يدخل اليمن مرحلة حرجة وخطيرة من عدم الاستقرار، وإذا لم تصل الأحزاب إلى تسوية سياسية بشأن "الإعلان الدستوري"، وكيفية وآلية تشكيل المجلس الرئاسي والتأسيسي للمرحلة الانتقالية التي حددها إعلان الحوثيين الدستوري، ما لم، فاليمن ينزلق إلى صراع عنيف بين القوى السياسية، والمستفيد منه تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والتجهيزات التي يقوم بها موالون لحزب الإصلاح، في المناطق الشرقية في البلاد، تشير إلى أن الصراع هو أحد خيارات هذه القوى في بلد تنتشر فيه الفوضى والعنف، ويعاني من التدهور الاقتصادي، وترتفع نسبة الفقر فيه إلى ما يزيد عن 60%، ويشكل اللاعبون الخارجيون تأثيرات قوية على الصراع السياسي فيه. نشأ الخلاف بين الرئيس المستقيل هادي والحوثيين، حول مسودة الدستور بالنسبة للتقسيم الفيدرالي، وفشل مستشارو الرئيس هادي في التوصل الى تسوية مع الحوثيين، وذلك أشعل فتيل الأزمة، والاتفاق الذي وقع في أواخر يناير الماضي، بعد معركة سريعة وخاطفة مع ألوية الرئاسة. فقد أجحف الحوثيون في إعطاء مهلة الأسبوع للرئيس هادي لتنفيذ الاتفاق، ولكن تهديد الحوثيين بأن جميع الخيارات ستكون فوق الطاولة، أجبره على تقديم استقالته والحكومة بعد الاقتحام للرئاسة ومنزله، ما فاقم الأزمة السياسية. أصبح "الإعلان الدستوري" أمراً واقعاً على جميع القوى السياسية التحاور تحت مظلته، وهذا الرأي مفروض من قبل الحوثيين على الجميع، والدخول الى مرحلة انتقالية ثانية قوضت عمل الأممالمتحدة للمرحلة الانتقالية السابقة، التي اتسمت بعدم الاستقرار في عهد هادي، فإما تسوية سياسية أو حرب بين القوى السياسية وتمزيق الدولة، وخاصة بعد أن رفضت عدة محافظات الأوامر الصادرة من صنعاء، والتمسك بخيار الأقاليم، ومنها محافظات إقليمي سبأ والجند، وكل المحافظاتالجنوبية. الحوثيون لا يستطيعون إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد بمفردهم، فليس لديهم دعم دولي أو حتى محلي، وتنتظر قوى سياسية الانقضاض على الحوثيين في أقرب فرصة سانحة، وإسقاط إعلانهم. تسرع الحوثيون، ووضعوا أنفسهم على المحك في مواجهة قوى سياسية تستمد قرارها من الخارج، وفي مواجهة العزلة السياسية لليمن بعد مغادرة بعض بعثات سفارات الدول الكبرى، وإيقاف الدعم المالي لليمن من قبل الدول المانحة ودول الخليج، وبذلك يكون الوضع الاقتصادي مسماراً آخر في نعش الاستقرار. مع استمرار الوضع الهلامي للدولة، ومجريات الحوار بين القوى السياسية، ومواقف المجتمع الدولي، سيجد اليمنيون أنفسهم في مسار حرب طاحنة، سيما في ظل التحشيد المستمر في محافظة مأرب من عدة محافظات، من قبل قبائل موالية لحزب الإصلاح؛ الخصم التاريخي للحوثيين سياسيا ودينيا. وقد أعلن مؤخراً عن إنشاء معسكرات قبلية على عدة جبهات في مأرب، وتقسيم معسكرات القبائل على تشكيلات مشابهة لجيش منظم من قائد لواء الى كتائب وقادة سرايا، وإنشاء كتائب تدخل سريع، وعدة تشكيلات عسكرية لأكثر من 8 معسكرات قبلية ترابط في حدود المحافظة، وتحت إشراف قادة عسكريين محليين. لذلك، فإن اندلاع حرب في هذه المحافظة سيدخل اليمن في نفق مظلم من عجز الموازنة، وقلة الإيرادات المالية، لأن ما تؤمنه مأرب من إيرادات النفط هو المصدر الأول لموازنة الدولة، وتأتي بعده حقول نفط المسيلة بحضرموت. كل ذلك، ناهيك عن الفوضى الأمنية والمجتمعية المصاحبة لأي نزاع مسلح طويل المدى ورفيع المستوى. دخول تنظيم القاعدة إلى معسكرات قبائل مأرب، والانضمام إليهم، يشكل خطورة كبيرة على التركيبة الاجتماعية للمجتمع اليمني، وسيكسب التنظيم دعماً قبلياً وتضامناً أوسع. وتزداد خطورة الوضع بعد إعلان عناصر من تنظيم القاعدة في اليمن، مبايعتهم البغدادي، قائد تنظيم الدولة الإسلامية، بعد أن كشفت مصادر إعلامية خليجية، الأسابيع الماضية، عن اعتزام تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" إنشاء ولاية في اليمن، وأنه قام بإرسال المئات من المقاتلين لهذا الغرض. الحوثيون أدخلوا البلاد في أتون صراع يمكن أن يعصف بالبلاد كلها بسرعة أكبر من سرعة سقوط صنعاء بيدهم في 21 سبتمبر الماضي، كما أن تعنتهم وتعاملهم مع القوى الفاعلة سياسياً بمنطق المنتصر، سيضاعف أية فرص لسقوط البلاد من هاوية المرحلة الانتقالية إلى قاع الصراع المحلي والدولي. السعودية تحاول أن تحافظ على أمنها واستقرارها، لأن اليمن "صمام أمان المملكة"، باعتباره يملك أكبر شريط حدودي معها، وتكثر الأقلية الإسماعيلية الشيعية في جنوب السعودية، التي هي أيضاً على مقربة جدا من الحوثيين، وتخشى المملكة ظهور حركة مشابهة لحركة الحوثيين في اليمن أو امتداد لها. أوقفت السعودية مساعدتها المالية لليمن بسبب سيطرة الحوثيين، وكذلك دول الخليج ستوقف مساعداتها بعد أن رفضت إعلان الحوثيين. المساعدات السعودية لن تتوقف، ولكنها ستغير الخزانة التي تصب فيها، وربما تجد البديل في الحشود المستمرة لقتال الحوثي في محافظة النفط والغاز، وستسعى إلى إدخال اليمن في أتون طائفي على غرار ما فعلت في سوريا. في المقابل، تحاول إيران إحكام السيطرة على اليمن، والتمدد جغرافيا لوكلائها فيه، وهذا يضمن لها ورقة ضغط رابحة في المفاوضات النووية مع الدول العظمى، وإملاء شروطها بعد أن يحكم الحوثيون سيطرتهم على مضيق باب المندب، وتستطيع إيران التحكم في سياسة تجارة النفط الدولية لدول الخليج، وهي التي تملك مضيق هرمز، ويتواجد العديد من قطع الأسطول البحري الإيراني في خليج عدن والبحر الأحمر، استعداداً لأي تدخل خارجي ضد الحوثيين. الفقر والبطالة سبب رئيسي في استقطاب آلاف الشباب الى تنظيم القاعدة في اليمن، أو الانضواء تحت لواء الحوثيين، وسيستمر الصراع الطائفي برعاية الأحزاب والحركات الدينية الميالة للتيارات المتطرفة في اليمن. المرحلة لا تحتمل المزيد من المراهنات السياسية على الخارج لإنقاذ الوضع وإخراج البلاد من كماشة الحوثيين، فما يقتضيه الوضع على الجميع، مراجعة حساباتهم، والتفكير جيدا لتجنيب البلاد أي أسباب للحرب. أقدم الحوثيون على "الإعلان الدستوري" وهم واثقون من أنفسهم، وقد وضعوا أسوأ الاحتمالات حتى بالنسبة للتدخل الخارجي، لكن ضعف القوى السياسية والتخبط في صالات موفنبيك، زاد من ثقة الحوثيين لمواصلة ما أقدموا عليه، وسيكون للجنوبيين المرتبطين مع إيران دور بارز في الأيام القادمة، في صف الجماعة، ولن يرجع الحوثيون عن إعلانهم حتى وإن تعالت أصوات من داخل الحركة بالعودة إلى ما قبل الإعلان. ستكون نهاية المطاف إلى إعلان التحالف الحوثي المؤتمري مع تيارات القوى الجنوبية، وستخرج الأحزاب من اللعبة السياسية، وسيعود الدستور السابق إلى الخدمة.