نَفَس بيب غوارديولا قصير.. فقبل أن تمضي اربع سنوات على تعيينه مدرباً لبرشلونة إستقال، على أمل أن يخلد لبعض الراحة بهدف إعادة شحن بطارياته على حد قوله "والمدرب يحتاج الى الشعور بأنه قوي لكي ينقل الحيوية الى لاعبيه".. وفور الإستقالة التي أعلنها يوم الجمعة الماضي راح الكثيرون يشرحون ويشرّحون أسبابها من دون أن يكتفوا بما قاله صاحب العلاقة بالذات.. تخمينات عدة ممكنة، والتخمين الوحيد الذي ينافي الموضوعية هو أنه استسلم لإغراء المال الوفير الذي "قد" يكون لوح به تشلسي أو الإتحاد الإنكليزي أو (…). أقليم كاتالونيا له حكومة مستقلة.. هو أشبه بجمهورية، مساحتها صغيرة (31 ألفاً و950 كم مربع) وتعدادها السكاني كبير (أكثر من 7 ملايين و500 ألف نسمة).. وللإقليم ناد ينتمي اليه معظم الكاتالونيين لأنه يمثل رمزاً لنضالهم ومعقلاً لطموحاتهم ومنهلاً لثقافتهم هو أف سي برشلونة.. في هذا النادي ترعرع غوارديولا، وشب، وانتزع الألقاب، وتألق في مركز صانع الألعاب، وصار شهيراً وقائداً للفريق وكذلك للمنتخب.. وبالتالي، لا يمكن لأحد أن يتصور أن غوارديولا سيضحك على ذقن أبناء جلدته الكاتالونيين لينضم بعد اسابيع قليلة الى هذا النادي أو الى ذاك المنتخب. يحتاج الى التخلص من سموم الإنهاك الفكري والبدني والنفسي والتوتر والتشنج التي لصقت بأوعيته الدموية يومياً وعلى مدى نحو أربع سنوات.. يبغي الإستفادة من إجازة السنة السابعة، فإذا ما اراد الإرتباط بجهة ما مستقبلاً فلن يتم ذلك قبل 12 شهراً.. إنه ملك كاتالونيا غير المتوج، وفي جيبه من المال ما يكفي أحفاد أحفاده، مع التذكير بما رواه بعض النقاد حول ال"شيك على بياض" الذي وضعته إدارة برشلونة تحت تصرفه لإقناعه بالبقاء مدرباً.. ومن يملك الملايين وهو ملك لا يقبل بأن يضاعف ثروته حتى يغدو منبوذاً. ولكل قدراته.. الإسكتلندي أليكس فيرغسون، مثلاً، يعيش يومياً ومنذ اكتوبر 1986 الى الساعة داخل فرن إسمه مانشستر يونايتد، وقاده حتى الساعة في 1443 مباراة.. والفرنسي أرسين فينغر دخل معمعة أرسنال منذ سبتمبر 1996 وقاده حتى الساعة في 900 مباراة.. ثبتا في مركزيهما وبقيت أعصاب كل منهما في ثلاجة. أما مجموع مباريات غوارديولا مع البرشا فهو 242 مباراة (175 فوزاً، 46 تعادلاً، 21 خسارة).. المباريات قليلة نسبياً ولكن الغلة هائلة.. قاد الفريق الى 13 لقباً محلياً وأوروبياً وعالمياً وجعله واحداً من أحلى الفرق في تاريخ اللعبة إذا لم يكن أحلاها على الإطلاق. تعيين تيتا فيلانوفا مدرباً للفريق خلفاً لغوارديولا خيار منطقي وذكي وطبيعي لأنه صديقه وكان مساعداً له وسيبقى وفياً لفلسفة "الفكر والأسلوب والكرة"، وهو الذي اقنعه بضرورة التحول في مباريات كثيرة من 4-3-3- الى 3-4-3.. وبالتالي، فإنها عملية انتقالية نموذجية.. ذهب بيب وبقي غوارديولا. برشلونة جديد مع تقني جيد ومربٍ ممتاز.. لعب مع فرق عدة وكان معظم الوقت إحتياطياً.. وكان طبيعياً أن يتحول بعد الإعتزال نحو إعداد اللاعبين الجدد.. محطته كانت "لا ماسيا"، ومن تلامذته ميسي وبيكيه وفابريغاس.. ثم جاء غوارديولا وعمل مع فريق برشلونة "باء"، وعندما صار مدرباً للفريق الأول مكان فرانك رايكارد اختار فيلانوفا مساعداً له فتوطدت العلاقة بينهما، وعاش غوارديولا بالذات فترة عصيبة عندما علم بأن فيلانوفا مصاب بورم في الغدة اللعابية وقد أجريت له عملية ناجحة في نوفمبر الماضي.. ويقال إن غوارديولا كان يتصل هاتفياً بمساعده الموجود في المستشفى عندما كانت الأمور تسوء في هذه المباراة أو تلك ولا سيما في الشق الدفاع ليستمزج رأيه. عرف الكثيرون بإسم فيلانوفا للمرة الأولى في مناسبة مباراة الإياب للكأس الإسبانية السوبر في 17 اغسطس الماضي حين وضع مدرب ريال مدريد جوزيه مورينيو أصبعه في عين فيلانوفا.. وما بين مدرب اسباني أمضى معظم وقته كلاعب على مقعد الإحتياطيين وبين مدرب برتغالي لم يكن لاعباً اساسياً ولا احتياطياً في اي فريق فإن صفحة جديدة فتحت.