في شيء واحد: الطرقات. لعقود أديرت البلد بعقلية صاحب "وينش" أو "بوكلين" سخر موارده لشق الجبال بذريعة وصل اليمنيين بعضهم البعض: "من المهرة لميدي" تذكرون هذه العبارة وتذكرون قائلها. و"من صعدة للغيظة" وبينما كانت الآلات والدكاكات تشق الطرق "من المهرة لميدي" كان اليمنيون يزدادون تمزقاً وتشظياً كل يوم.
مفخرة نظام علي عبد الله صالح إذن الطرق والمقاولات حتى أن صور الطرق المعبدة وسط الجبال الملتوية كانت جزء صميمياً من حملته في الانتخابات الرئاسية عام 2006م. هذا هو مجده الشخصي: قطعة إسفلت. ولديه حق: لقد استطاع امتصاص مراكز القوى والمشايخ وكل المنافسين المحتملين وحوّلهم إلى مقاولين يلهثون في الوزارات وراء المستخلصات! لكن السيئ أن الأمر لا يقتصر عليه وحده. ففي كل سنة يتباهى الإعلام الحكومي العبيط بالأعياد الوطنية بالطرقات بوصفها "منجزات الثورة والوحدة" وكأني بواحد وخمسين في المائة من الشعب تحت خط الفقر يقشرون إسفلت الطرقات ثم يتبادلون كرم الضيافة: خذ لك قضمة! والله لتاكل أنت أول!!
وقبل سنوات نشرت صحيفة الثورة اكتشاف القرن الواحد والعشرين: في عهد علي عبد الله صالح تم تشيد مدرسة كل يوم. اخفضوا رؤوسكم. أغلقوا النوافذ والهواتف النقالة. "مدرسة كل يوم"! لكن صحيفة البورة لم تتأكد ما إن كان في المدرسة معلمون أم لا، يجلسون على الأرض أم فوق الكراسي، لديهم حمامات نظيفة أم كتلك المقررة على جميع المدارس. ولماذا تبني وزارة التعليم مدرسة من 12 فصل ب120 مليون ريال ويبنيها الصندوق الاجتماعي للتنمية ب400 ألف دولار فقط وبجودة أعلى ألف مرة!
هكذا هو الإعلام الرسمي قبل وبعد الثورة مجتهداً في تأدية رسالته الإعلامية باعتباره بوقاً. ليس في وارد السؤال لم عُمر المباني في اليمن أقل من رُبع العمر الافتراضي للبناء المسلح؟ إن التلاعب بالمواصفات والجودة، وهما في صميم المقاولات في اليمن، يجعل عيوب المواد تظهر في الأبنية بعد 10 سنوات إن لم يكن أقل. في البناء يتم زيادة "النيسة" على "الكرِّي" لأن الأولى أرخص بينما في مشاريع الطرق يتم زيادة "الكرِّي" على "الإسفلت" لأن الأولى أرخص فتسيرون على طرق مشططة (فضلاً عن أن مادة الإسفلت نفسها لا يتم إخضاعها للفحوصات الاختبارية الكافية: من المصفاة للطريق!) وبينما لا توجد سماكة ثابتة للإسفلت في كل العالم كون ذلك يعتمد على الدراسات وحجم حركة السيارات ونوع التربة إلخ. في اليمن قاطع مقطوع: من 3 إلى 5 سنت وكل مقاول وقبيلته! وهذا ما يمكن إدراجه ضمن قصور الدراسات كخلل مركزي.
الوحدة ليست مشروع الطريق الدائري للجمهورية
دليل اهتمام الرئيس علي عبد الله صالح بالطرقات اهتماماً خاصاً موقع وزارة الأشغال ذاته الذي يحدث معلوماته أولاً بأول بحكم إعلانات المناقصات وعروضه الدورية للشركات غير إن الموقع لم يحدث معلومة واحدة فقط: ما يزال علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية في موقع الوزارة حتى اللحظة وليس عبدربه منصور هادي.
بحسب شهادة الموقع يعتبر علي عبدالله صالح مشروع طريق عمران– عدن من أهم المشاريع على الإطلاق. لماذا؟ لأنه طريق وحدوي والرئيس صالح وحدوي. مشروع الطريق الدائري للجمهورية أيضاً، وطوله 1800كم، طريق وحدوي. ذلك أنه يمر بحوف والغيضه فنشطون وسيحوت مروراً بالشحر والمكلا والنشمه فرضوم ثم أحور إلى شقرة فزنجبار ثم عدن فرأس العاره إلى باب المندب فالمخأ حتى الخوخة وصولاً إلى الحديدة وانتهاء بحرض. وهذه هي الوحدة.
صارت الطرقات في عهد صالح، بعبارة شعبية صنعانية، "لاوي ملْوى"حول الجمهورية. إن الطريق الدائري يمتد على طول الساحل الجنوبي للبحر العربي وخليج عدن وصولاً الى الساحل الغربي للبحر الأحمر وانتهاء بالحدود الشمالية والشمالية الشرقية لليمن. وأحمد الله أن الإعلام الحكومي لم يقل إنه رأس الرجاء الصالح الجديد. طريق صافر حضرموت أيضاً طريق وحدوي. لقد ربط مأرب بحضرموت بطول 309كم وتكلفة 6 مليار و294 مليون ريال فقط. لكن السؤال: لماذا إذن ذللت الجبل وقسى الإنسان؟ لماذا تقلصت عزلة اليمنيين على الأرض وزادت هوة واتساعاً في النفوس؟
بجملة واحدة: لأنه لم يكن هناك مشروع لبناء إنسان ودولة.
كان صالح ينظر إلى مقدرات الدولة وثراوتها باعتبارها غنيمة يتقاسمها مع من يستطيع الوصول اليه أو في وسعه إقلاقه أو يخشى منه. حتى أنه كان يوزع مشاريع الطريق كما لو أنها "عيدان قات" على المشائخ والأعيان وأبناء المنافسين الذين اصطدم معظم آباءهم بابراهيم الحمدي. وكان حصة الأسد من نصيب قبيلته حاشد. من حكم ويحكم ليس الوزراء والموظفون المسيرون وإنما من تكدست لديهم الثروات الطائلة. إن نظرة خاطفة على قائمة المقاولين المصنفين لدى وزارة الأشغال كدرجة أولى تكفي لمعرفة سبب سخط الجنوبيين وصدق شكواهم وألمهم.
يختلف تصنيف الوزارة للمقاولين بناء على اختلاف الأعمال: طرق/ بناء/ مجاري/ حفر آبار.. إلخ. وتشترط فيمن يرغب في تصنيفه كمقاول درجة أولى أن يكون لديه مكتب بكامل التجهيزات بمساحة 800 متر مربع, ومقدرته المالية 100 مليون. وخبرة إنجاز مشاريع سابقة ب200 مليون، وإنتاج سنوي في الخمس السنوات الاخيرة ب500 مليون وهذا ما لم يتح إلا لقلة قادرة على الوصول إلى دوائر صنع القرار. فلسنا في هولندا نحن في اليمن.
إلى جانب ذلك تشترط الوزارة أن يكون لدى المقاول قائمة ضخمة من المعدات بمئات الملايين، وبعضها التالي:
1- 5 خلاطات إسفلت
2- 5 كسارات
3- 10 دقاقات
4- 25 حرارات
5- 15 كمبريشنات
6- 10 دكاكات حديد 30 طن و8 طن.
7- 10 وايتات رش ماء
8- 5 قاطرات
9- 4 ونشات
10- 30 خلاطة خرسانية عادية
11- ورشة صيانة/ مختبر موقعي/ أجهزة مساحة
12- فريق هندسي ومساحي متكامل.. وغير ذلك.
مؤسستان أو ثلاث يملكهما جنوبي بينما تكاد يكون 90% من هذه القائمة من الشمال غالبيتهم من حاشد.
وهذا عيب نظام علي عبدالله صالح وسبب خروج الناس ثائرين عليه: التوزيع غير العادل للثروة وعدم تكافؤ الفرص بين سائر اليمنيين.
والأسوأ أن مشاريع الطرق حتى وقت قريب لم تكن تعلن في مناقصة تنافسية عامة وإنما بالأمر الفوقي المباشر إلى أن جاء المهندس عمر الكرشمي خلفاً للدفعي. الحق يقال. إن نقدي لوزير الأشغال على فساد مناقصة البنك الدولي الذي من المحتمل أن يكون بسبب اللوبيات الموجودة في الوزارة –حسب شهادة الكثير من المهندسين- لا يمنعني من الاعتراف أن له فضل إخضاع معظم مشاريع الطرق لقانون المناقصات إضافة إلى احتسابه بدل السفر والإشراف للمهندسين الذين كانوا في السابق يسافرون إلى المواقع على نفقة المقاولين فكيف وقتها نؤمل أن يكون المهندس رقيباً على المقاول وصرفة الأول على الأخير؟ محال. هذا وغيره نناقشه بشيء من التفصيل في أعداد قادمة.
عن: صحيفة الأولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.