عادل الكمالي الشعوب ولّادة بالرجال العظماء، والمراحل التاريخية كفيلة بإبراز القادة والطفرات الكاريزمية لكل مرحلة. واليمن أنجبت قادة عظماء في كل المجالات، سواء في مجال الفكر الفلسفي، والإعلام الديني، والطفرات العلمية، ورجال اللغة والأدب والشعر، ورواد السياسة، وقادة الحركات الثورية، وفرسان التغيير… والحديث يطول في هذا الشأن. القائد سلطان السامعي شخصية جدلية، ومفكر ثائر، وسياسي محنّك، و"قِيل" جامع… ألممت كثيرًا بتاريخ هذا الرجل، وغصت في تفاصيل مضمونه، وفق تتبع مواقفه وأدواره وآرائه، وطريقة تعاطيه مع القضايا بمختلف تناقضاتها، ومراحل حياته، وتعاطيه مع مختلف التوجهات واختلاف الآراء والمكونات، وأين يضع نفسه، وكيف يوصل الآخر إلى ما يريد، بمهارة سياسية غاية في الدهاء، وأسلوب اجتماعي بالغ التواضع، وباحترافية دبلوماسية ثاقبة للغاية. بثقة الفارس الشجاع المعروف بعناده، وبقناعة الحُر الذي لا يضع حدودًا سياسية لحريته أبدًا، بصلابة الفولاذ… وهكذا عرفناه خلال مراحل حياته. سوف أوجز حديثي عن هذا الرجل الغزير بمناقب مساره الذي يحتاج إلى مجلدات للإحاطة به، ولكن سأتناول سلطان السامعي الضابط، والاشتراكي، والسياسي، والجهادي. قد تكون لقاءاتي بالرجل نادرة ولا تتعدى أصابع اليد كلقاءات تبادل الحديث، إلا أنني تابعت وباهتمام كثير من الأحداث والمواقف خلال مرحلة 35 عامًا، وبالتحديد منذ العام 1990م، وعن قُرب. عرفته ضابطًا في البحث الجنائي بتعز، وكان مميزًا بهندامه العسكري، وبقوة شخصيته، وثقته بنفسه، وقدرته في فرض هيبته على مستوى مؤسسته الأمنية. كان الرجل حينها ينتمي تنظيمياً إلى الحزب الاشتراكي اليمني في مرحلة العمل السري قبل العام 1990م. ومع إعلان الوحدة اليمنية والتعددية السياسية وإطلاق حرية التعبير عن الرأي، وما تلا تلك المرحلة بعد الوحدة، وجد الشيخ سلطان السامعي متنفسه الذي من خلاله أسس مدرسة جديدة للنضال والتغيير ومقارعة الظلم، وكان مغامرًا سياسيًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ذاع صيت الرجل في وسط مدينة تعز التي كانت حينها مدينة التنوع الفكري، وحاضنة القادة، ومنطلق صنع النهج الجديد لدولة الوحدة اليمنية. أعتقد جازمًا أنه في عام 1991م قامت الدولة بمحاولة الضغط على هذا الرجل وفشلت في تطويعه، مما اضطر النظام إلى ارتكاب حماقة محاولة اغتياله في منطقة الهريش، وهو في سيارة جيب مطرّبلة. وكنت حينها في مكان الاستهداف عائدًا من الجامعة، حيث كنت في السنة الأولى جامعي. شاهدت الموقف، وكان مرعبًا ومخيفًا، إذ شاهدت وابلًا من الرصاص يُطلق على سيارة الشيخ سلطان ومرافقيه. ولا أعلم كيف كانت نجاته، حتى إن أحد الجنود المعتدين سقط قتيلاً، وعدد من جرحى رجال أمن الدولة أثناء تبادل المرافقين للنار معهم. تلك الحادثة كانت بداية المواجهة الشخصية بين الشيخ سلطان السامعي ورئيس الدولة حينها علي عبدالله صالح. ذاع اسم سلطان السامعي في أرجاء تعز، وأصبح حديث الساسة والأحرار، وتمت مطاردته في تلك الفترة، وحدث التفاف تضامني من بعض القوى الوطنية، باستثناء جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا يعدّونه أحد الأهداف في بنك أهدافهم. وبحنكة الثائر الحر، الذي وجّه إرادته لمقارعة الطغيان، التف حوله أحرار الوطن من كل مكان. فكانت إحدى رسائله لشخص الرئيس أولاً، ولحزبي السلطة ثانيًا، أن تقدم مرشحًا باسم الحزب الاشتراكي اليمني كنائب في البرلمان عام 1993م. وخاض منافسة مع حزبي السلطة، ونال شرف الفوز بنسبة 99%، وكان تحديًا غير مسبوق. صدح صوت السامعي في البرلمان بقوة في مواجهة الفساد، وحتى الدورة الثانية عام 1997، التي كانت صعبة لدى كل القوى الوطنية في ظل تحالف حزبي الرجعية (المؤتمر والإصلاح)، ومقاطعة الاشتراكي بعد حرب صيف 94. تقدّم الشيخ سلطان السامعي للترشح كمستقل، وكانت الضربة القاصمة والمدوية لحزبي السلطة، حيث حاز على فوز ساحق، وظهر اسمه في كروت الاقتراع في كل دوائر العاصمة، رغم أنه مرشح في دائرته بالصلو – تعز، والتي بلغت أصواته فيها ضعفي ما سبق. ازداد النائب والشيخ سلطان السامعي شرفًا ولمعانًا وحضورًا، وازداد ضراوة في مواجهة الظلم، وكان دائمًا نصيرًا لكل من يلجأ إليه من مختلف محافظات الجمهورية. سلطان السامعي صاحب القرار المستقل، الحر في الرأي، الوحدوي في التوجه، الوطني في الانتماء، المؤمن في اعتقاده، كوّن مساحة واسعة في قلوب الناس، واخترق وجدان ومشاعر العامة. سلطان السامعي الثائر ومشعل ثورة 11 فبراير 2011م في تعز، كان رمز الثورة في تعز، واحتشد حوله كل شباب المدينة، وكان قائدًا عظيمًا لثورة الشباب، واستمر وهج الثورة. وبعد أن انقضت عليها أحزاب المشترك والشعبي العام بقيادة الإخوان، وتصدّر حميد الأحمر وعلي محسن المشهد، واصل الشيخ سلطان السامعي مساره الثوري، الرافض للمبادرة الخليجية البديلة للثورة، وانحاز إلى جموع الشعب المطالبين باستمرارها، وانضم إلى ثوار احتجاجات واعتصامات المطار بالعاصمة، وكان أحد رواد ثورة 21 سبتمبر 2014م. كما أصبح أحد أعضاء المجلس السياسي الأعلى للجمهورية اليمنية، وخاض مضمار الجهاد في إطار المسيرة القرآنية، باعتبار هذا الخط هو الخط الوطني، خط السيادة، خط الحرية، خط الاستقلال، خط مواجهة كل الطغيان، في إطار ثورة السواد الأعظم من الأمة. وبكل قناعة وصدق وإيمان وثقة بعدالة الثورة وصدق التوجه، خاض مع رفاق دربه الجهادي المعركة العظمى خلف قائد الثورة العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – والتي استمرت عشر سنوات. وكان صوت هذا العملاق صادحًا في عنان السماء في مقارعة كل قوى الاستكبار. وها هو اليوم، هذا العملاق، هو ذلك الثائر الذي أطلق عنان حريته في صباه، وفعلاً ظل شامخًا، وعرّى كل تلك الأصوات التي عوَت بالوطنية، وناحت على الوحدة، وتحدّثت عن العدالة، وجميعها ذهبت لتقتات الارتزاق، مخلّفة العدوان على كل الشعب اليمني. ليبقى في هذا الوطن سلطان السامعي، الذي كان دائمًا يتهكم على نفاقهم وكذبهم. سلام الله عليك أيها القائد والشيخ الذي، تفخر به تعز وكل اليمن.