أحمد سيف حاشد * عندما لا أخزن القات بسبب الطفر أو نحوه من الاسباب، أعيش حالة ضجر و توتر و عصبية في مواعيد القات نهارا، و يستمر حتى أعود إلى القات أو أقلع عنه بعد معاناة تستمر أياما متتالية .. عند النوم أعيش ليالي متواليات من صراع مخيف و محتدم مع الجاثوم .. كوابيس تصل بي إلى حافة الموت و مشارف الهلاك، أو هكذا أشعر .. عالم من الرعب و الهلع و الشلل المخيف .. أشعر و كأنني أعيش أهوال يوم القيامة .. أظن أن الدول التي صنفت القات ضمن الممنوعات كانت محقة إلى حد بعيد.. * إن أشد ما أعانيه عند انقطاع القات، الكوابيس و الضجر و التوتر و العصبية .. إنها تحكي حالة إدمان بوجه ما، و إن كنت أصنف نفسي فيما دونها، و لم أكن أتوقع يوما أنني سأصل إليها .. حاولت مقاومة الكوابيس عندما أجدها تداهمني، و أكون في حالة نصف يقظة، و ذلك من خلال حالة أخرى في سياق مختلف، و على نحو اعتراضي، بحيث تخرجني إلى عالم مختلف عن عالم الكوابيس .. إنها حالة تحضير الأرواح التي قرأت عنها من قبل، و حاولت في يوما ما تطبيقها و كدت أجن .. و قد وجدتها في بعض الأحيان لا كلها تنجح في إخراجي من عالم الكوابيس المرعب إلى عالم أخف وطأة.. * نصحني أحدهم بشرب الماء عندما تأتي الكوابيس، لأن الماء يخفف من لزوجة الدم، و يجنبني ما هو أشد، فوجدت الماء لا يمنع من استمرار الكوابيس، و إن كان يخفف من شعوري بالشلل، ربما على نحو يصير أخف من ذي قبل.. * نصحني أحدهم بوضع قطعة حديد تحت رأسي، و أشار لي بوضع سكين، و نصحني آخر بوضع المسدس تحت رأسي حالما أنام، و لكن كلما حدث هو تبدل في الحالة .. صارت كوابيس مختلفة و غريبة، لم تخرجني من رعبي الذي أعيشه .. نصحني آخرون أن أقرأ ما تيسر من القرآن قبل النوم، و لكن حتى هذا لم ينقذني، و لم يخفف مما أنا فيه.. * صديقي نبيل الحسام هو من نصحني أن أضع "صندل" تحت رأسي عندما أنقطع عن القات، و أريد أن أنام لأتجنب الكوابيس .. نظرت إلى صندله ثم إلى جزمتي، و لأنه لا يوجد لدي "صندل"، لم أعرف هل "الجزمة" تقوم بالمهمة أم لا..!! * عند بداية دخولي إلى النوم داهمتني الكوابيس من كل اتجاه .. حالة رعب كادت تتحول إلى شلل .. حالة جعلتني أنهض و روحي تكاد تخرج من فمي، و أنفاسي تتصاعد، و صدري ينتفخ و ينكمش تحت وطأة من الهلع .. وجدت الأمر لا يستحمل تجربة "الجزمة" .. يجب البحث عن "صندل" كما قال صديقي نبيل .. إنها تجربة مجرِّب، و لا تتسع تلك اللحظة لتجريب ما هو محتمل أن يخيب.. * أخذت فردة "صندل" ابني فادي، و وضعتها تحت رأسي، و عليها غطاء من القماش .. و ملت نحو النوم، و غمرني النوم العميق .. نمت دون أن أشعر ما يعكر نومي .. قمت و أنا أتسأل: يا إلهي .. ما هي علاقة الحذاء بالكوابيس .. من الذي أكتشف هذا الأمر .. و كيف تم اكتشافه..؟ّ!!! فيما ابني قام يبحث عن صندله، و وجد فردة صندله مفقودة، و أعياه البحث عنها، و كاد لا يذهب إلى معهده، قبل أن أبلغه أن فردة صندله موجودة تحت رأسي، فيما كانت علامة الدهشة و الغرابة تبدو على وجوه من سمعني، و أنا أدل ابني على طريق فردة حذائه المفقودة.. * و في اليوم الثاني تكرر الأمر، و قمت أبحث عن "صندل" و لم أجد صندل ابني فادي .. و وجدت "صندل" أخرى، ظننتها فردة "صندل" ابني يُسري، و طويتها بالقماش، و نمت عليها، و ليلتها لم أغرق في النوم فقط، و لكن حلمت أحلام وردية جميلة لا تأتيني إلا نادرا.. * حلمت أنني أرقص و أنا لا أجيد الرقص نعم .. حلمت أنني أرقص رقصة تونسية نشطة و في غاية الروعة و الخفة و الجمال و من تراقصني كانت أجمل .. الحقيقة لا أدري أصل تلك الرقصة هل هي بالضبط تونسية أم مغربية أم تركية..!! و لكن الغريب أنني رقصتها على إيقاع دقة البرع .. و كان في الجوار القريب يرقصون البرع.. * و عندما استيقظت بعد نوم هنيء و أحلام سعيدة و وردية، أردت أن أعيد فردة الحذاء إلى صالة المكان، الذي أخذتها منه، و لكن تفاجأت إن فردة "الصندل" لم تكن لأبني، بل كانت فردة "صندل" "الحمام".. * إنه اكتشاف تم أيضا بالصدفة، و ذلك لمن يريد أحلام سعيدة .. أرأيتم إلى أين أوصلنا الإدمان على القات..؟!! لقد أوصلنا إلى أن نتوسد أحذية "الحمام" .. أوصلنا إلى ما لم يصله مدمن الخمر .. و لكن "علمائنا" المسلمين أو بعضهم أجازوا القات و حرموا "البيرة" بل و حرموا معها الغناء، و كرهوه حتى و نحن نتوسد الأحذية .. حرموا الرقص، و كسروا آلات العود و الموسيقى، و لم يبقوا لنا غير الحرب و رقصة البرع .. ما صرت أخشاه أن يأتي يوما و لم يعد لدينا حتّى أحذية نتوسدها أو نمشي بها..!! يتبع..