لو كان ما شهدته مصر العربية فعلاً شبابياً أو ثورة شبابية صرفة لما كانت ساحاتها اليوم تشهد «ثورة في الثورة» تتصدر مطالبها اقالة الحكومة التي حمل الشباب رئيسها على الاعناق بعد انتصار ثورة يناير.. مصر تشهد اليوم ثورة في الثورة اندلعت شرارتها قبل اسبوع على موعد الانتخابات النيابية والبرلمانية.. وهذا امر ليس بالمفاجئ بل حدث متوقع لأنه وبعد الاستفادة من اندفاع وحماس الشباب الموجه بخبرة الكهول والشيوخ.. يصبح من الصعب التوفيق بين تطلعات الشباب وتوجهات الاخوان.. ونوايا السلفيين ورؤى القوميين واليساريين واليمينيين.. وما بيته أو اضمره العسكريون. استطيع القول: حتى وان نجحت ما اسميناها بثورة في الثورة في التوصل إلى تشكيل حكومة انقاذ وطني حسب مطالبهم.. فإنها ستكون على موعد مع ثورة ثالثة.. بدوافع وعوامل الثورة التي سبقتها.. أو الخروج الثاني إلى ميدان التحرير وبقية الساحات في القاهرة وغيرها من المدن المصرية.. إن من عوامل نجاح أي ثورة - كون النجاح ويقاس بالنتائج واستفادة الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة- ان تكون نابعة من منطلق فكري واحد أو متجانس، ايديولوجية واحدة، حتى وإن تعددت قواها وتنوعت لابد من وجود ارضية مشتركة يقف وينطلق منها الجميع.. ورؤى تلتقي عند نقطة واحدة.. بعيداً عن ركوب الموجات أو حتى التحالف المرحلي والتكتيك المبني على ما يستجد وما تطرأ من متغيرات حتى لا تأكل الثورة أبناءها وفقاً للمقولة الشهيرة النابعة من تجارب وشواهد عدة. الثورة ليست «الشعب يريد اسقاط النظام» ولا «الشعب يريد اسقاط المشير» كما سمعنا أو تم تصديره من ميدان التحرير القاهري في الخروج الأول والخروج الثاني.. بل عمل تسبقه الكلمة.. وينطلق مما أشرنا إليه حتى تكون الجماهير هي صاحبة المصلحة الحقيقية منه وليس النخبة القيادية. كان الله في عون اخواننا في مصر شبابهم وكهولهم.. وتياراتهم، وجنبهم الله أكل الثورة لأبنائها فما شممناه من روائح الدماء يبعث قلق من يحب على من يحب. اعتذر للكاتب الفرنسي روجيه دويريه لاستعارتي عنوان كتاب«ثورة في الثورة» عنواناً لعمودي هذا واترحم على روح ابن عمي عبدالله محمد الديلمي الذي زودني وأنا تلميذ في المرحلة الثانوية بمجموعة من الكتب منها الكتاب المشار إليه وغيره مثل «ثورة الطلاب في العالم» و«الاختبار الثوري في المغرب» للمهدي بن بركة.. وغيرها..