د. طاهر غازي في اليمن، لم يعد الفساد مجرد سلوك فردي أو تجاوزات محدودة، بل أصبح بنية متكاملة، تشرعن النهب وتغطي على اللصوص، وتحرم الدولة من أعمدة قيامها: الموارد العامة، النظام العام، والثقة المجتمعية. وقد جاءت شهادة محافظ البنك المركزي اليمني في عدن لتؤكد عمق الكارثة؛ حيث صرح بأن هناك أكثر من 147 جهة ومؤسسة حكومية لا تورد شيئا إلى خزينة البنك المركزي، ولا تخضع لأي رقابة مالية مركزية، ولا يعرف البنك كيف وأين تصرف إيراداتها. تخيل … مؤسسات حكومية تتصرف بأموال الشعب وكأنها ملك خاص، بعيدا عن أعين المؤسسات الرقابية، وذلك يعني أن الوطن مختطف من قبل مافيات محلية تتستر بالشرعية أو بالانتماء المناطقي أو الولاء السياسي. والأسوأ من ذلك، أن مجلس النواب نفسه، الجهة التشريعية والرقابية الأولى، يعترف بعجزه عن تفعيل لجان الرقابة، ليس لعجز قانوني، بل لأن الجهات المتنفذة في المحافظات رفضت حتى استقبال هذه اللجان، بل وتعرضت لها بالتهديد والاعتداء. كيف يمكن الحديث عن استقرار اقتصادي، أو حتى تحسين السعر الصرف، بينما خزائن الدولة مشرعة للصوص، وعائدات النفط والجمارك والضرائب تنهب في وضح النهار؟ الواقع يقول إن اليمن لا يعاني فقط من شح الموارد، بل من تسرب الموارد المتاحة إلى جيوب نافذين لا يخضعون للمحاسبة. والخلاصة.. لن تنهض اليمن طالما أن خزينتها تنهب من داخلها، ولن تبنى الدولة، لا شمالا ولا جنوبا، ما دامت أيدي اللصوص تعبث دون رادع. فالحرب الحقيقية لم تعد في الجبهات فقط، بل في كواليس المؤسسات، وفي تغييب الرقابة والمحاسبة. وكما قال نيلسون مانديلا، وكما يثبت الواقع اليمني اليوم: لا يمكن بناء وطن… وأيدي اللصوص ما تزال في خزينته. ولهذا، فإنه لا حل إلا باعتماد منهجية الحوكمة الرشيدة التي تقوم على الشفافية والمساءلة والمحاسبة، وأن تكون المؤسسات في خدمة المواطن، لا في خدمة النافذين، وأن تكون الخزينة العامة أداة تنمية، لا مغنما للفساد. إن بناء وطن حقيقي يبدأ حين تغل يد اللصوص، وتفعّل أدوات الرقابة، وتدار مؤسسات الدولة بكفاءة ونزاهة في إطار منظومة حكم رشيد، بعيدا عن هيمنة أطراف سياسية أو مناطقية، وحدها الحوكمة الرشيدة هي التي تحول الدولة من كيان هش ينهب، إلى وطن ينهض. وبغيرها لا دولة ولا مؤسسات… ولن نجد إلا المزيد من الانهيار