كتب/أبو نظمي منذ تشكل الجيش اليمني بصنوفه البرية والبحرية والجوية وإلى الآن لم يتشكل للمؤسسة الدفاعية مسرح عملياتي حقيقي وفق الأسس والأركان والمقومات التي يبنى ويتشكل وفقاً لها مسرح العمليات القتالي والتي منها التموضع وفق متطلبات حفظ السيادة الوطنية ومواقع ومنشآت مصادر الدخل القومي, وبناء عليه فقد خضعت المؤسسة الدفاعية في ظل الحكم السابق للتموضع وفق معايير تخدم طموحات رأس السلطة ونزعاته الساعية إلى استمرار حكمه أكبر فترة ممكنة يعمل من خلالها على التهيئة بقوة الضغط العسكري والإعلامي وشراء الولاءات المؤثرة في المجتمع لتوريث الحكم لنجله الذي عمل على إبرازه من خلال وضعه على أكبر تشكيل عسكري هو الحرس الجمهوري (سابقاً) قوات الاحتياط (حالياً) ذي التسليح المتفوق والتدريب المتقدم على باقي صنوف وتشكيلات المؤسسة الدفاعية.. الأمر الذي حول الجيش من مؤسسة وطنية إلى مؤسسة مملوكة لراس السلطة الذي حجم مسرح عملياتها من مسرح سيادي وطني إلى مسرح شخصي تحجمت جغرافيتهُ في صنعاء العاصمة مركز الحكم وما حولها التي شكلت بالنسبة لرأس الحكم كل السيادة عدا بعض التموضع العسكري حول المنشآت النفطية أو في المناطق التي تمثل بالنسبة له مصدر حس ثوري أو نزوع قتالي لا يقر أبناؤها بحق استئثاره بالحكم وتوريثه لنجله.. مسرح العمليات آنف الذكر بمحدودية جغرافيته وتجيير مهام قواته نتج عنه إهدار السيادة الوطنية باقتطاع جزء كبير منه لصالح الشقيقة الكبرى وبتواطؤ من النظام الذي فرط مقابل دعم الشقيقة لحكمه ومن ثم دعم التوريث الذي شكل لرأس السلطة هاجساً أوحد لابد من تحقيقه وإن كان على حساب السيادة وإفراغ الجيش من محتوى مهامه الوطنية بالإضافة إلى قتل العلاقة بين الجيش والشعب الذي أحس من خلال سلوك القادة وثقافتهم الولائية لرأس السلطة- بفعل الامتيازات الكبيرة التي يتمتعون بها- بأن الجيش لا يمثل تطلعاته وأحلامه المنشودة المتمثلة في حماية السيادة وتحقيق الأمن والاستقرار خصوصاً بعد توقيع اتفاقية الحدود مع السعودية عام 2000م التي استقطعت بموجبها السعودية أراضي نجران وعسير وجيزان حاضنة الثروات الباطنة منها والظاهرة ضداً للحق التاريخي المحفور في الذاكرة الجمعية لليمنيين.. وليس ذلك فحسب بل إن هاجس التوريث دفع برأس السلطة إلى إخضاع كثير من ألويته ووحداته لقيادات لا تمتلك أدنى مؤهلات القيادة العسكرية عدا كون هذا القائد أو ذاك ابن لهذا المركز القبلي أو ذاك تحييداً لنفوره وكسباً لولائه ودعمه لمشروع التوريث ما ترتب عليه ضعف الحس الوطني لدى المقاتلين والمتمثل بالولاء للوطن والشعب وتحوله إلى ولاء للحاكم الفرد الذي اتاح لهم بمقابل الولاء حرية التعامل داخل الوحدات وخارجها وفق اراداتهم النافذة بسلوك العنجهية الذي تشربوه من منهل نفوذهم أو نفوذ آبائهم القبلي القائم على استهجان الآخر واعتباره مجرد عبد عليه أن ينفذ ما يؤمر به بعيداً عن النظم والقوانين العسكرية التي غابت داخل الوحدات وحل بدلاً عنها توجيهات وأوامر قاتلة لاعتزاز الفرد بنفسه وانتمائه إلى مؤسسة الجيش بغية تطويعه وإسكاته عن المطالبة بحقوقه التي تضمنها له القوانين والتشريعات المنظمة للحياة العسكرية التي تتطلب الحفاظ على كرامة الفرد فيها والعمل على تعزيزها تحقيقاً للمبدأ الذي يقول "إذا سقطت الكرامة قبل المعركة فإنه لا يمكن لها أن تعود أثناءها". وبناءً على ما سبق قد يسأل القارئ سؤالاً مشروعاً فحواه: هل تمكن الجيش بعد ثورة 11 فبراير 2011م من تشكيل مسرح عملياتي وفقاً لأسس ومعايير وطنية دفاعية فرضتها السياسة الدفاعية للجمهورية اليمنية القائمة على حفظ السيادة وفق خارطة خالية من مؤثرات الطموح السياسي الحزبي لبعض القوى السياسية التي تمتلك تأثيراً كبيراً ومباشراً على مركز القرار السياسي والعسكري والاقتصادي في البلاد؟ سؤال سنحاول الإجابة عليه في الحلقة القادمة..